Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفرنسيون جمعوا روايات فيليب روث الكاشفة للحاضر الأميركي

جائزة "نوبل" لم تكتشف صاحب "الرعوية" و"المؤامرة" إلا بعد رحيله عن عالمنا

فيليب روث (1933 - 2018) (غيتي)

ملخص

ما من مشروع أدبي يمكنه أن يضاهي في ضرورته وراهنيته، المشروع الفرنسي لجمع أدب الأميركي فيليب روث في مجلد تحت عنوان جامع هو "أميركا فيليب روث"، لتلخيص العلاقة بين الراهن الأميركي وأدب روث

للوهلة الأولى يبدو الأمر أشبه بتحصيل الحاصل، ومع ذلك انتظر الكاتب الأميركي فيليب روث (1933 - 2018) سنوات طويلة قبل أن يرى ناشراً يتنبه إلى الروابط الفكرية والتاريخية، ناهيك بالإبداعية، التي تجمع بين 4 روايات أساسية من متنه الروائي الذي لو بحرنا به جيداً سنكتشف فرادته وراهنيته، ناهيك بلؤمه، في مجال التحدث فيها عن بلده. عن أميركا كلها على رغم أنه ولد في نيوجرزي ليموت في نيويورك التي لا تبعد عنها كثيراً.

ولعل ما يمكننا قوله هنا هو أن الروايات الأربع التي نشير إليها، وأقدم ناشر ترجمتها الفرنسي قبل أربعة أعوام من رحيل الكاتب على جمعها معاً في مجلد واحد يتوزع على قرابة 1200 صفحة هو أن تلك المبادرة أتت في وقتها.

فالحقيقة إن ما من مشروع أدبي يمكنه أن يضاهي في ضرورته وراهنيته، هذا المشروع الذي يخيل إلينا أن الفرنسيين تنبهوا إليه حتى قبل الأميركيين هذه المرة. ما أحال إلى ظهور عنوان جامع هو "أميركا فيليب روث"، كعنوان بدا للمطلعين على أدب روث كالبديهة، بل إن الأمر استدعى حينها ظهور عدد لا بأس به من كتب ودراسات حملت عنواناً يدور من حول الفكرة نفسها: العلاقة بين الراهن الأميركي وأدب روث، وليس فقط كما عبرت عنه تلك الروايات الأربع. فما هي هذه الروايات وما موقعها في أدب روث الذي أجمع النقاد والباحثون خلال العقود الأخيرة على أنه كان من بين أبناء جيله، أكثر الكتاب الأميركيين استحقاقاً لجائزة نوبل الأدبية التي لم تصل إليه، على عكس جوائز كثيرة أخرى منها بوليتزر وجائزة فولكنر، والجائزة القومية الأميركية.

حساسية خاصة

ينظر النقاد إلى فيليب روث المعتبر واحداً من أكبر الروائيين الأميركيين في القرن الـ20 وبداية ما يليه، باعتباره أديباً شديد الحساسية تجاه التحولات السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية. وبخاصة طبعاً بعالمه الروائي لا ينفصل عن الواقع الأميركي، بل يتقاطع معه في أشكال متعددة: من نقده أسطورة الحلم الأميركي، إلى تحليل أزمة الهوية، مروراً بالتوقف المعمق عند الانقسامات العرقية والثقافية، وصولاً إلى تشريح البنية السياسية في فترات الاضطراب. وبذلك تصبح رواياته مرآة مشروخة تعكس صورة المجتمع الأميركي كاشفة ما هو مخفي تحت الخطاب الرسمي وصورته اللامعة. ومن المؤكد أن من أبرز أعمال روث التي تلامس الشأن السياسي مباشرة "رعوية أميركية" التي نالت جائزة بوليتزر (وهي واحدة من الروايات المجموعة في المجلد الفرنسي إلى جانب "المؤامرة ضد أميركا" و"اللطخة البشرية" و"تزوجت شيوعياً").

في "رعوية أميركية" يتعامل روث مع انهيار الحلم الأميركي عبر قصة رجل أعمال ناجح يجد نفسه يوماً أمام تطرف ابنته السياسي في ستينيات القرن الماضي، مما يتيح للكاتب أن يقدم قراءة في صميم التمزق الأميركي الداخلي، حيث تتصادم النزعة التقليدية المحافظة مع الراديكالية الاحتجاجية. وذلك حين يجد المواطن نفسه محاصرا بين عالمين: عالم النظام الذي يريد الاستمرار وعالم الغضب الثوري الذي يريد أن يطيح ه. وهذه الثنائية كما يرصدها روث لا تزال، كما نعرف حاضرة في أميركا المعاصرة بوضوح، خصوصاً بعد صعود الحركات الشعبوية، وعودة الاستقطاب الحاد في العقدين الأخيرين.

ماذا لو أن فاشياً...

أما الرواية التالية "المؤامرة ضد أميركا"، فقد اكتسبت أهمية جديدة بعد صدورها بوقت طويل. فالرواية تتخيل أن الطيار الشهير تشارلز لندنبرغ، الذي كان معروفاً بتعاطفه القوي مع ألمانيا النازية الهتلرية، قد فاز بالرئاسة الأميركية في انتخابات عام 1940 ضد الرئيس روزفلت، لتنحرف أميركا بذلك، انحرافا رهيبا نحو الانعزال القومي ومعاداة السامية. وعلى رغم أن هذه الرواية تنتمي إلى صنف الدستوبيا (التاريخ البديل)، فإن قراءتها في ظل أحداث السنوات الأخيرة - تحت ظل ولايتي ترمب الأولى والثانية، أو في ظل صعود خطاب الكراهية والانقسام العرقي - جعلت منها نصاً "تنبؤياً"، كما وصفه بعض النقاد، إذ يستخدم روث التاريخ المتخيل ليعبر عن خوف حقيقي من هشاشة الديمقراطية الأميركية، ويكشف عن أن الانحراف السياسي ليس احتمالاً متخيلاً فحسب، بل إمكانية كامنة في بنية المجتمع ذاته.

وتبرز السياسة بصورة مكثفة أيضاً في الرواية الثالثة "اللطخة البشرية"، الرواية التي تتناول فضيحة أخلاقية تكشف عن عمق التوترات المتعلقة بالهوية والعرق والسياسات الثقافية.

في هذه الرواية يتصدى روث لما يعرف في أميركا باسم "الصوابية السياسية" التي اجتاحت جامعاتها، ليرى فيها شكلاً جديداً من الرقابة المكارثية الاجتماعية. وهو يقدم ذلك من خلال الشخصية الرئيسة كولمان سيلك، وهو أستاذ جامعي أسود يخفي سواده تحت لونه الفاتح وغير الواضح بالتالي، كنوع من التمرد على هويته البيولوجية ليعيش كرجل أبيض ويجد نفسه ضحية منطق سياسي جديد يدين كل كلمة وكل فعل يحاول التعبير خارج منظومة ما هو مسموح به.

والحال أن هذه الرواية ليست عن المستبعدين فحسب، بل نقد لأواليات الهيمنة التي تتخفى أحياناً تحت شعارات التقدم والتحرر.

رفض الشعارات السهلة

ولئن كانت الرواية الرابعة في هذه المجموعة "تزوجت شيوعياً" تعود عقوداً إلى الماضي للكشف عن جذور ذلك كله في مرحلة الجنون المكارثي عند نقطة الفصل بين سنوات الـ40 والـ50 في التاريخ الأميركي الحديث، فإن من اللافت أن روث لا يتعدى موقف المراقب الذي يرفض الشعارات السهلة. فهو لا ينحاز أيديولوجياً إلى اليمين أو إلى اليسار، بل إلى الفرد بوصفه مركز التجربة، إذ إن السياسة عند روث ليست مجرد صراع أحزاب، بل صراع حول معنى الحرية الشخصية والهوية والذاكرة، والنجاة في نظام اجتماعي يتبدل بسرعة، لذلك تبدو شخصياته - مثل زوكرمان، أناه/ الآخر الحاضر بديلاً عنه في عدد من آخر رواياته، أو سيلك نفسه أو سفيريكا في الرواية الأخيرة... شخصيات "تسعى إلى الحفاظ على ذاتها في عالم يضغط عليها باستمرار لتكون شيئاً آخر غير ما هي عليه"، بحسب الباحثين.

باختصار، تظهر روايات روث الأربع هذه كيف أن السياسة الأميركية الراهنة، لا يمكنها أن تكون معزولة عن تاريخ طويل من التوترات والاستقطابات والشعبوية، والعنف الثقافي وصراع الهويات. وهي كلها أبعاد نجد بذورها حاضرة في أعماله قبل أن تنفجر على أرض الواقع. ولذلك يبقى روث على رغم رحيله، كاتباً معاصراً بامتياز، هو الذي من خلال شخصياته الرازحة تحت ضغط السياسة، يكشف هشاشة المجتمع الأميركي مذكراً بأن الديمقراطية ليست ضمانة مُثلى، بل تجربة تعاد صياغتها - أو تعرضها للتهديد - بصورة يومية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة