تنطلق اليوم 13 ديسمبر (كانون الأول) أعمال النسخة الثانية من القمة الأميركية - الأفريقية، وسط ترقب وزخم إعلامي كبير لم يخلُ من جدل، خصوصاً بعد تأكيدات مسؤولين أميركيين بأن الرئيس جو بايدن لا يعتزم عقد لقاءات ثنائية مع رؤساء الدول المشاركة، وهو ما قد يشكّل ضربة للقمة التي يخشى مراقبون بأن تكون رمزية من دون مبادرات ذات أثر ملموس.
لا خطط واضحة
وتعقد القمة التي تستضيفها واشنطن امتداداً لتقليد بدأه الرئيس الأميركي باراك أوباما في 2014، وسط غموض حول قدرة واشنطن على دعم مصالح الدول الأفريقية، وخفض اعتمادها المتزايد منذ سنوات على الصين، خصوصاً مع عدم تحضير إدارة بايدن لأي خطط واضحة لهذه القمة، بخلاف الأسلوب الذي اتبعته في تنظيمها لتجمعات مشابهة الحجم.
ويخشى مراقبون أن يضاعف غياب الاجتماعات الثنائية بين بايدن ونظرائه الأفارقة الفجوة بين واشنطن وأفريقيا، وأن يخلص قادة القارة بعد قطعهم آلاف الأميال إلى أن أميركا لا تعبأ بهم بقدر الصين، وأنها تعاملهم ككتلة لا دول لها مصالحها وهمومها الخاصة. وعلى رغم هذه المخاوف، فإن إدارة بايدن تبدو ماضية في قرارها برفض تلبية طلبات الدول المشاركة بتنظيم لقاءات ثنائية، والاكتفاء بالفرص العفوية لتبادل الأحاديث بين الزعماء، على هامش القمة الممتدة لثلاثة أيام، وفق ما ذكره مسؤول في إدارة بايدن في موجز صحافي الخميس الماضي.
ووضعت تساؤلات الصحافيين حول تجنب بايدن للقاءات الثنائية مسؤولي البيت الأبيض في حرج، ومنهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الذي حاول في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، التقليل من رمزية الخطوة، في حين بدا الصحافي السائل غير متفق معه، مستشهداً بالعناء الذي تكبدته الوفود الأفريقية لحضور القمة، والتكاليف الباهظة لرحلات الطيران والسكن، من دون أن يتمكن الرؤساء من مقابلة نظيرهم الأميركي.
تبرير إدارة بايدن
ونقلت مجلة "بوليتيكو" عن مصدر مطلع على خطط الإدارة الأميركية قوله إن البيت الأبيض أبدى قلقاً من أن التحضير لاجتماعات ثنائية بين بايدن ونظرائه الأفارقة سيخلق انقساماً، نظراً إلى أنه من غير الممكن تلبية جميع الطلبات، وسط حضور ما يقرب من 50 زعيماً.
وفي وقت سابق، أعرب جان دي نديكومانا سفير جمهورية بوروندي لدى الولايات المتحدة عن أمله في أن يستجيب البيت الأبيض لطلبات الاجتماعات الثنائية ولو لمدة قصيرة، مشيراً إلى أن القادة الأفارقة "يعبرون المحيط" للمجيء إلى واشنطن. لكن أجندة الرئيس بايدن حتى الآن لا تتضمن اجتماعات ثنائية مع رؤساء الدول وتقتصر على أنشطة القمة ومنها مأدبة خاصة، يأمل المسؤولون في أن تسمح للزعماء المشاركين بتبادل الأحاديث مع بايدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الماضي غير مبشر
لكن المخاوف التي تنذر بفشل اجتماع القادة قبل أن يبدأ ليست محصورة على تجاهل رغبة الوفود الأفريقية في لقاءات منفصلة مع سيد البيت الأبيض، بل إن تاريخ القمة نفسها يشكّل هاجساً للدول المشاركة، فالقمة التي دشّنها للمرة الأولى الرئيس السابق باراك أوباما قبل 8 سنوات لم تتمخض عنها التزامات ملموسة، بل على العكس، شعر القادة الأفارقة بعد اجتماعهم الأول، وفق الكاتب الأميركي فيليم كاين، بأنه تم خداعهم، وذلك بعدما خفّض أوباما المساعدات الخارجية لدولهم.
في المقابل، وسّعت الصين من وجودها في القارة، وأصبحت الشريك التجاري الأول لدول أفريقيا جنوب الصحراء، من خلال تصدير عدد متنوع من المنتجات، وشراء كميات هائلة من المنتجات الزراعية والسلة الأفريقية بما فيها النحاس والنفط. وعلى مدار العقدين الماضيين، شرعت بكين في بناء الطرق والموانئ في جميع أنحاء أفريقيا، ورفعت بانتظام مساعداتها الخارجية لها. ومنذ 1991، حرص وزراء الخارجية في الصين على أن تكون أفريقيا وجهتهم الخارجية الأولى.
وتملك الصين في أفريقيا شركاء أكثر من الولايات المتحدة لأن تواصلها الدبلوماسي لا يعتمد على ما إذا كانت تلك الدول ديمقراطية أم لا.
لكن الصين ليست وحدها السبب في تنامي الفجوة بين واشنطن وأفريقيا، فالسياسة الخارجية الأميركية على مر السنين تجاهلت القارة، إذ يقول ديفيد شين، السفير الأميركي السابق لدى أثيوبيا، "لطالما كانت أفريقيا في ذيل قائمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية، وهذا ينطبق أيضاً على إدارة بايدن". وفي مقارنة بين أسلوبي واشنطن وبكين، يقول شين، "الولايات المتحدة سوف تضرب على الطاولة وتقول: عليك تحسين تصرفاتك، والدعوة لانتخابات حرة ونزيهة، في حين يسدّ الصينيون أنوفهم، ويتعاملون مع الحكومة الموجودة".
ملعب للقوى العظمى
وبحسب مختصين، فإن بايدن سيواجه صعوبة في إقناع القادة الأفارقة باختيار الولايات المتحدة واستبدال الصين، في الوقت الذي تتنامى فيه الصلات بين بكين وأفريقيا، وهو ما تجسّد في تصريح السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، تشين جانغ، في قمة "سيمافور - أفريقيا" الاثنين الماضي، بأن العلاقات بين الصين وأفريقيا هي "حجر الأساس لسياسة الصين الخارجية".
وتطمح واشنطن إلى كسب أفريقيا إلى جانبها لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنظمات الدولية والمتعددة الأطراف، الذي انعكس في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما شكّلت الدول الأفريقية ما يقرب من نصف الدول الـ 28 التي أيدت قراراً صينياً يرفض مزاعم ارتكابها جرائم ضد الإنسانية في إقليم شينجيانغ ويعتبرها "معلومات مضللة".
في المقابل، يخشى زعماء الدول الأفريقية أن تتحول بلدانهم ملعباً للقوى العالمية، ولذلك يؤكد منظمو القمة على أن الحدث لا علاقة له بالصين، وقال مسؤول في الإدارة الأميركية في مؤتمر صحافي الخميس الماضي إن القمة لا تدور حول "الدول الأخرى وانخراطها مع أفريقيا"، مشيراً إلى العلاقات التاريخية التي تجمع واشنطن بدول القارة.
لكن السيناتور كريس فان هولين الذي يعمل في لجنة الشؤون الأفريقية التابعة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ يختلف مع هذه المقاربة، قائلاً إن الولايات المتحدة ستقدم من خلال القمة "نموذجاً اقتصادياً أفضل وأكثر استدامة يعامل شركائنا بإنصاف أكبر من تعامل بكين معهم"، لافتاً إلى أن قوة هذا النموذج تكمن في تناقضه مع "دبلوماسية الديون" الصينية التي يعتبرها وغيره فخاً للدول الأفريقية، وهو الاتهام الذي دفع الصين إلى إعفاء 17 دولة من سداد القروض في أغسطس (آب) الماضي.
ويعكس التنافس بين الولايات المتحدة والصين لكسب الود الأفريقي صراعهما لتعزيز التحالفات في أجزاء أخرى من العالم، وتسهيل الوصول للموارد الاقتصادية، ولكن بحسب صحيفة "بوليتيكو"، فإنه وعلى عكس آسيا والشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة متأخرة في أفريقيا ولم تفعل سوى القليل لمجاراة جهود بكين هناك.
ومن المحتمل أن يشكل التفاعل الدبلوماسي المتواضع بين بايدن ونظرائه الأفارقة عقبة أمام القمة التي يتعهد مساعدو الرئيس الأميركي بأن تكون مختلفة عن نسختها الأولى المخيبة لآمال القارة. وعن القمة، يقول تيبور ناغي، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية سابقاً "إذا كانت رمزية لا أكثر، فستكون كارثة لأنه لا يمكن لأحد التفوق على الصينيين في ذلك". ويضيف مستغرباً، "لماذا يسافر الزعماء الأفارقة إلى هنا، إذا لم يكن هناك وقت للقاء جو بايدن؟".
مصالح أميركا في أفريقيا
تكمن أهمية أفريقيا للولايات المتحدة في كونها سوقاً نامية للمنتجات الأميركية ومصدراً للسلع الأساسية مثل الكوبالت والليثيوم الضروريين لصناعة السيارات الكهربائية سريعة التوسع في أميركا. وتعتبر واشنطن التعاون مع الدول الأفريقية ضرورياً لأمنها القومي ومكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة، مثل "بوكو حرام" في غرب أفريقيا و"حركة الشباب" في القرن الأفريقي.
وتتضمن أجندة إدارة بايدن للقمة الأميركية - الأفريقية في نسختها الثانية مبادرات لتعزيز السلام والأمن في القارة، وتحسين الأمن الغذائي ومساعدة الدول الأفريقية على التعامل مع أزمة المناخ. ويتطلع القادة الأفارقة إلى أن يفي بايدن بوعده بتوجيه الأموال من برنامج استثمار البنية التحتية لمجموعة السبع إلى مشاريع في أفريقيا، ويمدد إعفاء الرسوم الجمركية على بعض الواردات الأفريقية الذي أقرته إدارة أوباما.
وقبيل القمة، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيدعم حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد دائم في مجموعة العشرين. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن هذه الخطوة تعكس اعتراف الإدارة بالحاجة إلى "المزيد من الأصوات الأفريقية (في) المحادثات الدولية" حول القضايا التي تشغل العالم.