ملخص
لا يسبق الأردن سوى أوكرانيا وإسرائيل وإثيوبيا في أكثر الدول استفادة من المساعدات الأميركية، وقالت مصادر إن المدفوعات استؤنفت في مارس (آذار) الماضي لشركة "سي دي إم سميث" الأميركية التي كلفتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالإشراف على مشروع تحلية المياه ونقلها بين العقبة وعمّان بكلفة 6 مليارات دولار.
تلاشت فجأة ملايين الدولارات من المنح الأميركية لأكبر مشروع تحلية مياه في الأردن عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خفوضاً شاملة في المساعدات الخارجية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
غير أن محادثات أجرتها "رويترز" مع أكثر من 20 مصدراً في الأردن والولايات المتحدة كشفت عن أنه في غضون شهرين من ذلك التاريخ بدأ الدعم يعود مرة أخرى نتيجة للدبلوماسية التي يمكن القول إنها وضعت الأردن على أساس مالي أكثر صلابة مما كانت عليه قبل الخطوة الصادمة التي اتخذها ترمب لإعادة تشكيل المساعدات الخارجية العالمية في يناير 2025.
وأبلغت المصادر "رويترز" أن الأردن حصل على تأكيدات من واشنطن بأن الجزء الأكبر من التمويل الذي لا تقل قيمته عن 1.45 مليار دولار سنوياً لن يتأثر، ويشمل ذلك الدعم العسكري والدعم المباشر للموازنة، ولا يسبق الاردن سوى أوكرانيا وإسرائيل وإثيوبيا في أكثر الدول استفادة من المساعدات الأميركية.
وطلبت معظم المصادر، بما في ذلك مسؤولون أردنيون ودبلوماسيون ومسؤولون أمنيون إقليميون ومسؤولون أميركيون ومتعاقدون مشاركون في مشاريع تقوم على المساعدات الأميركية، عدم الكشف عن أسمائها بسبب مشاركتها في مناقشات دبلوماسية حساسة جارية.
وقالت أربعة مصادر منها إن المدفوعات استؤنفت في مارس (آذار) الماضي لشركة "سي دي إم سميث" الأميركية التي كلفتها "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" بالإشراف على مشروع تحلية المياه ونقلها بين العقبة وعمّان بكلفة 6 مليارات دولار، والذي يُنظر إليه على أنه مفتاح الاكتفاء الذاتي للمملكة القاحلة.
وتعتمد الولايات المتحدة منذ عقود على الأردن للمساعدة في تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط خلال أحداث منها حرب العراق والحرب على تنظيم "القاعدة" في المنطقة، كما يستضيف الأردن قوات أميركية بموجب معاهدة تسمح لها بالانتشار في قواعده، وتتعاون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن كثب مع أجهزة الاستخبارات الأردنية.
حماية التمويل
وعلى رغم أن مصادر عدة قالت إن كثيراً من المساعدات السنوية البالغة 430 مليون دولار لبرامج التنمية لا تزال مجمدة، مما يؤثر في مشاريع التعليم والصحة، فإن طالبة الدكتوراه في "جامعة هارفارد" التي تدرس المساعدات الأميركية والمشهد السياسي في الأردن، مولي هيكي، قالت إن هذه المجالات ينظر إليها على أنها أقل أهمية من الناحية الإستراتيجية، مضيفة أن "ترمب قام بحماية التمويل الذي يعتبر بالغ الأهمية لاستقرار الأردن، بخاصة الدفاع والمياه والدعم المباشر للموازنة"، ومشيرة إلى اتصالات مع مسؤولين أميركيين تعزز النتائج التي توصلت إليها "رويترز".
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس أن المساعدات العسكرية الأردنية لم تمس، واصفاً الأردن بأنه شريك قوي للولايات المتحدة وله دور حاسم في الأمن الإقليمي، وقال المتحدث إن قراراً اُتخذ الآن بمواصلة تقديم التمويل العسكري الأجنبي لجميع المستفيدين، بعد أن أكمل وزير الخارجية ماركو روبيو مراجعته للمساعدات الخارجية التي تمنحها الدولة و"الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ولم يسبق إعلان هذه التطمينات للأردن، والتي قُدمت خلال زيارة الملك عبدالله ورئيس الوزراء جعفر حسان إلى واشنطن في الأسابيع القليلة الماضية، وتُمثل في ما يبدو تراجعاً عن تحذير ترمب السابق بأنه قد يستهدف مساعدات الأردن إذا لم توافق المملكة على استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، بموجب اقتراح تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
وقال أربعة مسؤولين مطلعين، اثنان من الولايات المتحدة ومثلهما من الأردن، لـ "رويترز"، إن ترمب أكد للملك عبدالله خلال اجتماع خاص في البيت الأبيض أوائل فبراير (شباط) الماضي أن المساعدات الأميركية لن تستخدم وسيلة ضغط لتقديم تنازلات سياسية.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية التعليق على "المفاوضات الجارية"، فيما قال البيت الأبيض إن الأسئلة المتعلقة بهذه القضية يجب أن توجه إلى وزارة الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر ثلاثة مسؤولين مطلعين على الوضع لـ "رويترز" أن كبار مساعدي البيت الأبيض اجتمعوا خلال الأسابيع القليلة الماضية لمناقشة مصير التمويل الذي يقدم للأردن، وخلصوا إلى أن استقرار المملكة أمر بالغ الأهمية للأمن القومي الأميركي، بينما قال أحد المسؤولين إن هناك اتفاقاً خلال الاجتماعات على ضرورة إعادة هيكلة المساعدات وتعزيزها لدعم هذا الهدف دعماً مباشراً.
ولم يتحدث أي من المصادر عن تنازلات محددة قدمها الأردن، بل أشار بدلاً من ذلك إلى موقفه كحليف مستقر، يشكل اتفاق السلام الذي أبرمه مع إسرائيل منذ فترة طويلة وعلاقاته العميقة مع الفلسطينيين، حصناً واقياً من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.
وقال وزير الدولة الأردني للاتصالات محمد المومني لـ "رويترز" رداً على سؤال عن محادثات حسان وما إذا كانت الضغوط الأردنية للحفاظ على المساعدات الحيوية تؤتي ثمارها، "نحن نقدر الدعم الاقتصادي والمالي الأميركي وسنواصل الدخول في المناقشات التي ستفيد القطاع الاقتصادي في البلدين".
حظر إسلاميين
قال مسؤول أردني رفيع المستوى إن الضغط المالي على الأردن لا يخدم المصالح الأميركية نظراً إلى تعرض المملكة "لتأثيرات راديكالية"، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" وتمويل إيران للمتشددين في المنطقة.
وحظر الأردن الأسبوع الماضي جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي حركة سياسية أفضت إلى ظهور حركة "حماس"، متهماً أعضاءها بتدبير مؤامرة تخريبية كبرى أعلن تفاصيلها في الـ 15 من أبريل (نيسان) الجاري، وهو اليوم نفسه الذي التقى فيه حسان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
وقال مسؤول لـ "رويترز" إن تهديد الإسلام السياسي وجماعة "الإخوان المسلمين" نوقش خلال الاجتماع، لكن لم يتسن للوكالة التأكد مما إن كان الاجتماع تناول مسألة حظر الجماعة.
وأوضح مسؤول كبير آخر ومسؤول استخبارات من المنطقة أن الضغط الاقتصادي ينذر باضطرابات بين السكان الغاضبين من معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، وموقف الحكومة الموالي للغرب، وأضاف مسؤول الاستخبارات أن مؤامرة التخريب التي أُحبطت عززت هذا الرأي.
وفي حين تحركت واشنطن لاستعادة مشاريع غذاء ينفذها "برنامج الأغذية العالمي" في بلدان منها الأردن، فلم يستأنف سوى عدد قليل من المشاريع التي تقودها "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، ومنها تلك التي تدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن "ضمان وجود المزيج المناسب من البرامج لدعم الأمن القومي الأميركي والمصالح الوطنية الأساس الأخرى للولايات المتحدة يتطلب نهجاً مرناً، وسنواصل إجراء التعديلات بحسب ما تقتضي الحاجة".
ويشكل الدعم المباشر للموازنة الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية للأردن، وجرى الاتفاق عليه بموجب شراكة إستراتيجية مدتها سبعة أعوام وقعتها واشنطن وعمّان عام 2022، بينما عبّر وزراء في الحكومة خلال أحاديث خاصة عن قلقهم من تعرض هذه الأموال للخطر.
وقال وزير التخطيط السابق وسام الربضي في تصريحات بثها التلفزيون إن "إلغاء هذا الدعم سيفاقم عجز الأردن المالي وكذلك عبء الديون"، مشيراً إلى أن "خسارة 800 مليون دولار ستكون أمراً بالغ الصعوبة."
غير أن خمسة مصادر، منها مصدران أميركيان، قالت لـ "رويترز" إن واشنطن أكدت لعمّان أن دعم هذا العام سيظل دون تغيير، وهو مقرر في ديسمبر (كانون الأول) 2024 ومدرج بالفعل في الموازنة الأردنية البالغ حجمها 18 مليار دولار.