ملخص
تشير استطلاعات حديثة إلى أن 42 في المئة من الروس يتوقعون تحسناً في الأوضاع الاقتصادية خلال 3 إلى 5 أعوام
شهدت روسيا خلال الأسابيع الماضية تصاعداً ملحوظاً في التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، إذ تداخلت أزمات اقتصادية واجتماعية مع استمرار الصراع العسكري في أوكرانيا، مما يضع القيادة الروسية أمام معادلة صعبة بين متابعة الحرب والحفاظ على استقرار الداخل.
وخلال الأسابيع الأخيرة، عانى المسافرون الروس تأخيرات جماعية وإلغاء رحلات عدة، عقب هجمات الطائرات المسيرة التي نفذتها القوات الأوكرانية ضد البنية التحتية الروسية، وتسبب هذا الهجوم في إغلاق ما يقارب 12 مطاراً داخل مناطق مختلفة، مما زاد من الضغط على المواطنين ومزودي الخدمات اللوجيستية.
على الصعيد الاقتصادي سجلت روسيا ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، كان الأبرز ارتفاع سعر البطاطا بنسبة 166 في المئة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ويرجع ذلك إلى ضعف المحصول الذي تأثر بصورة كبيرة بنقص العمالة الزراعية نتيجة تجنيد عدد كبير من الشباب في الجيش، أو انضمامهم إلى مصانع الدفاع.
وعلى الجبهة العسكرية يواصل الجيش الروسي هجومه الصيفي داخل شرق أوكرانيا محققاً تقدماً بطيئاً ومتفاوتاً في مناطق الصراع، إلا أن كلفة تلك العمليات تبقى عالية مع تسجيل موسكو خسائر يومية تجاوزت ألف قتيل وجريح، مما يعكس عنف المواجهات وتصاعد وتيرتها.
وقال البروفيسور مارك جاليوتي مؤلف كتاب "صياغة في الحرب: التاريخ العسكري لروسيا من بداياتها إلى اليوم"، والمتخصص في الشؤون الروسية في مقابلة مع صحيفة "التايمز"، إن الرئيس فلاديمير بوتين يضع في حسبانه دائماً الرأي العام الروسي عند صياغة سياساته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، على رغم غياب دلائل واضحة على مطالبة المجتمع بإنهاء الحرب حتى الآن. وأوضح أن الروس، حتى الآن، لم يروا الحرب تكلفهم ثمنها بصورة كاملة، ويرون أنها تصب في مصلحتهم. وأضاف جاليوتي أن الجانب الغربي وأوكرانيا فشلا في جعل كلفة الحرب على روسيا لا تحتمل، إذ إن كثيراً من الروس يرون أن المواجهة في صالحهم، مشيراً إلى أن بوتين يفضل الاعتماد على متطوعين يتلقون رواتب ومكافآت مغرية، بدلاً من التجنيد الإجباري الذي أثار استياءً في حروب ما بعد الحقبة السوفياتية.
إعادة توزيع اقتصادي داخل روسيا
وشرح جاليوتي أن المجندين الروس يتلقون مكافأة توقيع تصل إلى 1.5 مليون روبل (نحو 18.8 ألف دولار)، إضافة إلى رواتب شهرية تفوق ضعف المتوسط الوطني، وتقدم الدولة تعويضات سخية لعائلات القتلى تشمل معاشات تقاعدية وفرصاً تعليمية لأطفالهم، بهدف تعزيز الحوافز للانضمام إلى صفوف الجيش.
وأدى النزاع إلى تحولات اقتصادية داخلية غير متساوية، إذ يتركز غالب المجندين والضحايا في مناطق فقيرة مثل توفا وبورياتيا وداغستان، وفي المقابل شهدت تلك المناطق طفرة مالية بسبب تعويضات الحرب مما أدى إلى زيادة الودائع المصرفية، وارتفاع مستوى الإنفاق وازدهار بعض المشروعات العمرانية.
ويقول جاليوتي إنه على رغم العقوبات الغربية الشديدة استفادت بعض الصناعات المحلية من غياب المنافسين الأجانب، إذ ظهرت بدائل محلية لسلاسل مطاعم دولية وشركات عالمية انسحبت من السوق الروسية، وظلت الأجهزة الإلكترونية متوافرة بأسعار قريبة من السوق الرسمية، مما حدَّ من الإحساس بضغوط الحصار الاقتصادي.
وتشير استطلاعات حديثة إلى أن 42 في المئة من الروس يتوقعون تحسناً في الأوضاع الاقتصادية خلال ثلاثة إلى خمسة أعوام، مقابل 10 في المئة يرون أن الأوضاع ستزداد سوءاً. وتبرز هذه النتائج أهمية الرأي العام في التوازن السياسي الذي يسعى إليه الكرملين للحفاظ على استقراره.
وأنشأ رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين "مركز التنسيق الحكومي" الذي يجمع بيانات من مختلف المناطق الروسية، بما في ذلك مؤشرات الاستياء الشعبي، بهدف مراقبة الأوضاع الداخلية بدقة وتجنب موجات احتجاج قد تهدد النظام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال جاليوتي إنه على رغم الضغوط التي يمارسها القادة العسكريون لبدء تعبئة عامة، رفض بوتين هذه الخطوة خشية فقدان الدعم الشعبي، وهذا الرفض أدى إلى إبطاء الهجوم الصيفي في دونباس، وقلص قدرة روسيا على التوسع في جبهات أخرى، مما يعكس تعقيد موازين القوى على الأرض.
وخصصت الحكومة الروسية مبالغ مالية ضخمة لدعم المواطنين، من ضمنها برنامج الرهن العقاري المدعوم، والذي تتجاوز كلفته موازنة كاملة لقوة الشرطة الروسية، وتهدف تلك البرامج إلى تخفيف وطأة الحرب على المدنيين وتثبيت استقرارهم الاقتصادي.
وأظهر استطلاع حديث أن 61 في المئة من الروس يرغبون في محادثات سلام، إلا أنهم يرفضون أي اتفاق يراه بعض "سلاماً بأي ثمن"، بل يريدون "انتصاراً واقعياً". ويعتقد كثيرون منهم أنهم يحققون مكاسب ويطالبون أوكرانيا بقبول الخسارة، ما يبرز مدى تعقيد الموقف السياسي الداخلي.
التضخم وسعر الفائدة المرتفع
وأشار جاليوتي إلى أن الاقتصاد الروسي يواجه تحديات كبيرة على رغم مرونته النسبية، إذ يستمر البنك المركزي في رفع سعر الفائدة إلى 21 في المئة لكبح التضخم، مما يزيد صعوبة استثمارات الشركات ويبطئ النمو الاقتصادي المتوقع من أربعة في المئة إلى أقل من اثنين في المئة.
وعلّق جاليوتي على الوضع الاقتصادي بقوله "هذا النمو جيد لأي اقتصاد عادي، لكنه غير كاف لبوتين الذي يريد خوض الحرب وضمان راحة مواطنيه في الوقت ذاته"، وأدى ذلك إلى إلغاء معظم الدعم الحكومي لبرامج مثل الرهون العقارية. ونقل جاليوتي عن كبير المفاوضين الروس فلاديمير ميدينسكي قوله إن موسكو مستعدة للقتال "لعام أو عامين أو ثلاثة، طالما اقتضى الأمر". ويضيف أن بوتين مضطر إلى الحفاظ على توازن دقيق بين استمرار الحرب واستقرار الداخل، لأن فقدان هذا التوازن قد يؤدي إلى انهيار شعبي وسياسي.