Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السادة الأفاضل"... الوجه القبيح للقرية المصرية

اخترق العمل الريف مستعرضاً قضايا الفساد وتجارة الآثار وانعدام القيم

جسّد الفنان المصري محمد ممدوح دور الابن الأكبر (مواقع التواصل)

ملخص

التوظيف الكثيف للمفارقات والسخرية والتوتر مع كثير من الشخصيات تسبب في الشعور بإشباع زائد كان سبباً في ارتباك فهم بعض المشاهد، وأضعف بعض الشخصيات فظهرت دوافعها غير منطقية، وفي بعض الأحيان أفقد التعاطف مع لحظات مهمة بالعمل، وخدم الإيقاع السريع سير الأحداث في معظم المشاهد، لكنه أفقد عمق لحظات أخرى وسلبها دفأها العاطفي.

تغيبت السينما المصرية كثيراً عن واقع القرى وحكايات الصراع بين أبناء الأقاليم وما يخصهم من تفاصيل، لكن فيلم "السادة الأفاضل" اقتحم عالم القرية وتفاصيله وشخصياته وحكاياته بطريقة مثيرة في السرد والتناول بقالب أقرب إلى الكوميديا السوداء.

اختار المخرج الشاب كريم الشناوي، الذي حقق نجاحاً في الدراما التلفزيونية بتقديم قضايا مهمة ومثيرة وجاذبة لطبقات المجتمع بكل فئاته مثل عمله الأخير "لام شمسية"، أن يعود إلى السينما بعد صولاته وجولاته التلفزيونية بحكاية سينمائية شديدة الاختلاف فغاص في عمق القرية المصرية، مستعرضاً شخصيات وصراعات وتفاصيل قد تمس أي شخص، لكن بطريقة لها ملامح ريفية وهوية لا تتشابه.

وفاة فاضحة

تدور أحداث "السادة الأفاضل" في قرية مصرية، إذ تنقلب حياة عائلة أبو الفضل رأساً على عقب بعد وفاة كبير العائلة، الحاج جلال أبو الفضل (بيومي فؤاد) في ليلة عيد الفطر. تصاب الأسرة بالفزع من هول الصدمة، ويبدأ أفرادها في الظهور لتولي مراسم الدفن، وما يتبعها من طقوس دينية وعائلية.

يظهر في البداية الابن الأكبر، طارق (محمد ممدوح)، ثم تظهر ناهد السباعي في دور ابنة عمه وخطيبته، وانتصار في دور الأم وزوجة المتوفى الحاج جلال، ودنيا ماهر في دور الابنة، وأشرف عبدالباقي وإسماعيل فرغلي في دور شقيقي جلال.

تتوالى الأحداث بعد وصول محمد شاهين الذي جسّد دور الدكتور حجازي الابن الأصغر لجلال ثم وصول خطيبته لميس التي أدت دورها هنادي مهنا، يكسو الجميع الحزن، ويتسابقون على وداعه الأخير بغرفته قبل الدفن، ويتدفق أهل القرية والمعزون، وتسود حال من الفوضى التي تجعل الجميع يشعرون بالتوتر المبالغ فيه وينغمسون في حال من الغموض حتى تبدأ الأسرار في السقوط.

تكشف الأحداث أن الحاج جلال ليس الرجل الصالح الطيب الشريف، بل هو رجل فاسد يتاجر في الممنوعات والأشياء غير المشروعة، ويتخصص في سرقة الآثار، وبيعها بأسعار تصل إلى ملايين الدولارات لعصابات دولية.

تتصاعد المفاجآت التي تكشف عن أن شقيق جلال (أشرف عبدالباقي) الذي أدّى دور الحاج خيري متورط في هذه التجارة غير المشروعة، وليس وحده فقط، بل كذلك طارق الابن الأكبر الذي يعرف كل التفاصيل وهو المخطط للصفقات الكبرى، يحاول شقيق جلال أخذ بصمة شقيقه المتوفى على عقد تنازل عن الأملاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تنقلب الأحداث بمفاجأة تكشف عن أن هناك فوضى حقيقية في تلك العائلة وخيانة عاطفية، ومخططات للسرقة، وخداعاً على كل الصُعد الإنسانية والأخلاقية، وتكتشف سميرة زوجة جلال أنه متزوج من امرأة أخرى، وله منها ولد في عمر الشباب يدعى المبروك.

تتعقد الأمور بين أبناء جلال عندما يعرف طارق أن ابنة عمه التي يحبها وخطبها كانت غارقة في حب شقيقه في صمت، وعندما فشلت في الوصول إلى قلبه قبلت الخطبة من أخيه.

وتسير الحكاية في مسارات عدة، فإلى جانب ما يحدث في عائلة جلال يخطط شابان بطريقة كوميدية في أثناء الدفن ومراسم العزاء لعملية سرقة خزانة البوسطة، لكن هذه العملية تعترضها معوقات كثيرة ومفارقات كوميدية.

ينكشف سر جلال وحقيقة الصفقة التي عقدها قبل وفاته وهي مومياء أثرية يتصارع عليها كثير من الأشرار بصورة تنتهي بمأساة، ويكشف كل مشهد بعد ظهور المومياء عن حقائق صادمة، وينتهي بجرائم متوالية.

وفي يوم واحد تنكشف حقائق الفساد والمشاعر والخيبات والصراعات، حتى روابط الدم ومقدسات العائلة يطاولها العطب الذي لا يجدي معه الكتمان، وتنتهي الحكاية ذات اليوم الواحد بحقيقة واحدة تؤكد أن الجميع فاسدون، وكل منهم يعاني الخراب الداخلي بطريقة أو بأخرى.

تجاوزت مدة الفيلم ساعتين تقريباً، وظهرت منذ المشاهد الأولى طبيعة الشخصيات من دون تمهيد طويل، واتضحت الفوضى التي يعانيها الأبطال وأزماتهم الأساسية لفتح الملفات سريعاً أمام المشاهد ووضعه في وجه العاصفة وقلب الأحداث.

بين الريف والمدينة

تاريخ الشخصيات أيضاً ينكشف من خلال الحوار السريع والجمل القصيرة كنوع من الاختصار المرتب الكثيف البعيد من الملل، كأن الفيلم رفع شعار "لا مجال للتطويل" للحكي التقليدي عن عمق العلاقات وأثره في المواقف بين الأشخاص.

جاءت الشخصيات بصورة متعمدة جافة المشاعر وباردة، لتدعم فكرة أن الفاسدين لا يهتمون بأي شيء سوى مصالحهم وصراعاتهم المادية، فانعدمت مشاعر الأخوة، وبخاصة بين أشقاء جلال وساد الجفاء والجشع على كل تصرفاتهم منذ المشاهد الأولى.

تعمد العمل تقديم كوميديا لكنها سوداء نابعة من الموقف من دون مبالغة في الأداء، فجاء الضحك طبيعياً وغير مقحم في بعض المشاهد الرئيسة.

حاول الفيلم تقديم بعض أشكال الصراع بين الريف والمدينة، لكنه لم يكن مفيداً ضمن أحداث الفيلم، مثل مشهد انبهار الشباب القرويين بالفتاة القادمة من المدينة، وتنمّر تلك الفتاة عليهم بوصفها لهم بكلمة "فلاحين".

مخرج العمل كريم الشناوي ومؤلفه مصطفى صقر دسا قضايا مهمة مثل التزوير وبيع الآثار ضمن الأحداث بدلاً من وضع سبب آخر للصراع، وهذا فجّر أزمة بيع الآثار مجدداً، وحذر من خطورة استمرارها، وعدم وعي كثر لأهمية التاريخ والممتلكات النادرة.

تطرق الفيلم إلى انتشار الفساد بين الأجيال المختلفة بداية من جيل الأب والأعمام ثم الأبناء، ومروراً بشباب القرية الصغار في السن الذين يخططون لعمليات سرقة بدلاً من محاولة البحث عن حلم منطقي وهدف شريف.

وتنوعت المشاهد بين مواقف اجتماعية سطحية وقضايا من عمق المجتمع مثل فساد القيم، والتناقض الكبير الذي تعانيه المجتمعات في غالبها بين المظهر والمضمون.

اعتمد المخرج كريم الشناوي على بناء تفاصيل صغيرة ودقيقة للشخصيات والحوار والملابس والديكور والبيئة العامة فنجح في تجسيد واقع متقن للقرية المصرية.

لكن من السلبيات أن العمل ازدحم بكثير من الشخصيات المتصارعة، سواء من الأبطال الأساسيين أو الثانويين، وبدا الأمر فوضوياً في بعض الأحيان، وكان يمكن تقليص العدد والتركيز على عدد أقل من دون شعور بخلل في السياق.

إعادة الاعتبار للكوميديا السوداء

التوظيف الكثيف للمفارقات والسخرية والتوتر مع كثير من الشخصيات تسبب في الشعور بإشباع زائد كان سبباً في ارتباك فهم بعض المشاهد، وأضعف بعض الشخصيات فظهرت دوافعها غير منطقية، وفي بعض الأحيان أفقد التعاطف مع لحظات مهمة بالعمل، وخدم الإيقاع السريع سير الأحداث في معظم المشاهد، لكنه أفقد عمق لحظات أخرى وسلبها دفأها العاطفي.

فكرة كشف سر رجل بعد وفاته وتبين حقيقة فساده ليست جديدة على المشاهد، ولم تحمل مفاجآت غير مسبوقة، واعتمدت على كشف متوقع لأسرار الأب ونشاطه وخبايا النفوس وحقيقة المشاعر الخبيثة، وهذا السياق جرى تقديمه بطرق مباشرة في أعمال عدة وبطرق السرد نفسها التي تتشابه في هذه المنطقة في معظم الأعمال.

وعلى رغم اعتماد الفيلم على كوميديا الموقف فإنه في بعض المشاهد ظهر افتقار في تلقائية عدد من الشخصيات، وكرر أكثر من نجم بالعمل جملاً وشخصيات ظهروا بها في أعمال أخرى، مما جعل المشاهد يضحك كرد فعل على ذكرى تخص مشهداً أو توقعاً لحدث.

ولا يمكن أن ننكر أن من المميزات في الجانب التمثيلي بفيلم "السادة الأفاضل" وجود نجوم شباب أحدثوا وهجاً في بعض المشاهد على رغم صغر أدوارهم مثل علي صبحي وطه الدسوقي والوجه الجديد ميشيل ميلاد.

"السادة الأفاضل" تجربة جديدة تحمل مميزات وعيوباً، لكن لها ثقل كخطوة في طريق السينما المصرية التي تعود إلى تناول الريف والمناطق المغضوب عليها على الشاشة الفضية. وعلى رغم أن العمل ليس مثالًا كاملاً للتماسك الدرامي أو الكوميدي، إضافة إلى زحام الأدوار وافتقار إلى عمق وتلقائية الأداء عند بعض الشخصيات، فإنه خطوة مهمة في طريق إعادة الاعتبار للكوميديا السوداء، ومناقشة قضايا مهمة ومتشابكة.

الفيلم أيضاً عرض فئات مهمشة ولهجات غير مرحب بها، وطرح منظوراً جديداً لمنطقة فنية تستحق الاهتمام، ونجح صناعه في إحراز إشادات نقدية، وإقبال جماهيري جيد، إضافة إلى عدد ملايين ضخم تجاوز 66 مليون جنيه مصري (1.4 مليون دولار) من شباك التذاكر، وهذا المشروع يفتح الباب لتجارب قريبة من النوع ومختلفة في الموضوع وجريئة في خوض المناطق الجديدة والبعيدة من التناول والطرح.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون