Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا تشعل خلافاً داخل أجنحة الإدارة الأميركية

يرى مراقبون أن الرسائل المتضاربة التي تبعث بها واشنطن عبر المحادثات السرية مع موسكو ودعم كييف عسكرياً تدل على أن حكومة بايدن في مرحلة تجهيز طاولة المفاوضات تمهيداً للجلوس إليها

الجنرال مارك ميلي إلى جانب الرئيس بايدن خلال اجتماع في البيت الأبيض (أ ف ب)

دخلت الحرب الروسية – الأوكرانية شهرها التاسع وما زالت الولايات المتحدة تحشد قوتها الدبلوماسية والعسكرية لمساعدة كييف في حربها على روسيا، في دعم لافت حظي بتوافق نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلا أن أصواتاً من الحزبين تعالت في الآونة الأخيرة تطالب بعدم إهمال الدبلوماسية في المقاربة الأميركية لمنع نشوب صراع أوسع في أوروبا.

تلك الأصوات المنادية بالدبلوماسية حلاً للحرب التي يخشى العالم توسعها لاقت صدى لدى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي، الذي أبدى خلال اجتماعات داخلية دعمه المساعي الدبلوماسية لإنهاء الحرب، والضغط على أوكرانيا لتعزيز مكاسبها على أرض المعركة من خلال التفاوض مع الروس.

وبحسب "نيويورك تايمز" برز الجنرال ميلي كأحد أكثر الداعمين للحل السياسي خلال نقاشات البيت الأبيض، ودافع عن رؤيته موضحاً بأن هدوء القتال المتوقع في الأشهر المقبلة مع قدوم الشتاء يمثل فرصة للمحادثات بين طرفي الحرب. وحذر ميلي من أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن الروس يحفرون الخنادق ويؤسسون لخطوط ثابتة عبر معظم الأراضي التي سيطروا عليها استعداداً لفصل الشتاء، مما يعكس أن الانسحاب الروسي من خيرسون، إحدى المدن الأوكرانية الأربع التي احتفل فلاديمير بوتين بضمها، كان تكتيكياً لإقامة موقف دفاعي أقوى.

بين رؤيتين

لكن مقاربة كبير الجنرالات الأميركيين لإنهاء الحرب لم تلق تأييداً لدى مستشاري الرئيس جو بايدن، الذين يرون أن الجانبين غير مستعدين للتفاوض، وأن توقف القتال سيمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة لإعادة تنظيم صفوفه. ولا يرى مساعدو الرئيس الأميركي ترددهم حيال المفاوضات متعارضاً مع دعمهم المعلن لإنهاء الحرب عبر القنوات الدبلوماسية، فهم يقولون إن الحرب ستنتهي في نهاية المطاف عبر المفاوضات، إلا أن اللحظة لم تحن بعد، ولذلك يجب ألا تظهر الولايات المتحدة وكأنها تضغط على الأوكرانيين للتراجع.

وتجنب ميلي الإعلان عن آرائه حتى لا يظهر وكأنه يضعف موقف الحكومة الأوكرانية التي ترفض المفاوضات قبل تحرير أراضيها من القوات الروسية، إلا أن آراءه لم تبق حبيسة الغرف المغلقة في البيت الأبيض، إذ خرج الخلاف بين أجنحة الحكومة الأميركية إلى العلن في الأيام الماضية بعد أن أطل الجنرال المخضرم من نيويورك الأربعاء الماضي، وقال "اغتنموا اللحظة"، في إشارة إلى الانتصارات العسكرية الأوكرانية والانتكاسات الروسية المتتابعة بعد قرابة تسعة أشهر من اندلاع الحرب بين البلدين.

وأتبع ميلي دعوته للتفاوض بين الأوكرانيين والروس بالتأكيد أن القتال وصل إلى طريق مسدود. وأوضح في مقابلة يوم الخميس الماضي على قناة "سي أن بي سي" بأن ما يحمله المستقبل مجهول ولا يمكن التنبؤ به، إلا أن هناك فرصاً للتوصل إلى حلول دبلوماسية للصراع.

واستشهد ميلي خلال خطابه في النادي الاقتصادي في نيويورك بالحرب العالمية الأولى عندما انخرط الطرفان في حرب خنادق امتدت لسنوات، قتل خلالها الملايين من الضحايا من دون تغيير كبير على الأرض. ووصف مسؤولون أميركيون وجهة نظر الجنرال قائلين "إن الهدف ليس مكافأة السيد بوتين، لكن ربما يكون هذا هو الوقت الذي يمكن فيه لأوكرانيا وحلفائها العمل على حل سياسي، لأن الحل العسكري قد لا يكون ممكناً في المستقبل القريب".

على رغم أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عقد محادثات سرية مع كبار مساعدي الرئيس الروسي لاحتواء الأزمة بحسب تقارير أخيرة، فإن كبار مساعدي الرئيس الأميركي ومنهم سوليفان لا يبدو عليهم الرغبة في الضغط على كييف. قال سوليفان في وقت سابق إن "الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطاً على أوكرانيا"، مشيراً إلى أن ما تفعله بلاده هو التشاور معها كشركاء، وإظهار الدعم لكييف ليس عبر الخطابات العامة فحسب، ولكن من خلال الدعم الملموس كالمساعدات العسكرية.

وترجمت واشنطن دعمها المستمر لأوكرانيا بإرسال مساعدات عسكرية كان آخرها حزمة سلاح بقيمة 400 مليون دولار، تشمل أنظمة دفاع جوي من طراز "أفينجر"، ومدرعات همفي، وذخائر لأنظمة صواريخ "هيمارس" التي أثبتت فعاليتها في صد الروس، وتعتبر هذه الحزمة الـ25 التي تقدمها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، لكن الدعم الأميركي لأوكرانيا ليس على إطلاقه، إذ رفض "البنتاغون" طلبات أوكرانية للحصول على طائرات "درون" المتطورة من نوع "غراي إيغل"، خشية استخدامها لقصف الأراضي الروسية، مما يهدد بتصعيد الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل متضاربة

ويزيد الخلاف الحالي داخل الحكومة الأميركية الغموض حول موقف واشنطن من المفاوضات بين الروس والأوكرانيين، وسط رسائل واشنطن المتضاربة بين تأكيدها الحل السلمي ونفيها ممارسة أي ضغوط على أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وذكرت "نيويورك تايمز" بأن زيارة سوليفان إلى كييف الأسبوع الماضي تركت لدى البعض انطباعاً بأن إدارة بايدن حاولت حث الرئيس زيلينسكي على إظهار استعداده للتفاوض، لكن المسؤولين الأميركيين نفوا ذلك، مشيرين إلى أنه في نهاية الاجتماع اكتفى سوليفان بدعوة الرئيس الأوكراني إلى التفكير في ما قد يبدو عليه "السلام العادل" بين طرفي الحرب عندما يحين الوقت للمفاوضات.

الغموض حول موقف واشنطن عززته تصريحات الرئيس بايدن الأربعاء الماضي، عندما أجاب عن سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن على أوكرانيا الدخول في مفاوضات مع روسيا، قائلاً إن إدارته لا تزال تنظر في ما "إذا كانت تستطيع الفصل في مسألة استعداد أوكرانيا للتسوية مع روسيا من عدمه". ولدى سؤاله عما إذا كان يقترح على أوكرانيا التنازل عن بعض أراضيها، سارع بايدن بالرفض، قائلاً إن "الأمر متروك للأوكرانيين". وأكد أن واشنطن "لن تملي عليهم ما يتعين عليهم فعله".

إدارة بايدن تجهز الطاولة

لكن بالنسبة إلى تشارلز كوبشان الأستاذ بجامعة "جورج تاون"، مستشار باراك أوباما للشؤون الأوروبية سابقاً، فإن رسائل إدارة بايدن المتضاربة تدل على أنها تختبر إمكانية إدخال الدبلوماسية في نهجها، من دون أن تملي على الأوكرانيين ما يجب فعله. وأضاف واصفاً المرحلة الحالية "إنها تجهيز للطاولة، لا الجلوس إليها".

ويعد كوبشان من الداعين إلى المسارعة في إنهاء الحرب الأوكرانية حتى لا تتوسع إلى صراع عسكري بين روسيا و"الناتو"، إذ حذر المسؤول السابق في مقالة أخيرة من تصاعد الحرب، وتقدم أوكرانيا في ساحة المعركة وإصرارها المتزايد على إخراج القوات الروسية من أراضيها، في الوقت الذي يعزز فيه الكرملين قواته المحاصرة في شرق أوكرانيا، ويضرب المدن الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية، ويلمح إلى استخدام الأسلحة النووية.

واعتبر كوبشان دفاع أوكرانيا بمساعدة الغرب عن سيادتها "ملهماً"، إلا أنه حذر من أن أخطار اندلاع حرب أوسع بين "الناتو" وروسيا وحدوث انتكاسة اقتصادية قد تقوض الديمقراطية الغربية تتزايد يوماً بعد يوم، داعياً الولايات المتحدة وحلفاءها إلى "مشاركة بشكل مباشر في تشكيل الأهداف الاستراتيجية لأوكرانيا وإدارة الصراع والسعي إلى حل دبلوماسي يضمن نهاية الحرب".

وقال "تتطلب الأخطار المتزايدة التي يواجهها الغرب في أوكرانيا مشاركة الولايات المتحدة وشركائها في الناتو بشكل أكبر في إدارة الحرب وتجهيز طاولة (المفاوضات)". وأضاف "مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها تستحق جهداً كبيراً، لكن يجب ألا يقود ذلك إلى حرب عالمية ثالثة أو تمزق الديمقراطية الغربية".

دعوة للثقة في أوكرانيا

في الضفة الأخرى، ينتقد مراقبون ومسؤولون سابقون المطالب المتزايدة بإجراء محادثات بين موسكو وكييف، إذ يرفض بعضهم المراهنة على فشل أوكرانيا في استعادة مزيد من أراضيها من الروس.

وحث دانييل فرايد وهو دبلوماسي أميركي سابق يعمل حالياً في المجلس الأطلسي الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين على عدم الاستعجال في منع أوكرانيا من تحقيق مزيد من الانتصارات العسكرية، من خلال الإصرار على وقف إطلاق النار أو عبر الافتراض أن تحرير أوكرانيا لدونباس أو حتى شبه جزيرة القرم مستحيل.

وتتسق وجهة النظر هذه مع تصريحات الرئيس زيلينسكي ومساعديه الذين أكدوا مرة أخرى هذا الأسبوع أن محادثات السلام مع روسيا لا يمكن أن تبدأ حتى تنسحب القوات الروسية وتعيد الأراضي التي احتلتها.

إلا أن بعض المراقبين لفتوا إلى تغير في نبرة الرئيس الأوكراني على نحو قد يعزز من فرص الانخراط في المفاوضات، مشيرين إلى أن زيلينسكي لم يكرر التصريحات السابقة التي مفادها أن المحادثات غير ممكنة طالما كان بوتين يحكم روسيا.

وتلقى الهجمات الأوكرانية المستمرة ضد المواقع الروسية دعماً في أوساط الأوكرانيين، وقد قوبل بحسب "نيويورك تايمز" كل إعلان عن انتكاسات روسية بفيض من الحماس العام. وحتى قبل التقدم العسكري الأوكراني الأخير يتعرض زيلينسكي لضغوط سياسية شديدة لرفض أي تنازل عن الأراضي الأوكرانية.

تحذير من تدخل واشنطن

وفيما تطفو الخلافات داخل الحكومة الأميركية إلى السطح، قال مسؤولون أميركيون إن بايدن وسوليفان لا يشاركان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مقاربته لحل الحرب بين موسكو وكييف، مبررين ذلك بعدم إظهار بوتين استعداده للتفاوض، إضافة إلى النجاح الأوكراني في ساحة المعركة الذي جعل الأوكرانيين مترددين في شأن التفاوض على التخلي عن أراضيهم.

ويرى سوليفان بحسب مصادر "نيويورك تايمز" أنه لو دفعت الولايات المتحدة أوكرانيا إلى التفاوض في هذه المرحلة، فإن ذلك سيرسل رسالة إلى بوتين مفادها أن "كل ما عليه فعله هو إطالة أمد الحرب قليلاً، وفي النهاية سيقوم الأميركيون بعمله نيابة عنه".

وفي سياق متصل، حذر ستيفن بيفر السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا من أن تضغط واشنطن على الرئيس الأوكراني للتفاوض مع روسيا. وقال إن القرار يجب أن يكون متروكاً لزيلينسكي وحكومته، مشيراً إلى أن "واشنطن حتى الآن تتفهم ذلك كما يبدو".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة