Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموازنة بين الأمومة والعمل لا تستحق العناء

الأمهات اللواتي لديهن أطفال دون سن الخامسة يتركن وظائفهن بأعداد قياسية. اثنتان منهن تركتا العمل لتربية أطفالهما أخبرتا كاتبة التقرير أن الأمر تطلب تأملاً عميقاً للذات ولكنهما تقبلتا التحدي

عملت كيسي بوليو، البالغة من العمر 36 سنة وأم لأربعة أطفال، لمدة عقد من الزمن كمحاسبة في دوري كرة القدم الأميركية قبل أن تتخذ قرار ترك العمل والبقاء في المنزل مع أطفالها الصغار (كيسي بوليو)

ملخص

تواجه أمهات أميركيات أزمة متزايدة تدفعهن إلى ترك العمل بسبب ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال، ونقص الدعم وإجازات الأمومة، وسياسات العودة للمكاتب، مما يخلق صراعاً بين الطموح المهني ومتطلبات الأسرة، ويجبر كثيرات على إعادة تعريف هوياتهن بين الأمومة والعمل.

عانت ميغان، وهي أم لطفلين، أشهراً قبل أن تتخذ قرارها بترك وظيفتها كممرضة والبقاء في المنزل لتربية طفليها اللذين يبلغان من العمر سنة وأربع سنوات.

بعد ولادة طفلها الثاني العام الماضي، بدأت معاناة ميغان، البالغة من العمر 33 سنة التي تعيش في سبرينغفيلد في ولاية إلينوي، عندما عادت إلى العمل بعد 12 أسبوعاً فقط من الولادة، وهو ما وصفته بأنه كان "أشبه بصدمة نفسية".

حاولت التوفيق بين عملها في التمريض، الذي استمر عقداً من الزمن، وتربية طفلين صغيرين، ولكن بعد ستة أشهر، شعرت ميغان بالإرهاق ولم تعد تحتمل.

وقالت ميغان، التي طلبت عدم ذكر كنيتها لأسباب تتعلق بالخصوصية، في حديث مع "اندبندنت"، "كنت أشعر أن أطفالي لا ينالون مني سوى ما تبقى من طاقتي ومشاعري بعد يوم طويل. فقلت لنفسي ’هذه التضحية لا تستحق العناء‘. لذلك استقالت من عملها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك أزمة في الولايات المتحدة متعلقة بالأمهات العاملات، إذ إن النساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 25 و44 سنة، ولديهن أطفال دون سن الخامسة، يغادرن سوق العمل بأعداد كبيرة.

بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) من العام الجاري، انخفضت نسبة الأمهات العاملات في هذه الفئة بنحو ثلاث نقاط مئوية من 69.7 إلى 66.9 في المئة، بحسب تحليل للبيانات الفيدرالية أجرته الأستاذة في الاقتصاد والشؤون العامة بجامعة كانساس، ميستي لي هيغينيس.

بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل، منذ يناير الماضي، غادرت 212 ألف امرأة فوق سن 20 سنة سوق العمل، بينما دخله 44 ألف رجل. ميغان، التي تركت وظيفتها في مايو (أيار)، كانت واحدة من 212 ألف امرأة.

تتنوع أسباب ترك النساء للعمل واختيار البقاء في المنزل مع الأطفال، وتشمل ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال، وعدم كفاية إجازة الأمومة، وتراجع الشركات عن سياسات العمل من المنزل التي اعتمدت خلال فترة الجائحة لدفع الموظفين إلى العودة إلى العمل المكتبي خمسة أيام في الأسبوع.

وشهد معدل توظيف الأمهات ارتفاعاً جزئياً بعد الجائحة بسبب مرونة العمل من المنزل.

وقالت هيغينيس لصحيفة "واشنطن بوست"، "من الواضح أننا نتراجع في اقتصاد ذكوري، وأن سياسات العودة إلى المكتب تحدث تأثيراً واسعاً"، في إشارة إلى مشهد في فيلم غريتا غيرويغ حين يستولي كين على عالم باربي الذي كانت تديره النساء.

واضافت "لقد بات من الصعب على النساء، خصوصاً من يتحملن أعباء الرعاية، أن يزدهرن في سوق العمل الحالية".

وفي مثال آخر، بعد 10 أعوام من العمل، اختارت كيسي بوليو، وهي أم لأربعة أطفال، ومحاسبة في دوري كرة القدم الأميركية، ترك وظيفتها والبقاء في المنزل مع أطفالها الصغار أثناء حملها بطفلها الثالث في فبراير (شباط) 2022.

وقالت السيدة البالغة من العمر 36 سنة من نيوجيرسي: "بدأ صوتي الداخلي يتغير، قائلاً لي ’لا أستطيع القيام بذلك‘. أطفالي أهم. عائلتي أهم. كان التوازن مفقوداً".

كان أحد دوافع اتخاذ كيسي هذا القرار هو سياسة العمل من المكتب التي اتبعها صاحب العمل، ففي مايو 2021 فرض دوري كرة القدم الأميركية على جميع موظفيه العودة إلى المكتب لثلاثة أيام في الأسبوع. أثر هذا التغيير في قسم كيسي عام 2022، وهو العام الذي استقالت فيه.

قالت كيسي: "شعرتُ أنه كان عليّ الاختيار بين الاستمرار في العمل أو أن يقوم شخص آخر بتربية أطفالي، ذلك لأننا كنا مطالبين بالعودة إلى المكتب. كان هذا سبباً رئيساً آخر لعدم رغبتي القيام بذلك. مررتُ بلحظة تأمل، وأدركتُ أن الأمر لن يكون جيداً لأطفالي ولنفسي أيضاً".

يعتمد دوري كرة القدم الأميركي سياسة العمل من المكتب خمسة أيام في الأسبوع، مع بعض الاستثناءات. وجاء في بيان على موقع الدوري: "يُعطي دوري كرة القدم الأميركي الأولوية للعمل حضورياً، إذ إن ذلك يُمكننا من التعاون والتواصل بشكل أكثر فعالية وبناء ثقافة عمل تُعزز نجاحنا المستمر".

بالنسبة إلى بعض النساء، يُعد البقاء في المنزل لرعاية الأسرة حلماً. بالنسبة إلى كيسي، كان التخلي عن مسيرتها المهنية الناجحة في دوري كرة القدم الأميركي أمراً صعباً. قالت: "كان هذا [العمل] دافعي، كان هذا شغفي. هدفي الأول عندما بدأت العمل كان شق طريقي نحو النجاح. كان هذا كل ما عملت من أجله".

ميغان، التي كانت تحب عملها في التمريض، شعرت بالأمر نفسه. فبعد ولادة طفلها الأول عام 2020، لم يخطر ببالها أبداً أن تصبح أماً متفرغة في المنزل.

قالت ميغان: "لم أكن في وضع يجعلني أفكر في البقاء في المنزل. كنت أتعامل مع هوية جديدة. عدت إلى العمل. كان الأمر صعباً، لكن في ذلك الوقت كنت أقول: هذا مكاني. لا بأس".

لكن أعراض الإرهاق بدأت تظهر عليها وعلى زوجها، الذي يعمل أيضاً في مجال الرعاية الصحية. كانا يتذمران من العمل وصعوبته عند عودتهما إلى المنزل، محبطين من ضيق الوقت المتاح لهما مع طفلهما وتأثير ضغط العمل في سعادتهما.

بعد ولادة طفلها الثاني في يوليو (تموز) 2024، وبعد انتهاء إجازة الأمومة، تحملت ميغان حتى مايو من هذا العام، بعدها أدركت أنها لم تعد قادرة على الاستمرار.

قالت: "شعرتُ وكأننا في عجلة باستمرار في كل مكان. العجلة أثناء رعاية الأطفال أمر صعب ومرهق لطاقاتكِ... تجهيز وجبات الغداء وتجهيز مضخة الحليب وضخ الحليب ثلاث مرات يومياً داخل خزانة في المكتب، إنه أمر مرهق".

ستتفهم كثير من الأمهات في الولايات المتحدة ذلك فوراً، إذ يبلغ متوسط ​​إجازة الأمومة في أميركا 10 أسابيع.

ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال شكل عاملاً آخر في قرار كيسي التي تعتبر أنه من غير المفاجئ أن كثيراً من النساء يتركن العمل نظراً إلى أن نسبة كبيرة من أجورهن، إن لم يكن كلها، تنفق للحصول على رعاية الأطفال.

قالت "أنا متأكدة أن جزءاً كبيراً من الأمر يتعلق بتكلفة رعاية الأطفال، فما فائدة العمل إذا كنت ستدفعين كل أجرك لشخص آخر لتربية أطفالك؟ أعتقد أن الأمهات يُدركن أهمية الوجود مع أطفالهن".

بينما تقدر كيسي دعم زوجها إيد الذي يعمل أيضاً في دوري كرة القدم الأميركية، في توفير احتياجات العائلة مادياً، إلا أن فقدان استقلاليتها المالية كان صعباً بالنسبة إليها. وأوضحت بالقول: "كان الأمر صعباً عندما غادرت. جزء كبير من ذلك بالتأكيد يتعلق بالجانب المالي، المساهمة في إعالة الأسرة ومحاولة إيجاد موقعي. أحياناً أقول إني لا أستطيع فعل شيء محدد لنفسي لأنني لا أكسب أي مال. لقد فقدت نفسي في مثل هذه الحالات، [فقدت] الحرية".

من جهتها، أشارت ميغان إلى أنه على رغم أن زوجها كان قادراً على إعالة أسرتهما مالياً، فإنها لا تزال تشعر بأنها كانت مُجبرة على [ترك العمل] بسبب التكلفة الباهظة لرعاية الأطفال وعوامل أخرى.

قالت ميغان، في إشارة إلى الإحصاءات حول النساء اللواتي تركن العمل حديثاً: "أتمنى لو أن الناس يفكرون ويدركون أن هذا الرقم ليس نتيجة أننا جميعاً اعتبرنا أن البقاء في المنزل أمر رائع. أنا أختار ما يناسبني، أختار ما هو الأفضل لنا [كعائلة] الآن، والذي سيساعد عائلتي ويجعلنا أكثر سعادة لأنني أشعر بأنني أستطيع الاختيار".

لكنها تنبه قائلة "لكن في الوقت نفسه، يعود ذلك إلى [تكلفة] رعاية الأطفال وحضانات الأطفال وإحضار الأطفال إلى المنزل والانشغال الدائم".

في ظل إدارة سياسية تشجع النساء على إنجاب مزيد من الأطفال وتدعم زيادة الإنجاب و"القابلات القانونيات" مع تقليص حقوق الإجهاض، واجهت ميغان صعوبة في فكرة أن تصبح أماً متفرغة في المنزل.

وأوضحت ميغان "كان عليّ البحث في أعماق نفسي قليلاً. أعتبر نفسي نسوية، لذلك هناك جزء مني، بخاصة في ظل هذا المناخ السياسي، يشعر ببعض الانزعاج من نفسي لأنني أقضي كل وقتي في المنزل مع الأطفال".

وأضافت "لكن في الوقت نفسه، أقول لنفسي بأنني أقوم بما هو مفيد لعائلتنا، إذ لا يتم منحنا الدعم وإجازة [أمومة]".

وعلى رغم صراعها الداخلي حول القرار، لا تشعر ميغان بأي ندم، وقالت "أنا في مرحلة حب الأمومة، ومن الواضح أنها تحمل كل صعوباتها، لكنني أتقبلها".

كذلك تقول كيسي إنها غير نادمة على ترك العمل، لكنها توضح بأنها استغرقت بعض الوقت لتكتشف هويتها بعد ترك مسيرتها المهنية من أجل الأمومة، وأن هذه العملية ما زالت مستمرة.

أطفال كيسي في عمر ست وأربع وثلاث سنوات وسنة واحدة، ولديها حساب على "إنستغرام" تشارك من خلاله لمحات عن فوضى الحياة المنزلية. في أحد المنشورات، تظهر كيسي وهي تضخ الحليب بينما تحرك طفلها في الكرسي الهزاز بيد وتحضر العشاء باليد الأخرى. وعلقت على الفيديو بالقول: "الأمهات يُحضرن الطعام ويُسلين الطفل ويضخخن الحليب من أجسادهن، كل ذلك في الوقت نفسه. عانقوا أماً وأخبروها كم هي رائعة".

وفي منشور آخر، تُوثق الأم تجهيز أطفالها الأربعة صباحاً ووضعهم في السيارة، وهي أشبه بعملية عسكرية. لكن هذا العمل لا يحصل على التقدير دائماً.

قالت كيسي "عندما يكبر أطفالك قليلاً، يبدأون بقول أشياء مثل: ’بابا يعمل وماما تبقى في البيت، ماما ليس لديها وظيفة‘. وهذا الأمر يشبه المرآة التي تعكس الصورة. يُمكنكِ العمل ويُمكنكِ أن تكوني أماً ويُمكنكِ الحصول على وظيفة. لذلك أشعر بكثير من التشتت".

وعقبت بالقول: "ومن ناحية أخرى، يُمكنني أيضاً تحقيق ذاتي في أشياء خارج نطاق الأمومة. لذا فأنا أعيش في هذه المنطقة الرمادية الآن".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات