منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، بعد حرب دامت 20 عاماً، اختارت إدارة الرئيس جو بايدن استراتيجية "عبر الأفق" التي تعتمد على طائرات مسيرة وأخرى للتجسس بهدف تعقب عناصر تنظيمي "القاعدة" و"داعش" داخل ذلك البلد واستهدافهم.
وعقب مقتل زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري عبر طائرة مسيرة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. أي)، اعتبر مسؤولون وخبراء، أن ذلك انتصار لاستراتيجية بايدن لمكافحة الإرهاب، لكن في الوقت نفسه زادت المخاوف بشأن وجود المتشددين في أفغانستان.
وتمنح الضربة التي نفذتها الاستخبارات الأميركية، الأحد الماضي، في وسط مدينة كابول، وهي الأولى من نوعها منذ الانسحاب، بايدن إنجازاً نادراً قبل أقل من شهر على الذكرى الأولى للخروج الفوضوي الذي شهد عودة حركة "طالبان" إلى السلطة ومقتل 13 جندياً أميركياً وخلف عشرات آلاف الأفغان المعرضين للخطر.
قصة نجاح
وقال مايكل كوجلمان محلل شؤون جنوب آسيا في مركز ويلسون البحثي، "إنها قصة نجاح واضحة ومباشرة".
وأضاف، أن الولايات المتحدة فشلت في قتل الظواهري، الذي ساعد في تنسيق هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة وخلف أسامة بن لادن في زعامة "القاعدة"، حينما كان لها وجود عسكري على الأرض، لكنها أثبتت أن بوسعها استهدافه بعد نحو عام من الانسحاب.
وكتب العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي، توم مالينوفسكي، على "تويتر"، "لقد انتقدت قرار الرئيس بايدن بمغادرة أفغانستان، لكن هذه الضربة تظهر أننا ما زلنا نمتلك القدرة والإرادة للعمل هناك لحماية بلدنا".
أوجه قصور
لكن المسؤولين الأميركيين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، قالوا إنه لا تزال هناك أوجه قصور في الاستراتيجية. وأشاروا إلى أنه من دون اتفاقيات لإقامة قواعد في الدول المجاورة، فإن الطائرات الأميركية المسيرة ستواجه صعوبة في مراقبة الأهداف في المناطق النائية من أفغانستان الحبيسة لفترات طويلة.
وقال مسؤول أميركي، إن ضربة الظواهري سيكون من الصعب تكرارها في جميع أنحاء أفغانستان من دون شبكات من رجال الاستخبارات التي انتعشت خلال الوجود الأميركي الذي دام 20 عاماً.
اكتشاف واتفاق
وقالت نيها أنصاري، محللة مكافحة الإرهاب في واشنطن، والتي تركز على حرب الطائرات المسيرة، "كانت هذه ضربة نموذجية".
أضافت أن العملية تطلبت معلومات استخبارية جيدة وسماح الدول على الأرجح للولايات المتحدة بحق تحليق طائرات مسيرة عبر مجالها الجوي وموقعاً محدداً. لكنها أكدت أن السؤال المتعلق بما إذا كانت هذه الظروف المثالية ستستمر يظل سؤالاً مفتوحاً.
وظهر مثال على صعوبة جمع معلومات الاستخبارات في أفغانستان في عام 2015 حين كان الآلاف من القوات التي تقودها الولايات المتحدة على الأرض، عندما فوجئ المسؤولون العسكريون الأميركيون باكتشاف معسكر تدريب ضخم لـ"القاعدة" في ولاية قندهار الجنوبية.
ويشير استخدام "سي. آي. أي" طائرات مسيرة لضرب الظواهري إلى اتفاق تحليق سري مع دولة مجاورة، وهو أمر لا يملكه الجيش الأميركي. وامتنعت "سي.آي. أي" عن التعليق على العملية.
"القاعدة" و"داعش" في أفغانستان
يثير وجود الظواهري في كابول، على بعد بنايات قليلة من السفارة الأميركية المهجورة، تساؤلات عن وجود جماعات إسلامية متشددة في ظل حكم "طالبان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت الضربة إلى وجود خلل في اتفاق الانسحاب لعام 2020 الذي وقعته الولايات المتحدة مع "طالبان"، والذي يسمح لـ"القاعدة" والجماعات المسلحة الأخرى بالبقاء في أفغانستان طالما أنها لا تتدرب أو تجمع الأموال أو تخطط لشن هجمات.
وفي أواخر العام الماضي، قدرت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن الفرع المحلي لتنظيم "داعش" المعروف باسم ولاية خراسان، يمكن أن يكون لديه القدرة على مهاجمة الولايات المتحدة في أقل من ستة أشهر، على الرغم من العداء بين مقاتلي "طالبان" والتنظيم.
"قرع أجراس الإنذار"
وكان كبار القادة العسكريين الأميركيين قالوا قبل الانسحاب العام الماضي، إن جماعات مثل "القاعدة" يمكن أن تشكل تهديداً من أفغانستان إلى الولايات المتحدة وحلفائها بحلول عام 2023.
وذكر تقرير للأمم المتحدة العام الماضي، أن ما يصل إلى 500 من مقاتلي "القاعدة" موجودون في أفغانستان، وأن "طالبان" تحافظ على علاقة وثيقة مع التنظيم المتطرف.
وقال مسؤول عسكري أميركي، إنه بينما أصبح الظواهري إلى حد بعيد شخصية صورية في السنوات القليلة الماضية، فلا يزال هناك قلق من أن الجماعة قد تنمو مع قيام "طالبان" بتوفير الملاذ الآمن لها.
وقال دانيال هوفمان، الضابط السابق بالعمليات السرية في "سي. آي. أي"، إن وجود الظواهري ومقاتلي "القاعدة" الآخرين في أفغانستان يجب أن يكون بمثابة "قرع أجراس الإنذار".
وأضاف، "أفغانستان تشكل خطراً واضحاً وقائماً. ولم تكن أبداً أكثر خطورة على الولايات المتحدة مما هي عليه الآن".