ملخص
في الأشهر الأخيرة تعددت الخطوات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع الوزارات المعنية والجمعيات الصديقة للبيئة والجيش اللبناني في مكافحة تهريب الطيور. بدا التشدد واضحاً في هذا المجال، ومن الإجراءات ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت فيديوهات قامت فيها الأجهزة الأمنية بضبط عمليات تهريب طيور متنوعة وإطلاق هذه الطيور في الطبيعة.
تتشدد الأجهزة الأمنية في لبنان في مكافحة التهريب، إلا أن التهريب قد يتخذ صوراً عدة لا تُعطى كلها الأهمية ذاتها، ففي الفترة الأخيرة، بدا أن تهريب الطيور أصبح من التحديات الجدية التي يُحسب لها حساب، وتسلّط الأضواء عليها، لذلك، كثفت الأجهزة الأمنية نشاطها في مواجهة هذا التحدي الجديد حتى تمكنت من ضبط الأمور بنسبة عالية، إلا أن هذا لا يعني أنه كان من الممكن وقف التهريب بصورة تامة، فمواجهة هذه الآفة بمختلف أنواعها وأشكالها تتطلب المثابرة باتخاذ الإجراءات اللازمة وفرض القوانين للمدى البعيد لأن فترة الهدوء هذه في التهريب قد لا تكون إلا ردة فعل موقتة بسبب الضوابط التي فُرضت في الفترة الأخيرة، قبل أن يعاود الفلتان ربما بمعدلات كبيرة.
في مواجهة تهريب الطيور
في الأشهر الأخيرة، تعددت الخطوات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية بالتعاون مع الوزارات المعنية، والجمعيات الصديقة للبيئة، والجيش اللبناني في مكافحة تهريب الطيور. بدا التشدد واضحاً في هذا المجال، ومن الإجراءات ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت فيديوهات قامت فيها الأجهزة الأمنية بضبط عمليات تهريب طيور متنوعة وإطلاق هذه الطيور في الطبيعة، وبصورة متكررة تم تسليط الضوء على عمليات مماثلة جرت فيها مصادرة مجموعات من الطيور، ولا سيما الطيور من نوع الحسون التي كانت معدة للتهريب إلى داخل الأراضي اللبنانية، من قبل وزارة الزراعة بالتعاون مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المختصة. في مثل هذه الظروف يتم تسليم الطيور إلى مصلحة الزراعة، إذ تتولى الفرق الفنية المختصة رعايتها وفق الشروط البيئية والصحية قبل إعادتها إلى بيئتها الطبيعية بعد أن يتم التأكد من أنها قادرة على التكيف والبقاء في البيئة التي توضع فيها، وعند القيام بضبط عمليات التهريب تُطلق الطيور بأنواعها المختلفة في الطبيعة على رغم أنها ليست كلها من تلك التي يمكن تركها في الطبيعة، بل يعتبر الحسون، بشكل أساس، من الطيور التي يمكن إطلاقها في البرية.
وأكد مصدر أمني لـ"اندبندنت عربية" أن عام 2025 كان استثنائياً، إذ قامت الأجهزة الأمنية بضبط عمليات تهريب طيور عدة بالتعاون مع جمعيات بيئية تتقدم بشكاوى، وبناء على تبليغات أخرى، وأشار المصدر نفسه إلى أن عمليات التهريب تكون غالباً من خارج لبنان باتجاه الداخل، ونادراً ما يحصل العكس لأن لبنان لا يملك هذا الغنى الكبير بالطيور النادرة. ويتم التهريب عادة بهدف بيع طيور أو حتى حيوانات نادرة بأغلى الأسعار، ومنها ما قد يكون مهدداً بالانقراض، إذ لدى البعض هواية تربية هذه الطيور النادرة والحيوانات في المنازل، مما يشجعهم على دفع أموال طائلة مقابل الحصول عليها أياً كان الثمن، وهذا ما يعتبر مخالفاً للقانون، لذلك تشددت الأجهزة الأمنية وكثفت جهودها في ضبط هذه العمليات بالأشهر الماضية بالتعاون مع جهات معنية حتى أصبحت الأمور تحت السيطرة إلى حد ما، وبدا واضحاً للأجهزة الأمنية أن هذه العمليات قد خفت بصورة واضحة.
بالفعل، ولدى محاولة التواصل بمجموعة من كبار تجار الطيور في عكار (شمال)، الذين يعرف عنهم أنهم يبيعون الطيور النادرة المهربة من سوريا والعراق، أتت الإجابة المتكررة ذاتها "لم أعد أبيع أياً من هذه الطيور تجنباً لوجع الرأس الذي يمكن أن ينتج عن هذه التجارة"، فكل الضغوط والضوابط التي فرضت في ضبط عمليات التهريب جعلتهم أكثر تخوفاً وتردداً في المتاجرة بهذا المجال، أو في الأقل بالإفصاح عن ذلك خشية أو يلقوا العقاب، وإن كان من المتوقع أن يكون ذلك موقتاً حتى تهدأ موجة المداهمات.
التهريب يخف ولا يتوقف
تتركز عمليات التهريب بصورة أساس في شمال لبنان، وغالباً ما يكون كبار تجار الطيور في مناطق عكار وغيرها من المناطق الشمالية، بحسب ما أوضح المتخصص البيئي في حماية الطيور والمحافظة عليها روجيه سعد، وانطلاقاً من خبرته في مجال حماية الطيور والحفاظ عليها أكد أن ثمة مجموعات هي بمثابة مافيات في مجال تهريب الطيور، وهي تجد في هذا المجال مكسباً حقيقياً، "وكونها تحقق أرباحاً هائلة من خلال هذه العمليات، فهي لن تتوقف بهذه السهولة عن القيام بأعمال التهريب هذه، ولو بدا أنها خفت بسبب التشدد ومداهمات الأجهزة الأمنية بشكل مكثف، ومن الممكن أن تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبط الأمور عبر توقيف عمليات معينة، لكن مما لا شك فيه أن ثمة مجموعات كثيرة أخرى، وعمليات تتم بصمت وستستمر تلك المجموعات بأعمالها حكماً إنما بتكتم شديد، ولو بدا أنها هدأت فترة محدودة"، واستبعد سعد أن تتوقف معتبراً أنها خفت حالياً بسبب عامل الخوف من المداهمات التي تحصل.
أما أبرز الطيور التي يتم تهريبها بصورة أساس، فهو طير الحسون الذي يعتبر من الطيور الجميلة التي يمكن تحقيق أرباح كبيرة ببيعها، إلى جانب كونه طيراً يتميز بصوته الجميل وشكله الجميل أيضاً. لذلك، يطلبه الناس بمعدلات عالية لاقتنائه في منازلهم، وقد يصل ثمنه إلى 1000 دولار أميركي نظراً إلى ارتفاع الطلب عليه، وينطبق ذلك على طير الكناري أيضاً، وأيضاً طيور النعار والبسبوس، وهي من الطيور التي يمنع بيعها أيضاً، مع الإشارة إلى أن من هذه الطيور ما يولد ليكون من الممكن تربيته في قفص، فلا تكون هناك مشكلة عندها، وتوضع في هذه الحال حلقة في ساقه لتمييزه، لكن يمنع بيع تلك الطيور إذا كانت موجودة في البراري، وأشار سعد إلى أن الطيور ليست وحدها ما يتم تهريبه، حتى أنه يباع الدبق لالتقاط الطيور، إضافة إلى مواد أخرى خطرة تباع من سوريا إلى لبنان، ومن تركيا لالتقاط الطيور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ما يتعلق بالطيور التي تهرّب من خارج لبنان فهي تأتي عن طريق العراق فسوريا وصولاً إلى بلاد الأرز، أو من سوريا إلى لبنان، ويعتبر الحسون أكثر الطيور التي تهرّب، ومن بعده تأتي الصقور التي تعد طيوراً معرّضة للانقراض وكثر يعشقون تربيتها لما لها من أهمية ورمزية، ومن بعدها تأتي النسور التي تعتبر أيضاً من الطيور النادرة التي عددها قليل، وهي تهرّب من العراق عبر الحدود السورية من خلال المعابر غير الشرعية لأنه يمنع أن تباع، كونها ضمن اللائحة الحمراء التابعة لـIUCN (الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة) التي تمنع طيوراً معينة من الدخول إلى لبنان وتمنع المتاجرة بها عالمياً، وتعد النسور والصقور من الطيور التي يمنع التجارة بها عالمياً لأنها نادرة ومهددة بالانقراض، في وقت يزيد الطلب عليها بصورة خاصة، ويزيد الراغبون باقتنائها، أما الحسون فلا يعد من الطيور المهددة بالانقراض، لكن نظراً إلى ارتفاع الطلب عليه، والتقاطه بأعداد كبرى، أصبحت أعداده قليلة في الدول حيث هو موجود، وثمة دول عربية عدة انقرض منها بشكل تام في الطبيعة، لذلك تمنع المتاجرة به، وهو ليس من الطيور المعدة للزينة بل هو من الطيور البرية.
أما الطيور المهربة من لبنان فمعظمها من الحساسين بشكل أساس، وعلى رغم عدم توافر أعداد كبيرة منه، فثمة أعداد مهمة من طيور الحسون التي تصدّر من لبنان على أنها طيور أخرى، لأنه يمنع تصديره، وقد أصبح وجوده نادراً، وقد تتناقص أعداده أكثر بعد، وتتكثف الجهود لحمايته، أيضاً من الطيور التي تهرب من لبنان طير الخضيري أحياناً، وبعض الصقور التي يتم التقاطها من الطبيعة لتصديرها، أو أنه يمكن أن تمر عبر لبنان حيث يعاد تهريبها.
أمراض عابرة للحدود
في عمليات التهريب من الممكن نقل أمراض عدة تصيب الطيور والحيوانات فتنتقل بالعدوى إلى باقي الطيور والحيوانات الموجودة في البلاد وتهددها. وهي إحدى التداعيات الخطرة للتهريب نظراً إلى عدم خضوع هذه الطيور إلى إجراء الفحوص والمراقبة الصحية، إضافة إلى كونها تشكل تهديداً للتوازن البيئي، وهذا ما يعرّض طيوراً أخرى للأمراض، سواء في حال وضعها للبيع في المتاجر، أو في حال إطلاقها في الطبيعة. لذلك، يحكى حالياً عن إنفلونزا الطيور في لبنان التي يمكن أن تكون موجودة بسبب طيور تم استقدامها من الخارج وقد نقلت العدوى.
دراسة وفحوص ومتابعة صحية
وعن مكافحة تهريب الطيور، أوضح وزير الزراعة نزار هاني أن الطيور تهرّب إلى لبنان غالباً وليس العكس، وقال "تتم مكافحة عمليات التهريب بالتعاون مع الجيش وعند ضبط هذه العمليات يتم إطلاق الطيور في الحدائق وأخرى في البراري، بناء على دراسة وفحوص ومتابعة صحية، تماماً كباقي عمليات التهريب، تُبذل كل الجهود اللازمة لمكافحة عملية تهريب الطيور، وباتت تحت السيطرة بفضل كل الجهود".
أما ما يشكل مصدر قلق فعلي حالياً، فعمليات تهريب المواشي، فهي المشكلة الحقيقية بوجود الحمى القلاعية التي تنتشر في مختلف دول المنطقة، وتشكل تهديداً للمواشي في لبنان، وهذا ما يشكل عثرة جديدة، وإن كانت لا تزال محصورة في البقاع، لذلك هناك إجراءات كثيرة تتخذ وتوجيهات للحد من انتشارها بالتنسيق بين مختلف الجهات المعينة ولجنة الطوارئ والأجهزة الأمنية، مع الإشارة إلى أن الحمى القلاعية لا تشكل خطراً على الناس، ولا مشكلة في تناول اللحوم والحليب، بل إن خطورتها محصورة في المواشي بذاتها، فتنتقل بينها في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة.