Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما يشعل التنافس الأميركي - الصيني على أفريقيا والشرق الأوسط

ترفق بكين مساعداتها في إطار القوة الناعمة باستثمارات مكثفة على عكس واشنطن التي تربطها بضرورة تحقق الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان

عقدت القمم الثلاث "السعودية - الصينية والخليجية - الصينية والعربية - الصينية" خلال زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية في ديسمبر (أ.ف.ب)

ملخص

 تنظر #الولايات_المتحدة إلى أن #النفوذ_الصيني مهما بلغ فإنه لن يصل إلى حد أن تطلب دول الشرق الأوسط الحماية الصينية بدلاً من #الأميركية

على مدى العقدين الماضيين كانت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على أفريقيا مرتفعة، لا سيما مع تحقق التوقعات بازديادها من خلال مشاركة اقتصادية أكبر من جانب الصين التي عززت وجودها في القارة السمراء منذ تسعينيات القرن الماضي ونشطت في التنقيب واستكشاف النفط والاستثمار في البنية التحتية، وصولاً إلى "مبادرة الحزام والطريق" لإحياء "طريق الحرير" التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013 وبدأت بإطلاق مجموعة مبادرات للتنمية والاستثمار، تتمثل في الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري لربط الصين بالوجهات التجارية التي تمتد من شرق آسيا إلى روسيا وأوروبا وتشمل منطقة الشرق الأوسط وشرق أفريقيا.

 

وبينما انسحبت الولايات المتحدة جزئياً من القارة السمراء لتركز على منافسة الصين في محور شرق ووسط آسيا قبل عودتها أخيراً لمنافستها على الرقعة ذاتها، أدى ذلك إلى تشتت الجهود التي ربما كان تركيزها القوي سيخلق مواجهة مبكرة بينهما تمتد آثارها إلى الشرق الأوسط، وعليه أصبحت منطقة شرق آسيا مثل أفريقيا والشرق الأوسط بؤر تنافس مشتعلة بين الولايات المتحدة والصين، لا يهدئ منها حتى محاولات تفوق كل منهما على الأخرى، ومن بذل المساعدات التنموية إلى الاتفاقات الاستثمارية وحتى الأمن والدفاع تتبارى القوتان على تعزيز العلاقات، كل بأسلوبها ترغيباً أو ترهيباً.

وتحاول الدول في المناطق المعنية تحقيق توازن يضمن استفادتها والحفاظ على علاقاتها مع القوتين العالميتين، وفي قلب ذلك يتأثر سلوك أي من القوتين باتجاه العلاقات السائدة بينهما نحو هذه المناطق، فمثلاً يتأثر سلوك الولايات المتحدة تجاه أفريقيا بعلاقتها مع الصين هناك، ثم يمتد ذلك التأثير إلى الشرق الأوسط، الذي كان أكثر صلابة في تعامل هذه القوى معه كل على حدة، ولكن بدأت المنطقة تدخل في محاولات احتواء الصين من قبل الولايات المتحدة ومحاولات ملء الفراغ الأميركي من ناحية الصين.

وقبل أن تقع تفضيلات قاطعة لعلاقة الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط على الصين أم الولايات المتحدة، دخلت قوى أخرى منافسة مثل روسيا وبعض الدول الأوروبية توزع التركيز لفترة، ثم عادت واشنطن وبكين إلى الصدارة، ولو كان هناك من خيار لنوع العلاقات فإن العلاقات الاقتصادية مع الصين ستكون الراجحة على رغم بعض المآخذ، مثل الاسم التجاري الصيني الذي لا ينافس الشركات الأميركية أو الألمانية في حقوق الملكية الفكرية وهي الشركات المفضلة خصوصاً لدى الدول العربية.

إطار القوة الناعمة

وترفق الصين مساعداتها في إطار القوة الناعمة باستثمارات مكثفة، ومشاريع اقتصادية ومنح وقروض شرطها الأساسي تحقيق المكاسب، على عكس الولايات المتحدة التي تربط المساعدات الاقتصادية بضرورة تحقق الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان وغيرها من الشروط التي تمس مشكلات متجذرة في الأرضية الأفريقية، بل إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على عدد من دول القارة حولت العلاقات معها إلى عداء وجعلتها تتجه بعيداً عنها، ولكن على رغم ذلك، عادة ما ينظر المتخصصون في الشأن الاقتصادي إلى الصين على أنها تهديد اقتصادي أكثر خطورة من الدول الأخرى التي تقدم مساعداتها باليمين وتأخذ أضعافها باليسار، فمثلاً تصورات المساعدة الأميركية مقارنة بالمساعدات الصينية لدول الشرق الأوسط وأفريقيا تكشف عن أن نمط الصين كان يعتمد على المكاسب الاقتصادية ثم تطور أخيراً إلى كسب النفوذ، متأثرة بالولايات المتحدة التي تقدم مساعداتها وتضع اكتساب النفوذ في مقدمتها كمطلب أساسي في المقابل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم تلاشي الحدود الفاصلة في محاولات الوصول إلى النفوذ، فإن الاطمئنان إلى أوجه التعاون الصينية المبنية على خليط من المساعدات والاستثمار أكبر مما تبذله الولايات المتحدة، وهذا الفارق استطاعت بكين أن تملأه مستفيدة من الاختلاف التفسيري للتنمية الاقتصادية ما بين دافع وهدف أم وسيلة لتحقيق غاية أكبر، أما بالنسبة إلى التجارة فإن الصين يتجاوز نشاطها التجاري مع أفريقيا والشرق الأوسط النشاط التجاري الأميركي، وعلى رغم المخاوف التي تحاول الولايات المتحدة الترويج لها بأن نشاط الصين سيقضي على الصناعات في هذه الدول، بالتالي، تزايد نسبة العطالة، فإن بكين تسد حاجة هذه الأسواق بكلفة أقل من كلفة التجارة الأميركية.

كفة راجحة

وإن كانت الصين قد رجحت كفتها في ما يتعلق بالتنمية، فإن الولايات المتحدة تكمن قوتها في التعاون الأمني والعسكري خصوصاً بالنسبة إلى الشرق الأوسط، وعلى رغم التوسع العسكري الصيني في محاولتها تطوير معداتها لتحقيق أهداف دفاعية ضد الولايات المتحدة مثلما يحدث في بحر الصين الجنوبي، فإنها تنظر إلى منافسة الولايات المتحدة في احتكارها للأفضلية الأمنية والعسكرية ليس من باب الرواج ولكن للوصول إلى أداء أفضل وسمعة عسكرية أقوى تحسباً لأي مواجهة محتملة.

في أفريقيا، اختصرت دولها طريق القوتين الدوليتين العسكري الشائك ولجأت إلى روسيا، وفي إطار مكافحة الإرهاب وفض النزاعات الداخلية، لجأت إلى فرنسا وبعض الدول الأوروبية في نطاق ضيق وضمن المنظمات الدولية، أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط فالوضع يختلف من ناحية أن هدفه مستقبلي يوازي هدف القوتين ويعمل لتحسب بعض التدخلات متأثراً بتجارب مؤثرة في المنطقة مثل حرب الخليج وغيرها.

وتنظر الولايات المتحدة إلى أن النفوذ الصيني مهما بلغ فإنه لن يصل إلى حد أن تطلب دول الشرق الأوسط الحماية الصينية بدلاً من الأميركية، إذ إن الميزانية الدفاعية للصين تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وهناك التفوق الجوي الأميركي مقابل الصيني، والحرب الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين تتفوق فيها الولايات المتحدة بميزة كبيرة ولكن يمكن للطائرات المسيرة الصينية أن تعطل شبكات الاتصالات، كما طورت الصين صواريخ باليستية وصواريخ "كروز" متوسطة وقصيرة المدى.

ولكن هذا كله لا يؤخذ بمعزل عن الأرضية التي تتم فيها المواجهة لقياس هذا التفوق، فالصين تستعد لأي مواجهة محتملة في بحر الصين الجنوبي وتسعى إلى تحييد القدرات الأميركية في تلك المنطقة، ويمكن مقابل تفوق الولايات المتحدة التكنولوجي أن تبرز قوة جيش التحرير الشعبي الصيني الذي يبلغ نحو مليوني فرد عسكري، مقارنة بأقل من 1.4 مليون فرد في الولايات المتحدة، وهكذا يمكن النظر إلى إسهام كل من القوتين في أمن أفريقيا والشرق الأوسط من هذا المنطلق، ما يمكن أن تبذله أي منهما، إذا كان الصراع يخصها، أو ما تبذله دفاعاً عن غيرها.

تحدي النفوذ

وجاءت القمة الأفريقية - الأميركية في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، متزامنة مع القمم الثلاث "السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية"، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية في الفترة من السابع إلى الـ10 من الشهر ذاته، وعدت "أكبر حدث دبلوماسي صيني مع العالم العربي" سعياً من الطرفين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في المنطقة، كما عدت القمة الصينية - العربية "تحدياً للنفوذ الأميركي القوي في منطقتي الشرق الأوسط والخليج". وهذا التوجه استطاع أن يغير النظرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا بأنهما فقط من لديهما الحق في احتكار الاتفاقات التجارية في الشرق الأوسط، خصوصاً منطقة الخليج العربي. ومع خصوصية هذا التحول وانفتاحه على آفاق واسعة، فإنه يمكن النظر إليه أيضاً من زاوية تمدد رقعة النفوذ التجاري والاقتصادي للصين في أفريقيا والتحامه بتوسعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعد بكين أكبر منافس لواشنطن في القارة السمراء، إذ وصل التبادل التجاري بينها وبين دول القارة إلى نحو 254 مليار دولار حتى عام 2021، فما كان من واشنطن إلا أن أعلنت في القمة الأفريقية - الأميركية الثانية التزامها تقديم 55 مليار دولار لأفريقيا حتى عام 2025 دعماً لاستراتيجية الاتحاد الأفريقي 2063 المتعلقة بالدعم الاقتصادي والأمني والصحي.

وفي العام نفسه، كانت القمة العربية - الأميركية حيث اجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته إلى الرياض، في 16 يوليو (تموز) الماضي، مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وملك الأردن عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي، وأعلن خلالها عن تخصيص واشنطن مليار دولار في صورة مساعدات للأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متزامناً مع "التزام دول مجلس التعاون الخليجي تقديم ثلاثة مليارات دولار على مدى العامين المقبلين في مشاريع تتماشى وشراكات الولايات المتحدة في البنية التحتية العالمية والاستثمار".

تكتلات رائدة

ومنذ أن أبرزت الأزمة المالية العالمية عام 2008 الحاجة إلى التكتلات الاقتصادية، ودورها في تنامٍ مستمر لما تقدمه من استقرار وتوازن للدول والكيانات المختلفة، وقد شغلت منظمة شنغهاي وتكتل "بريكس" أنظار العالم. ولفتت انتباه الولايات المتحدة والغرب عموماً، نظراً إلى أدوار التكتلين في سحب البساط من التكتلات الغربية.

وبإعلان السعودية أخيراً الموافقة على المذكرة التي وقعت، في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند عاصمة أوزبكستان، حول منحها صفة شريك الحوار في المنظمة، تكون قد خطت أولى الخطوات نحو منحها العضوية الكاملة، والمنظمة التي أسستها الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجكستان وأوزبكستان، ثم انضمت إليها الهند وباكستان وإيران، تحتمل دولاً أخرى من الشرق الأوسط إضافة إلى دول آسيوية أخرى.

كذلك دعمت دول كثيرة انضمام السعودية إلى تكتل "بريكس" الذي أسس عام 2006 والمكون من البرازيل وروسيا والهند والصين ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا، كتجمع يضم الدول الأسرع نمواً في العالم، خصوصاً مع رؤية السعودية 2023 لتنويع اقتصادها وموقعها المتقدم في سوق النفط وضمن خطة "بريكس بلس" التي ستشمل دولاً أخرى ذات اقتصادات سريعة النمو.

وتتجه منطقة أفريقيا والشرق الأوسط بالتعاون مع الصين إلى ترسيخ قضايا حوكمة التكتلات الاقتصادية لإدارة ومراقبة شؤونها كما أنها توفر من خلال سلسلة من المبادئ الجديدة رفيعة المستوى تعالج تضارب المصالح وسياسات التنمية والمكاسب المتوقعة، وهذان التكتلان نموذجان لاتحاد سياسي وأمني واقتصادي لدول تشغل مساحة كبيرة من أوراسيا تلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بهدف مواجهة النفوذ الغربي، إضافة إلى تعميق التعاون مع الصين في مبادرة الحزام والطريق.

ربما تشهد الأشهر القليلة المقبلة أحداثاً رائدة في تاريخ هذه التكتلات ينعكس أثرها من أفريقيا إلى الشرق الأوسط، فقد تسلمت جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة "بريكس" من الصين في يناير (كانون الثاني)، وأوضحت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا تاليدي باندور أن التكتل يحظى باهتمام عالمي كبير، إذ استقبل، منذ مارس (آذار) نحو 12 رسالة من الدول المهتمة بالانضمام إلى المنظمة، باعتبارها الدولة المستضيفة للقمة التي ستعقد في أغسطس (آب) المقبل، ومن بين الدول التي قدمت طلب الانضمام إلى المنظمة السعودية وإيران.

خيارات استراتيجية

كلا التحركين من جانب الولايات المتحدة والصين نحو أفريقيا والشرق الأوسط يسلط الضوء على الهيمنة المتزايدة لتمدد القوى الدولية، والتي كانت في ما قبل خطرة وذات أبعاد سلبية منها فرض السيطرة، حتى إن أي طرف يتهم خصمه برغبته في إعادة استعمار هذه المناطق، أما الآن فغالباً ما ترتبط بميل دول المنطقتين نحو خيارات استراتيجية، صحيح أنها محكومة ببعض الضغوط ولكنها تتم وفق تنفيذ نهج جديد تجاه أفريقيا والشرق الأوسط، أما ما بين الولايات المتحدة والصين فلا يتوقع تغير سلوك إحداهما تجاه الأخرى قريباً نسبة إلى الظلال الأمنية التي تسيطر على واشنطن، والظلال الاقتصادية التي تسيطر على بكين.

وفي ظل هذا الواقع، فإن التنافس الأميركي - الصيني على المنطقتين سيكون محكوماً بعدد من العوامل، العامل الأول، أن الانطلاق إلى مسارح تنافس أخرى أثر في مستوى التركيز من القوتين الدوليتين على أفريقيا بالتالي على منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الدول العربية، والعامل الثاني، لا تزال الصين أكثر شعبية من الولايات المتحدة وأكثر تفضيلاً لنهجها الاقتصادي في ظل أزمات من الطابع نفسه تحيط بالمنطقتين والعالم، كما أن القوة الاقتصادية الأميركية الممزوجة بالحس الأمني والدفاعي تشكل تهديداً لأفريقيا والشرق الأوسط مقارنة بالقوة الاقتصادية الصينية، القائمة على تعظيم المكاسب، أما العامل الثالث فهناك قصور في معرفة منطقة الشرق الأوسط بالسياسة الصينية القائمة على التكتم، وقد تقدمت عليها أفريقيا في هذه المعرفة، وعلى رغم توازي النشاط التفاعلي الصيني - الأفريقي والصيني - العربي، من خلال منتدى التعاون الصيني - الأفريقي الذي أسس في بكين، في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، وحضره الرئيس الصيني في ذلك الوقت جيانغ زيمين، ومنتدى التعاون الصيني - العربي الذي أسس في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 2004 من قبل الرئيس الصيني هو جينتاو، فإن منتدى التعاون الصيني - الأفريقي اكتسب ميزة إضافية لأنه قام وفق إطار مؤسساتي للتعاون الاقتصادي، وتعميق التعاون لتحقيق التنمية ومواجهة تحديات العولمة، ووفر ذلك وجوداً صينياً كثيفاً في أفريقيا ووجوداً أفريقياً في الصين.

المزيد من تحلیل