Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعديل الوزاري في موريتانيا يعيد سؤال "المحاصصة" ويفتح جدل الكفاءة

أسئلة حول التباين بين المسارات المهنية للوزراء والحقائب الموكلة إليهم ومراقبون: إلهاء للحشود

الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني (أ ف ب)

ملخص

الآن بدأ حديث جديد عن معايير اختيار أعضاء الحكومة، وتكهنات باستمرار سياسة المحاصصة العرقية والقبلية والجهوية، وهو نهج يرى كثيرون أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وجميع من سبقوه لرئاسة البلاد اعتمدوه.

لم تمض أيام على بدء الحديث في الأوساط الإعلامية الموريتانية عن تعديل وزاري محتمل، حتى أعلنت الرئاسة الموريتانية يوم الجمعة الماضي تعديلاً جزئياً أدخل وجوهاً جديدة للتشكيلة الحكومية، وأعاد وجوهاً كانت قد خرجت سابقاً، وأبعد وزراء بعضهم كان يتولى حقائب سيادية ومهمة.

انتهى الحديث الإعلامي عن إمكان التعديل الذي أصبح واقعاً، بعد أن كان أحاديث وتوقعات في المواقع والصحف والمقاهي وصالونات السياسة التي تعج بها نواكشوط، فالموريتاني بطبعه لا يحب الحديث عن أي شيء حبه للحديث في السياسة.

الآن بدأ حديث جديد عن معايير اختيار أعضاء الحكومة، وتكهنات باستمرار سياسة المحاصصة العرقية والقبلية والجهوية، وهو نهج يرى كثيرون أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وجميع من سبقوه لرئاسة البلاد اعتمدوه.

واحد بواحد

أظهرت التعديلات الوزارية الأخيرة في موريتانيا، بحسب متابعين، استمرار وفاء النظام الحالي لسياسة المحاصصة، فبعد إقالة وزير الصحة محمد عبدالله ولد وديه أعلن تعيين وزير آخر ينتمي للحاضنة الاجتماعية نفسها، ولكن لوزارة أخرى هي الاقتصاد والتنمية، والحديث هنا عن الوزير الجديد عبدالله ولد الشيخ سيديا.

كما أعاد التعديل الناها بنت مكناس، أول وزيرة خارجية عربية أسندت إليها غالب الحقائب الوزارية في بلدها، بعد غياب قصير عن التشكيلة الحكومية، وزيرة للإسكان والعمران ممثلة لولايات الشمال، بعد الحديث عن غضبها أخيراً من نظام ولد الغزواني، مما دفع بعض المراقبين للشأن السياسي الموريتاني إلى اعتبارها بمثابة مغاضبة، إذ إنها قاطعت زيارة الرئيس الأخيرة للعاصمة الاقتصادية ومركز ثقلها السياسي التقليدي، وبتعينيها الآن ارتفع عدد الوزيرات في الحكومة الموريتانية إلى تسع، باحتساب مفوضة الأمن الغذائي والوزيرة المستشارة في الرئاسة الموريتانية.

واستبدل الوزير المختار ولد كاكيه بالوزيرة الجديدة مريم بنت بيجل ولد هميد، ابنة مقاطعته وحاضنته الاجتماعية، التي تنتمي لشريحة "الحراطين" (العبيد السابقين)، مما أسال حبراً كثيراً حول إمكان أن يكون تعيينها مرضاة لوالدها "بيجل" السياسي صاحب التجربة الإدارية الكبيرة في مختلف الأنظمة الموريتانية.

بحثاً عن الشرعية

في حديثه لـ"اندبندت عربية"، اعتبر رئيس حزب "موريتانيا إلى الأمام" نور الدين محمدو أن "المحاصصة السياسية القبلية الجهوية والشرائحية نهج معروف للأنظمة العسكرية، إذ تحتاج إليها من أجل تشريع إطالة مدة بقائها في السلطة واستغلالها انتخابياً عند كل سانحة".

ويضيف نور الدين "هذه الأنظمة العسكرية بديموقراطيات مغشوشة أو مجتزأة لم تصل أصلاً إلى السلطة بالانتخابات الشفافة المنبثقة عن تكافؤ فرص سياسية، وكان الأحرى أن تتقدم البرامج السياسية أو المقاربات الفكرية الناهضة التي يقتنع بها المواطنون، من دون الحاجة إلى تعيينات ومحاصصات استرضائية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الاتجاه ذاته، يرى الوزير السابق وعضو المكتب التنفيذي لحزب "العهد الديمقراطي" (تحت التأسيس) المعارض محمد جبريل أن سياسة المحاصصة ظاهرة "مشينة ومتجذرة"، موضحاً أن جذورها تعود لـ"الطريقة التي كان المستعمر الفرنسي يدير بها البلاد، ولم تحصل معها قطيعة إلى اليوم".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "بعد ظهور الحركات التحررية المناهضة للعبودية والاسترقاق فرض إدماجها في سياسة المحاصصة، لكن هشاشة المجتمع وضعف الوعي أسهما في تجذرها أكثر".

ويحذر جبريل من أن "استمرار الجهل وعدم الوعي سيجعل الأنظمة الحاكمة تستغل الوضع لتتقاسم ثروات البلد بينها"، معتبراً أنه "كلما ضعف النظام ورئيسه يزداد الضغط القبلي عليه، مما يسهم في انتشار الظاهرة أكثر فأكثر، ومؤكداً أن الحل يكمن في "ترسيخ مبدأ المحاسبة الشعبية للحكومات".

مفارقات حكومية

انتبه الموريتانيون إلى مفارقة غريبة وقعت بالصدفة، لكنها أضاءت موضوعاً قديماً جديداً في الوقت نفسه، هو التباين بين المسارات المهنية والتعليمية للوزراء والحقائب الوزارية التي يعهد إليهم بها، ففي آخر إفادة صحافية له تحدث سيدي أحمد ولد أبوه، الذي كان يشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية، عن موقف القانون الموريتاني من امتلاك رجال الأعمال للبنوك، وبعد أقل من مرور 24 ساعة من حديثه هذا ظهر اسمه في التشكيلة الحكومية الجديدة كوزير للزراعة بدل الاقتصاد والمالية.

كذلك غادر ابن ولاية الحوض الغربي وخبير المحيطات سيدي يحيى ولد شيخنا المرابط وزارة الشؤون الإسلامية، تاركاً مكانه لزميل له كان يشغل حقيبة الصيد البحري.

يرى سيدي محمد ولد بلعمش، وهو مدير أحد المواقع الإلكترونية، أن المحاصصة ليست مجرد تقاسم سياسي أو جهوي، بل تمتد لتأخذ بعداً قبلياً أيضاً، معللاً ذلك بمشاركة الحزبين المعتادين في الحكومة ("الإصلاح و"التحالف الديمقراطي" برئاسة وزير التعليم العالي يعقوب ولد أمين)، ودخول حزب اتحاد القوى الديمقراطية، وهو حزب أقوى من سابقيه ويمتلك 10 نواب في البرلمان، على الخط.

وبخلاف السياسي نور الدين، لا يرى بلعمش أن النظام يستمد شرعيته من هذه المحاصصة، معتقداً أنها تقوم أساساً على عناصر عدة، منها الديمقراطية الشكلية التي توفر له غطاء سياسياً، وانتماء الرئيس للمؤسسة العسكرية التي تمنحه سنداً قوياً، إضافة إلى الدعم الغربي الساعي إلى الحفاظ على استقرار البلاد التي يمتلك مصالح فيها.

ويرى رئيس المركز المغاربي للدراسات ديدي ولد السالك أن "النظام الحالي يسير على نهج نظام ولد الطائع في سياسة المحاصصة القبلية والجهوية"، مضيفاً أن "جميع الأنظمة العسكرية المتعاقبة في موريتانيا تتبع سياسة إلهاء الحشود، وما يحصل من تعديلات حكومية متكررة ليس إلا دليلاً على ذلك".

ويقلل ولد السالك من واقعية الحديث عن محاصصة شاملة قائلاً "موريتانيا تضم نحو 270 قبيلة، بينما لا يتجاوز عدد الوزراء 30 وزيراً، بالتالي لا يمكن القيام بمحاصصة تشمل الجميع"، واصفاً ما يجري بأنه "عملية تدوير في شكل ترضيات موقتة داخل حلقة مفرغة"، ومعتبراً المحاصصة في جوهرها "سياسة غبية ومدمرة للدول".

ويختم ولد السالك قائلاً "العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، لا التوازنات القبلية أو الجهوية، هي ما يضمن الانسجام بين المكونات الوطنية، ويخلق ديناميكية تنموية عادلة في مجالات التعليم والصحة والخدمات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير