Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"طالبان" بين تهمتين: هل آوت الظواهري أم سلمته؟

لم يثق زعيم تنظيم "القاعدة" في الحركة الأفغانية على مر التاريخ فيما يعد إيواؤه انتهاكاً صارخاً لاتفاق الدوحة

مقاتل في تنظيم "طالبان" يحمل إعلاناً يتضمن صورة أيمن الظواهري وأسامة بن لادن ومكافأة لمن يقدم معلومة عنهما وزعها الأميركيون في أفغانستان قبل سنوات (غيتي)

لا يعد استهداف أيمن الظواهري مهماً في ذاته، على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أنه قضى على أحد المتورطين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وحوادث أخرى مثل تفجير السفارتين في أفريقيا 1998. فالظواهري الذي قاد أحد أشرس التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود "القاعدة" يرجع إليه الفضل في تراجع دور الجماعة في العقد الأخير.

إذ لم يملك المتطرف البالغ من العمر 71 عاماً شخصية سلفه أسامة بن لادن في القيادة، ولا جاذبيته لدى فسيفساء الجنسيات والعرقيات التي تكون منها التنظيم، بل شهد التنظيم في فترته سقوط كثير من قياداته وتفكك أطرافه وتراجع دوره في كل الجبهات.

إن المهم فعلاً في الإعلان الأميركي هو حالة تنظيم آخر، يصعد بشكل متسارع منذ العام الماضي حتى عاد إلى السلطة ألا وهو حركة "طالبان" التي قدمت نفسها منذ اليوم الأول للانسحاب الأميركي من أفغانستان على أنها جماعة جديدة أكثر تماشياً مع النظام الدولي من نسختها السابقة، ولن تشكل ملاذاً آمناً للإرهابيين عكس ما كانت على مر التاريخ، وهو ما وضع على طاولة النقاش بعد أن كان قبر زعيم "القاعدة" تحت ركام قصر وسط كابول.

الإرهابي جار السفارة الأميركية

قالت التقارير، إن الظواهري استهدف بصاروخين من نوع "هيل فاير" عبر طائرة مسيرة وهو يقف على شرفة منزل أقام فيه، أخيراً، في حي شيربور وسط العاصمة الأفغانية، هذا الحي الراقي نسبياً هو مقر السفارات الأجنبية وبيوت الدبلوماسيين، وليس ببعيد عن السفارة الأميركية المغلقة منذ أغسطس (آب) 2021.

هذا يقود "طالبان" إلى التهمة الأولى، إذ اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني الحركة بانتهاك اتفاق الدوحة على نحو صارخ، بعد أن تعهدت بألا تكون ملاذاً لـ"القاعدة" والجماعات الإرهابية، مؤكداً أن "طالبان" "خدعت الشعب الأفغاني، وأثبتت عدم قدرتها على التقيد بالتزاماتها".

وبحسب وكالة "رويترز"، فإن الظواهري انتقل إلى أفغانستان بعد أشهر قليلة من استيلاء "طالبان" على السلطة، ويبرز اسم شبكة "حقاني" التي تملك حقيبة وزارة الداخلية في إيوائه وقيادات أخرى كانت في موقع الاستهداف في الثالث من أغسطس (آب) الجاري، لامتلاكها علاقة جيدة جداً من "القاعدة"، وهو ما أكده مسؤول في الإدارة الأميركية للوكالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفسير آخر أشار إليه كولين كلارك، مدير مركز أبحاث "ذا سوفان سنتر" المتخصص في الشؤون الأمنية والإرهاب، في تحليل نشره موقع "فورين بوليسي"، قائلاً "نظراً إلى صعود تنظيم داعش في خراسان (شمال غربي أفغانستان)، والذي يعارض (طالبان) وينافس القاعدة في الوقت ذاته، فإن طالبان بحاجة إلى القوة البشرية التي تملكها القاعدة -400 مقاتل نشط ومدرب في أفغانستان- لمحاربة التنظيم الحديث المتنامي الذي يقود التمرد على طول الحدود الأفغانية- الباكستانية، مما يجعل الانقسام أقل احتمالاً في هذا الوقت".

وأضاف، أن "طالبان" بحاجة إلى توفير ملاذات آمنة لـ"القاعدة" حتى إعادة بناء شبكتها وقدراتها الهجومية الخارجية.

"طالبان" أشارت إلى الشرفة

ليس سهلاً إيجاد ما يمكن أن يثبت احتمالية تورط "طالبان" في الاستهداف بالتعاون مع الأميركيين، وهي الفرضية الثانية، نظراً إلى عدم وجود سوابق من هذا النوع لدى الفصيل الأفغاني.

ولا تنفي الحركة عن نفسها تهمة إيواء الإرهابي المصري، لكن هذا يمكن تفسيره بطرق مختلفة، بخاصة عند النظر إلى حجم الضغط الداخلي الذي تتعرض له من أنصار "القاعدة"، بوصفها ضربة مذلة لنظام "طالبان".

وبينما كانت الحركة تستعد للاحتفال بعامها الأول في السلطة، تعرضت لضغوط تطالبها بالانتقام على "العودة الأميركية المسلحة إلى البلاد"، وهو ما يصعب من مهمة التبرؤ من القيادي الإرهابي بغض النظر عن موقفها منه.

وعلى الرغم من أن "طالبان" كحركة أثبتت على مر تاريخها استعدادها لدفع تكاليف باهظة مقابل حماية أقرانها من التنظيمات، فإن أفرادها وفصائلها المتنوعة والمختلفة في ما بينها لم تقدم إثباتاً مشابهاً.

لا توجد معلومات حول الكيفية التي توصلت فيها واشنطن إلى موقع أيمن الظواهري، ولا من أشار إلى الشرفة حتى تضربها المسيرات، إلا أن تفاصيل الاستهداف تثبت أنه لم يكن مختفياً بشكل كامل، وهناك العديد من الأفغان الجهاديين معارضون لـ"العرب الأفغان"، ومن المرجح أن يكون أحدهم قد مرر معلومات لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

هذه الفرضية ليست تكهنات، بل اعتقاد مال إليه الظواهري نفسه الذي كتب في 2010 إلى سلفه أسامة بن لادن في رسالة وجدتها القوات الخاصة الأميركية في بيت الأخير عند اغتياله، "لو كنت سأنصح الأميركيين، والحمد لله أنني لست كذلك، لكنت اقترحت أن تطالب الملا عمر بإبقاء القاعدة عاجزة، لأن معظم طالبان سيوافقون على هذه الشروط"، في إشارة إلى المفاوضات التي بدأتها إدارة أوباما بشكل غير مباشر ذلك الوقت مع الحركة.

وأضاف مبدياً مخاوفه وعدم ثقته بـ"طالبان" "كثير منهم يريدون تقديم أنفسهم على أنهم معتدلون".

لم يكن الظواهري ليصدم بمثل هذه الخيانة لو وقعت فعلاً، على الرغم من أنه وبن لادن وثقا بمؤسس "طالبان" الملا محمد عمر، فإنهما اعتبرا القادة الآخرين "خونة وجواسيس ومنافقين"، بحسب الرسالة المشار إليها أعلاه.

وما يعزز فرضية أن تقوم أجنحة أو قيادات داخل "طالبان" بالوشاية لصالح الأميركيين هي ردة فعل وزير داخلية أفغانستان سراج الدين حقاني، حليف القاعدة والمطلوب على القوائم الأميركية للإرهاب، عندما غادر كابول فور بلوغ خبر اغتيال الظواهري وعاد إلى مسقط رأسه جنوب البلاد، حيث عشيرته التي يثق بها، ولم يبقى في العاصمة التي تحكمها قوى أفغانية جهادية متعددة.

وتملك "طالبان" مبرراً للنظر إليه على أنه خطر على المستوى الاستراتيجي، إذا ما تم غض الطرف عن التكلفة السياسية لوجوده في أحضانها، فقد كان الزعيم المتطرف الشهير معارضاً عنيفاً لاتفاق الحركة الأفغانية مع الأميركيين ومشيطناً للسلام الذي جمعهما. وقال الظواهري بعد توقيع اتفاق الدوحة "الأمم المتحدة تشكل خطراً على المجتمع الإسلامي، وإن ميثاق الأمم المتحدة- الذي تريد طالبان أن تكون جزءاً منه- يتعارض بشكل صارخ مع الشريعة الإسلامية".

وأبدت "طالبان" مرونة في التعاون مع الأميركيين في عمليات عسكرية عندما ساعدتها بشكل ما في مواجهة تنظيم خراسان التابع لـ"داعش"، وهو ما يفتح الباب أمام تعاونات أخرى ولو على مستوى جزئي، في ظل حاجة الحكومة الجديدة في كابول إلى تحسين علاقتها بالعالم لدمج البلاد من جديد في المجتمع الدولي.

وتمر تجربة "طالبان" في السلطة بتحديات كبيرة على المستوى الداخلي الذي تخنقه الأزمة الاقتصادية بسبب المقاطعة الدولية، وعقيدة الجماعة وتشكيلها الذي يصعب مهمة التغيير في ما لو أرادت ذلك.

المزيد من تحلیل