سويعات وتنعقد قمة قادة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، وسط ظروف جيوسياسية قد تكون الأصعب في تاريخ المجموعة. وتأتي القمة عقب الاستقطاب الناتج من الحرب الروسية - الأوكرانية، ومقاطعة الدول الغربية لموسكو، في وقت تحاول فيه إندونيسيا الوصول برئاستها المجموعة إلى بر الأمان والتزام سياستها المحايدة.
وعلى رغم مما تشير إليه التوقعات من إمكانية الخروج من القمة من دون بيان مشترك، فقد تنجح الدورة المقبلة في الوصول إلى عدد من الاتفاقيات سيراً على نهج الاجتماعات الوزارية التي أجريت على مدى العام.
وتمثل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين أكثر من ثلثي سكان العالم، مع حجم تجارة عالمية بلغ 75 في المئة و80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
بالي تتأهب
منذ تسلمت إندونيسيا مقاليد الرئاسة لمجموعة العشرين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت الحكومة عن خططها للفعاليات والمؤتمرات المصاحبة التي ستنعقد قبيل الحدث الأكبر مع انعقاد قمة القادة في جزيرة بالي.
وتتأهب إندونيسيا للحدث الدولي من خلال إجراء تدريبات أمنية مكثفة في بالي، التي تستضيف قمة القادة في 15-16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وأعلنت القوات المسلحة عن مئات السيارات الكهربائية لدعم ومرافقة رؤساء الدول والحكومات الضيوف في القمة، إلى جانب السفن البحرية والطائرات من دون طيار.
وذكرت الشرطة الوطنية الإندونيسية عن جاهزية ثمانية آلاف ضابط وشرطي لتأمين أنشطة قمة القادة، كما دعا مسؤول وزاري إندونيسي المدارس والمكاتب في بالي إلى العمل من بعد تجنباً للازدحام والتجمعات خلال يومي القمة، إلى جانب تجهيز 23 فندقاً لإقامة الوفود القادمة من دول العشرين.
وتعمل إندونيسيا على الترويج لثقافتها ومنتجاتها خلال يومي القمة، ودعماً من الحكومة للصناعات المحلية الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة، اختارت جاكرتا عدداً من المشروعات والشركات الوطنية لتكون العارض الرئيس للمنتجات في فئات عدة، منها المصنوعات اليدوية والأزياء والطعام ومنتجات الجمال والصحة. وتتوقع وزارة السياحة الإندونيسية أن تستقطب القمة نحو 50 ألف سائح أجنبي، لتزيد من مدخول العملة الصعبة بـ1.7 مليار دولار.
إندونيسيا وإدارة الأزمات
تلقي الأزمة الأوكرانية بظلالها على اجتماع القمة المقبل، خصوصاً مع تردد الشكوك حول إمكانية التوصل إلى بيان ختامي متفق عليه من قبل دول العشرين، التي تشهد أكبر انقسام في تاريخها. ويذكر مراقبون للشأن الدولي أن ما أقدمت عليه روسيا من وقف التعاون مع الأمم المتحدة في تصدير الحبوب ثم إعادة الانضمام إلى الاتفاق، قد يمثل محاكاة لما قد يصدر من مقررات القمة المرتقبة في بالي. كما يرجح أن تطرح مسألة التسلح النووي في أوكرانيا على طاولة مناقشات قمة القادة، وهي النقطة الخلافية الثانية التي قد تزيد من عمق الانشقاق بين دول العشرين.
وتواجه إندونيسيا تحدياً صعباً في رئاستها مجموعة العشرين خلال العام الحالي، فالحرب الروسية - الأوكرانية ألقت بظلالها على اجتماعات القمة بين دول المجموعة، لتحد من التوافق بين أطراف النزاع المباشر وغير المباشر، خصوصاً مع تمسك الدول الغربية بموقفها ضد روسيا والعقوبات الاقتصادية الموقعة عليها.
كما يرجح محللون أن تعوق التوترات القائمة الوصول إلى إجماع والتزام بين جميع أطراف القمة، وظهرت مؤشرات لغياب الإجماع في عدد من الاجتماعات الوزارية التي تسبق قمة القادة. وغاب صدور البيان الختامي المشترك عن عدد من الاجتماعات الوزارية مثل اجتماع وزراء البيئة والمناخ أغسطس (آب) الماضي، بسبب اعتراضات على اللغة المستخدمة في الأهداف المناخية والحرب ضد أوكرانيا، وفي اجتماعات عدة لوزراء المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تعرضت جاكرتا لضغوط من الدول الغربية لإقصاء روسيا من القمة، ومن المشاركة في الاجتماعات الوزارية، وهو ما يعرض سياسة الحياد التي ينتهجها الأرخبيل للخطر. وفي وقت سابق، طالب الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة إطاحة روسيا من مجموعة العشرين أو مشاركة أوكرانيا خلال القمة المرتقبة في نوفمبر، وهي الدعوة التي صدقت عليها كندا وعدد من الدول الغربية.
على جانب آخر، رفضت إندونيسيا هذه الدعوات، إذ دعت الرئيس الروسي لحضور القمة، وبتأييد صيني برازيلي، فيما طالبت الصين بتجنب مناقشة الحرب المستعرة في جدول أعمال قمة العشرين مثمنة الدور الروسي في المجموعة. كما سعت إندونيسيا إلى معالجة القضايا الرئيسة لرئاستها خلال هذا العام مصممة على تأسيس نظام صحي عالمي، وقضايا مستدامة كتحول الطاقة والاقتصاد الرقمي، إلى جانب التعامل مع القضايا التي فرضتها أزمات الجائحة والحروب كأزمتي الغذاء والطاقة ومعدلات التضخم المرتفعة ومشكلات التوريد وسلاسل الإمداد.
ويتوقع مراقبون أن يشتمل التعاون لدول العشرين من أجل الوصول إلى الأمن الغذائي تكوين مخازن استراتيجية عالمية وإقليمية للغذاء. كما ستعمل إندونيسيا على استكمال خريطة طريق نحو إطار عمل مشترك لقياس الاقتصاد الرقمي التي قدمت في رئاسة السعودية مجموعة العشرين عام 2020، لهيكلة الاقتصاد الرقمي وعدد من مؤشرات الأداء لقياس الوظائف والمهارات والنمو في هذا القطاع.
وتسعى المبادرة إلى التوسع في القطاع، لجني آثار التحول الرقمي بالتزامن مع المساواة الدولية والبيئة مع الاستقرار السياسي.
اجتماعات الوزراء
على مدى العام الحالي، أجرت المجموعة عدداً من الاجتماعات على المستويات الوزارية ومجموعات العمل لدول العشرين، وكان أبرز هذه الاجتماعات التي سبقت قمة القادة لقاء وزراء المالية والزراعة في واشنطن أكتوبر (تشرين الأول) الماضي برئاسة إندونيسيا والسعودية، الذي أكد ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أزمة الغذاء العالمية.
وكان هناك أيضاً اجتماع وزراء الصحة لدول العشرين في أكتوبر الماضي، واجتماع وزراء التنمية واجتماع وزراء العمل والتوظيف في سبتمبر (أيلول) الماضي، كما اجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لدول العشرين أربع مرات كان أولها في فبراير (شباط) وآخرها في أكتوبر الماضيين.
ومن بين القضايا المالية التي نوقشت خلال اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية تأسيس صندوق الوساطة المالية للاستجابة والوقاية للأمراض وأي جائحة مستقبلية، ونجحت المجموعة خلال هذا العام في توفير تمويل وصل إلى 1.4 مليار دولار للصندوق، إلى جانب حزمة الضرائب العالمية لتحسين نظام الضرائب.
واتفق الوزراء في شأن عدد من القرارات على رغم غياب صدور بيان ختامي مشترك، ومن بينها مساعدة الدول التي تعاني ضائقة الديون، ومعالجة مشكلات الديون في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط من خلال إطار عمل مشترك لتنظيم الديون.
وكان اجتماع وزراء البيئة لدول العشرين من أبرز الاجتماعات الوزارية إذ شهد فشل المجموعة في تبني بيان مشترك. وعلى رغم ما صدر من تصريحات من قبل إندونيسيا عقب الاجتماع بتعهد وزراء البيئة للمجموعة بتقليل آثار تدهور الأراضي والجفاف وحماية الأنظمة البيئية للأراضي والغابات وتقليل التأثيرات في التغير المناخي وخسارة التنوع البيولوجي، فإن مجموعة العشرين لم تخرج ببيان مشترك بين جميع أطرافها.
كما اختتم اجتماع وزراء الطاقة لدول العشرين في سبتمبر الماضي من دون إصدار بيان ختامي مشترك عن محادثات في شأن تغير المناخ وقضايا تأمين الطاقة واستقرار أسعارها دولياً.
من ناحية أخرى أسفرت الاجتماعات عن إعلان إندونيسيا موافقة دول المجموعة على ما يعرف باسم "حزمة بالي" التي تعمل على تسريع تحول الطاقة من خلال اتخاذ وتنفيذ خطوات عدة، منها تقوية الثقة والشفافية في التخطيط على المستويات الوطنية وزيادة المرونة في مجال الطاقة وتحقيق الاستقرار في الأسواق وتأمين مصادر الطاقة.
غياب بوتين ولقاء بايدن مع شي
أعلنت سفارة روسيا لدى إندونيسيا رسمياً منذ أيام قليلة تغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن حضور القمة شخصياً، وقال الكرملين إن بوتين لن يحضر القمة لأن جدول أعماله يحول دون ذلك، ولا يعتزم توجيه رسالة عبر الفيديو خلال القمة.
وكانت إندونيسيا قد أعلنت في أبريل (نيسان) الماضي عن دعوتها أوكرانيا لحضور اجتماعات العشرين، إلى جانب دعوة الرئيس الأوكراني لحضور قمة القادة في نوفمبر. وتأكد حضور عدد كبير من القادة وصل إلى 16 رئيساً ورئيس وزراء، بحسب التصريحات الإندونيسية الرسمية.
ومن بين الزعماء الذين أكدوا حضور القمة الرئيس الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني المنتخبة حديثاً ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وحتى الآن يبدو حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون افتراضياً.
وأعلن البيت الأبيض عن لقاء ثنائي بين الرئيسين الأميركي والصيني على هامش قمة العشرين لمناقشة عدد من القضايا منها الحرب الروسية - الأوكرانية.
التغيير أم السقوط
مع ظهور الانقسامات الواضحة بين أعضاء مجموعة العشرين في عدد من القضايا، خصوصاً بعد الحرب الروسية - الأوكرانية يخشى البعض من إمكانية تفكك المجموعة أو فشلها. وحذر دبلوماسي إندونيسي مسبقاً من أن تفكك المجموعة قد يسبب الأحادية لجميع الدول، وأن هناك حاجة إلى بقاء مجموعة العشرين كما هي منصة عالمية للتعاون الاقتصادي يمكنها الاستجابة للتحديات الاقتصادية.
ويرى مراقبون أن تمكن إندونيسيا من الحفاظ على قوام مجموعة العشرين متماسكاً من دون تفكك قد يحسب إنجازاً كبيراً لها، ومن أجل ذلك فلا بد من مناقشة قضايا العصر الحالي، مثل أزمة الغذاء وتحول الطاقة والتحول الرقمي خلال قمة القادة، مع محاولة تضييق نطاق المناقشات الخاصة بالصراعات الجيوسياسية قدر الإمكان.
على رغم إمكانية ألا تسفر القمة المرتقبة عن إعلان موحد وبيان ختامي مشترك متفق عليه بين دول العشرين، تبقى المهمة الرئيسة لإندونيسيا، كرئيس للمجموعة، ضرورة الحفاظ على روح التعاون بين دول العشرين حتى يمكن أن تستمر في السنوات المقبلة.
وعلى جانب آخر تظهر دعوات غربية إلى ضرورة ضم دول أخرى إلى المجموعة، وتطبيق نظام جديد لدول العشرين، بحيث لا تظل قاصرة على أعضائها الحاليين، وفي مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، اقترح جوش ليبسكي خبير العلاقات الدولية، الاستشاري السابق في صندوق النقد الدولي، تغيير نظام الانضمام إلى المجموعة، بحيث تصنف اقتصاد الدول الأعضاء دورياً مما يمكن من خروج بعض الدول وانضمام دول أخرى إذا حقق اقتصادها تقدماً، وكان الباعث على المقترح إمكانية إلغاء عضوية روسيا في السنوات المقبلة.
وتظل مجموعة العشرين منصة دولية ينظر إليها بصفتها طرفاً في إيجاد الحلول للأزمات الاقتصادية، وعليها أن تقوم بالتزامها أمام المجتمع الدولي، خصوصاً في ظل هذه الظروف التي يعانيها الاقتصاد العالمي، وتحاول إيجاد نقاط الاتفاق وتلافي نقاط الاختلاف.