Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظافة المدن العربية... كلهم "يرمون المسؤوليات" في الشارع

عدم تفعيل القوانين وضعف الرقابة وغياب المساءلة وقلة مسؤولية من قبل الأفراد

رمي النفايات في أماكن غير مخصصة لها (اندبندنت عربية)

ملخص

تعاني #المدن_العربية، عموما، من #مشكلة_نظافة، لأسباب مختلفة، منها #قلة_وعي_الفرد_البيئي، وغياب القوانين الرادعة، وغياب الصيانة، والتعدي على المساحات العامة

في جولة قصيرة على عدد من المدن العربية، تُدرك وببساطة أنها من تعاني من مشكلة نظافة، وذلك يعود لأسباب مختلفة، منها قلة وعي الفرد بالمحافظة على نظافة مدينته، وغياب القوانين الرادعة كما في عدد من المدن الأوروبية.

ويتخطى الأمر ذلك في بعض الأحيان بالتعدي مثلاً على الأملاك والمساحات العامة، ما يسبب بعض المشاكل في الصرف الصحي، أو رمي النفايات فيها. ويبقى الأهم النظرة الدونية لعمال النظافة الذين يرفعون أوساخ المجتمع، ومعاملتهم بشكل سيئ.

وإلى جانب ضعف الرقابة وغياب المساءلة وعدم تفعيل القوانين، تبدو قلة وعي المواطنين حيال أهمية الحفاظ على النظافة في الأماكن العامة العائق الأكبر أمام الوصول إلى بيئة نظيفة وآمنة، تعززها عادات خاطئة وتنشئة لا مبالية بالنظافة العامة.

 الأردن... المواطنون غير راضين عن مستوى نظافة مدنهم

لا يحظى مستوى النظافة في المدن الأردنية برضى المواطنين كثيراً على رغم أن عمّان تعد من أنظف المدن العربية، إذ يشير استطلاع محلي أجرته شركة "إبسوس" إلى أن ستة من كل 10 أردنيين غير راضين عن تدني مستويات نظافة المدن في البلاد.

15 ألف عامل نظافة

وسجلت العاصمة عمّان أعلى مستوى للنظافة من بين المدن الأخرى، وتناط مهمة نظافة المدن ومرافقها العامة في الأردن بالبلديات، وباستثناء العاصمة تغيب النظافة وخدمتاها المجتمعية المتكاملة في المدن الأخرى على رغم تخصيص موازنات ووجود معدات وكوادر.

 

 

ووفقاً لأمانة عمّان (بلدية العاصمة)، ينتشر نحو 7 آلاف عامل نظافة في أحياء المدينة وشوارعها يومياً من أصل 15 ألف عامل في عموم الأردن، وبرواتب شهرية تقارب 600 دولار، وإلى جانب هؤلاء ثمة عشرات المعدات الكانسة للشوارع والطرقات السريعة، لكن الاعتماد الأساس لا يزال على عمال النظافة بالدرجة الأولى. وبحسب الإحصاءات الرسمية يتم جمع ما يزيد على 1800 طن من المخلفات يومياً، وينص قانون إدارة النفايات في الأردن على عقوبات تبدأ من 100 دولار تصل إلى 1500 دولار مع الحبس مدة لا تقل عن أسبوع لكل من يلقي النفايات عشوائياً.

كما يحظر طرح المخلفات أو المياه القذرة أو النفايات السائلة أو مخلفات البناء في الشوارع أو على الأرصفة أو في أي مكان آخر بصورة تلحق الضرر بالصحة العامة والأذى بالآخرين.

ممارسات وسلوكيات سلبية

وتنفذ السلطات سنوياً حملات وطنية شاملة للنظافة في محافظات المملكة، لكنها وفق مراقبين موسمية ولم تُجذر بعد ثقافة الحفاظ على نظافة المرافق العامة، إذ لا يزال المواطن الأردني يصنف بأنه مهمل ومقصر بحق بيئته ومجتمعه المحلي، إذ إن بعض الممارسات السلبية لا تزال حاضرة مثل إلقاء النفايات من نوافذ المركبات وعدم الحفاظ على نظافة المتنزهات والشواطئ والأماكن السياحية.

ومن الممارسات التي تفاقم مشكلة النظافة في المدن الأردنية عدم توفير حاويات قمامة كافية، فضلاً عن تعرض كثير منها للسرقة ثم البيع، كما يحجم كثير من الشباب الأردني عن العمل في مهنة النظافة لأسباب اجتماعية، إذ تسيطر "ثقافة العيب" على رغم إطلاق تسمية" عامل وطن" على كل العاملين في هذا المجال احتراماً للدور الذي يقومون به.

وفي المقابل يرصد مواطنون تراجع مستوى النظافة في عاصمتهم التي كانت تصنف الى عهد قريب بأنها الأنظف بين العواصم العربية، ويتحدث هؤلاء عن سلوكيات تسهم في خلق هذا الانطباع ومن بينها إلقاء النفايات قرب الحاويات وحرقها عدا عن نبشها من قبل بعض الفضوليين لتتحول إلى آفة صحية.

 

 

وأمام عدم انتشار ثقافة المحافظة على النظافة في الأماكن العامة يتضاءل حجم الإقبال على ثقافة التدوير وفرز النفايات، إذ إنها لا تحظى بإقبال كبير حتى اللحظة.

وخلال الآونة الأخيرة فعلت السلطات الأردنية عقوبة رمي المخلفات من نوافذ السيارات بعد أن تحول إلى ظاهرة منتشرة رصدتها كاميرات المراقبة بكثافة، وسجلت نحو 340 ألف مخالفة خلال السنوات الخمس الأخيرة بمعدل 68 ألف مخالفة سنوياً، وهو رقم يدلل على ظاهرة سلوكية خطرة وفق خبراء علم الاجتماع.

عشوائية إعادة التدوير

وفي مقابل الشكوى المريرة من تدني مستويات النظافة في المدن الأردنية تبرز ظاهرة إعادة التدوير بشكل عشوائي، فما إن تبدأ ساعات الفجر الأولى في العاصمة عمّان وتعانق خيوط الشمس أحياءها وحواريها حتى ينتشر آلاف من الذين يعتاشون على مهنة "نبش حاويات القمامة"، وبينهم نساء ورجال وحتى أطفال من مختلف الأعمار، يلتقطون كل ما تطاوله أيديهم ويمكن بيعه أو الاستفادة منه على نحو يؤمن لقمة العيش لحوالى 6 آلاف شخص ينخرطون يومياً في هذه المهنة، وفق تقديرات غير رسمية، وهذه المهنة أفرزتها الظروف الاقتصادية الصعبة وأجبرت كثيرين على التحول راغمين إلى أدوات لإعادة التدوير، إذ يجمع هؤلاء بشكل فوضوي كل ما يمكن التقاطه من نفايات، في تعبير صارخ عن ولادة اقتصاد هامشي منذ نحو 20 عاماً، بينما لا تزال ثقافة إعادة التدوير بشكل منظم وعلمي غائبة.

 

 

مصر... ماذا بعد "كوب 27"؟

عاشت مصر على مدار الفترة الماضية زخماً إعلامياً ومجتمعياً جعل لحماية البيئة أولوية في الخطاب اليومي، سواء رسمياً أو على مستوى المؤسسات، وبينها المدارس والجامعات، وحتى الشركات الخاصة، والمحال التجارية.

وكانت تتردد على الألسنة مصطلحات كثيرة مثل إعادة التدوير والطاقة النظيفة، وغيرها، حيث كانت هناك صحوة فيما يتعلق بالتنبيه بأخطار الاحتباس الحراري، وضرورة الحفاظ على موارد البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وحماية المحيط من أية ملوثات، ولكن تدريجاً خفت هذا الاهتمام عقب وقت قليل من انتهاء فعاليات مؤتمر المناخ "كوب 27" في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، والذي أقيم في مدينة شرم الشيخ.

القانون وحده لا يكفي

في المقابل، تحاول بعض المبادرات الحكومية والأهلية التمسك بفكرة الإصحاح البيئي عن طريق جمع المخلفات وإعادة تدويرها وتوفير مكبات للقمامة تحول دون انتشارها بالشوارع، وأيضاً القيام بمعالجات المياه والمواد بهدف الحد من التلوث، ولكن في ظل الضغط السكاني الكبير والمساحات الشاسعة المأهولة، فإن نصيب المناطق الأكثر اكتظاظاً من النظافة البيئية يبدو بشكل عام أقل من المأمول، على رغم وجود أكثر من قانون لحماية البيئة في مصر، وبينها القانون رقم 4 لعام 1994، وكذلك رقم 202 لعام 2020 الخاص بإدارة المخلفات، وهما يتضمنان بنوداً للتوعية وللعقوبات أيضاً، فلماذا لا يتعامل المواطنون بجدية مع قوانين البيئة مثلما يحترمون قواعد المرور خوفاً من دفع الغرامات المالية؟!

التربية البيئية هي الحل

يرى الأستاذ الجامعي عبدالمسيح سمعان الحاصل على درجة الدكتوراه في مجالي المناخ والبيئة، أن الوعي هو أساس تعديل السلوك بأن يعلم المواطن أن الاهتمام بالبيئة أمر له أولوية، وليس رفاهية، فالتغييرات المناخية التي تحدث بسبب ملوثات الهواء والمياه تؤثر في صميم قوت يوم المواطن. ويشير إلى أن سلوك الجمهور العام الذي يمكنه أن يجعل من شوارع مدينة أو منطقة ما نظيفة وتخضع لمعايير حماية البيئة، ومن ثم الكوكب، يتعلق بشقين، الأول تحدده القوانين والتشريعات الموجودة بالفعل، فمن يخطئ سيعاقب، والثاني ينبع من الإنسان نفسه، مستبعداً أن يكون القانون وحده ضمانة لتغيير السلوك البيئي للأفضل، لافتاً إلى أن ممثلي القانون من المستحيل أن يراقبوا الجميع في كل وقت ومكان، وباعتبار القانون قيداً خارجياً على الإنسان، فتأثيره محدود.

 

 

ويوضح سمعان أن التربية والوعي والشعور بالمسؤولية، أشياء داخلية نابعة من الشخصية، وينبغي تنميتها في هذا الاتجاه، حيث يختار الفرد التصرف السليم دون مراقبة، عدا ضميره فقط، وهذا هو الشق الثاني والأهم في رأيه.

بريق أمل

ثمة نقاط مضيئة في الاهتمام الأهلي والرسمي بقضايا البيئة، والذي نتج منه تصنيف أكثر من مدينة وقرية بأنها نظيفة وصديقة للبيئة، وفقاً لمجلس الوزراء، بسبب استخدامها الطاقات المتجددة غير الملوثة، وعديمة الانبعاثات، وبسبب اهتمامها بتدوير المخلفات مع وجود مساحات خضراء كبيرة، ومنها مدينة الخارجة في الوادي الجديد، وقرية تونس في محافظة الفيوم، وفارس في أسوان، والقلعان في البحر الأحمر، كما أن هناك اتجاهاً قوياً لدى المؤسسات المعنية لاستخدام الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقات التي تزخر بها البلاد، مثل الشمس والرياح، ولكن على ما يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً أمام انتشار ثقافة الوعي البيئي ليكون لها حضور أكبر في السلوك اليومي للناس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة ثانية، يؤكد سمعان أنه ينبغي في هذا الصدد حدوث تكامل بين التربية البيئية النظامية ومكانها المدارس وباقي الجهات التعليمية، والأخرى غير النظامية، مثل المنزل، وحملات التوعية بوسائل الإعلام، وكذلك إقامة المعسكرات التي تهتم بالبيئة كعنصر حياتي أساسي، لافتاً إلى أن نشر الوعي يجب أن يكون بطرق مؤثرة وفعالة من خلال خطاب يلمس الناس من داخلهم، عبر طرق عدة، لتنمية الوعي البيئي لدى النشء.

في سياق متصل، قد لا يكون تلقين دروس الوعي البيئي بطريقة آلية وروتينية هو الحل الأمثل، ولكن الإلحاح في الرسالة ربما يكون خطوة من ضمن خطوات أولى، تتبعها حملات أكثر وقعاً ترتبط أكثر بحياة الناس، من خلال وسائل عملية وليست نظرية تلقينية لتزداد مساحات المناطق المثالية وشبه المثالية فيما يتعلق بجودة البيئة بها.

 

 

العراق... بغداد تنتج 10 آلاف طن من النفايات

تشكو العاصمة العراقية بغداد منذ عام 2003 مشكلة كبيرة عجزت جميع الحكومات السابقة عن حلها، وهي قضية تكدس أكوام من النفايات سواء قرب الشوارع الرئيسة أو داخل الأزقة، وعلى رغم وجود حاويات مخصصة لرمي النفايات على جوانب الطرق والأزقة، إلا أن بعضهم يقوم برمي النفايات على الأرصفة بسبب امتلاء تلك الحاويات وعدم  تفريغها من قبل أمانة العاصمة، مما يتطلب مزيداً من التوعية بخطورة هذه الظاهرة.

10 آلاف طن

في المقابل يبدو الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته البلاد، وارتفاع المستوى المعيشي لنسبة كبيرة من سكان العاصمة، وتوسع أحيائها السكنية ومناطقها التجارية، أسباباً إلى ارتفاع معدل النفايات بمختلف أنواعها لتصل إلى أكثر 10 آلاف طن، بحسب إحصاءات صدرت عن أمانة بغداد نهاية العام الماضي.

وبات منظر النفايات في الساحات العامة وعدم جمعها وجعلها متكدسة، مشهداً مألوفاً لاسيما في الأحياء الشعبية.

أكوام نفايات

يسكن أحمد علي في منطقة المعامل شرق العاصمة بغداد، ويشكو تكدس أكوام النفايات في منطقته وعدم رفعها من قبل أمانة بغداد. يقول "عدم توفير حاويات نفايات كافية يجبر كثيرين على رمي نفاياتهم في الساحات العامة وعلى الأرصفة، مما يولد منظراً غير حضاري، فضلاً عن كونها بيئة خصبة لنقل الأمراض".

الرمي العشوائي

فيما يلقي سعد، وهو طالب يسكن في منطقة السيدية جنوب غربي العاصمة اللائمة على الذين يرمون النفايات في الطرق أو الساحات العامة. ويضيف "على الناس أن تكون أكثر حرصاً على منطقتها، يجب رمي النفايات في الحاويات الخاصة وإن كانت ممتلئة نبحث عن أخرى، بدل رميها في قارعة الطريق"، مشيراً إلى وجود أشخاص "يرمون النفايات قرب حاوية النفايات أو أية ساحة عامة، لتجنب السير بعض الوقت للبحث عن حاوية خاصة للنفايات".

ودعا إلى مزيد من الحرص وعدم إلقاء اللوم فقط على أمانة بغداد على رغم تقصيرها في جمع النفايات في الوقت المحدد للحفاظ على النظافة.

1.25 كيلوغرام نفايات للشخص

بحسب المدير العام الدائرة الفنية في الوزارة عيسى الفياض، ينتج "كل شخص في العراق يومياً نحو 1.25 كيلوغراماً من المخلفات البلدية"، ويضيف أن "العاصمة بغداد تنتج يومياً قرابة 8 إلى 10 آلاف طن يومياً من المخلفات، أكثر من 40 في المئة منها عضوية وتتمثل في بقايا الطعام، كون العائلات العراقية تمتاز بالطبخ الكثير وهذا له علاقة بالأمن الغذائي".

التدوير وإنتاج الطاقة

ويتابع أن "هناك نقاشات في لجان متعددة حول موضوع تصنيف النفايات وإدارتها في العراق وتوليد الطاقة الكهربائية منها"، كاشفاً عن "مقترح قدمه لاستثمار النفايات العضوية لإطعام الدواجن والأسماك والأبقار والحيوانات المختلفة التي تحتاج إلى غذاء متواصل، لا سيما وأن الموجود حالياً يستورد من الخارج وينبغي أن يتم الإنتاج محلياً لدعم اقتصاد البلد".

 

 

وأوضح الفياض أن "المقترح يتضمن الاتفاق مع المطاعم أو المجمعات السكنية، حيث تقوم بعزل المخلفات العضوية وتأخذها شركة تصنع منها غذاء للحيوانات وتطرحه في السوق"، مردفاً أن "فكرة المقترح تم أخذها من رئيس جامعة بغداد، الذي طرح موضوع استخدام النفايات العضوية لتصنيع الغذاء منها للحيوانات".

ولفت إلى أن "ملكية المخلفات تعود إلى أمانة بغداد، وتم تشجيع الشركات على أخذ العضوية منها لتصنيع الغذاء مع وجوب وجود مختبر يقيس نسب المواد الغذائية الموجودة ونسب البروتين لتضاف إليها"، مبيناً أنه "يمكن الاستفادة من المخلفات في صناعة أعلاف الدواجن".

قوانين غير مفعلة

وعلى رغم من وجود قوانين عراقية تحاسب على من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة له، إلا أنه لم يتم تفعيل هذه القوانين.

في سياق متصل يقول الخبير القانوني علي اللامي إنه "وفق المادة 240 من قانون العقوبات العراقي ينص على تغريم من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها باعتبارها مخالفة قانونية". ويتعامل العراق مع ملف النفايات بطرق قديمة وغير صديقة للبيئة أدى إلى التخلص من النفايات بطرق متخلفة لم تعد تستخدم في معظم دول العالم، لا سيما طمرها في أطراف العاصمة.

وعلى رغم إنشاء عدد من محطات كبس النفايات القادرة على استقبال 4 آلاف طن في جانبي الكرخ والرصافة من بغداد بالفترة بين 2011 و2014 فإن مشروع إنشاء معامل تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة كهربائية أو مواد صالحة للاستخدام، توقف بسبب الأزمة الاقتصادية خلال الحرب مع تنظيم "داعش" عام  2014، وعدم جعلها أولوية من أولويات عمل الحكومة العراقية.

 

 

السعودية... أين تكمن المشكلة؟

تناثر النفايات في بعض الشوارع والحدائق العامة والأرصفة والمواقف العامة والساحات ظاهرة تشكل خطورة على صحة أفراد المجتمع والبيئة، فالبعض من مرتادي هذه الأماكن يشوهون المظهر العام لها، وذلك بتركهم للنفايات حين مغادرة المكان من دون أن يهتموا بجمعها ومن ثم وضعها في الحاويات المخصصة لها.

أصبحت هذه الممارسات السلبية ظاهرة في أغلب الدول العربية، من ضمنها السعودية، التي تحاول التصدي لها بتطبيق لائحة الغرامات لمواجهة هذا السلوك، ووضع حلول عاجلة تنهي أزمة تكدس النفايات.

ويرى يوسف أحمد الرميح، أستاذ مكافحة الجريمة في جامعة القصيم، أن ظاهرة تراكم النفايات مشكلة اجتماعية واقتصادية ونفسية في عدد كثير من المجتمعات، مرجعاً أساس المشكلة إلى الفرد.

وأضاف "للأسف كل شخص يرمي المشكلة على الآخر، فينتج تراكم النفايات وتؤدي إلى تراكم القوارض وتلوث الهواء والمياه ومنها يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض، فهناك مشكلة رئيسية وكبيرة وهي تراكم النفايات فأفراد المجتمع يتحملون المسؤولية الأولى".

وعدّ الرميح ظاهرة تراكم النفايات انحراف وجريمة وفساد بكل ما تعنيه الكلمة، مشدداً على ضرورة تضافر الجهود الفردية والرسمية لتدويرها، لخلق مجتمع نظيف وآمن بعيد كل البعد من التلوث والأمراض.

من جهتها، قالت المستشارة الاجتماعية دعاء زهران، إن كثيراً من سلوكيات الفرد تعود على أسلوب التنشئة والبيئة التي تربى بداخلها، قائلة "الأسرة التي تربي أبنائها على تنظيف أغراضهم الشخصية وعدم ترك المخلفات من بعدهم سينشأ منهم جيل محافظ وملتزم على نظافة بيئتهم ومحيطها، لأن الفرد بطبيعته يعكس صورة من محيطه الداخلي، مما يشعرنا بأسلوب ونمطية أسرته".

 

 

الجهود الرسمية في السعودية

أطلقت أمانة منطقة الرياض مبادرة "حي بلا حاويات"، لرفع حاويات النفايات من الطرق والشوارع؛ وذلك لتحسين المشهد الحضري للعاصمة، ومعالجة التشوه البصري الذي تسببه حاويات النفايات في الشوارع، والقضاء على انتشار الذباب والتخلص منه، والتخلص من الروائح الكريهة المنبعثة من حاويات النفايات، والحد من عبث القطط بالحاويات، والمحافظة على جمالية المشهد الحضاري، واستبدلت الحاويات المنتشرة في الشوارع، بأخرى تُوزع على المنازل بواقع حاويتين على كل منزل، حيث خصصت الأمانة حاويات باللون الأخضر للمواد غير العضوية، مثل المواد البلاستيكية والأوراق والكرتون والزجاج والعلب المعدنية، وحاويات باللون الأسود للنفايات العضوية غير القابلة للتدوير مثل بقايا ومكونات الطعام.

وأكدت الإدارة العامة للمرور السعودي أن رمي المخلفات من المركبة أثناء سيرها عمل مخالف للآداب العامة ويلوث البيئة، ويعدّ مخالفة مرورية، كما طالبت قائدي مستقلي المركبات بالابتعاد عن رمي المخلفات؛ حفاظاً على نظافة البيئة وسلامة الموجودين في الطريق.

وأوضحت أنه سيتم رصد تلك المخالفات عن طريق الدوريات الذكية التي أطلقتها الإدارة في جميع مناطق السعودية، يمكنها ضبط المخالفات المؤثرة في السلامة العامة؛ حيث أنها مجهزة بأحدث أدوات الرصد الآلي.

وأكدت وزارة البيئة والمياه والزراعة أن عقوبة رمي النفايات في المتنزهات الوطنية تصل إلى 2000 ريال (533 دولاراً أميركياً) ومخالفات إشعال النار في غير أماكنها المخصصة تصل إلى 3000 ريال (788 دولاراً أميركياً).

 

 

أما المتحدث الرسمي بأمانة محافظة جدة محمد البقمي، وهي جهة بلدية تتولى مهمة العناية بالنظافة وجاهزية الأماكن العامة في المدينة، فقد أكد "أهمية المسؤولية الفردية تجاه البيئة وما تتعرض له من تهديدات من قبل الإنسان وممارساته الناتجة من حاجاته اليومية التي تؤثر في البيئة، لا بد من برامج تثقيفية توعوية وبيان المخاطر التي تنتج من ضعف الوعي والذي يبدأ من البيت والمدرسة وكافة المنابر والقنوات لتحقيق الأهداف المرجوة ودعم وتعزيز ممارستنا الإيجابية".

وعن دور أمانة جدة، أوضح البقمي أن الجهات المعنية بالأمانة تواصل جهودها للحد من ظاهرة تجمع النفايات وذلك من منطلق دورها ومسؤولياتها، حيث تنفذ الإدارة العامة لمشاريع النظافة والمرادم أعمال النظافة على كامل نطاق مدينة جدة، ويجري ذلك ضمن "خطة تشغيلية شاملة تعمل على أنظمة التتبع الآلي للمركبات (AVL) وتعتمد الخطة التشغيلية كراسة خاصة بعقود النظافة من خلال ثلاثة عشر عقداً، تعنى بتنفيذ العمل على المواقع والأحياء كافة، ويشتمل على الجمع والنقل والمعالجة والفرز وإعادة التدوير، كما جرى تخصيص مقاول لتشغيل المردم وتوفير مقاولين لخمسة عقود داعمة، بجانب مقاول للإشراف والرقابة على المقاولين كافة، وهناك عقوبات نظامية على المقاول في حال تقصيره"، فضلاً عن الاهتمام بالتطوير وتشجيع الاستثمار من خلال الفرز وإعادة التدوير وتقليل والحد من ظاهرة رمي النفايات ودفنها بالمرادم.

 

 

لبنان... الطرقات مزبلة وخطط الدولة فوضوية

يعيش اللبناني حالاً من "الفصام السلوكي" والتناقض بين حرصه الشديد على نظافة المنزل، وعدم توانيه عن رمي النفايات بعشوائية في الشارع والطرق. ولا تقتصر المسؤولية على الفرد، وإنما تتحمل الدولة جزءاً كبيراً من المسؤولية في ظل غياب خطط "الإدارة المتكاملة لمعالجة النفايات" على المستوى الوطني في #لبنان، وانتشار المكبات العشوائية المكشوفة. 

الشوارع غير نظيفة

تمتلئ الأقنية وجوانب الطرق بالنفايات، حيث يستسهل المارة رمي البقايا من نوافذ السيارات وأثناء سيرهم في الشوارع عوضاً عن تجميعها داخل حقائبهم أو في أكياس خاصة. ولدى سؤالهم يأتيك الجواب سريعاً "الكل يفعل هذا"، فيما يبرر آخر سلوكه بغياب السلال والحاويات.

ويسبب ذلك إغلاق أقنية تصريف المياه، مما يؤدي إلى فيضان الطرق عند كل تساقط غزير للأمطار. تكرر المشهد مرات عدة في الشريط الساحلي والمنطقة الممتدة من جبيل شمالاً، وصولاً إلى أنفاق خلدة والمطار جنوباً، ويأتي تجمع النفايات في الأقنية ضمن قائمة الأسباب الرئيسة، إذ تشكو وزارة الأشغال من عودة النفايات للتكدس فيها على رغم قيام الفرق المختصة بتنظيفها.

في مشهد آخر تتجمع النفايات عند قارعة الطريق بانتظار قيام البلديات وشركات الكنس وتجميع النفايات لرفعها ونقلها إلى المكب. وخلال الفترة الفاصلة تتحول مراكز التجميع إلى مكان تنشط فيه القوارض والفئران، ناهيك عن قدوم الأبقار لتناول "ما لذ وطاب"، ويتسبب تمزيق الأكياس بتناثر النفايات في كل مكان.

 

 

وفي مدينة طرابلس (شمال لبنان)، تستمر الظاهرة منذ سنوات من دون بلوغ الحل النهائي، حيث تأتي الأبقار من المزارع المتمركزة في محيط القبة، لتعترض طريق المارة، وصولاً إلى تجمع النفايات المخصص للمجمعات السكنية في المنطقة.

الجبال... الوديان... والبحار

لا يتوقف انتشار النفايات على قلب المدن، فهو آخذ بالتمدد ضمن النطاق الحيوي للمدن والقرى. نجدها تكتسي بغطاء من النفايات التي تنتج من نشاطات بشرية مختلفة، مؤسسات صناعية، ملاحم، وبلديات فشلت في إدارة نفاياتها.

كما ينتج جزء كبير منها من نزهات "السيران" والرحلات البرية والبحرية التي تنظمها العائلات في نهاية الأسبوع. في مدينة الميناء (شمال لبنان)، تنشط الرحلات البحرية نحو الجزر، وتحمل قوارب النزهة السياح والزوار لقضاء وقت ممتع هناك.

ويمكن ملاحظة تراكم النفايات على صعيد الجزر غير المحمية. كما يتخلص هؤلاء من نفاياتهم في الأزرق الكبير، فنجد في مياه البحر وعلى الشاطئ الرملي المقابل أكياس الشيبس وقوارير المشروبات الغازية، وعلب التنك والمعلبات. ويشكو الصيادون من أضرار تصيب شباكهم وآلات الصيد بسبب تعلق النفايات فيها.

مكبات عشوائية

يعتمد لبنان تاريخياً، المكبات والمطامر للتخلص من النفايات، ولم تنجح حملات التوعية والحض على الفرز من المصدر. لذلك بقي أسلوب "كب النفايات" هو الشائع، ومع وصول المكبات الرسمية إلى مرحلة الإشباع، من الناعمة، إلى طرابلس، وعدوة، مروراً بجديدة المتن وبرج حمود، انتشرت المكبات العشوائية.

 

 

باتت زوايا الأحياء والقرى، مراكزاً لتجميع النفايات، ليبرز أسلوباً جديداً للتعاطي معها، فلجأ الناس إلى احراق النفايات للتخلص منها، مع ما ينتج من أخطار إحتراق البلاستيك وزيادة كثافة الديوكسين في الهواء الذي يستقر في الرئتين عند استنشاقه. 

فشل مزمن

يشكل الفشل في إدارة ملف النفايات في طرابلس اللبنانية كمثال، نموذجاً يمكن تعميمه على باقي المناطق. يعود تاريخ مكب النفايات القديم إلى الحرب الأهلية اللبنانية، وظل يستقبل النفايات من دون معالجة لغاية 2019، حيث تجاوز علوه 40 متراً، مشكلاً خطراً كبيراً في السلامة العامة في المدينة، إن لناحية غاز "الميثان" المخزن في داخله، أو العصارة السائلة الناجمة التي تتشرب إلى البحر الأبيض المتوسط.

تعرض المكب إلى حريق في سبتمبر (أيلول) 2022، وتصاعدت التحذيرات من انفجاره. فقررت قاضي التحقيق في الشمال سمرندا نصار تكليف فريق من الخبراء توصل إلى خلاصة بأن المكب يشكل قنبلة موقوتة في طرابلس، ويمكن أن ينفجر في حال حدوث حريق كبير.

وتكشف أوساط قضائية مطلعة عن أن "قاضي التحقيق وسعت نطاق الإدعاء ليشمل مجلس الإنماء والإعمار ورئيسه المهندس نبيل الجسر، كما قررت إغلاق المكب، ووضع نقطة أمنية لمنع الدخول إليه أو رمي مزيد".

 

 

تونس... البلديات تعاني شح الموازنات

تعرف تونس منذ بداية العقد الأخير تدهوراً في الوضع البيئي من خلال تراكم النفايات وانتشارها وعدم وجود حلول جدية وناجعة ومستدامة للتخلص منها، بحيث عاشت مدن كثيرة في البلاد أزمة تكديس النفايات بسبب عدم توافر المصبات على غرار ما عاشته عاصمة الجنوب صفاقس وجزيرة جربة وغيرها من المحافظات.

ويرى تونسيون أن معضلة النفايات تفاقمت بعد الثورة بسبب توقف منظومة التصرف في النفايات وعدم توافر الإمكانات اللازمة للبلديات لرفع القمامة المتكدسة أحياناً.

يقول رئيس جمعية "شبكة تونس الخضراء" حسام حمدي إن "المدن التونسية ليست نظيفة في معظم الأحيان"، متابعاً "هذه المعضلة تعكس غياب ثقافة بيئية لدى المواطنين إلى جانب ضعف تطبيق القوانين بعقوبات جزائية رادعة ضد الملوثين والمخالفين".

تلوث بصري

ويرى أن "القانون التونسي من أفضل القوانين لكن بقي حبراً على ورق"، واصفاً المشهد في بعض المحافظات "الفضلات ترمى في الشوارع متسببة في تلوث بصري وبيئي يعكس عدم قدرة الدولة والجماعات المحلية ووزارة الإشراف على تطوير آليات حوكمة جديدة وفاعلة للإصلاح والنهوض بمنظومة جمع وتثمين النفايات المنزلية والصناعية".

ويعتبر حمدي أن "المسؤولية هي مسؤولية الجميع" معرباً عن اعتقاده بأن "الحل يبدأ بتربية الناشئة على ضرورة الحفاظ على نظافة محيطهم ثم ينتهي بوضع منظومة كاملة لفرز النفايات وتثمينها بالطريقة الصحيحة". من جهتها تسعى البلديات في تونس إلى تحسين الوضع على رغم الإمكانات الضعيفة بحسب تصريحات غالبية رؤساء البلديات وذلك بمحاولة تحميل المواطنين مسؤولية العناية بالمحيط من خلال تكثيف حملات النظافة.

 

 

ويوضح مهتمون بالشأن البيئي أن هناك صعوبات عدة تعيق عمل البلديات في تونس، بخاصة في المدن الصغيرة، فبحسب القانون التونسي لا يمكنها التصرف في الموازنة من دون رقابة أربع مؤسسات في الدولة.

الوعي البيئي

وخلال إشرافها على إحدى الجلسات حول الوضع البيئي في المدن التونسية، ذكرت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي المهداوي بالتظاهرة السنوية لجمع النفايات البلاستيكية والنفايات الخفيفة المتناثرة التي تعمل على ترسيخ الوعي البيئي لدى المواطن، ودعت إلى المشاركة في هذه التظاهرة بطريقة منتظمة ودورية طوال 2023 من أجل تحسين واستدامة جمالية البيئة ونوعية الحياة للجميع.

وكشفت الشيخاوي المهداوي عن برنامج الرعاية الخضراء الهادف إلى العناية بالمساحات الخضراء في المدن التونسية وتحسين عيش المواطن والرفع من مؤشرات نوعية الحياة.

 

 

الجزائر... واجهات نظيفة وشوارع غارقة في النفايات

باتت قضايا النظافة في الجزائر تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام عكس السنوات الماضية، وعلى رغم أن الجميع يتفق على ضرورة الاعتناء بنظافة المحيط، غير أن المتجول في شوارع مدن الجزائر يلاحظ تفاوتاً في التعاطي مع المسألة، ليبقى تزيين الواجهات الهدف الأول للمعنيين.

تحول ولكن

لم تعد مدن الجزائر بالشكل الذي كانت عليها سابقاً، حيث النفايات والأوساخ متراكمة في أغلب الشوارع، وضعف الاهتمام بنظافة المحيط في ظل اضرابات متكررة لعمال النظافة الذين صار عددهم ضعيفاً، وقد تسببت هذه الوضعية في مشكلات بلغت حد احتجاج المواطنين وقطع الطرق، واستدعت تدخل الحكومة من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.

تغيرت الأوضاع في السنوات الأخيرة، وأصبح ملف النظافة يلقى دعماً واهتماماً، وما عدم تسجيل إضرابات لعمال النظافة إلا دليل على تحول أكدته الأجور المحسنة والانتدابات المتكررة وظروف العمل المريحة والإمكانيات المتوفرة والمتجددة، لكن يبقى ذلك مجرد مقارنة مع السابق، غير أن ذلك لا يمنع الحديث عن شوارع وقرى ومدن لا تزال تستنشق الروائح الكريهة وهي غارقة في الأوساخ، ولا تعرف طعم النظافة إلا في المناسبات الوطنية والدينية.

وتطلق بلديات عدة حملات للنظافة تحت شعار "معاً من أجل مدينة نظيفة" غايتها تحسين المحيط البيئي لمدن البلاد كافة، حيث يتم إشراك المواطنين من خلال دعوتهم إلى إخراج نفاياتهم المنزلية المكدسة على مستوى شرفات وأسطح وسلالم العمارات ليتسنى لموظفي وأعوان النظافة جمعها ونقلها نحو مراكز الردم التقني، كما بات تنظيم مسابقات "أجمل مدينة" و"أجمل قرية" و"أنظف حي" وغيرها، من أهم الطرق التي تعتمدها جمعيات النظافة وحماية البيئة من أجل تشجيع المواطنين على الاهتمام بالنظافة والمشاركة في حملات التنظيف.

شوارع غارقة في الأوساخ

يقول عضو جمعية "الشراقة حومتي" كريم ساسي، إن تراكم النفايات بات يشوه عدداً من الأحياء الجزائرية، ولا يجب اختزال أمر النظافة في أحياء راقية معروفة، مشدداً أن هناك شوارع غارقة في الأوساخ تعطرها الروائح الكريهة وتزينها تنقلات القوارض.

 

 

ويضيف أن هناك تغيراً في التعاطي مع ملف النظافة في الجزائر، لكن لا تزال هناك جهات تعاني غياب أعوان النظافة وشاحنات نقل النفايات، ولأنها غير ظاهرة تبقى مهمشة.

ويتابع ساسي أن الحملات التطوعية التي تقودها الجمعيات باتت تلقى استجابة من طرف الشباب الذي يسارع إلى المشاركة في تنظيف الشوارع والأزقة، بخاصة في فصل الصيف وأيضاً خلال شهر رمضان، وقد بلغ الأمر في بعض المرات درجة عالية من الوعي مع طلاء السلالم ورسم جداريات.

حملات تنظيف وتحسيس

وأعلنت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، تنظيم حملة وطنية كبرى تخصص لنظافة المحيط والقضاء على النقاط السوداء عبر محافظات الوطن.

وأوردت في بيان أنه تنفيذاً للتعليمات والتوجيهات المتعلقة بتحسين الإطار المعيشي للمواطن والتكفل بانشغالاته، لاسيما تلك المرتبطة بضرورة إيلاء أهمية بخاصة لنظافة المحيط، سيتم تنظيم حملات وطنية كبرى لنظافة المحيط والقضاء على النقاط السوداء.

وأكدت أن المبادرة تضاف إلى المهمات اليومية والدائمة للمرفق العام للنظافة التي تعنى بها الجماعات المحلية، على أن تتم بصفة منتظمة ومكثفة نهاية كل أسبوع، وهي تهدف إلى استدراك بعض النقائص المسجلة من خلال تعبئة كل الوسائل المتوفرة على المستوى المحلي قصد إزالة النقاط السوداء والمفارغ العشوائية للنفايات المنزلية وما شابهها من النفايات الصلبة.

كما أعطت وزارة البيئة والطاقات المتجددة إشارة انطلاق حملة لنظافة المحيط، ينظمها قطاعها بالتعاون مع المرصد المجتمع المدني والسلطات المحلية للمحافظات تحت شعار "شركاء في المحيط، مسؤولون عن نظافته"، إذ يتم تسخير أكثر من 200 شاحنة وآلية وزهاء 1000 عامل لإنجاح المبادرة عبر شتى المحافظات.

ترسانة قانونية تنتظر التطبيق

في المقابل كشف مستشار وزيرة البيئة علي قرطبي عن أن وزارة البيئة طورت ترسانة قانونية قوية من أجل حماية البيئة، لكن المشكلة تكمن في التطبيق، بسبب غياب التنسيق بين مختلف القطاعات وعدم احترام الصناعيين لهذه المعاير وانعدام الوعي البيئي لدى المواطنين.

وأوضح أن "الوزارة تقوم بتقييم دوري للوضع البيئي على المستوى الوطني كل سنتين، من خلال المركز الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي أعتبره العين الساهرة لوزارة البيئة في مراقبة الوضع البيئي بخاصة في المناطق الجنوبية"، مشيراً إلى أن وزارة البيئة لديها في هذا المجال دور رقابي، فهي تسهر على صنع السياسات الخاصة بالبيئة وتنفيذها وتقييم أدائها بصفة دورية بالتنسيق مع جميع القطاعات، غير أن النشاطات الصناعية والمناطق العمرانية لها تأثير مباشر في الأوساط المستقبلة للبيئة بما فيها الهواء والتربة والمياه الجوفية.

 

 

المغرب... تزايد مخيف في نسبة النفايات 

بعد أن اتسم مجال تدبير النفايات بالفوضى لعقود بسبب ضعف التنظيم في ظل تولي السلطات المحلية ذلك القطاع وكثرت المزابل مما هدد الصحة العامة والبيئة، عمل المغرب منذ نهاية القرن الماضي على وضع برامج ومخططات لإدارة ذلك المجال.

وعلى رغم ذلك توشك المملكة على الوقوع في أزمة بسبب التزايد المهول للنفايات التي بلغ حجمها عام 2020 حوالى 8.2 مليون طن، بمعدل 0.78 كيلوغراماً يومياً لكل فرد في المدن،

و 0.38 كيلوغراماً يومياً في الأرياف، بحسب إحصاءات المجلس الأعلى للحسابات (حكومي) الذي حذر من أزمة نفايات عام 2030، إذ يحتمل أن يصل فيه حجم النفايات بالمملكة سنوياً إلى 11.4 مليون طن، مما سيشكل عبئاً على السلطات العامة.

تدبير متفاوت

وفي المقابل تشهد مدن المملكة تفاوتاً في تدبير قطاع النفايات نظراً إلى غياب برامج شاملة خلال نهاية القرن الماضي، مما أدى إلى وجود ثلاث مستويات من المدن من حيث النظافة.

 

 

ويوضح الخبير في المجال البيئي مصطفى بنرامل أن المغرب "يشهد عدداً من المشكلات المرتبطة بمجال النظافة، فمعظم المدن تشكلت خلال الحقبة الاستعمارية ما عدا المدن العتيقة وهي فاس وطنجة ومراكش، لكن تلك المدن فقدت بريقها ورونقها ونظافتها بسبب غياب برامج تهيئة شمولية خلال العقود الخمسة الأخيرة للقرن الـ 20"، مشيراً إلى أن ذلك جاء نتيجة النمو الديموغرافي السريع وعدم كفاية البنى والتجهيزات الموجهة لقطاع النظافة، مما أدى إلى ظهور الأماكن العشوائية للنفايات الصلبة وانتشار المزابل في الشوارع وبخاصة في الأحياء الهامشية والفقيرة والصفيحية".

ويوضح الخبير في المجال البيئي أن تلك الوضعية حتمت على الدولة التدخل عبر كتابة الدولة، وهي إدارة تابعة لرئاسة الحكومة في الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، العمل من أجل إخراج عدد من البرامج.

برامج عدة لكنها غير كافية

وشرع المغرب منذ عام 1996 بمنح قطاع تدبير النفايات للقطاع الخاص بهدف إدخال منطق الأعمال والاحتراف في إدارة خدمات النفايات لتعزيز مستوى الخدمة المقدمة للمستخدمين وترشيد الإنفاق على هذا القطاع من طريق تحسين استخدام الوسائل المادية والبشرية، إضافة إلى انسحاب الجماعة المحلية من المهمات اليومية المشتركة لإدارة النفايات، مع الحفاظ على المساءلة ومراقبة الخدمات المقدمة من الشركة المنتدبة واستمرارية الخدمة العامة.

وبحسب إحصاءات رسمية نشرتها وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة المغربية تبلغ نسبة جمع النفايات من طرف القطاع الخاص بالوسط الحضري 79 في المئة، و 60 في المئة بالنسبة إلى الدفن في الأماكن، وبالتالي يستحوذ القطاع الخاص حالياً على حوالى 80 في المئة من السوق، إذ تحتكرها أربع شركات دولية.

 

 

وفي عام 2008 أطلقت المملكة البرنامج الوطني للنفايات المنزلية للفترة بين 2008 و 2022 "لرفع نسبة جمع النفايات إلى مستوى 85 في المئة عام 2016 و 90 في المئة عام 2022 والوصول إلى 100 في المئة بحلول عام 2030"، إضافة إلى إنجاز أماكن مراقبة للنفايات المنزلية والمماثلة لها في كل المراكز الحضرية عام 2022، وإعادة تأهيل كل الأماكن غير المراقبة بحلول 2022، لكن البرنامج لم يفِ بكل التزاماته.

وأشار المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لعام 2020 أن البرنامج الذي خصص له غلاف مالي قدره 40 مليار درهم (4 مليارات دولار)، مكن المغرب من تحقيق تقدم كبير في تدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، كما أن الأهداف الأخرى المسطرة في البرنامج عرفت تفاوتاً كبيراً في الإنجاز، إذ بلغ عدد المخططات المديرية التي تم استكمالها حتى نهاية 2020 ما مجموعه 45 مخططاً فقط من أصل 64.

ومن جانبه يوضح الخبير البيئي مصطفى بنرامل أن البرامج التي اعتمدها المغرب في مجال تدبير النفايات نتج منها ثلاث مستويات للمدن من حيث النظافة، وهناك مدن أصبحت في حلة وجمالية ونظافة باهية كطنجة ومراكش والرباط وأكادير وفاس شفشاون وأصيلا وتطوان، ومدن نظيفة نسبياً مثل القنيطرة ومكناس وسيدي قاسم وسلا والحسيمة والناضور، وأخرى مهمشة تعاني تكدس النفايات مثل مدن سيدي الطيبي وسيدي يحيى الغرب اليوسفية وأسفي.

ويضيف أن تلك الاعتبارات نتجت منها وضعية مقلقة من حيث نظافة المدن، وذلك في غياب برامج للتوعية سواء من طرف الجماعات الترابية أو القطاعات الحكومية المعنية بالشأن البيئي، مشدداً على ضرورة أخذ الجماعات الترابية بعين الاعتبار الإدماج الفعلي للبعد البيئي في برامج عملها والتكثيف من الحملات التحسيسية في الفضاءات العامة والمؤسسات التعليمية ودعم البحث الجامعي في هذا المجال، إضافة إلى ضرورة التطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بالنفايات الصلبة ومثيلاتها وتلوث الهواء والمياه.

المزيد من تحقيقات ومطولات