Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"احتلال غزة" يعمق شرخا ثلاثيا في إسرائيل

تبدأ الخطة بتهجير سكان القطاع إلى الجنوب ثم تطويق المنطقة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية

أفادت دراسة حديثة بأن احتلال قطاع غزة من جديد سيكون باهظ التكلفة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية (أ ف ب)

 

 

ملخص

ستكون إسرائيل، بحال المضي قدماً في احتلال قطاع غزة، بموجب القانون الدولي ملزمة تحمل مسؤولية السكان المدنيين، أي أن توفر الخطط العسكرية حلولاً لسكان غزة. ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يؤمن لهم الطعام والخدمات الطبية والصحية، وبنية تحتية وحيزاً آمناً من تأثير القتال.

في وقت كشفت فيه وسائل إعلام إسرائيلية العثور على ضابط في الاحتياط منتحراً في شمال إسرائيل شارك في معارك بقطاع غزة خلال الأسابيع القليلة الماضية، يمضي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تأكيد خطاب متشدد يدفع نحو "الحسم العسكري الشامل" في قطاع غزة، غير مكترث بما يصدره الجيش يومياً من تصريحات إزاء ما يصفه بـ"الواقع المقلق" المتمثل بتزايد حالات الانتحار في صفوفه، خصوصاً بين قواته التي خدمت أو تخدم حالياً في القطاع، فالحرب المفتوحة منذ ما يقارب عامين تتحول اليوم إلى أطول حملة استنزاف في تاريخ الجيش الإسرائيلي، لا سيما أن جيشاً من المحللين السياسيين والعسكريين، يؤكد أن احتلال قطاع غزة يحمل في طياته تبعات بعيدة الأثر على دولة إسرائيل، بدءاً بالتبعات السياسية، مروراً بالتبعات الاقتصادية، وانتهاء بالتبعات الأمنية ومنها زيادة الأعباء على الجنود وتشكيلات الاحتياط.

ووفقاً لقادة عسكريين سابقين، فإن الحكومة الإسرائيلية غارقة في "متاهة غزة" ولا تنوي أن تنهي الحرب. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن تحقيقات للجيش الإسرائيلي أن 16 جندياً انتحروا، منذ بداية العام الحالي لظروف قتالية مرتبطة بالحرب، بل وعزا ذلك إلى المشاهد الصعبة التي تعرض لها الجنود، وفقدان الأصدقاء، وعدم القدرة على احتواء الأحداث. في حين كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن أن جناح إعادة التأهيل يعالج أكثر من 17 ألفاً من مصابي الحرب الحالية، من بينهم نحو 9 آلاف مصاب بإصابات نفسية.

وفي فجر الجمعة الثامن من أغسطس (آب) الجاري أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت" خطة نتنياهو لإعادة احتلال غزة بالكامل تبدأ بتهجير سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية. وفيما تتصاعد أصوات في المؤسسة العسكرية والاقتصادية محذرة من الانزلاق إلى مستنقع سياسي وأمني واقتصادي لا يمكن التحكم بتبعاته، أظهر استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية اليوم الجمعة، تخوف 69 في المئة من المواطنين في إسرائيل من أضرار اجتماعية واقتصادية شخصية وأمنية بسبب استمرار الحرب على غزة.

كلفة باهظة

وفي ظل انعدام الثقة بالقدرة السلسة على تحقيق أهداف هذه العملية بدأت الأصوات ترتفع في شأن الكلفة المادية المتوقعة، بخاصة أن "الكابينت" الإسرائيلي أقر توسيع الحرب واحتلال غزة من دون مناقشة الكلفة المالية إطلاقاً. وفيما ينهمك كثر في مناقشة مواقف دول العالم خصوصاً أوروبا كأحد العوائق أمام تنفيذ قرار "الكابينت"، أعد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة حديثة مفادها أن احتلال قطاع غزة من جديد سيكون باهظ الكلفة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية. وبحسب التقديرات، فإن إسرائيل ستضطر إلى إنفاق ما يراوح بين 16 و18 مليار شيكل سنوياً إذا قررت إعادة احتلال القطاع بالكامل، أي ما يعادل نحو 4.5 إلى 5 مليارات دولار سنوياً. وتشمل هذه الكلف نشر ثلاث إلى أربع فرق عسكرية ميدانية، وتأمين شبكة مواصلات، وتعزيز البنية التحتية الأمنية، إضافة إلى الأعباء غير المباشرة على الاقتصاد.

 

وفي حسابات القناة "12" في التلفزيون الإسرائيلي فإن الكلفة المتوقعة لتنفيذ العملية العسكرية التي قررها "الكابينت" إذا استمرت ثلاثة أشهر فقط لا تقل عن 45 مليار شيكل (13 مليار دولار) وتستند هذه الحسابات إلى واقع أن الكلفة الشهرية لجندي الاحتياط تبلغ 30 ألف شيكل (8 آلاف دولار) وتتحدث تقديرات عسكرية عن أن الجيش لن يستدعي أكثر من 250 ألف جندي استعداداً للعملية في غزة، تحسباً لأي طارئ في الجبهات الأخرى. مما يعني أن كلفة استدعاء هذا العدد من الاحتياط ستصل إلى 7.5 مليار شيكل شهرياً (2.1 مليار دولار). إلى جانب ذلك، هناك نفقات مرتبطة بكمية الذخائر والوقود والمساعدات والمدن الإنسانية للنازحين من مدينة غزة، التي تقدر جميعها بما بين 12 و15 مليار شيكل شهرياً (3.4 و4.3 مليار دولار) وهو ما يعني إضافة اثنين في المئة إلى العجز العام في الموازنة وإلى تقليص موازنة الدولة بما لا يقل عن سبعة في المئة.

ويمثل قرار "الكابينت" احتلال غزة إشكالية كبيرة خصوصاً في ضوء التأخير الحادث في صياغة مشروع الموازنة لعام 2026. وحذر مسؤولون في وزارة المالية الإسرائيلية من أن خطة الحكومة لاحتلال القطاع يمكن أن تؤدي إلى خفض جديد في التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى مستويات مماثلة لدول مثل بيرو وكازاخستان، خصوصاً في "ظل النهج الحالي الذي يكشف غياب الجدية لدى الحكومة في إدارة الاقتصاد أثناء أزمة أمنية". وبحسب التقديرات، فإن السيطرة على القطاع بأكمله، التي من المتوقع أن تستمر خمسة أشهر ونحو خمس فرق عسكرية، ستكلف أضعاف عملية "عربات جدعون" التي أثقلت كاهل دافعي الضرائب الإسرائيليين بنحو 25 مليار شيكل (7.2 مليار دولار) في غضون شهرين فقط.

عواقب خطرة

وفي غمرة ذلك كله، يرى إسرائيليون في قرار "الكابينت" زيادة كبيرة في العبء الضريبي عليهم، وتخفيضات في الخدمات الأساسية كالصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم، وزيادة العبء على جنود الاحتياط وعائلاتهم، وسط تزايد حالات انتحار الجنود، وارتفاع أصوات نخبة أمنية إسرائيلية واسعة تطالب بوقف فوري للحرب وإعادة المختطفين. وبحسب موقع "والا" الإسرائيلي، فقد وجه 80 مسؤولاً أمنياً في مطلع الشهر الجاري بينهم رؤساء سابقون في "الموساد" و"الشاباك" ورؤساء أركان، تحذيراً شديد اللهجة للحكومة والجمهور ومنظومة الأمن، أكدوا فيه أن "حرباً بلا هدف سياسي ستقود إلى الهزيمة" وأن الحرب الحالية هي "حرب تضليل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، حاغاي عميت، أن قرار الكابينت يعتبر "أحد القرارات الأكثر كلفة مالياً التي اتخذتها الحكومة في الحرب الحالية"، والتي قد تضيف حسب تحليله عبئاً اقتصادياً هائلاً سيتحمله الاقتصاد الإسرائيلي. في حين قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن احتلال كامل قطاع غزة "سيشكل ضربة جديدة للاقتصاد الإسرائيلي".

أكثر عدوانية

ولا تقف التحذيرات عند ذلك، فقد أوضح مصدر رفيع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لوسائل إعلام إسرائيلية أن "دخول غزة مجدداً لا يشبه الدخول إلى جنين أو نابلس، بل هو مستنقع عسكري وأمني من طراز مختلف تماماً". وبحسب الخطط العسكرية يتوقع أن تشارك أربع فرق عسكرية، ستبدأ بتطويق مدينة غزة وتهجير مليون مواطن، ثم تتقدم باتجاه الأحياء الغربية، ويلي ذلك معارك تبدأ بغارات جوية إسرائيلية على المدينة. ووفقاً لما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تلقت الألوية النظامية في الجيش الإسرائيلي تعليمات بالاستعداد لاحتمال شن اجتياح بري جديد في قطاع غزة، لا يتوقع أن يبدأ قبل حلول سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويقدر الجيش الإسرائيلي أن تنفيذ عملية عسكرية كهذه يتطلب استدعاء 100 ألف جندي من الاحتياط في الأقل، مما يعني خرق سقف أوامر استدعاء قوات الاحتياط الذي تقرر للعام الحالي. وحسب الجيش فإن عملية إخلاء 1.2 مليون مدني، التي يتوقع أن تستمر ما بين أسبوع و10 أيام، هي المسألة الأهم في خطة احتلال مدينة غزة. وبعد السيطرة العملياتية على المدينة، يتوقع أن يعمل الجيش الإسرائيلي أكثر من سنة كي يدمر البنية التحتية فوق وتحت الأرض.

ووفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" فقد رفض نتنياهو ووزراء الكابينت السياسي – الأمني خطتين عسكريتين في الأقل لاحتلال مدينة غزة واستمرار الحرب في القطاع، قدمهما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الذي طولب بتقديم خطة أخرى تشمل عمليات عسكرية أوسع وأكثر شدة. وبحسب تقديرات زامير العسكرية والميدانية، سيخسر الجيش عدداً كبيراً من الجنود، وأن "حماس" ستنتقل إلى أسلوب حرب العصابات، مستفيدة من الإرهاق الذي يعانيه الجنود بعد حرب طويلة، ومن نقص الآليات اللازمة لهدم الأبراج السكنية في مدينة غزة.

من جهتها أوضحت المدعية العامة العسكرية، يفعات تومر يروشالمي، لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية العواقب القانونية لاحتلال القطاع. وقالت في مداولات مغلقة إن عملية كهذه ستؤدي إلى سيطرة فعلية، وإنه بموجب القانون الدولي ستكون إسرائيل ملزمة تحمل مسؤولية السكان المدنيين، أي أن تضع الخطط العسكرية حلولاً لسكان غزة، ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يوفر لهم الطعام والخدمات الطبية والصحية، وبنية تحتية وحيزاً آمناً من تأثير القتال.

توترات داخلية

وفي ظل تآكل التأييد الدولي لإسرائيل، وتصاعد الصدامات بين المستويين الأمني والسياسي حول أخطار وتداعيات احتلال غزة، تشير مجمل المعطيات والتحليلات والدراسات الإسرائيلية إلى أن الحرب ماضية بما يريده السياسيون، عبر التضحية بمزيد من الجنود وربما بالمحتجزين، وسط تقديرات بتورط إسرائيل كلياً في حكم القطاع عسكرياً، مع كل تبعات ذلك.

ويرى محللون ومتخصصون أن خطة نتنياهو لاحتلال غزة لن تؤدي فقط إلى تفاقم عزلة إسرائيل وفتح الباب أمام تحقيقات دولية محتملة في المحكمة الجنائية الدولية، بل ستؤجج أيضاً توترات داخلية وتعمق الشرخ السياسي والاجتماعي. ويرى الكتاب الحقوقي الإسرائيلي ميخائيل سفاراد، في كتابه "الاحتلال من الداخل" الصادر أخيراً، أن "السيطرة الإسرائيلية المعادية للديمقراطية على ملايين الفلسطينيين طوال عشرات السنين هي أرضية خصبة لأيديولوجيا يهودية عنصرية تحولت إلى حاضنة للاستبداد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير