ملخص
تمثل المناطق الخضراء في جوهرها محاولة أميركية لإنتاج واقع أمني بديل يجمد خطوط النار من دون اتفاقات سياسية، ويحول الجبهات التقليدية إلى مساحات اقتصادية وأمنية مدارة دولياً. إنها ترجمة واقعية لرؤية دونالد ترمب القديمة - الجديدة للشرق الأوسط، سلام عبر الازدهار، وردع عبر التنمية، وتقليص لنفوذ إيران من دون الانخراط في حرب مفتوحة.
لم تكن المبادرات الثلاث التي طرحتها الإدارة الأميركية أخيراً، من منطقة اقتصادية في جنوب لبنان، ومنطقة آمنة تتولاها القوات الأميركية في الجنوب السوري، وصيغة إدارة اقتصادية ومدنية جديدة في غزة، مجرد أفكار متناثرة لتهدئة جبهات ملتهبة.
بل بدت وكأنها خريطة واحدة ترسم بقلم واحد، هدفها إعادة هندسة الحزام الأمني المحيط بإسرائيل ومنع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من الانزلاق إلى حروب إضافية على حدوده الشمالية والجنوبية.
فالولايات المتحدة، التي تدرك أن إسرائيل باتت تترنح تحت ثقل حربها المفتوحة، لا تريد لها أن تنتقل إلى حرب ثانية مستجدة مع لبنان، ولا إلى مواجهة في سوريا، ولا إلى إعادة احتلال غزة.
كما تحاول واشنطن بهذه الهندسة، أن تقول لنتنياهو إن الأمن لا يبنى بالحرب الآن، بل بتجميد ساحات التوتر وإعادة ترتيبها تحت سقف أميركي. فأية حرب إضافية ستشنها إسرائيل في هذه اللحظة لن تجر سوى انهيار داخلي، وتوسع تدخلات إيران، وتورط واشنطن نفسها في معادلات لا تريدها.
فرملة الشهية الحربية الإسرائيلية
وعلى رغم اختلاف هويات المناطق الثلاث، فهي تخدم هدفاً واحداً، فرملة الاندفاعة والشهية الإسرائيلية نحو صدامات جديدة، وخلق واقع أمني بديل، يبقي الحدود هادئة من دون أن يظهر ذلك كتنازل سياسي لإيران أو لحلفائها.
وما يبدو اليوم كمبادرات أميركية متفرقة، من المنطقة الاقتصادية في جنوب لبنان، إلى المنطقة الآمنة والتنموية في الجنوب السوري، وصولاً إلى النموذج الاقتصادي والإنساني المقترح لغزة، ليس إلا ترجمة عملية لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب القديمة - الجديدة للشرق الأوسط، أي منطقة اقتصادية مستدامة تدار استثماراتها، ويصنع استقرارها عبر المشاريع لا عبر الحروب. ومنذ ولايته الأولى لم يخف ترمب قناعته، بأن الشرق الأوسط يمكن إطفاء نيرانه لا من خلال معاهدات سياسية كلاسيكية، ولا عبر تدخلات عسكرية، بل عبر ربط الأطراف المتصارعة بشبكات مصالح اقتصادية تجعل كلفة الحرب أعلى من مكاسبها.
ولهذا تحديداً يروج لفكرة "السلام عبر الازدهار"، أو الجزء الاقتصادي من "صفقة القرن"، إذ تستبدل خطوط التماس بخطوط إنتاج، وتتحول المناطق المعنية، سواء في لبنان أم سوريا أم غزة، إلى ساحات تجارب اقتصادية بديلة عن ساحات الاشتباك.
مناطق خضراء اقتصادية
في هذا السياق، تبدو المبادرات الأميركية اليوم أقرب إلى استكمال خريطة ترمب الاقتصادية، الجنوب اللبناني كمنطقة تضبط أمنياً عبر تحويله إلى منصة استثمار وحدود آمنة بلا حرب، والجنوب السوري كجيب آمن يتيح بناء مشاريع تنموية تمنع تمدد النفوذ الإيراني، وغزة كنموذج لاقتصاد مدار دولياً يخفف دوافع الانفجار ويعيد تشكيل السلام من بوابة الاقتصاد لا السياسة. وبهذه المقاربة، تحاول واشنطن إعادة إنتاج "المنطق الترمبي" نفسه، السلام ليس معاهدة، بل شبكة مصالح، والحرب ليست ضرورة، بل إفلاس اقتصادي.
ومن خلال هندسة المناطق الخضراء الاقتصادية، تتطلع الولايات المتحدة إلى إنتاج شرق أوسط يهدأ ليس لأن الخصوم تصالحوا، بل لأنهم دخلوا جميعاً في لعبة لا يستطيع أحد أن يخسرها من دون أن ينهار.
ما الهدف الأميركي من إنشاء "مناطق خضراء" في الحزام الإسرائيلي؟
في شهر يونيو (حزيران) 2019، أقيمت ورشة عمل اقتصادية، في العاصمة البحرينية، المنامة، بعنوان "السلام عبر الازدهار"، وركزت ومنذ ذلك الوقت على الاستثمارات الاقتصادية كأساس للحل السياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وقدم صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، الذي كان حينها المستشار الأعلى في البيت الأبيض، رؤيته لاستثمار نحو 50 مليار دولار أميركي، على مدى 10 سنوات، في الاقتصاد الفلسطيني، على أن يشمل ذلك المناطق الفلسطينية، أي الضفة الغربية وغزة، ودول والجوار أي مصر والأردن.
وتضمنت خطته مشاريع في مجالات الطاقة والسياحة والتكنولوجيا والبنية التحتية والزراعة، وذلك بهدف خلق مئات آلاف فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة، ووصف خطته بـ"فرصة القرن" للفلسطينيين. وذكر كوشنير حينها أن الخطة الاقتصادية "إذا تم تبنيها فستجعل الاقتصاد الفلسطيني مزدهراً، والاقتصاد القوي هو السبيل الأنجح لتحقيق السلام الدائم".
وإذا كان كلام كوشنير يوضح أمراً، فهو الرؤية الأميركية للمنطقة منذ عام 2019، وطبعاً قبل نشوب حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. من هنا، إن فكرة المناطق الخضراء ليست إجراء موضعياً، بل جزء من هندسة أمنية جديدة تحاول واشنطن رسمها على خط التماس بين إسرائيل والبيئات العربية المحيطة بها، كما أنها محاولة لإنتاج مساحات معزولة ومدارة ومراقبة، ومنزوعة التهديد قدر الإمكان، من دون أن تتحمل الولايات المتحدة أو إسرائيل كلفة السيطرة المباشرة على هذه البيئات أو خوض حروب شاملة لتهدئتها.
إعادة تعريف الأمن الإسرائيلي
تعتبر واشنطن أن تل أبيب اليوم غير قادرة على خوض حرب كاملة على ثلاث جبهات، لبنان وسوريا وغزة في وقت واحد، وأن أية مواجهة كبرى ستولد انهياراً اقتصادياً إسرائيلياً وتدخلاً إيرانياً مباشراً، لذلك تطرح "المناطق الخضراء" كحل يؤمن عمقاً عازلاً بين إسرائيل من جهة، والجبهات المتوترة من جهة أخرى، من دون الانزلاق إلى حرب شاملة. والمنطقة الخضراء هنا ليست فقط للحماية، بل لإعادة ضبط مفهوم الردع، بمعنى أن تل أبيب لا تحتل هذه المناطق، والجيوش العربية لا تسيطر عليها، والقوى الإيرانية تمنع من الاقتراب. إنها مساحات، لا غالب ولا مغلوب، لكنها عملياً تصب لصالح التفوق الإسرائيلي.
من هذه النقطة، يبدو أن الهدف الأميركي الأكثر حساسية هو تفكيك شبكات الحركة التي يستخدمها "محور إيران"، وليس فقط ضرب القدرات العسكرية. فالمناطق الخضراء ستحول الجغرافيا إلى "فلاتر" أمنية، وتمنع تهريب السلاح عبر المعابر المفتوحة، بين لبنان وسوريا والعراق وإيران، وتقطع التواصل بين الجبهات الثلاث.
كذلك ستفرض مراقبة شبه دائمة على أية حركة مشبوهة، وبكلمات أخرى، إيران قد تبقى موجودة سياسياً وإعلامياً، لكن تقطع خطوط إمدادها حتى الاختناق.
خلق بيئات أمنية هجينة
بحسب الرؤية الأميركية، المنطقة الخضراء ليست منطقة منزوعة السلاح بالمعنى التقليدي، بل بيئة أمنية هجينة تديرها قوى محلية ودولية بتوازن دقيق. مثلاً، في لبنان يتولى الجيش اللبناني الرقابة، إضافة إلى مراقبة دولية، على أن توضع قيود مشددة على "حزب الله".
وفي سوريا، يتولى الجيش السوري الجديد وشرطة محلية مهمة الرقابة، إضافة إلى النفوذ الروسي المحدود، مع رقابة أميركية. أما في غزة فتتولى الإدارة المحلية الفلسطينية، إضافة إلى ضمانات عربية ومراقبة إسرائيلية غير مباشرة.
وترى واشنطن أن الكيانات الضعيفة والمدارة أقل خطورة من الدول القوية ذات القرار الموحد، لذلك هي تعيد إنتاج نموذج، دولة - لا دولة، على طول الحزام الإسرائيلي.
ويتعلق السياق الأميركي الأوسع بمبدأ منع انهيار الأنظمة العربية المتصدعة المحيطة بإسرائيل، والعمل على عدم إسقاطها، لأن انهيارها مكلف أكثر من بقائها ضعيفة. فانهيار لبنان يعني موجات لجوء جديدة نحو أوروبا، وانهيار سوريا يعني تحولها إلى ساحة نفوذ ومسرح مفتوح بلا ضوابط أمام روسيا وإيران، وانهيار غزة يعني عودة الاحتلال المباشر بتكاليف يومية على إسرائيل.
لذا تحافظ المناطق الخضراء على مستوى مضبوط من الاستقرار يمنع الفوضى الكاملة، لكن لا يسمح بعودة الدول القوية. وهذا يمنع في السياق وقوع إسرائيل تحت ضغط الرأي العام الدولي من جديد، لأن واشنطن تدرك جيداً أن أي احتلال إسرائيلي لشبر إضافي سيدخلها في دوامة، المحاكم الدولية ولجان التحقيق والصور المروعة، بالتالي خسارة دعم أوروبا واهتزاز صورتها داخل أميركا نفسها.
إذاً ومن هذا المنطلق، تمنح المناطق الخضراء إسرائيل احتلالاً بلا مسؤولية وحماية بلا تورط، وهي تنسجم تماماً مع التحول الأميركي نحو نمط الإدارة عن بعد بدل الانخراط العسكري التقليدي.
التحضير لتفاهمات كبرى مع إيران من موقع قوة
كل ما تقوم به واشنطن في الحزام الإسرائيلي يهدف إلى شيء واحد، وهو إجبار إيران على التفاوض حول نفوذها الإقليمي، وليس حول برنامجها النووي فقط. وعندما تحاصر خطوط الحركة الإيرانية عبر هذه المناطق، يصبح نفوذ طهران مكلفاً وهشاً وقابلاً للمساومة. وتريد الولايات المتحدة وبطبيعة الحال أن تجلس إيران على الطاولة من دون حرب، ولكن تحت ضغط خانق ومجموعة خطوط حمراء جغرافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نقاط القوة في الخطة وأين يمكن أن تنجح جزئياً؟
منطق السلام عبر المصالح عملي في البيئات المرهقة، ذلك أن المنطقة منهكة، بالانهيار في لبنان، والدمار في سوريا، والحصار والحروب في غزة. وأي عرض يتضمن استثمارات وبنى تحتية ومرفأ ومنطقة صناعية ووظائف سيجد جمهوراً مضغوطاً، يقول "دعونا نلتقط أنفاسنا".
وهذه القابلية لالتقاط الأنفاس هي نافذة نجاح للخطة، ففي الجنوب اللبناني، أي مشروع جدي يمكن أن يخفف الهجرة والفقر، ويخلق طبقة مستفيدة من الاستقرار، حكماً. أما في الجنوب السوري، فالبيئة الريفية مدمرة، وتبحث عن أي نموذج يوقف القصف ويعيد دورة الزراعة والتجارة. وفي غزة، أي تخفيف للحصار، وأي فرص عمل، وأي إعمار جدي هو بمثابة ورقة ضغط فورية على القوى الفلسطينية وعلى إسرائيل معاً. من هنا، فان ترمب يراهن على أن التعب الاجتماعي أقوى من الحماسة الأيديولوجية على المدى المتوسط.
الخطة تفترض إسرائيل "عاقلة"
لكن الخطة تفترض إسرائيل "عاقلة" وضابطة لحدودها، وجزء كبير من نجاح هذه المقاربة يفترض الالتزام بسقف معين من ضبط النفس، وأن نتنياهو لن يقفز فوق التفاهمات بحجة "التهديد الوجودي"، لكن إسرائيل تميل إلى الرد المفرط، والطبقة السياسية في تل أبيب تستخدم الأمن لتثبيت حضورها الداخلي، وأية عملية صغيرة من حزب أو فصيل مسلح تستغل لتبرير ضربات كبيرة تقوض المناطق الخضراء نفسها.
وهنا يتعارض منطق ترمب، أي عقلنة الأمن لخدمة الاقتصاد، مع منطق نتنياهو، أي استخدام الخطر لتثبيت السلطة.
وهذا ما حصل فعلاً في الساعات الماضية، إذ نفذت قوات إسرائيلية توغلا ثالثاً وخلال ساعات في ريف القنيطرة جنوب غربي سوريا، بعد وقت قصير من تجديد الرئيس الأميركي تحذيره للحكومة الإسرائيلية من عرقلة مسار الانتقال السياسي في سوريا.
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن قوة إسرائيلية تضم أربع آليات عسكرية ودبابتين توغلت في تلة الحمرية الواقعة بين بلدة حضر وقرية طرنجة في ريف القنيطرة الشمالي، وكان ترمب دعا يوم الإثنين الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات قد تعرقل مسار الانتقال السياسي في سوريا، وقال في منشور على منصة "تروث سوشيال" إن إدارته "راضية جداً" عن أداء الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
وأضاف "من المهم للغاية أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا، وألا يحدث أي أمر من شأنه أن يتدخل في تطور سوريا لتصبح دولة مزدهرة".
ولا يبدو التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري بعد تصريح ترمب خطوة منفصلة عن السياق الأميركي - الإسرائيلي، بل يعكس واحداً من احتمالين لا ثالث لهما، إما نتنياهو يتحدى ترمب ويرفع سقفه الأمني مبكراً، أو هناك تنسيق ضمني يمنح إسرائيل هامش مناورة محسوب لاختبار حدود الدور الأميركي في الجنوب.
إذا كان نتنياهو يضغط لانتزاع المبادرة، فمن الممكن أنه شعر أن تصريح ترمب عن الشرع يعني بداية إعادة تشكيل الجنوب السوري تحت إشراف أميركي مباشر، وهذا بحد ذاته يعني تحجيم الدور الإسرائيلي. كما أن تثبيت "واقع أمني بديل" قد تراه تل أبيب مقيداً أكثر مما هو مطمئن، لذلك يسارع نتنياهو إلى فرض أمر واقع ميداني قبل أن تقفل واشنطن الخرائط، وهذا السلوك ينسجم مع أسلوب نتنياهو التقليدي في استباق أي ترتيبات أميركية، يشعر أنها تجمد يده أو تعطي ضمانات غير كافية لإسرائيل.
أما إذا كان هناك توزيع أدوار قبل تثبيت المنطقة الآمنة، فربما هناك تناغم محسوب بين البيت الأبيض وتل أبيب. فإسرائيل تتحرك ميدانياً لتوجيه رسائل عدة، اختبار جدية الشرع وقدرته على ضبط الجنوب، وقطع أية محاولة إيرانية للتموضع قبل اكتمال الطوق الأميركي، كما وتقديم خدمة سياسية لترمب، أي "نحن نمهد لك الأرض".
كما ودفع دمشق وطهران إلى قبول المنطقة الآمنة من موقع الضعف في هذا السيناريو، وتبدو الضربات الإسرائيلية جزءاً من عملية تمهيدية لمشروع أوسع، لا خروجاً عليه.
لماذا نجاح الخطة سيكون جزئياً ومهدداً دائماً؟
تفترض خطة ترمب أن المال والمشاريع يساويان تهدئة دائمة، لكنه يتجاهل الهويات المتصارعة و"الكرامة السياسية"، أي الهوية الوطنية "المهانة" في غزة، كما والشعور بالهيمنة الإسرائيلية - الأميركية في غزة ولبنان.
أضف إلى الصراع حول من يملك القرار، الدولة أم السلاح أم المرجعية الدينية أو الإقليمية. هذه العناصر تجعل أية منطقة خضراء قابلة للتمرد من الداخل، عبر فصيل يخرق التفاهم، أو صاروخ عابر، أو عملية اغتيال، أو حتى انفجار احتجاجات على "تطبيع مقنع".
بالتالي فإن الازدهار يمكن أن يخفف الرغبة في الحرب، ولكنه لا يلغي سردية الصراع، وهذا قصور جوهري في عقل ترمب السياسي. كما أن القوى المحلية ليست مجرد متلقية، فالخطة تفترض أن تلتزم بيروت، وأن دمشق قادرة على ضبط الجنوب السوري كما يطلب منها، وأن غزة ستدار وفق نموذج اقتصادي - أمني مقبول لكل الأطراف.
لكن في الواقع لبنان مقسوم، و"حزب الله" ليس لاعباً ثانوياً، وسوريا ساحة نفوذ متداخلة بين روسيا وإيران وتركيا وأميركا، وغزة مسرح تنافس بين الفصائل الفلسطينية والسكان المحاصرين والسلطات المتعددة. بالتالي، أية "منطقة خضراء" تحتاج إلى درجة عالية من الانضباط السياسي لا تتوافر حالياً.
وبالتالي النجاح هنا ليس مطلقاً ولا مضموناً، فهذه الخطة، مهما بدت محكمة نظرياً، تصطدم بوقائع صلبة، وبنى مسلحة لا تزال تمتلك قرار الحرب والسلم، ونظام إقليمي تتحكم به صراعات الهوية قبل المشاريع، وطبقة سياسية إسرائيلية تستثمر في الخطر أكثر مما تستثمر في الازدهار.
ولذلك، تبدو المناطق الخضراء، أقرب إلى هدنة هندسية قابلة للانكسار منها إلى صيغة سلام مستدام. وقد تخفف الحروب الكبرى وتنتج مساحات تنفس على الحدود، لكنها تبقى رهينة توازنات هشة، وتحتاج إلى إرادة إقليمية لا تبدو متوافرة اليوم بالقدر الكافي.