Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذهب الروسي في الأردن: بريق "زائف" لتخفيف أعباء الزواج

بين واقع اقتصادي ضاغط وثقافة اجتماعية متطلبة يجد العرسان الجدد أنفسهم في معركة غير متكافئة أمام ما يسميه الأردنيون "الملاذ الآمن"

تجاوز سعر الغرام الواحد من الذهب التقليدي الـ100 دولار مع توقعات بأن يلامس الـ130 دولاراً في الأردن (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

ملخص

الضائقة الاقتصادية تلقي بثقلها على عادات وتقاليد الزواج في الأردن، حيث ظهر نمط جديد من التفكير الاقتصادي لدى فئة الشباب الذي يفضل إنفاق الأموال على تأسيس منزل أو مشروع صغير بدلاً من استثمارها في الذهب التقليدي.

في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة يتجه عدد متزايد من الأردنيين المقبلين على الزواج إلى شراء ما يعرف بـ"الذهب الروسي" كخيار بديل عن الذهب التقليدي الذي تجاوز سعر الغرام منه حاجز الـ100 دولار ليصبح عبئاً مالياً يفوق قدرة كثر.
هذا التوجه الذي ينظر إليه كثر كخروج عن المألوف أو تقليل من قيمة "الشبكة" بات اليوم حلاً عملياً لتجنب كلف باهظة، لكنه في الوقت ذاته يفتح نقاشاً واسعاً حول مكانة الذهب في الثقافة المجتمعية الأردنية، وما إذا كان "الذهب الروسي" يهدد رمزاً متجذراً في طقوس الزواج أم يعكس فقط واقعاً اقتصادياً لا يمكن تجاهله.

إقبال كبير

يقول صاغة وعاملون في محال الذهب إن ثمة إقبالاً كبيراً على "الذهب الروسي" نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الحالية وعدم قدرة كثر على شراء الذهب، يضيف هؤلاء "الذهب الروسي" ليس معدناً ثميناً، بل هو اسم شائع لنوع من الأكسسوارات المعدنية المطلية بطبقة لامعة تشبه الذهب من حيث الشكل، لكنه لا يحوي أية قيمة استثمارية، إذ لا يتجاوز سعره 10 في المئة من قيمة الذهب الحقيقي.

يعمد البعض إلى شراء قطعة ذهب حقيقية واحدة، بينما يكون الباقي ذهباً روسياً، وتوسع تجار في بيعه بسبب الإقبال المرتفع عليه بخاصة في المحافظات.

أما نقابة الصاغة الأردنيين فحذرت بدورها من خلط الذهب الروسي بالذهب الحقيقي في بعض الأسواق، مما يشكل نوعاً من الغش.

ويعزو اقتصاديون إقبال الشباب الأردني على شراء الذهب الروسي إلى أسباب عدة من بينها الارتفاع التاريخي لأسعار الذهب الذي وصل في بعض الأسابيع إلى نحو 100 دولار، فيما يتوقع آخرون أن يصل مستقبلاً إلى 130 دولاراً للغرام الواحد.

وترافق هذا الصعود السريع مع تدهور القوة الشرائية للمواطن الأردني عموماً، بخاصة فئة الشباب المقبل على الزواج في ظل معدلات بطالة تجاوزت 24 في المئة.

ومع تحول الذهب الحقيقي إلى رفاهية لا يمكن تحمل كلفتها نما نمط جديد من التفكير الاقتصادي لدى فئة الشباب الذي يفضل إنفاق الأموال على تأسيس منزل أو مشروع صغير بدلاً من استثمارها في الذهب التقليدي.

رفض مجتمعي

لكن في المقابل ترى شريحة واسعة من العائلات في التخلي عن الذهب الحقيقي تقليلاً من قيمة العروس أو تقصيراً في حقها الاجتماعي والخشية من إعادة تعريف مفهوم "المهر" وتجهيز العروس التي ظلت ثابتة لأعوام وعقود بوصفها جزءاً من تراث الأردنيين في الأعراس، فضلاً عن تراجع هيمنة العادات والتقاليد في فرض الذهب كمعيار في مقابل زيادة الوعي بين الشباب بأهمية الاقتصاد على حساب المظاهر.

في السياق ذاته ثمة تحذيرات من تأثير هذه الظاهرة على تراجع الحركة في سوق المجوهرات المحلية وتحول الذهب من مخزون استثماري إلى سلعة ثانوية عند فئات الشباب، في مؤشر واضح إلى مدى استعداد المجتمع للتكيف مع متغيرات العصر.

ويوضح أحد العاملين في هذا المجال بالقول "من حيث المظهر الخارجي يبدو الذهب الروسي شبيهاً جداً بالذهب الحقيقي. ويجري صبُّه في القوالب نفسها المستخدمة للذهب الأصلي، مما يجعل من الصعب التمييز بينهما نظراً إلى مظهرهما البراق المتطابق، وتباع بعض قطع الذهب الروسي بكلفة زهيدة لا تتجاوز في أحسن الأحوال الـ100 دولار.

ويخضع عقد الزواج في الأردن وما يتضمنه من تفاصيل كالمهر لأحكام قانون الأحوال الشخصية باعتباره حقاً للزوجة، إذ إن أي اتفاق ينص على مقدار معين يكون ملزماً. في حين أن الترويج لمجوهرات مزيفة على أنها ذهب حقيقي يعد غشاً ويعاقب عليه وفق نص القانون.

وتداول الأردنيون مصطلح "الذهب الروسي" منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي بعد رواج تجارة الأكسسوارات، على رغم عدم استيراده من روسيا تحديداً وصناعته بصورة محلية في كثير من الأحيان، كما توضح نقابة تجار صناعة وصياغة الحلي والمجوهرات التي تتخذ موقفاً حاداً من هذه السلعة وتسميتها بالذهب لأسباب تجارية، في حين أنه ليس ذهباً ولا روسياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ملاذ آمن

بين واقع اقتصادي ضاغط وثقافة اجتماعية متطلبة يجد العرسان الجدد أنفسهم في معركة غير متكافئة أمام ما يسميه الأردنيون "الملاذ الآمن". فعلى وقع المخاوف من حدوث تدهور اقتصادي أو خفض قيمة الدينار، ثمة إقبال على شراء الذهب ومتابعة أسعاره يومياً باهتمام بالغ بغرض الادخار.

وعلى رغم ارتفاع سعره وتراجع الثقة ببعض أدوات الادخار التقليدية اتجه كثر من الأردنيين إلى اقتناء "الليرات الذهبية" على شحها وندرتها في السوق بوصفها الأكثر طلباً حالياً. ويقدر تجار أردنيون نسبة شراء الذهب محلياً بهدف الادخار بنحو 30 في المئة، بينما تذهب باقي عمليات الشراء للاقتناء والزواج.

في سياق متصل تدعو النقابة العامة للحلي والمجوهرات الأردنيين إلى عدم التعامل مع أي موقع أو صفحة إلكترونية لبيع الذهب الجديد والمستعمل مهما كانت وشراء الذهب من المحال المرخصة فحسب، وأن يكون الذهب مختوماً من مؤسسة المواصفات والمقاييس، ومهما كانت نوعيته.

ونصحت النقابة بعدم التعامل مع المحال التي تقدم عروضاً لكثرة الشكاوى عليها والضرر بالمواطن.

وترصد النقابة خفضاً بنسبة 50 في المئة من حيث الإقبال على شراء الذهب مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب ارتفاع أسعاره والتوترات الجيوسياسية في المنطقة.

ويقول عديد من تجار الذهب إنهم يحققون أرباحهم من خلال أجور الذهب أو ما يعرف بالمصنعية وليس من الذهب نفسه، لأن المواطن يشتري الذهب لغايات الادخار والاستثمار، ويعده سلعة نقدية، بينما يدفع التجار كلفاً إضافية مثل رسوم دمغة المواصفات والمقاييس وضريبة الدخل وبدل المصنعية للمستورد ورسوم جمركية.

يشار إلى أن عدد محال صياغة الحلي والمجوهرات في الأردن يبلغ قرابة 1000 محل موزعة في عموم المملكة، إضافة إلى 50 مصنعاً و200 مشغل، أما عدد العاملين فيبلغ نحو 10 آلاف عامل، موزعين على مختلف مراحل الإنتاج والتجارة.

ويسهم قطاع الذهب والحلي بنسبة 2.2 في المئة في الناتج المحلي الإجمال للأردن.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير