Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصطدم انتخابات "نواب" مصر بـ"مأزق دستوري"؟

تدخل القضاء الإداري وإلغاؤه 29 دائرة انتخابية في المرحلة الأولي بعد إلغاء "الوطنية للانتخابات" 19 أخرى يعمق الشبهات "حول الكفاءة ويثير المخاوف بشأن "شرعية" البرلمان المقبل

أجريت الانتخابات في مصر وفق "النظام المختلط" الذي يجمع بين القوائم المغلقة المطلقة والفردي (أ ف ب)

ملخص

أمام حالة التعقيد القانوني والدستوري التي فرضها تدخل المحكمة الإدارية العليا على المشهد الانتخابي النيابي في مصر، في أعقاب قرار مماثل من الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء دوائر أخرى، على إثر شكاوى واسعة من مرشحين على مقاعد فردية خاضوا المنافسة، يطغى على المشهد السياسي المصري أسئلة قانونية حول احتمالات إلغاء الانتخابات برمتها أو ما إذا كان البرلمان المقبل سيكون في مأزق قانوني ودستوري؟ لا سيما أمام احتمال ملاحقة الطعون للجولة الثانية من الانتخابات التي شهدتها البلاد في وقت سابق الأسبوع الماضي؟

أحدث قرار المحكمة الإدارية العليا بـ"بطلان العملية الانتخابية وإعلان النتائج في 29 دائرة انتخابية بـ9 محافظات" في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي تمت في 14 محافظة، جدلاً قانونياً ودستورياً في مصر حول انتخابات مجلس النواب برمتها و"المثيرة للانقسام" بين أحزاب المعارضة والموالاة منذ انطلاقها.

وأجريت انتخابات مجلس النواب (الغرفة التشريعية بالبرلمان) على مرحلتين الشهر الماضي بنظامي القائمة الحزبية المغلقة والمقاعد الفردية التي تشمل ممثلي الأحزاب والمستقلين. وشهدت المرحلة الأولى التي أجريت يومي 10 و11 من الشهر ذاته في 14 محافظة، انتقادات واسعة بشأن الانتهاكات التي طاولتها، ما استدعى تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناشدته الهيئة الوطنية للانتخابات المشرفة على العملية "إلغاء الانتخابات كلياً أو جزئياً"، وهو ما تفاعلت معه الأخيرة وأقرت إلغاء نتائج 19 دائرة انتخابية قبل نحو أسبوعين، من أصل 70 دائرة انتخابية على النظام الفردي.

وتراوحت الطعون المقدمة من المرشحين على المرحلة الأولى من الانتخابات، ما بين الطلب بإبطال نتائج بعض الدوائر الانتخابية وإلغائها، والطلب بإبطال المرحلة الأولى كاملة وإعادتها، بدعوى وجود خروقات شابت الدعاية الانتخابية وعمليات فرز أصوات الناخبين والحصر العددي لها، والتي أقر بعضها رئيس "الهيئة الوطنية للانتخابات" (جهة مستقلة) المستشار حازم بدوي في وقت سابق، قائلاً إن الخروقات تمثلت في "الدعاية الانتخابية أمام اللجان، وعدم تسليم المرشح أو وكيله صورة من محضر الأصوات، والتفاوت في عدد الأصوات بين اللجان الفرعية والعامة، وكلها عيوب جوهرية تنال من نزاهة ومشروعية الاقتراع والفرز"، على حد وصفه.

قرار الإدارية العليا "يقلب الطاولة"

بشكل مفاجئ وعلى وقع طعون مقدمة في الانتخابات، أبطلت المحكمة الإدارية العليا في مصر نتائج 29 دائرة انتخابية في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، بسبب "وجود خروقات في فرز أصوات الناخبين والحصر العددي لها"، وذلك بعد نحو أسبوعين من قرار هيئة الانتخابات إعادة الاقتراع في عدد من الدوائر.

وبحسب ما أفادت وكالة أنباء "الشرق الأوسط" المصرية الرسمية فإن "المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة أصدرت في جلستها المنعقدة السبت أحكاماً نهائية وباتة في شأن الطعون المقدمة على المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب". وأصدرت قراراً ببطلان نتائج عدد من الدوائر الانتخابية التابعة لمحافظات المرحلة الأولى، مشيرة في الوقت ذاته إلى قضائها بعدم قبول 100 طعن أخرى.

وجاءت الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا، وهي أعلى محكمة بالقسم القضائي لمجلس الدولة المصري، ببطلان العملية الانتخابية وإعلان النتائج في عدد من الدوائر، لتشمل 29 دائرة انتخابية تتوزع على 9 محافظات من بين محافظات المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، ليرتفع عدد الدوائر المُلغاة إلى 48 دائرة من إجمالي 70 دائرة بالمرحلة الأولى.

وكانت أبرز الدوائر الانتخابية الملغاة بقرار من المحكمة الإدارية، في محافظات الجيزة والبحيرة وسوهاج والمنيا وأسيوط والفيوم والأقصر وأسوان والوادي الجديد.

 

ونقلت وسائل إعلام محلية، استناد المحكمة الإدارية في قرارها بإبطال الانتخابات بتلك الدوائر على "امتناع الهيئة الوطنية للانتخابات عن تقديم محاضر الفرز المطلوبة لصناديق اللجان الفرعية"، مما اعتبرته المحكمة إخلالاً بواجبها القانوني، وقرينة للأخذ بادعاءات المرشحين الطاعنين، واعتبرت المحكمة في جميع الأحكام أن امتناع الهيئة الوطنية للانتخابات عن تقديم جميع محاضر فرز صناديق اللجان الفرعية، على رغم تكليفها بذلك "نكولاً عن الوفاء بالتزامها القانوني في إيداع هذه المحاضر التي تحت يدها، بما يحول بين المحكمة وبين إنزال صحيح حكم القانون على الوقائع محل الطعن الماثل"، بخاصة وأن تلك المحاضر بحوزة الهيئة فقط، ولا يمكن للمرشحين الطاعنين الحصول عليها من أية جهة أخرى، وأن هذا النكول (الامتناع عن الوفاء بالتزاماتها على رغم تكليف المحكمة) يعتبر قرينةً لمصلحة المرشحين الطاعنين في ما يدعونه، بحسب ما نقلت صحيفة "الشروق" المصرية، مضيفة أن الحيثيات كشفت عن تقدم المرشحين الطاعنين بالعديد من أوجه الطعن على العملية الانتخابية، كان أبرزها الادعاء بحدوث أخطاء في عملية الفرز، وحرمانهم من تسلم محاضر الفرز، وتسويد البطاقات في بعض الدوائر، وإعلان النتائج من دون تسليمهم أو وكلائهم صور المحاضر.

ورداً على قرار "الإدارية العليا"، قالت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر إنها في انتظار وصول الأحكام الصادرة منها بإلغاء مجموعة من الدوائر الانتخابية بنظام الفردي بالمرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب لفحصها ودراسة كيفية تنفيذها. مؤكدة على أنها "ليست لها مصلحة في الطعون الانتخابية، أو الأحكام الصادرة بشأنها وملزمة بتنفيذ أحكام القضاء"، على حد وصفها.

وما أثار الجدل في البلاد أن أحكام الإدارية العليا، جاءت بعد نحو أسبوعين فقط من إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إبطال الاقتراع الانتخابي في 19 دائرة تقع في نصف عدد محافظات المرحلة الأولى بعد رصد "مخالفات جوهرية"، ما استدعي معه تساؤلات بشأن قانونية "الاقتراع الانتخابي" برمته أمام تعدد الطعون من المرشحين.

"مأزق قانوني" أم "محاولة تصحيح"؟

أمام حالة التعقيد القانوني والدستوري التي فرضها تدخل المحكمة الإدارية العليا على المشهد الانتخابي النيابي في مصر، في أعقاب قرار مماثل من الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء دوائر أخرى، على إثر شكاوى واسعة من مرشحين على مقاعد فردية خاضوا المنافسة، يطغى على المشهد السياسي المصري أسئلة قانونية حول احتمالات إلغاء الانتخابات برمتها أو ما إذا كان البرلمان المقبل سيكون في مأزق قانوني ودستوري؟، لا سيما أمام احتمال ملاحقة الطعون للجولة الثانية من الانتخابات التي شهدتها البلاد في وقت سابق الأسبوع الماضي؟

وحول تفسير الشكل القانوني لقرار المحكمة الإدارية العليا، أوضح أستاذ القانون بجامعة القاهرة إبراهيم المنشاوي، أن "قرار المحكمة ملزم للهيئة الوطنية للانتخابات"، مؤكداً في حديثه لـ"اندبندنت عربية" على أن "مثل تلك الأحكام من أعلى محكمة إدارية في البلاد تعد أحكاماً نهائية وباتة من دون الطعن عليها".

 

وذكر المنشاوي، أن المحكمة الإدارية العليا تختص وحدها بالنظر في جميع المنازعات المتعلقة بـ"سير العملية الانتخابية، وصحة إجراءات الفرز والتجميع، وبمشروعية النتائج المعلنة بشأن انتخابات مجلس النواب، مشيراً إلى أن قرارها الأخير لا يعني إلغاء الانتخابات برمتها بل يقتصر على الدوائر التي شملها والتي ستدخل ضمن إعادة الاقتراع مرة أخرى في الدوائر محل الطعن وفق الجداول التي ستقررها الهيئة الوطنية للانتخابات من دون الرجوع إلى المراحل الأولى من الانتخابات المتمثلة في إعادة فتح باب الترشح مرة أخرى.

واعتبر المنشاوي، أن قرار المحكمة الإدارية لن يقود إلى إلغاء الانتخابات برمتها، مشيراً إلى "ضرورة ثبوت وجود خروقات شابت العملية الانتخابية منذ البداية مع وجود أدلة قانونية قاطعة تثبت البطلان من أجل الإقدام على مثل هذا السيناريو". وأضاف أن حكم الإدارية العليا "يؤكد قدرة القضاء المصري على تصحيح المسار في حالة وجود إخفاقات أو انتهاكات".

لا إلغاء للانتخابات

الأمر ذاته، كتب عنه الباحث والصحافي المختص في الشأن القضائي، محمد بصل، موضحاً المراحل اللاحقة لمشهد الانتخابات في الدوائر المشمولة في قرار المحكمة الإدارية قائلاً أن "جولة الإعادة ستجرى في موعدها فقط في الدوائر التي لم يتم إبطالها، أما الدوائر التي صدرت أحكام البطلان بشأنها فسوف تعود فيها العملية الانتخابية إلى آخر إجراء صحيح بمعنى إعادة تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات فيها بين جميع المرشحين الذين قبلت الهيئة الوطنية للانتخابات أوراقهم"، مضيفاً: "إلى جانب ذلك ستجرى انتخابات الجولة الأولى في الدوائر الـ19 التي سبق وأبطلتها الهيئة الوطنية للانتخابات".

وأوضح بصل، بشأن ما إذا كان قرار المحكمة الإدارية العليا يعني إعادة فتح باب الترشح مرة أخرى، قائلاً إن "هذه الخطوة لن تتم في الدوائر الملغاة من قبل المحكمة أو الهيئة الوطنية، إذ إن آخر إجراء صحيح ومحصن من الناحية القانونية هو تحديد موعد الاقتراع الأول وإعادة المرشحين جميعاً إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التصويت"، مشدداً على أن الجدل الدائر بشأن إلغاء الانتخابات كلياً وما إذا كانت عدد الدوائر الباطلة ستؤثر على بقية الدوائر، "من هذه الناحية لن يتم ذلك، إذ إن قبول الطعون شكلاً وموضوعاً وإلغاء النتائج في عدد من الدوائر، مهما كانت نسبتها، يقابله عدم قبول أو رفض الطعون على دوائر أخرى، وبالتالي فإن المرشحين الفائزين المتقدمين فيها اكتسبوا مراكز قانونية".

وتابع أن "جميع الطعون المقبولة هي على النظام الفردي فقط، ولا يوجد من له مصلحة تنافسية مباشرة في الطعن على نتائج القائمة التي خاضت الانتخابات منفردة، وبالتالي فإن مرشحي القائمة الفائزة قد حازوا مراكز قانونية استقرت في الوقت الحالي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تبعات ذلك المشهد الانتخابي "غير المسبوق" في مصر سواء على صعيد الطعون المقدمة، أو تداخل الرئيس معه وإلغاء نتائج الانتخاب في دوائر من قبل الهيئة الوطنية أو بقرار من المحكمة الإدارية، يصفه مستشار مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية أستاذ النظم الانتخابية عمرو هاشم، بأنه "يعكس تأزم المشهد السياسي في مصر".

وقال ربيع، في حديثه معنا إن "الانتخابات بشكلها وتفاعلاتها الراهنة تمثل أسوأ الاستحقاقات السياسية التي تشهدها البلاد منذ عقود وأنها تقربنا يوماً بعد يوم من أجواء انتخابات 2010"، محملاً الهيئة الوطنية للانتخابات مسؤولية "التأزم" الراهن، "بعد استبعاد المعارضة الفردية واستبعاد القوائم الأخرى لأسباب بيروقراطية وروتينية وورقية، وتبعيتها للأجهزة التنفيذية"، على حد وصفه.

واعتبر ربيع أن الحل الأمثل للخروج من مأزق الطعون المستمرة على الانتخابات هو "إلغاء الانتخابات برمتها وإعادتها مرة أخرى بعد تغيير النظام الانتخابي القائم"، مشيراً إلى "إقرار القوائم النسبية يبقى الحل لتجنب المخالفات والخروقات الانتخابية التي يفرضها النظام الفردي والقائمة المغلقة المطلقة".

وأجريت الانتخابات في مصر وفق "النظام المختلط" الذي يجمع بين القوائم المغلقة المطلقة والفردي، حيث تنافس أكثر من 2000 مرشح على "نظام الفردي" الذي تبلغ مقاعده 284، وخاضت قائمة واحدة الانتخابات البرلمانية وهي "القائمة الوطنية من أجل مصر"، والتي تضم 12 حزباً سياسياً، من بين أحزاب موالاة ومعارضة، على أربع دوائر انتخابية تشمل عموم الجمهورية من أجل حصد 284 مقعداً.

وتكتسي تلك الانتخابات أهمية خاصة، إذ تعد الأخيرة قبل انتهاء الولاية الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2030، وهي الولاية التي يفترض أن تكون الأخيرة له، لكن سيكون للبرلمان المقبل أهمية استثنائية في حال رغب السيسي في تعديل الدستور لإطالة أمد حكمه.

وجاءت انتخابات مجلس النواب بعد نحو 3 أشهر من انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الاستشارية بالبرلمان) التي أجريت في أغسطس (آب)، وبلغت نسبة المشاركة فيها 17.1 في المئة.

المزيد من تقارير