Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طريق شي جينبينغ القديم نحو الصين الجديدة

يقود حضور بلاده بين أقطاب العالم الكبار ويدير نفوذها الإقليمي والقاري ويعزز سلطته الداخلية بالدستور والإصلاحات

تشابهات ومفارقات بين الرئيس الصيني وسلفه "ماو" (أ.ب)

هل كان السادس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، منعطفاً مصيرياً في تاريخ الصين، بعد أن تمكن الرئيس الصين شي جينبينغ، من نيل ثقة الحزب الشيوعي الحاكم في مؤتمره العشرين لولاية ثالثة، في حدث غير مسبوق في دولة تمثل الاقتصاد الثاني حول العالم؟

بحسب هسين وانغ، الخبير في الشأن الصيني في جامعة تشغنتي الوطنية في تايوان، فإن انعقاد المؤتمر في موعده على رغم الأداء الاقتصادي الضعيف، والتحديات الخارجية التي تواجه الصين، أكد أن الحزب لا يزال قوياً ومستقرا، وأن نفوذ شي بات أقوى جداً.

كيف أحكم جينبينغ قبضته على مقدرات الأمور داخل الصين، وهل يمكن أن يعتبره الصينيون عند لحظة زمنية بعينها، ماو تسي تونغ جديداً؟ وماذا عن رؤية الحلم الصيني عنده؟ وهل سيقدر له النجاح في ولايته الثالثة؟

جينبينغ وزمن القبضة الحديدية

منذ تولى شي جينبينغ منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في 2012، بات واضحاً أن الرجل سوف يغير المشهد الداخلي بشكل كامل.

نجح جينبينغ خلال السنوات الماضية في تعزيز سلطة النظام، وعمل على إبراز نفسه على نحو متزايد على أنه شخصية أسطورية شبيهة بماو تسي تونغ، رجل نهضة الصين العظيم، والذي غير وجه بلاده، خلال سنوات حكمه، والتي امتدت من عام 1949 وحتى عام 1976.

نجح بينغ ولا يزال في مجال تثبيت أركان حكمه، إذ قام بتدشين حملة لمكافحة الفساد استخدمها في تعيين الشخوص الموالية له، وإزالة المعارضين السياسيين من طريقه.

كما أنه ومنذ توليه رئاسة الدولة، أصدر قانوناً جديداً يمنع أي معارضة عبر شبكة الإنترنت، وبات جينبينغ اليوم يمتلك أقوى ثلاثة مناصب في الصين: الأمين العام للحزب الشيوعي، قائد القوات المسلحة، ورئيس الدولة.

وعند تنغ بياو المحامي المتخصص في حقوق الإنسان في الصين، والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية، أن الحزب الشيوعي الصيني في عهد جينبينغ، تحول من شمولية جماعية إلى فردية، فقد قاد جينبينغ الصين في مسار طموح وشمولي بشكل متساو.

بلغت ذروة قبضة جينبينغ الحديدية عام 2018، وذلك حين وافقت الجمعية الوطنية الشعبية (البرلمان الصيني) على مقترح للحزب الشيوعي، يلغي تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة، حيث كان بقاء الرئيس في السابق في منصبه مقيداً بولايتين، مدة كل منهما خمس سنوات.

رئيس لمدى الحياة... لماذا؟

وافق البرلمان الصيني على بقاء جينبينغ في منصبه لولاية ثالثة، بحسب البعض، لمنحه فرصته لإتمام مشاريع التطوير، لا سيما وأن الصين تواجه أوقاتاً مصيرية، وتخشى من أن تدفع أكلافاً غالية لهذه الأوقات، وتتمثل التحديات التي تواجهها بكين في نوعين:

الخارجية: حيث تشهد الصين زيادة في وتيرة التصعيد مع الولايات المتحدة، والدليل إجراءات التدريب العسكري غير المسبوقة قبالة سواحل تايوان، عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، عطفاً على احتمالات المواجهة التي تحتدم من جراء المواجهة القطبية في بحر الصين الجنوبي.

الداخلية: حيث يباطأ النمو الاقتصادي، إذ انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام الجاري، إلى 2.5 في المئة، أي أقل من نسبة 5.5 في المئة والتي كانت الحكومة ترغب في تحقيقها.

وقد جاءت تلك النتائج السلبية بعد الإغلاقات والقيود الصارمة التي فرضت في وقت سابق من هذا العام، بسبب عودة فيروس "كوفيد19"، فضلاً عن تجاوز نسبة بطالة الشباب عتبة 19.9 في المئة في يوليو (تموز) الماضي، وهي نسبة تعد الأعلى في البلاد من 2018.

وفي وسط هذه القلاقل، كان من الطبيعي أن يصوت أعضاء البرلمان البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف في جلسة مغلقة على إلغاء المادة التي تحدد الولايات الرئاسية باثنتين.

الصين ورفض حكم الفرد

الشاهد أنه على رغم الموافقة الهائلة على قرار الولاية الثالثة لجينبينغ، إلا أن هناك أصواتاً معارضة داخل الصين، رأت في أن القرار سيقود إلى حكم الفرد الواحد، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".

رفض هؤلاء ينطلق من أن فكرة البقاء رئيساً مدى الحياة تعني أن ما أرساه عراب سياسة الإصلاح والانفتاح، دينغ شياو بينغ، قبل أربعين عاماً، والذي جعل القيادة جماعية، انتهى لمصلحة عودة قيادة الفرد الواحد.

وعند الخبير السياسي هوا بو، الذي يقيم في بكين، فإن بعض النواب المتمسكين بإصلاحات دينغ شياو بينغ، يعتقدون بأن هذا التعديل هو عودة إلى الوراء.

وهنا يمكن الاستنتاج، أنه وعلى رغم الشعبية الهائلة التي يتمتع بها الرئيس جينبينغ، إلا أن العديد من المراقبين، يرون في منهجه حياداً عن القيادة الجماعية التي ترسخت منذ بداية الإصلاح.

والمعروف أن عدد الولايات الرئاسية الصينية حدد بإثنتين في دستور 1982، في عهد دينع شياو بينغ، وذلك لتجنب أي عودة لحكم الفرد الواحد كما كانت الحال في عهد ماو تسي تونغ.

غير أنه وفي ضوء حالة الانتعاش الكبيرة التي نجح جينبينغ في إحداثها في الداخل الصيني طوال السنوات العشر المنقضية، وفي مقدمها الإصلاح الاقتصادي، والحد من التلوث، وتقليل حدة الفقر، عطفاً على شنه حملات على الإيغور في شينجيانغ، وقبضته القاسية على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ... في ضوء كل ذلك، يدعم غالبية الصينيين رئيسهم حتى وإن كان لا يزال يواجه العديد من التحديات مثل بطالة الشباب، والاقتصاد المتباطئ، وأزمة العقارات المستمرة، وبالطبع "سياسة صفر كوفيد".

رؤية جينبينغ للحلم الصيني الواعد

عند الباحثين عن الأسباب التي تقف وراء تعزيز جينبينغ قبضته على التنين الأصفر، أنه ومنذ وصوله إلى موقعه كزعيم للبلاد، دخلت الصين مرحلة جديدة على الساحة الدولية، مرحلة تتسم بتعاظم نفوذها خارجياً، ولعب دوراً أكبر على الصعيد العالمي، وترافق ذلك مع شن حملة واسعة على الفساد المتفشي وخنق الأصوات المعارضة.

استطاع الزعيم الصيني أن يعزز موقعه ويبسط سيطرته على الحزب الشيوعي، كما باتت أفكاره جزءاً من دستور البلاد، وهو ما لم يحظ به سوى ماو تسي تونغ، ودينغ شياو بنغ، بالتالي فإن معارضته باتت تمثل الوقوف ضد الحزب الشيوعي الحاكم.

تحت عنوان "إعادة بعث الأمة الصينية"، طرح جينبينغ رؤيته لمستقبل الصين، والتي أطلق عليها اسم "الحلم الصيني"، وقد نجح بالفعل في إجراء إصلاح اقتصادي، ساهم في الحد من تراجع النمو، وتحجيم ملكية الدولة للصناعة، ومكافحة التلوث، وتنفيذ مشروع النقل البري العملاق، أو طريق الحرير الجديد.

عرف جينبينغ كذلك بحملته المعنونة "النمور والذئاب"، والتي شنها على رموز الفساد في دولة يصل تعداد سكانها إلى مليار وثلاثمئة مليون نسمة، وقد طاولت نحو مليون شخص من كبار وصغار مسؤولي الحزب.

بدت قبضة جينبينغ الحديدية، ظاهرة كذلك خارج الحدود الجغرافية للصين، فخلال عهده فرضت بكين على بحر الصين الجنوبي سيطرتها، على رغم المعارضة الدولية، وعززت نفوذها على الصعيد العالمي عن طريق ضخ مليارات الدولارات في القارتين الأفريقية والآسيوية.

ترافقت نجاحات جينبينغ، مع نمو المشاعر القومية التي حضت عليها وسائل الإعلام الحكومية، مع التركيز على شخصه، إلى درجة أن البعض اتهموه بأنه يقود حملة إعلامية لتأليهه، أسوة بالزعيم الراحل ماو تسي تونغ.

من يوسوس في أذن جينبينغ؟

في كلمته التي ألقاها أمام الصحافة ووسائل الإعلام في قصر الشعب في بكين، وبعد تأكيد ولايته الثالثة من جانب الحزب الشيوعي الصيني، قال جينبينغ: "إنه لا يمكن للصين أن تتطور من دون العالم، كما أن العالم أيضاً بحاجة إلى الصين".

جينبينغ أكد كذلك أنه وبعد أكثر من أربعين عاماً من الجهود الحثيثة من أجل الإصلاح والانفتاح، فإن الصين حققت معجزتين: تنمية اقتصادية سريعة، واستقرار اجتماعي بعيد الأمد.

يعن للباحث في شأن الرئيس جينبينغ أن يتساءل: هل من عقلية أيديولوجية بعينها تدفعه في مراتب أعلى عاماً بعد الآخر على الصعيدين الداخلي والخارجي؟

الجواب نجده عند صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، التي تشير إلى أهم عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ هو ينغ، ذلك المفكر الأيديولوجي، والمساهم في تشكيل رؤية ثلاثة رؤساء صينيين: جيانغ زيمين (1993-2003)، وهو جينتاو (2003-2013)، و"شي جينبينغ" حتى الساعة.

أدى وانغ دوراً رئيساً في صياغة الحلم الصيني، ذلك المصطلح الذي يواكب عهود شي جينبينغ، فضلاً عن مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، ويروج لهما بشدة.

كما أن وانغ، هو صاحب ما يعرف بـ"القرار التاريخي الثالث"، والذي ينص على أن قيادة جينبينغ هي مفتاح التجديد للأمة الصينية.

ويعتبر وانغ من المؤثرين في دائرة الرئيس الصيني، بما يشبه تأثير المفكر الروسي الأشهر ألكسندر دوغين على رئيسه، ويلقبه مراقبون كثر بـ"هنري كيسنجر الصين"، لدوره في صياغة السياسات الخارجية الصينية في العقود الثلاثة الأخيرة.

حب السلطة أم أهداف قومية؟

الحديث عن القبضة الحديدية، تدفعنا للتساؤل التالي: هل يكافح جينبينغ من أجل حب السلطة أم أن هناك أهدافاً قومية فوقية ما ورائية يدافع عنها، مهما كلفه الأمر من مشقة، أو أضناه الطريق غير المعبد من آلام؟

يتوقع الخبير في مسائل الحزب الشيوعي الصيني في الجامعة الصينية في هونغ كونغ ويلي لام في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية هيمنة غير متكافئة إلى حد غير اعتيادي لفصيل واحد، وهو فصيل جينبينغ.

غير أن الفريد ل. تشان، مؤلف كتاب عن حياة الزعيم الصيني، يوضح للوكالة عينها أن "شي يكافح من أجل السلطة بسبب رغبته في السلطة وحدها، وأنه يستخدمها كأداة لتحقيق رؤيته للمستقبل".

أما كيري براون، مؤلف كتاب: "شي: دراسة في السلطة"، فيقول إن "جينبينغ رجل إيمان: بالنسبة له الله هو الحزب الشيوعي، وأن أكبر خطأ ترتكبه دول العالم بشأن جينبينغ، هو عدم أخذ هذا الإيمان على محمل الجد".

بينما أدريان غيغس كاتب سيرة جينبينغ، فيعتبر أن "شي لديه فعلاً رؤية للصين ويريد أن يراها قوية، بل أقوى دولة في العالم"، معتبراً أن جينبينغ ليس مدفوعاً برغبة في الإثراء خلافاً لما قيل عن ثروته في وسائل الإعلام الدولية.

قبضة عسكرية حديدية

لم تكن قبضة جينبينغ الحديدية على الصين لتهمل "الصحوة العسكرية" التقليدية منها، وغير التقليدية، بدءاً من بناء حاملات طائرات حديثة، وأسطول من السفن والقطع البحرية العسكرية، ناهيك عن القوة النووية، والصين ماضية كما ألمح رئيسها في طريق بناء ترسانة نووية جديدة، والحديث عن 1500 رأس بحلول عام 2030.

في حديثه للمندوبين العسكريين خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير، قال الجنرال شو كيليانغ، إن "الرئيس شي نفذ عملية إنقاذ وإعادة تشكيل وتحول تاريخية لقوات "جيش التحرير الشعبي" (الاسم الرسمي للجيش الصيني)"، وشدد على أنه وفي جميع الأحوال ينبغي أن تطاع أوامر الرئيس تماماً كقائد للجيش.

والمعروف أن جينبينغ قد دعا ومنذ اليوم الأول له كرئيس للصين، إلى تسريع الخطوات لتصبح الصين أكثر اعتماداً على نفسها في التقنيات الأساسية، والمضي قدماً في التحديث العسكري.

في خطابه في مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير، أكد جينبينغ على حاجة الصين لتعزيز قوتها العسكرية، وتعهد بتسريع عملية تحديث العقيدة العسكرية للجيش، بما يشمل تنظيمه وعتاده وأفراده.

ويومها استخدم جينبينغ تعبير "التدابير الأمنية في الصين"، والتي تكررت أكثر من خمسين مرة، بهدف صيانة الأمن القومي الصيني، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، وضمان إمدادات الغذاء ومصادر الطاقة.

دفعت عبارة "الأمن القومي" التي رددها جينبينغ، ديفيد باندروسكي، المدير المشارك في مشروع "تشيانا ميديا بروجكت"، لاعتبار أن الأمر يعد بمثابة رسالة للولايات المتحدة الأميركية من جهة، كما أنه يعبر عن أمن التنمية أو التوظيف داخل الصين من جهة ثانية.

وفي الوقت عينه، يرى البروفيسور إيان تشونغ، أستاذ علم السياسة في جامعة سنغافورة الوطنية، أن تركيز جينبينغ في خطابه على التعددية يدل على أن الصين ماضية إلى الأمام ليس فقط في تحدي الولايات المتحدة، سياسياً وعسكرياً، وإنما يعني في الغالب أن الصين مقبلة على لعب دور أكبر عبر مؤسسات دولية وفي المقدمة منها الأمم المتحدة لمواجهة ما تعتبره بكين نفوذاً أميركياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل جينبينغ ماو تسي تونغ جديد؟

على رغم ترحيب مجموعة من المحافظين في الصين، والتي تتوق لما كانت عليه الأمور في عهد مؤسس الصين الشيوعية ماو تسي تونغ، إلا أنهم يرون أن جينبينغ يبلغ مكانة ماو ويجب وضعه على قدم المساواة معه.

 لكن وفي كل الأحوال، يبقى هناك خط واصل بين ماو تسي تونغ، وشي جينبينغ، فقد طرح الأخير خلال المؤتمر الحزبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رؤية للصين، كبلد واثق يملؤه الفخر وينعم بالرخاء مع إحكام الحزب قبضته على السلطة.

يعد جينبينغ أول زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ، له أيديولوجية باسمه في ميثاق الحزب، وهو لا يزال في السلطة بما يشير إلى أنها ستظل سارية حتى بعد انتهاء ولايته الثانية التي تستمر لخمس سنوات وبدأت في أكتوبر الماضي.

هنا يؤكد سونغ يانغ بياو، أن التشابه بين ماو تسي تونغ وجينبينغ قائم في أن كليهما أراد الصين مستقلة وقوية وجديدة، وأنه فيما ماو حرر الشعب الصيني من قمع الغرب، فقد كرس جينبينغ نفسه لمنح الصين الجديدة صوتاً أقوى على الساحة العالمية.

لكن بياو يرى أن "إحياء لقب زعيم الحزب الذي كان لماو، وإسباغه على شي، ليس واقعياً"، فقد بنيت سلطة ماو تسي تونغ بعد كفاح طويل ومضن، بينما سلطة جينبينغ جاءت عبر البيروقراطية في زمن السلم.

وفي الخلاصة، يبقى جينبينغ في أعين غالبية الصينيين، زعيماً حكيماً وعظيماً وقادراً على العبور بالصين في الأزمنة الصعبة والعالم القلق المضطرب الحالي، ومواجهة أزمنة انتقال القطبية، ومواجهة التحركات الأميركية التي تسعى لتقليص الحضور الصيني على مستوى العالم، ولهذا فإنه إن لم يكن ماو جديداً، فهو سائر على طريقه ولكن بصورة عصرانية.

المزيد من تقارير