تقف طوابير من الآباء والأمهات عند باب إحدى المكتبات التي تبيع الكتب واللوازم المدرسية في العاصمة المغربية الرباط وأياديهم على جيوبهم وقلوبهم أيضاً بسبب الشكاوى من ارتفاع كلف الدراسة في الموسم الجديد الذي انطلق رسمياً بالمملكة في الخامس من سبتمبر (أيلول) الحالي.
واتسم العام الدراسي الجديد بارتفاع أسعار الكتب واللوازم المدرسية مقارنة بالسنة الماضية بمبررات اقتصادية عدة أبرزها ارتفاع أسعار المحروقات بالبلاد، الأمر الذي أفضى إلى تداعيات سلبية على القدرة الشرائية لكثير من الأسر المغربية.
وبالكاد خرجت الأسر المغربية من مناسبة عيد الأضحى الذي كلف موازنتها كثيراً لتدخل في العطلة الصيفية وما تطلبته من مصاريف إضافية في السفر وغيره، لتجد نفسها أمام دخول مدرسي ملتهب بسبب ارتفاع كلفه سواء في أسعار الكتب والدفاتر وبقية المستلزمات الضرورية.
جيوب ملتهبة
طيلة أيام بعد الانطلاق الرسمي للموسم الدراسي الجديد تجرعت الأسر المغربية على مضض ارتفاع أسعار الكتب والمحافظ واللوازم والأدوات المدرسية، وهو ما عبرت عنه شكاوى أولياء أمور التلاميذ، خصوصاً في مستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي أيضاً.
"أشنو يدير الميت في يد غساله؟"، والمعنى "ليس للميت ما يفعله أمام مغسله"، عبارة مؤلمة قالها أب كان ينتظر دوره في مكتبة بأحد أحياء الرباط الشعبية، معبراً بذلك عن عجز الأسر على القيام بأي رد فعل أمام الواقع الراهن لكلف الدراسة.
وأوضح الأب لـ"اندبندنت عربية" أنه "فوجئ مثل كثيرين بأسعار عدد من الكتب والمقررات الدراسية وأيضاً لوزام أخرى مثل المحفظة والدفاتر وغيرها"، مضيفاً أن "ليس أمامه خيار سوى سداد هذه الكلف المرتفعة ليكمل ابنه مساره الدراسي وإلا اضطر إلى مغادرة مقاعد المدرسة وما يتبع ذلك من مشكلات اجتماعية خطرة".
الشكوى ذاتها بنبرة مختلفة أبدتها سيدة تعمل موظفة حكومية أخبرتنا أن "لديها ثلاثة أطفال جميعهم يدرسون في مؤسسات تعليمية خصوصية"، كاشفة أن "كلف الدراسة تحديداً في التعليم الخاص تشعل الجيوب وتهدم موازنات الأسرة"، وأردفت أن "الكلف المالية ارتفعت وشملت عدداً من المطبوعات والمؤلفات المدرسية للتعليم الخصوصي وبشكل أكبر مستلزمات الدراسة الأخرى، مما يضع أعباء مالية ثقيلة على كاهل أسر الطبقة المتوسطة وبالأحرى ذات الدخل المحدود".
دعم الناشرين
ولتدقيق حيثية ارتفاع أسعار الكتب المدرسية في العام التعليمي الجديد بالمغرب، أفادت الجمعية المغربية للكتبيين بأن "الدعم الحكومي لناشري الكتب المدرسية حافظ على استقرار الكتب المصادق عليها من طرف وزارة التعليم المغربية".
وتدخلت الرباط على خط ارتفاع الكلف الدراسية بحيث أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش بنفسه في مجلس حكومي حرصه على ضمان استقرار أسعار الكتب المدرسية على الرغم من الزيادة في أسعار الورق والطباعة".
الحكومة ترى أن الدعم المالي المقدم إلى الناشرين والمقدر بمبلغ 105 ملايين درهم (9.850.830 دولار) نجح في تفادي أي زيادات بأسعار الكتب المدرسية تشجيعاً على الدراسة ومحاربة الهدر المدرسي والحفاظ على القدرة الشرائية للأسر.
ووفق مصادر في جمعية الكتبيين، فإن "هذا الدعم الحكومي للناشرين يشمل 312 كتاباً مدرسياً فقط، بالتالي لا يطاولها أي ارتفاع للأسعار، بينما بقية الكتب المدرسية تخضع لقانون السوق، في وقت ارتفعت فيه أسعار اللوازم المدرسية بنسبة تتجاوز 40 في المئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخلاف مسألة غلاء بعض الكتب المدرسية في بداية العام الدراسي الجديد يرجع مراقبون ارتفاع أسعار الدفاتر والمستلزمات المدرسية إلى مشكلة الاحتكار والمضاربة في سوق الدفاتر بالمغرب.
ويورد حسن التاوناتي وهو صاحب مكتبة وسط الرباط في تصريح لنا أن "ارتفاع أسعار الدفاتر على وجه التحديد يعود أيضاً إلى إشكال ارتفاع سعر المحروقات الذي ألقى بظلاله على جميع القطاعات"، ويضيف أن "ناقلي البضائع وشحن السلع يرفعون ثمن خدماتهم بسبب صعود أسعار المحروقات، بالتالي لا يجد التاجر أو صاحب المكتبة سوى تحديد سعر يراعي هذه المتغيرات"، مبرزاً أن "المستهلك ممثل في آباء وأمهات التلاميذ لا يتفهمون هذه الظروف ويشرعون في الانتقادات".
أرقام وإحصاءات
وفي السياق أفادت المندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة حكومية تعنى بالإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية بأن نفقات وكلف الدراسة للأسر المغربية تضاعفت أكثر من ثلاث مرات في الفترة الزمنية الممتدة بين 2001 و2019 إذ انتقلت من 1277 درهماً (127 دولاراً) إلى 4356 درهماً (435 دولاراً).
ووفق مندوبية التخطيط كلف العام الدراسي 2019-2020 الأسر المغربية 1556 درهماً (155 دولاراً) في المعدل، أي نسبة 35.7 في المئة من نفقات الأسر المخصصة للتدريس و20.4 في المئة من موازنتها الشهرية.
وبالنسبة إلى التوزيع الجغرافي قفزت كلف الدراسة في العالم القروي من 461 درهماً (نحو 46 دولاراً) إلى 1484 درهماً (نحو 148 دولاراً)، أي بنسبة 7.6 في المئة، بينما في المدن والحواضر زادت الكلف المدرسية من 1629 درهماً (زهاء 163 دولاراً) إلى 5701 درهم (570 دولاراً)، أي بنسبة 11.9 في المئة.
وفي السياق أوردت دراسة للوكالة الدولية المتخصصة في تحويل الأموال عبر العالم أن "الأسر المغربية تدفع ما يقرب من 50 في المئة من دخلها الشهري للوازم المدرسية الأساسية، كما قد تتجاوز 100 في المئة من الدخل الشهري للأسرة"، وأرجعت الدراسة ارتفاع كلف الدراسة في البلاد إلى الأحداث والتحولات الاقتصادية العالمية ممثلة بصعود أسعار المحروقات في العالم والحرب الروسية -الأوكرانية، كما أكدت أن الدول الأفريقية تشهد زيادة في كلف اللوازم المدرسية بالمقارنة مع بقية الدول.
تداعيات ارتفاع كلف الدراسة
يقول الباحث في الشأن التربوي وعضو الجمعية المغربية لحقوق التلاميذ محمد الصدوقي إن "عدد التلاميذ في المراحل التعليمية الثلاث (الابتدائي والإعدادي والتأهيلي) يصل إلى نحو 8 ملايين ومتوسط الكتب المدرسية لكل تلميذ يتراوح تقريباً بين خمسة وثمانية كتب"، وتابع أنه "بالنظر إلى هذه المعطيات يمكن إدراك مدى الحجم الاقتصادي للسوق المدرسية ومدى الضغط الكبير على جيوب الأسر، خصوصاً التي لها أكثر من ابن في المدرسة مع ارتفاع أسعار الكتب والأدوات والمستلزمات الدراسية خلال الأعوام الأخيرة".
ووفق الصدوقي "يسبب ارتفاع كلف الدراسة انعكاسات سلبية عدة سواء على جودة دخل الأسر وعيشها، وكذلك على العملية الدراسية وجودة التعليم من حيث زيادة نسب الهدر المدرسي والضغط على المدارس الحكومية التي هي مدارس الأسرة الفقيرة بامتياز وذلك بهجرة تلاميذ المدارس الخاصة إليها وغيرها من العواقب السلبية".
مقترحات وحلول
وأوضح الصدوقي "للتخفيف من ضغط الكلف المدرسية على أسر المدرسة العمومية بهدف محاربة الهدر المدرسي وعدم تواصل الدراسة، أطلقت الحكومة المغربية منذ أعوام مبادرة مليون محفظة التي تزود بموجبها بعض تلامذة المدارس العمومية الابتدائية والإعدادية الأكثر هشاشة بالكتب المدرسية المقررة وبعض الأدوات والمستلزمات الدراسية (نحو 53 في المئة من التلاميذ)، كما يوجد برنامج ’تيسير‘ للدعم المالي المشروط يستفيد منه أكثر من مليوني تلميذ".
وفي رأي الباحث "مشكلة ارتفاع الكلف المدرسية ستتعمق أكثر في الأعوام المقبلة إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية مثل التخفيف من المواد الدراسية التي يقابلها تضخم في عدد الكتب المدرسية والتدخل لضبط وتقنين السوق المدرسية وإدخال المدرسة المغربية إلى عصر الحداثة باستعمال التقنيات والوسائل الحديثة للاتصال والمعلومات من خلال رقمنة المقررات والتعليم عامة واستعمال التلاميذ للوسائل والحوامل الإلكترونية الحديثة".
وبخصوص تدخل الحكومة هذا العام الدراسي الجديد من أجل مواجهة ارتفاع أسعار الكتب المدرسية تخفيفاً على القدرة الشرائية للأسر عبر الدعم المالي لناشري هذه الكتب، لفت الصدوقي إلى أنه على الرغم من هذه المبادرة الإيجابية، لم تتدخل الحكومة لضبط أو التخفيف من ارتفاع أسعار الأدوات والمستلزمات الدراسية من دفاتر وغيرها.