Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير غامض يكتنف التسوية السياسية المرتقبة في السودان

مسودة الدستور الانتقالي تشهد انقساماً حولها وأحزاب ترفض "التدخل الأجنبي" بالبلاد

فعاليات توقيع الإعلان الدستوري بالعاصمة الخرطوم في 17 أغسطس 2019 (أ ف ب)

بعد التفاؤل الكبير الذي ساد الساحة السودانية خلال الأسبوعين الماضيين بقرب انفراج الأزمة السياسية المستعصية منذ انقلاب قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يبدو أن الأحلام بالتسوية السياسية التي أعلن قرب التوصل لها بدأت في التبخر من جديد، وبات مصير مشروعها في مفترق الطرق تحت وطأة تجدد الخلافات حولها، فضلاً عن الضغوط التي تسعى حثيثاً لعرقلتها من جهات عدة على رأسها الإسلاميون وبعض قوى اليسار أيضاً، فهل تفلح تلك الضغوط والتحركات في إجهاض التسوية السياسية المرتقبة وأي مصير بات ينتظرها؟

هل حقاً تجاوزها الزمن؟

يرى الأكاديمي الرشيد إبراهيم، أن "مشروع التسوية الذي كان معلناً قرب التوصل إليها بالارتكاز إلى مسودة الدستور الانتقالي التي طرحتها لجنة تسيير نقابة المحامين تشهد حالاً من انقسام الكبير حولها، حتى داخل تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) نفسه، فضلاً عن مناهضة أحزاب يسارية ضمن مكوناته وبروز تحفظات من بعض قياداته تشير إلى التراجع عن تلك التسوية".

يعتقد إبراهيم أن "مشروع التسوية قد تجاوزه الزمن بالفعل، بحيث لم يعد هو الخيار الراجح سواء بالنسبة للعسكريين أم الحرية والتغيير التي تواجه ضغوطاً من الشارع لرفضها، وأن تلك التباينات ليست مبنية على أسس حزبية أو توجهات اليمين واليسار فحسب، بل على رؤية مبدئية لصالح التوافق السياسي والتسوية الشاملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير الباحث السياسي إلى أن "تلاقي رؤى عديد من التيارات السياسية، سيما الإسلاميين وأحزاب يسارية كالشيوعي والبعث إلى جانب ضغط الشارع ولجان المقاومة المستمر، وسع دائرة الخلاف والتباين بشأن التسوية، مما جعل مشروعها يهتز بشدة، كما بات واضحاً أن قوى الحرية والتغيير نفسها لم تعد متحمسة لها أو تعول عليها، بخاصة بعد التصعيد الجماهيري في مسيرات يومي 21 و25 أكتوبر الحالي".

لم يستبعد إبراهيم أن "تكون موافقة العسكريين على التسوية بشكلها المعلن كان تحركاً       تكتيكياً هدفه إحداث مزيد من التصدعات داخل المكون المدني اعتماداً على نهج إدارة التناقضات، ولإظهار المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في موقع المرتهن لموقف دول الترويكا والولايات المتحدة المتمسكة بشدة بالتسوية القائمة على أساس مقترح دستور نقابة المحاميين".

ونوه بأن "المكون العسكري درج على اختبار الثقل الجماهيري لقوى الحرية والتغيير، وكلما شعر بأنها بدأت تفقد جزءاً منه توقف عن تقديم تنازلات لها، إلى جانب استمراره في تحسين تواصله مع المجتمع الدولي، بحيث لم يعد البعد الخارجي حكراً على الحرية والتغيير وحدها".

رفض ومناهضة

على نحو متصل أعلن أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي في حزب المؤتمر الوطني المحلول، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، رفضهم التام لمنطق التسوية في شأن عام يهم كل المواطنين، باعتبار التسوية تعني مساومة بين طرفين، في الوقت الذي لا يملك فيه أي منهما تفويضاً شعبياً بذلك". ولا يرى عمر، أفقا قريباً للوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة الراهنة، بل إن مثل هذه المقاربات الثنائية ربما تؤدي لمزيد من تعقيد الأزمة وتوسيع نطاقها.

وأكد عمر استمرار مناهضتهم للتسوية القائمة على الدستور الانتقالي المطروح كونه يلغي العدالة، متوقعاً أن يكون الفشل هو مصيرها المنتظر، لأن معظم القوى الشعبية والقوى الصلبة في الجيش والأمن على مستوى القواعد تقف ضدها، مشيراً إلى أن اتفاقهم مع الحزب الشيوعي في رفض التسوية ليس بالضرورة أن يكون في التفاصيل، لكن على الأقل في رفض ما وصفه بـ"التدخل الأجنبي في الشأن السوداني الداخلي". وأوضح أن معارضتهم للتسوية تنطلق من كون الدستور المقترح بواسطة لجنة تسيير نقابة المحامين تقف خلفه مجموعة دول الترويكا والسفير الأميركي بالخرطوم، معتبراً أنه دستور مفروض من الخارج، كتبته جهة أجنبية وأن نقابة المحامين ما هي إلا مجرد عنوان أو لافتة، لذلك فهو يمثل العقبة الجوهرية يعتبرون بموجبها أن دستور البلاد بات مزوراً وغير مقبول بالنسبة إليهم.

الإسلاميون والعسكر

وينفى عمر دعم الإسلاميين ومساندتهم للمكون العسكري، مبرراً ذلك بالقول "عندما يكون هناك أكثر من عدو يكون التركيز على الأخطر والأكبر، وهو ما أعطى انطباعاً عاماً بموالاة الإسلاميين للعسكريين، لكن رؤيتنا تجاههم هي أنهم من أنشأ هذا الوضع المعقد وهم أيضاً الذين مكنوا فصيلاً سياسياً واحداً ومارسوا الإقصاء حتى على من كانوا في ميدان الاعتصام بالقيادة العامة، لذلك فالمكون العسكري بالنسبة إلينا مشارك في كل المظالم التي وقعت علينا، لكننا فقط نرتب خصومنا"، مشيراً إلى أن قبول العسكريين بالتسوية المقترحة يدل بوضوح على حال الضعف التي تعتريهم.

يستطرد "نحن موجودون في كل ساحة وسنعمل تحت كل لافتة شرعية، نطالب بحقوقنا المتساوية مع المواطنين كافة في الحقوق والواجبات"، مشيراً إلى "مراجعات تمت وسط التيار الإسلامي العريض أفضت إلى تواصل وتفاهم أكبر بين تيارات الحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها نراهن على العمل الشعبي ولسنا عاجزين عن ذلك".

 

كذلك يصر عمر على أن "استثناء المؤتمر الوطني من المشاركة السياسية في الفترة الانتقالية ليس له معنى، فالمرحلة الانتقالية التمثيل فيها ليس للأحزاب والدستور، بل يجب أن يكون توافقياً. غير أن أفراد الحزب موجودون في النقابات ومنظمات المجتمع المدني والمجموعات الأهلية، أما الذي اختفى فهو عنوانه فقط، كما أن عشرات من المهنيين والعسكريين الذين تم فصلهم عن العمل بدعوى أنهم مؤتمر وطني، موجودون في الحياة العامة ولهم قضاياهم وهناك القوى السياسية الموالية التي تملك ثقلاً جماهيرياً مقدراً، وسنستخدم هذه الكتلة الحرجة كأفراد وكالتزام بما لديهم من قدرة على التشكيل والتكتل".

المهدي يهاجم ويقلل

في المقابل، قلل مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة، من تأثير المؤتمر الوطني المحظور في مجريات الأحداث السياسية في البلاد، واصفاً الأحاديث التي يطلقها بعض قياداته بأنها "لا تعدو كونها مخاطبة للذات وتغذية ما يقوله اليسار والأحزاب الصغيرة الرافضة للانتخابات، التي تردد أن إجراء الانتخابات بعد 18 شهراً (الفترة الانتقالية) سيفوز بها المؤتمر الوطني"، مشيراً إلى أن "الجبهة الإسلامية وهي في أوج قوتها ومجدها بقيادة زعيمها حسن الترابي، وقبل أن تتلوث سمعتها بالإنقاذ وفترة حكم البشير، حصلت على 23 دائرة جغرافية فقط في انتخابات 1986 من مجموعة 300 دائرة، وهو ما يدحض تلك المزاعم، على رغم ترويجها الدعائي الكبير وقتها بأنها ستحصد كل دوائر الإقليم البالغة 35 دائرة، لكنها لم تفز إلا بدائرة واحدة بينما سقط زعيمها علي الحاج في دائرة نيالا".
وأشار إلى أن "الإسلاميين عنوان عريض يشمل الصوفيين والسلفيين والإخوان المسلمين، وكلهم ضد عودة اليسار إلى السلطة، ما يُعتبر أمراً طبيعياً بعد تجربة السنوات الثلاث الماضية، خصوصاً بعد تبني تلك الأحزاب لدستور علماني مستورد، يتجاوز الثقافة السودانية ويتجاهل اللغة العربية ويساوي الإسلام بكريم المعتقدات الأخرى".
وهاجم المهدي، حزب المؤتمر الوطني المحظور، ووصفه بأنه "كشأن أحزاب السلطة جمع كثيرين من أصحاب المصلحة الذين تفرقوا، بينما بقي الإخوان المسلمون كشراذم من دون قيادة يحاول بعضهم وعلى رأسهم القيادي علي كرتي، الإيحاء للناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم من يديرون السياسة خلف الكواليس، وأنهم من يديرون الفريق البرهان نفسه وأنهم خلف مبادرة نداء السودان، لكن كل هذا غير موجود على أرض الواقع بل في الفضاء الافتراضي فقط، لأن جماعة المؤتمر الوطني تشتت تماماً ولن يكون لها شأن في وقت قريب".

تعبئة مضادة

على الصعيد ذاته، شكلت اللجنة العليا لمبادرة نداء أهل السودان للوفاق الوطني لجنة للتعبئة والعمل الميداني من أجل دعم خيار التسوية الوطنية الشاملة، بعيداً من أي شكل من أشكال التسويات الثنائية أو الإقصائية أو الأجنبية.

وأوضح هشام الشواني، المتحدث الرسمي للمبادرة، لوكالة السودان للأنباء، أن لجنة التعبئة ستقوم بحشد طاقات الجماهير السودانية ضد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد الداخلية إضافة إلى تشكيل لجنة رفيعة للاتصال السياسي مع المكونات السياسية والكتل والمبادرات، سعياً للوصول لحل وطني وتوافق سوداني مع صياغة مخرجات الإعلان السياسي للنداء، ليصبح هو المسودة المقترحة لوثيقة دستورية ناظمة للمرحلة الانتقالية.

بدورها وجهت هيئة علماء السودان في بيان لها، "نداء عاجلاً لمجلس السيادة تطالبه بالإسراع في تكوين حكومة تقنيين مستقلة عن الصراع الدائر حالياً، مع ضرورة وضع حد لما وصفته للتدخلات الأجنبية المهينة والمشينة، ووضع حد للصراع وإزهاق الأرواح حيثما يكون ببسط الأمن، وإكمال عملية الدمج أو التسريح لقوات الحركات المسلحة ووضع وإقامة صرح العدالة ومؤسساتها وعلى رأسها المحكمة الدستورية.

مطالب عاجلة

وطالب بيان مجلس السيادة الانتقالي، بإعلان موعد الانتخابات العامة في مدة لا تزيد على عام، واتخاذ كل التدابير اللازمة لنجاحها، مشيراً إلى أنه بعد عام كامل من قرارات القائد عام في 25 أكتوبر 2021، تفاقمت معاناة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، كما حدث خلل كبير في هياكل الحكم وأنظمته وتوجهاته منذ التغيير.

وكان عدد من الدول الغربية جددت التزامها بالوقوف مع الشعب السوداني في تحقيق أهداف ثورته ومن أجل بلد مستقر ومزدهر.

وأكد كل من الاتحاد الأوروبي وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وكوريا الجنوبية وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة دعمها المستمر والموحد لاتفاق شامل لتكوين حكومة انتقالية بقيادة مدنية في السودان.

وشدد بيان مشترك لتلك الدول، على أن هناك حاجة ماسة إلى مثل ذلك الاتفاق لمنع مزيد من التدهور في الوضعين الاقتصادي والإنساني في السودان، وسيعيد الانتقال الديمقراطي في البلاد. وجاء فيه "نعتقد أن مبادرة نقابة المحامين السودانيين تمثل إطاراً ذا مصداقية وشمولية لقيادة المفاوضات، ونلاحظ أنها حظيت بأوسع دعم من أية مبادرة حتى الآن ولا تزال مفتوحة للأطراف الأخرى لإجراء تعديلات لمعالجة مخاوفهم الملحة".

ملامح التسوية

وشهدت المفاوضات المباشرة التي تمت خلال الأسابيع الماضية بين الجيش وممثلين لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مع وفد عسكري يضم البرهان ونائبه، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد "قوات الدعم السريع". اتفاقاً أولياً على تسوية سياسية، بترتيب وتسهيل من اللجنة الرباعية المعنية بالسودان ببيت الضيافة مقر إقامة القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبدالفتاح البرهان.

أبرز ملامح مسودة الاتفاق، هو موافقة المكون العسكري على تعيين رئيس دولة (مدني) غير عسكري، ورئيس وزراء من اختيار المدنيين. وكان المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس، أعلن في لقاء تلفزيوني قبل أسبوعين توصل الفصائل السياسية السودانية إلى تفاهم مشترك بشأن تشكيل حكومة مدنية انتقالية وإجراء انتخابات عامة في غضون عامين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير