Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح القمة الأميركية - الأفريقية في تجاوز العثرات السابقة؟

القارة السمراء سوق واعدة وتمتلك نصف الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم

استبق الرئيس جو بايدن قمة أميركا - أفريقيا بتأكيد تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية (أ ف ب)

على مدى ثلاثة أيام يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن قادة 49 دولة أفريقية في واشنطن لحضور قمة أميركا - أفريقيا الثانية في محاولة لإصلاح الأخطاء التي وقعت فيها القمة الأولى عام 2014، والتي بشرت بحقبة جديدة في العلاقات الأميركية مع القارة السمراء ليتضح فيما بعد أنها كانت مفرطة في الطموح، فهل تمتلك واشنطن الأدوات الكافية لتلافي عثرات الماضي ودفع العلاقات مع أفريقيا إلى مناطق جديدة تسمح بمنافسة الخصم الصيني أم تسبقها بكين في الفوز بقارة المستقبل كما يحلو للخبراء وصفها؟

من يائسة إلى واعدة

قبل 20 عاماً، أطلقت مجلة "إيكونوميست" على أفريقيا اسم "القارة اليائسة"، لكن اليوم يشار إليها بأنها "القارة الواعدة" بعد أن اختلفت المخاطر المرتبطة بالاستثمار في أفريقيا اختلافاً كبيراً من الناحية السياسية والاقتصادية، مما جعل القارة مركزاً لتنافس القوى العظمى في العالم على تعزيز الروابط معها، إذ ينمو السكان بمعدل أسرع من أي قارة أخرى، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان القارة الذي يزيد على 1.2 مليار نسمة حالياً إلى 2.5 مليار نسمة معظمهم من الشباب في الأعوام الـ30 المقبلة، وأظهر تقرير للأمم المتحدة أن جمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا أسهمت بأكثر من نصف الزيادة التي أدت إلى بلوغ عدد السكان 8 مليارات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

مع ذلك، فإن فرص القارة في الازدهار والنمو واعدة ليس بسبب السوق الضخمة التي ستمثلها بمرور السنين فحسب، ولكن لأنها تتحول من أفقر قارة في العالم إلى قارة واعدة بالفرص أيضاً. ويتوقع البنك الدولي أن تصل معظم البلدان الأفريقية إلى وضع الدخل المتوسط (المحدد بـ1025 دولاراً أميركياً للفرد سنوياً) بحلول عام 2025 وتأرجح متوسط النمو في القارة على مدى العقدين الماضيين بين 4.5 في المئة وخمسة في المئة، بل تجاوز متوسط النمو في خمسة بلدان ستة في المئة، وبينما أثر الركود الناجم عن "كوفيد-19" بشدة على البلدان الغنية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مع انكماش بنسبة 5.5 في المئة عام 2020، كانت البلدان الأفريقية أكثر مرونة، إذ تقلص النمو بنسبة اثنين في المئة فقط.

علاوة على ذلك، زادت الاستثمارات في البنية التحتية، وتم تعميق التكامل الإقليمي الذي بلغ ذروته في إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية عام 2019، وضخ مقادير أكبر من الدخل لدعم الأسواق المحلية للاستهلاك، وأدت زيادة انتشار الهواتف المحمولة والرقمنة التي تسارعت من جراء فيروس كورونا إلى نمو هائل في رأس المال الاستثماري في الأسواق الأفريقية، ففي عام 2016، كان إجمالي رأس المال الاستثماري المتدفق إلى المنطقة أعلى بقليل من 350 مليون دولار، ولكن بعد خمس سنوات بلغ أربعة مليارات دولار، ذهب نصيب الأسد منها إلى نيجيريا ومصر وجنوب أفريقيا وكينيا، وكان أكثر من 60 في المئة من رأس المال يأتي من كيانات مرتبطة بالولايات المتحدة.

قارة المستقبل

وأسهم التفاعل بين الاستقرار السياسي وإدارة الاقتصاد الكلي الأفضل والتغير التكنولوجي والتركيبة السكانية الشابة في دعم القارة والعودة إلى النمو بعد أزمة "كوفيد-19" كما حدث بعد صدمة النفط لعام 2016، إذ انتعش النمو الأفريقي مرة أخرى إلى 3.7 في المئة عام 2021، ما أظهر مرونة غير متوقعة بعد انكماش اقتصاد القارة بنسبة 1.7 عام 2020.

ووفقاً للأمم المتحدة، تمتلك القارة 40 في المئة من ذهب العالم وما يصل إلى 90 في المئة من الكروم والبلاتين، ويوجد فيها أكبر احتياطيات من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم. وتمتلك 65 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم و10 في المئة من مصدر المياه العذبة المتجددة الداخلية على كوكب الأرض.

لهذا تقول وزارة الخارجية الأميركية على موقعها إن أفريقيا ستشكل المستقبل، ليس مستقبل الشعوب الأفريقية فحسب، ولكن مستقبل العالم أيضاً، لأنها ستحدث الفارق في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً واغتنام الفرص التي تواجه الجميع، وهو الأمر الذي تراهن عليه واشنطن مع اقتراب موعد القمة الأميركية - الأفريقية في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لإظهار التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أفريقيا، وتأكيد أهمية العلاقات وزيادة التعاون في شأن الأولويات العالمية المشتركة.

التنافس مع الصين

ويبدو أن التحرك الأميركي الذي يصفه البعض في واشنطن بأنه صحوة متأخرة، يستهدف مواجهة الصين التي أصبحت خلال العقدين الماضيين الشريك التجاري الأكثر أهمية لأفريقيا والممول الأكبر للبنية التحتية في مشاريع وصلت قيمتها إلى 23 مليار دولار بين عامي 2007 و2020، وذهب أكثر من سبعة مليارات دولار من هذا التمويل إلى البنية التحتية للاتصالات.

والصين هي الشريك التجاري الأكبر للقارة الأفريقية، وسجلت التجارة الثنائية رقماً قياسياً بلغ 254 مليار دولار العام الماضي، فيما سجلت الولايات المتحدة، وهي رابع أكبر شريك تجاري لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، 64 مليار دولار في عام 2021، وسيؤدي تحرك بكين هذا الشهر لرفع الرسوم الجمركية على 98 في المئة من الواردات من اقتصادات أفريقيا الـ10 الأقل نمواً إلى توسيع هذا التفاوت.

لهذا استبق الرئيس بايدن القمة بتأكيد تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني ومجتمعات الشتات في جميع أنحاء الولايات المتحدة والقطاع الخاص لمواصلة تعزيز الرؤية المشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وأكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن القارة شكلت ماضينا، وتشكل حاضرنا، وستشكل مستقبلنا، في إشارة صريحة إلى أن القارة التي تضم 54 دولة تعد لاعباً جيوسياسياً مهماً وتمتلك فرصاً واعدة من الازدهار الديموغرافي، ولديها نصف الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم ويتخذ قادتها خطوات لتوسيع حركة السلع والأفراد ورأس المال داخل القارة.

وتطمح الولايات المتحدة من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية والتعاون في مجالات متشعبة من الأمن الصحي والغذائي والاستجابة لأزمة المناخ إلى تعزيز التعليم والقيادات الشابة والالتزام بالديمقراطية وتعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والمجتمع المدني. وتراهن الإدارة الأميركية على الدفع بهذه الملفات، عبر الحزم الاقتصادية والاستثمارية. فمنذ يونيو (حزيران) 2019، ساعدت الحكومة الأميركية لإبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه عبر 45 دولة أفريقية، تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار من الصادرات والاستثمارات، من خلال مبادرة ازدهار أفريقيا، التي تستفيد من خدمات وموارد 17 وكالة حكومية أميركية لزيادة التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية.

إضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة على تحسين البنية التحتية وأنظمة المياه والصحة والغذاء في 16 من أصل 20 دولة أكثر عرضة للتأثر بالمناخ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتضخ مئات الملايين من الدولارات لتحسين النظم الصحية، مثل خطة الرئيس الأميركي للإغاثة من الإيدز ومبادرة أخرى لمكافحة الملاريا ولقاحات كورونا التي تبرعت بها الولايات المتحدة للدول الأفريقية، فضلاً عن جهود الحد من الجوع العالمي والاستثمار في المشاريع الزراعية والابتكار في القارة.

سد الفجوة

لكن ذلك لم يكن كافياً لتبديد الإحساس المتزايد في واشنطن على أن هذه القمة تستهدف بالأساس سد الفجوة مع منافسي الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء في ما يتعلق باستمرارية التعاون والاهتمام بالقارة الأفريقية، خصوصاً بعد القمة الأولى عام 2014 التي قادها الرئيس الأسبق باراك أوباما باعتباره الرئيس الأميركي الأول من أصل أفريقي. وهي القمة التي نظر إليها كثيرون باعتبارها ستكون بداية حقبة جديدة في العلاقات الأميركية - الأفريقية.

على سبيل المثال، عقدت الصين والمملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى لقاءات رفيعة المستوى مع القادة الأفارقة لسنوات وعقود، كما هي الحال في منتدى التعاون الصيني - الأفريقي وقمة أفريقيا – فرنسا، اللتين تعقدان سنوياً إما في الصين أو فرنسا أو في دولة أفريقية.

كما أن القمة الأميركية الأفريقية عام 2014 سبقتها زيارتان لأوباما إلى أفريقيا، ففي عام 2009 ألقى خطابين تاريخيين، أحدهما إلى العالم الإسلامي في القاهرة، والآخر للأفارقة في أكرا. وفي عام 2010، بعد عام من ولايته الأولى، أطلق مبادرة القادة الأفارقة الشباب. وبعد ثلاث سنوات زار السنغالي وجنوب أفريقيا وتنزانيا، حيث أعلن عن مبادرة شراكة للطاقة الكهربية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وفي العام نفسه أطلق مبادرة التجارة مع أفريقيا.

لكن على رغم ذلك، لم تكن هناك قمة متابعة قبل انتهاء فترة ولايته، واستغرق الأمر ثماني سنوات، أي ما يعادل فترتين رئاسيتين أميركيتين لاستضافة الولايات المتحدة قمة أخرى، إذ شهدت السنوات الفاصلة استراتيجية "أميركا أولاً" التي شهدت تراجع المشاركة الخارجية لواشنطن. وهو ما يعني للقادة الأفارقة الافتقار إلى الجدية في نهج الولايات المتحدة كشريك غير موثوق به.

أزمة ثقة

مع ذلك، لم يشر الرئيس بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض إلى أي اهتمام خاص بأفريقيا بحسب ما يقول فيمبا ديزوليلي، مدير برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إذ التقى بايدن حتى الآن بعدد أقل من رؤساء الدول الأفريقية مقارنة بأوباما أو دونالد ترمب في هذه المرحلة نفسها من فترتهم الرئاسية. ولم يشر البيت الأبيض إلى إذا ما كان الرئيس سيسافر إلى أفريقيا في وقت ما خلال فترة ولايته. وهي ركيزة تقليدية للعلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومقارنة مع الاهتمام الذي يلقاه القادة الأفارقة بشكل أكثر انتظاماً من نظرائهم من الصين وفرنسا وروسيا، وغيرها، فإن عدم وجود زيارة رئاسية أميركية لأفريقيا، بغض النظر عن مدى نجاح القمة المقبلة، لن يؤدي إلا إلى تقويض الجهود المبذولة لإظهار جدية واشنطن المتجددة. بالتالي، فإن إدارة بايدن تقترب من القمة الثانية مع عجز في الثقة، خصوصاً أن صحيفة "بوليتيكو" أشارت في تقرير لها قبل أيام إلى أن قمة واشنطن لا تتضمن أي لقاءات ثنائية بين الرئيس الأميركي وأي من القادة الأفارقة المشاركين، مما سيؤدي إلى إحباط القادة الزائرين المتحمسين لتمضية بعض الوقت مع الرئيس الأميركي لالتقاط الصور وتبادل الأفكار وحسن النيات.

وعلى رغم أن البعض في البيت الأبيض كان قلقاً من أن جدولة أي جلسات ثنائية بين بايدن ونظرائه الأفارقة ستخلق خلافاً، نظراً إلى صعوبة تلبية طلبات نحو 50 زعيماً يودون الظهور للجماهير في أوطانهم بلقاء مع الرئيس الأميركي، فإن مسؤولين سابقين يحذرون من أن السفر آلاف الأميال من دون هذا اللقاء يعطي انطباعاً بأن الولايات المتحدة لا تهتم ببلدانهم بقدر اهتمام الصين، وأنها تفضل معاملتهم ككتلة بدلاً من الحكومات الفردية.

وتشير "بوليتيكو" إلى أن بايدن كان أكثر تركيزاً على أوروبا طوال فترة وجوده في منصبه، بسبب الحرب في أوكرانيا، إذ أمضى كثيراً من الوقت في الاجتماعات والمكالمات مع القادة الأوروبيين أكثر من أي جزء آخر من العالم، وعادة ما تكون أفريقيا في ذيل القائمة، وأن عدم تخصيص الوقت للاجتماعات وجهاً لوجه يحرم بايدن من فرصة الاستفادة من هذا الاتصال مع القادة الأفارقة لتعزيز النيات الحسنة في البلدان التي تكون فيها الصين الراعي الأجنبي المهيمن.

عوائق أخرى

وفي حين تراهن إدارة بايدن على الاستفادة من بدء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية واستثمار الولايات المتحدة في شراكتها مع القارة، بالتركيز على الشمولية، فإن المستثمرين الأميركيين تجاهلوا أفريقيا بعناد على رغم التباطؤ السريع في الاقتصادات الأوروبية والأميركية والخوف من ركود يلوح في الأفق بشكل كبير، واحتياجهم إلى البحث عن أسواق جديدة توفرها أفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر ديناميكية من الناحية الديموغرافية في العالم.

وعلى رغم البيانات الاقتصادية المقنعة، فإن قصة النمو الأفريقي لم تسفر عن زيادة مصاحبة في الاستثمار من اللاعبين العالميين، إذ يتم الاستثمار في المنطقة من قبل المستثمرين القدامى أنفسهم، بما في ذلك مؤسسات تمويل التنمية، بينما يظل المستثمرون الآخرون على الهامش بسبب تصوراتهم الخاطئة. ففي حين يرى الذين استثمروا في المنطقة أن أفريقيا هي الوجهة الاستثمارية الأكثر جاذبية، ينظر أولئك الذين ليس لديهم عمليات في الأسواق الأفريقية أنها منطقة أقل جاذبية، ما يخلق الارتباك والتردد.

ويقول أوبري روبي، كبير الباحثين في مركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، إن لدى معظم المستثمرين الأوروبيين والأميركيين الكبار تحيزاً مرجعياً ذاتياً، إذ إنهم ينظرون إلى الفرص الأفريقية من خلال عدسة بيئات عمل السوق الخاصة بهم، ويتطلع كثيرون منهم ببساطة إلى إضافة علاوة عالية المخاطر للتعويض عن الاستثمار في الأسواق الأفريقية، بينما يريد البعض الآخر استخدام مليارات الدولارات من خلال استراتيجيات تركز على البنية التحتية أو المناخ.

مع ذلك، تعد القمة فرصة كبيرة لتفعيل بعض الالتزامات حسنة النية التي تعهدت بها إدارة بايدن حتى هذه المرحلة، ولكن مع هذه الفرصة تأتي أخطار الفشل في الوفاء بها. وهذا يستلزم الحذر لأن عدم تلبية التوقعات المتواضعة للأفارقة يعني أن الصين ستفوز حتماً بسباق الفوز بالقارة السمراء خلال العقود المقبلة.

المزيد من تقارير