كان خبر إعلان أكبر إمبراطورية للملابس في العالم، وهي الإسبانية "زارا" (ZARA)، 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، حول أنها ستطلق خدمة لعملائها في بريطانيا لبيع الملابس المستعملة أو إصلاحها أو التبرع بها مما ينقل علامتها التجارية إلى تجارة الملابس المستعملة، مفاجئاً.
الشركة أوضحت في بيان حينها، أن المبادرة ستسهم في الحد من الهدر واستهلاك المواد الخام، من دون أن توضح ما إذا كانت ستوسع الخدمة لتشمل أسواقاً أخرى.
كانت هذه المرة الأولى التي تقدم فيها "إنديتكس"، مجموعة الأزياء التي تمتلك "زارا"، خدمة لإعادة بيع منتجاتها، وهذه الخدمة ستسمح لعملاء "زارا" في بريطانيا بالبحث عن إصلاحات لأية ملابس مستعملة من إنتاج الشركة في أي موسم، حيث تنظم عملية التسوق عبر الإنترنت أو في المتاجر، وتقدم الشركة بالفعل للعملاء خيار التبرع بملابسهم للأعمال الخيرية في عديد من الأسواق.
خطة خضراء
سبقت هذه الخطوة إعلان متاجر "زارا" منذ عام 2019 أنها ستعمد إلى استخدام الأقمشة المستدامة بحلول عام 2025، وأوضحت الشركة الأم "إنديتيكس" حينها أن متاجر "زارا" ستستخدم أقمشة القطن والكتان والبوليستر العضوية المعاد تدويرها في جميع منتجاتها، لتصبح العلامة التجارية خضراء أكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أضافت مجموعة البيع بالتجزئة الإسبانية أن الخطة الخضراء الجديدة ستمتد لتشمل علاماتها التجارية الأخرى، بما فيها "زارا هوم" و"بول أند بير" و"بيرشكا"، وصرح رئيس الشركة التنفيذي بابلو إسلا بأن العلامة التجارية عليها أن تولد التغيير، ليس فقط داخل الشركة وإنما في قطاع التجزئة بأكمله.
ومن بين أهداف الخطة الخضراء تحويل جميع متاجر "زارا" إلى متاجر "فعالة من الناحية البيئية" بحلول نهاية عام 2019، بهدف تقليل انبعاثات الكربون وتوفير الطاقة وتقليل النفايات، فضلاً عن تحويل 80 في المئة من الطاقة المستخدمة في متاجرها ومراكز التوزيع والمكاتب، إلى طاقة نظيفة عام 2025.
يأتي هذا ضمن خطوات للشركة، منها خدمة تسمح لزبائن متاجرها بإيصال الملابس والأحذية والأكسسوارات المستخدمة إلى أكثر من 1300 متجر، بهدف معالجة مشكلة نفايات الأزياء.
يذكر أن الأزياء المستدامة أصبحت في الآونة الأخيرة صيحة جديدة في صناعة الأزياء، حيث قامت علامات تجارية مثل "H&M" و"أونيكلو" بالإقبال على مبادرات صديقة للبيئة أيضاً.
نفايات الأزياء
تلك المبادرة تفتح الأبواب على أسئلة أخلاقية، أين تذهب نفايات الأزياء؟ هل يفكر المرء في الكلفة البيئية لملبوساته عند شرائها؟ كم استهلكت من الموارد؟ ما كمية الملوثات التي ألقي بها في الطبيعة أثناء عمليات الخياطة والألوان المستعملة؟ هل كل ما تصنعه مصانع الألبسة والماركات يلبسه الناس؟ ما هي الأضرار التي تلحق بالبيئة جراء رحلة قطعة الثياب من النسيج إلى الصباغة فالخياطة والبيع واستعمالها من ثم رميها في النفايات؟
تحدث عديد من التقارير البيئية عن أخطار عمليات الإنتاج، وتلك الناتجة من نفايات الملابس القديمة في غياب إعادة التدوير، من هنا جاء الحذر في استهلاك الموارد الطبيعية الذي بدأ يشق طريقه إلى عالم الأزياء، والبدء في استخدام مواد صديقة للبيئة، لضمان أقل قدر من التلوث، واستعمال الثياب لمدة أطول، وإعطائها إلى أشخاص آخرين أو إصلاحها بدل رميها كلما تغيرت التصاميم أو تبدل القياس.
الحديث عن حجم التلوث الذي ينتج من الصناعات المختلفة قد لا يكون مضبوطاً بمعايير التقييم الحقيقية، وتلك إحدى المعضلات التي تواجه الباحثين في تطرقهم لهذا الملف، تتحدث دراسة لموقع "إيكو جانغل" (Ecojungle)، المتخصص في القضايا البيئية، نشرت في أكتوبر 2022، عن الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة لعام 2022، مستندة إلى خمسة مؤشرات محورية لقياس حجم التلوث في كل صناعة على حدة، هي الضوضاء، والهواء والماء والضوء والتربة، ويعود ذلك الاستناد إلى ما تعكسه الأرقام الصادمة الخاصة بالتأثيرات البيئية.
فبحسب منظمة الصحة العالمية تسبب تلوث الهواء في وفاة سبعة ملايين شخص عام 2021، بجانب دوره المحوري في زيادة عدد ضحايا جائحة "كوفيد-19". كما يتسبب تلوث المياه بوفاة 500 ألف شخص سنوياً، حيث يلقى 14 مليار رطل من البلاستيك في المحيط كل عام، في حين ذهبت تقديرات أخرى إلى أن المياه الملوثة بشكل عام تتسبب في وفاة 1.5 مليون طفل سنوياً، إضافة إلى أن التلوث الضوضائي الذي يتسبب بـ12 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً، بجانب تسببه في إصابة عشرات الآلاف بأمراض القلب والسمع.
الأمر ذاته يسري على تلوث التربة، الذي يقود في النهاية إلى حدوث الآلاف من الوفيات سنوياً بسبب التسمم وغيره، ما يفاجئ حقاً في الدراسة نفسها لموقع "إيكو جانغل" أن صناعة الأزياء إضافة إلى صناعات رئيسة كالوقود ووسائل النقل والزراعة وبيع الموارد الغذائية، تسهم في زيادة حجم ومستوى التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية، فهي ثاني أكبر مستورد للمياه، وتمثل قرابة 10 في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، كما تشكل محوراً رئيساً في ظاهرة الاحتباس الحراري وتفشيها في السنوات الأخيرة.
التدوير كخطة مستدامة
خلال مسابقة ملكة جمال الكون 2022 أجابت الملكة الفائزة آر بوني غابرييل عن السؤال الموحد للمتسابقات عن كيفية عملهن لإثبات "ملكة جمال الكون" كمنظمة تمكينية وتقدمية، بأنها ستستخدم المنصة لتكون "قائدة تحولية"، مؤكدة عملها كقوة للخير في صناعة الأزياء، من خلال الحد من التلوث واستخدام المواد المعاد تدويرها في صنع قطع الملابس.
وتتوجه كثير من الدول نحو تطوير استراتيجيات تدعم الأزياء المستدامة، التي من الممكن أن تساعد على توقف الممارسات المدمرة للبيئة، وقد لا تكون لقطعة الثياب، التي ترتديها وأنت تقرأ هذا التقرير تأثير بيئي كبير، لكن ماذا عن تأثير ما بين 100 و150 مليار قطعة ملابس تنتجها المصانع سنوياً، وفق تقرير إحصائي نشر على موقع "فاشون يونايتد" (Fashion United)؟
لقد بات الحديث عن أضرار صناعة الأزياء والملابس مرعباً، ويحمل بين طياته تهديداً واضحاً ومباشراً لصحة الإنسان ومستقبله، حيث إن صناعة الأقمشة والملابس العالمية تستنزف كثيراً من الموارد الطبيعية، فهي تستهلك على سبيل المثال 93 مليار متر مكعب من المياه النظيفة كل عام، ولتلبية حاجتها من الأقمشة، يقطع 70 مليون طن من الأشجار كل عام، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2034، مما يزيد تدمير الغابات في العالم.
وتعد صباغة الأقمشة، التي تستخدم مواد كيماوية سامة، مسؤولة عن 17 إلى 20 في المئة من تلوث الصرف الصحي، وقد تم العثور على 72 مادة كيماوية سامة في المياه المستخدمة بصباغة المنسوجات، كما يحتوي نحو 65 في المئة من جميع الملابس على مادة "البوليستر"، وهو نوع من البلاستيك مصنع من الوقود الأحفوري، ويستهلك إنتاجه ما يقارب 70 مليون برميل من النفط كل عام.
بحسب دراسة نشرت على موقع "مدرسة كولومبيا للمناخ" (Colombia Climate School)، في يونيو (حزيران) 2021، بعنوان "لم يجب أن تكون الموضة أكثر استدامة؟"، تقدر بعض المصادر أن صناعة الملابس تسهم في زيادة الاحتباس الحراري كونها مسؤولة عن 10 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان، حيث إن إنتاج قميص من "البوليستر" ينتج عنه 5.5 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون. إضافة إلى ذلك فإن "البوليستر" صعب التحلل، مما يعني صعوبة إعادة تدوير الألبسة، وما يزيد الوضع سوءاً هو أن الناس باتوا يستهلكون الملابس بكثرة ويريدونها بأسعار رخيصة، مما يدفع الشركات إلى إنتاج الملابس بسرعة عبر استخدام ألياف النسيج الأرخص ثمناً، مثل "البوليستر" أو "النايلون"، بحسب باحثين بيئيين.
مسار الملابس المستعملة
تتبع تقرير لصحيفة "لوباريزيان" (Le Parisien) الفرنسية، مطلع أكتوبر 2022، مسار الملابس المستعملة، بدءاً بعملية إيداعها في نقاط التجميع في جميع أنحاء فرنسا، حتى إعادة بيعها بآلاف الأطنان في غانا وعديد من البلدان الأفريقية الأخرى، حيث تتراكم قطع الملابس التي لا تجد مشترياً في مكبات النفايات التي تلوث تربة الأرض والبحر.
وبحسب التقرير، فإن دولة غانا تستقبل وحدها نحو 15 مليون قطعة ملابس مستعملة كل أسبوع، 40 في المئة منها غير قابلة للبيع، ومن ثم تلقى مباشرة في مكبات النفايات.
وأفادت الصحيفة أن مكبات النفايات ليست المستقر النهائي لتلك الملابس القديمة، فمع تساقط الأمطار تنجرف الأقمشة مع الماء، لينقلها التيار إلى المحيط الأطلسي، وهناك تطلق هذه الملابس المواد الكيماوية التي تحتويها قبل أن ينتهي بها الأمر في شباك الصيادين، إذا لم يقم المد بإعادتها مرة أخرى إلى الشاطئ مشكلة جدراناً من القمامة بارتفاع ثلاثة أمتار، مثل تلك التي تراكمت على الشواطئ القريبة من العاصمة الغانية أكرا.
وأكد كاتب تقرير "لوباريزيان" أن بعض الدول الأفريقية، مثل تنزانيا وأوغندا ورواندا وجنوب أفريقيا وحتى كينيا، حاولت حظر استيراد الملابس المستعملة، لكن بعضها مثل كينيا، انسحب من هذه المقاطعة في مواجهة ضغوط من الولايات المتحدة، التي تتخلص سنوياً من نحو 16 مليون طن من الملابس المستعملة.
وينقل تقرير لموقع "بانابريوم" (Panaprium) ، المتخصص في قضايا البيئة والاستدامة، عن أجندة الأزياء العالمية (Global Fashion Agenda)، أن التأثير السلبي للملابس على البيئة يتواصل حتى بعد استهلاكها والتخلص منها، وتقدر هذه المنظمة غير الربحية حجم نفايات الأقمشة والملابس التي ينتجها البشر سنوياً في جميع أنحاء العالم بنحو 92 مليون طن، ويتوقع أن يرتفع الرقم إلى أكثر من 134 مليون طن بحلول عام 2030، إذا استمر إنتاج الملابس على النطاق الحالي نفسه.
وينتهي أكثر من 80 في المئة من الملابس المنتجة، بحسب التقرير في مكبات القمامة ثم تتحلل أو تحرق، وأثناء التحلل أو الحرق تنبعث من الملابس كميات كبيرة من الكربون والغازات السامة في الغلاف الجوي للأرض، مما يسهم بدوره في التلوث والاحتباس الحرار،. وبما أن نسبة إعادة التدوير لا تتجاوز الواحد في المئة عالمياً، والدول المتقدمة التي تنتج وتستهلك النسبة الكبرى من هذه الملابس تمنع قوانينها الإضرار ببيئتها، فإنها تتخلص من الملابس القديمة بتصديرها إلى البلدان النامية والفقيرة التي لا تتوفر فيها قوانين بيئية صارمة، حيث تبدأ حلقة جديدة من التلوث.
عادات شرائية قد تقلب المقاييس
تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن سروالاً واحداً من "الجينز" يتطلب كيلوغراماً من القطن، وتحتاج زراعة كيلوغرام القطن إلى ما يتراوح بين 7.500 و10 آلاف لتر من المياه، وبما أن موضة "الجينز" أساسية في عالم الأزياء، فإن بعض أقمشته تسبب أضراراً كبيرة على البيئة، إذ تلوث صبغات القماش المسطحات المائية وتدمر الحياة البحرية كما تلوث مياه الشرب. ويصنع بعض "الجينز" الضيق، "ليكرا" على سبيل المثال، من أقمشة اصطناعية مرنة مستخرجة من البلاستيك، ومن الصعب إعادة تدويرها، ومن ثم يتضاعف تأثيرها في البيئة.
تقول شركة "ليفي شتراوس" للـ "جينز" إن سروالاً واحداً من مصنعها ينتج ما يعادل 33.4 كيلوغرام من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ويأتي ثلث هذه الانبعاثات من عملية إنتاج القماش، وثمانية في المئة من القص والخياطة، و16 في المئة من التعبئة والنقل والبيع، و40 في المئة من استخدامات المستهلك، مثل غسيل "الجينز" والتخلص منه في مكب النفايات.
فعلى كم سروال من "الجينز" تحتوي خزانتك؟ فكر قبل أن تشتري، لأن عاداتك الشرائية تؤذي كوكب الأرض وتفاقم من أزمة المناخ، حيث إن صناعة الأزياء تتسبب بأضرار بيئية عديدة بسبب الوتيرة المتسارعة التي تتغير بها الموضة من موسم إلى آخر، والتي تغري المستهلك بالشراء لمواكبتها.
من هنا يطالب ناشطون بيئيون بأساليب أكثر استدامة لإنتاج القطن والصوف، وحصر استخدام المواد الصناعية في الأقمشة بتلك الأقل ضرراً على البيئة، كما يدعون الشركات المنتجة إلى استرجاع الألبسة المستعملة لإعادة تصنيع المواد الأولية المستخدمة فيها.
ويقدم الناشطون البيئيون إلى المستهلكين جملة نصائح لشراء ملابسهم، منها اختيار القطن والصوف المنتجين بطريقة عضوية، وعدم الانجراف السريع مع صيحات الموضة المتغيرة، وشراء ألبسة متينة تدوم لمدة أطول، واستئجار الملابس بدل شرائها للمناسبات الخاصة مثل الأعراس وحفلات الاستقبال، والتبرع بالملابس المستعملة أو بيعها بدلاً من رميها، وشراء الملابس المستعملة.