ملخص
على أرض الواقع، صنفت الولايات المتحدة غزة الشرقية منطقة خضراء، أي آمنة ويمكن العيش فيها وتطويرها وبناؤها، أما غزة الغربية صنفتها منطقة حمراء فيها عنف وتوتر، وبدأت في تنفيذ المجتمعات الآمنة البديلة داخل مدينة رفح القريبة من مصر، وهي منطقة ما زالت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
مع تمسك "حماس" بسلاحها وإعادة سيطرتها على مناطق نفوذها في غزة الغربية، وسط صعوبات في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة السلام والازدهار، تعمل الولايات المتحدة على إقامة مجتمعات آمنة بديلة للغزيين في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي، لكن هل يقبل سكان القطاع الانتقال للعيش فيها؟
تخالف خطة ترمب
بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار في غزة والتي أوقفت القتال بين "حماس" وإسرائيل، جرى تقسيم القطاع إلى نصفين، الأول يسمى غزة الغربية ويعيش فيه معظم السكان وتسيطر عليه حركة "حماس"، أما النصف الثاني يسمى غزة الشرقية ويعيش فيه عدد قليل من الغزيين الذين انضموا إلى العصابات المسلحة ويخضعون لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
يفصل بين غزة الشرقية والغربية ممر يسمى الخط الأصفر، أخيراً عمل الجيش الإسرائيلي على ترسيمه، ولكن يمنع الأفراد في غزة الغربية الانتقال إلى غزة الشرقية، وأي محاولة للعبور تقابل بإطلاق النار من قبل الجنود.
بحسب خطة ترمب، من المفترض أن تتقلص مساحة سيطرة الجيش الإسرائيلي على غزة تدريجاً، مع الانتقال إلى المرحلة الثانية من خريطة السلام والازدهار والتي تنص على نزع سلاح "حماس".
لكن تواجه المرحلة الثانية من الاتفاق صعوبات كبيرة في تطبيقها، إذ تصر "حماس" على التمسك بسلاحها، وهذا يعني بقاءها في الحكم، ولو كان ذلك من وراء ستار، لذلك تخطط الولايات المتحدة لتنفيذ أفكار غير تقليدية الهدف منها تحجيم قدرات "حماس" تدريجاً حتى نزع سلاحها بالكامل وتقليص سيطرتها على الأرض.
الهدف إنهاء وجود "حماس"
ترى الولايات المتحدة أن أفضل طريقة لإنهاء وجود "حماس" تتمثل في تقليص عدد السكان الذين يعيشون تحت حكمها، ولتنفيذ ذلك تمضي أميركا في بناء مجتمعات سكنية داخل غزة الشرقية التي تسيطر عليها إسرائيل، لنقل المدنيين للعيش هناك، وبقاء عناصر الفصائل في مناطق غزة الغربية.
يقول المبعوث الأميركي جاريد كوشنر "نعمل على منح الغزيين مكاناً يذهبون إليه يحصلون فيه على وظائف والعيش الكريم، لن يكون ذلك في المناطق التي لا تزال ‘حماس‘ تسيطر عليها، على الغالب سنبدأ من مدينة رفح".
على أرض الواقع، صنفت الولايات المتحدة غزة الشرقية منطقة خضراء، أي آمنة ويمكن العيش فيها وتطويرها وبناؤها، أما غزة الغربية صنفتها منطقة حمراء فيها عنف وتوتر، وبدأت في تنفيذ المجتمعات الآمنة البديلة داخل مدينة رفح القريبة من مصر، وهي منطقة ما زالت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
تحوي مدارس
منحت أميركا عقداً لشركة "تيترا تك"، وهي شركة هندسية مقرها الولايات المتحدة، لبناء المجتمع الآمن في رفح، حيث تعمل على تطهير الموقع من الأنقاض والذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب، ولاحقاً ستبدأ عمليات البناء.
يقول القائد العسكري الذي ينسق جهود تنفيذ خطة السلام والازدهار الجنرال باتريك فرانك "كل تجمع سكاني يجب أن يشمل على مركز طبي ومدرسة ومبنى إداري ومساكن موقتة لنحو 25 ألف شخص. هذه التجمعات ستكون نموذجاً لإعادة الإعمار في المستقبل، وهدفها جذب سكان غزة بعيداً من المناطق التي تسيطر عليها ‘حماس‘".
ويضيف فرانك "تأمل واشنطن في أن تنكمش مناطق سيطرة ‘حماس‘ تدريجاً لتتولى قوة دولية وشرطة فلسطينية إدارة الأمن، في وقت يشرف فيه مجلس السلام على إعادة الإعمار".
المانحون يرفضون التمويل
وفقاً للولايات المتحدة، فإن المانحين هم الذين سيتولون بناء التجمعات الآمنة، لكن مصر التي تدير مؤتمر المانحين ترفض إقامة هذه المدن الإنسانية في مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل، وترفض بالذات اختيار مدينة رفح القريبة منها للإيواء، إذ تخشى من التهجير.
وتفيد المعلومات المتوافرة بأن المانحين لن يدفعوا أموالاً لإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها "حماس" ولا الأنحاء التي تسيطر عليها إسرائيل.
في أي حال، تعتقد واشنطن أن جودة الحياة في مناطق الإيواء الجديدة، والتي تتضمن السكن والتعليم والرعاية الصحية، قد تشجع السكان على الابتعاد من مناطق سيطرة "حماس" والانتقال لمناطق غزة الشرقية الخاضعة لسيطرة إسرائيل.
تحت حماية العصابات
بالفعل قد يتشجع الغزيون اليائسون ويذهبون للعيش في المجتمعات البديلة الآمنة، وهذا ما يطرح تساؤلات حول كيفية فحص سكان غزة لضمان دخول المدنيين فقط إلى التجمعات السكنية الجديدة وعدم تسلل "حماس" هناك؟
طرحت إسرائيل الاستعانة بالعصابات المسلحة المعارضة لـ"حماس" لتأمين التجمعات السكانية، إذ جرى تزويدها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية وعديد من السلع والمتاجر ولديها القدرة على التأمين بما يخدم مصالح تل أبيب.
تقول هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" إن تل أبيب تسعى إلى منح صلاحيات للعصابات المتعاونة معها في قطاع غزة، من قبيل عصابة "ياسر أبو شباب" وعصابة "حسام الأسطل" وتوسيع الصلاحيات تدريجاً لتأمين المجتمعات الآمنة، لكن الغزيين ينظرون إلى هذه الميليشيات على أنها خارجة عن القانون وليست لها شرعية في إدارة شؤونهم، ويرى عديد من المسؤولين أنها قوة مزعزعة للاستقرار، ويخشون من تغلب "حماس" عليهم مثلما فعلت في العشائر بعد وقف إطلاق النار.
في الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، التقى مع قيادات الجماعات المسلحة لبحث تعزيز العلاقة معهم وإقامة آليات اتصال ودراسة مدى نجاحهم في فرض نوع من النظام، بما في ذلك توزيع منظم للغذاء، وتحويلهم إلى نوع من القوة التي تحافظ على النظام والأمن في مناطق نفوذها، لكن الاستنتاجات خلصت إلى عدم جهوزيتهم لتولي مهمة تأمين المجتمعات الآمنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دخول فقط
عموماً، في حال نجحت المجتمعات الآمنة فإن إسرائيل أبلغت المسؤولين الأميركيين أن المدنيين الذين يسمح لهم بالدخول إلى المشروع لن يسمح لهم بالخروج منه بعد ذلك ما يحرمهم من حرية التنقل في وقت سلم نسبي، ويخلق انقساماً دائماً في غزة.
يعلق الباحث العسكري رامي أبو زبيدة قائلاً "الحديث عن مناطق حمراء وخضراء لا يتجاوز حدود محاولة هندسة سياسية لا تمتلك شروط النجاح. هذه الخطة تفقد صلاحيتها لأن غزة بامتدادها العائلي والعمراني الكثيف ليست أرضاً قابلة للتقسيم، أي تقسيم جغرافي لا يستند إلى قبول المجتمع المحلي سيكون مآله الفشل". ويضيف "المناطق الآمنة التي يفترض أن تدار من قبل ميليشيات ستكون بلا جذور اجتماعية، بالتالي بلا قدرة على إنتاج استقرار حقيقي. واشنطن جربت النموذج ذاته في بغداد وكابول، وتعرف أنه لا يمكن صناعة استقرار من خلال كيانات مصطنعة لا سند شعبياً لها".