ملخص
يتكون العلم السوداني القديم من 3 ألوان هي الأزرق ويرمز إلى نهر النيل، والأصفر إلى الصحراء، والأخضر للزراعة، قبل أن يتم استبداله بالعلم الحالي (الأحمر والأسود والأبيض في 3 أشرطة مع مثلث أخضر) عام 1970 خلال فترة الرئيس السابق جعفر نميري.
أثار تصريح قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بشأن ضرورة العودة إلى استخدام علم البلاد القديم، الذي اعتمده إبان استقلاله عام 1956، موجة واسعة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد يرى في العودة استعادة لرمزية وطنية، ورافض يعدها محاولة سياسية لصناعة معركة جانبية بعيداً من الحرب والمعاناة اليومية.
ويتكون العلم القديم من ثلاثة ألوان هي الأزرق ويرمز إلى نهر النيل، والأصفر إلى الصحراء، والأخضر للزراعة، قبل أن يتم استبداله بالعلم الحالي (الأحمر والأسود والأبيض في ثلاثة أشرطة مع مثلث أخضر) عام 1970 خلال فترة الرئيس السابق جعفر نميري. ليصبح هذا العلم لاحقاً مرتبطاً بالنسبة إلى البعض بتاريخ الأنظمة العسكرية.
وجاء حديث البرهان في حفل تأبين قتلى حركة "جيش تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي، إن "العلم الذي رفعه أجدادنا وآباؤنا في زمن الاستقلال يجب أن يعود"، مؤكداً "ضرورة إعادة صياغة الدولة السودانية من الأول".
ورأى أن الخيارات والحلول باتت محدودة بسبب حجم الدماء والقتلى والمعاناة في مناطق واسعة من السودان، بخاصة في دارفور والفاشر.
مجرد رمزية
المحلل السياسي عبدالقادر باكاش قال، "إن تباين الآراء حول العودة إلى علم الاستقلال أو الإبقاء على العلم الحالي أمر طبيعي في بلد متعدد الهويات والخلفيات السياسية". وتابع باكاش، "لكل طرف مبرراته المرتبطة برؤيته للهوية الوطنية ومسار الدولة. والعلم يظل في النهاية رمزية لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل، بينما يبقى الإجماع الحقيقي بين السودانيين قائماً حول ضرورة وحدة البلاد وإنهاء الحرب".
وأردف المحلل السياسي، "أعتقد أنها خطوة رمزية قد لا يكون لها أثر، لا سيما أن عامة الشعب السوداني ملتفين حول العلم الحالي، والبلاد أحوج ما تكون إلى وحدة الصف في ظل هذه التحديات والحروب الدائرة، فالآن جل تفكير الشعب ينحصر في متى تنتهي هذه الحرب، وقد يرى البعض ما يدور بشأن تغيير العلم موضوعاً انصرافياً بعيداً من الواقع، حتى ولو كان هناك نية تغيير يجب أن تتم عبر استفتاء حقيقي، وهذا الاستفتاء لا يمكن أن يحدث الآن نسبة إلى خروج بعض الولايات من السلطة القائمة حالياً في بورتسودان".
عبارة عفوية
من جانبه يقول المحلل السياسي أحمد خوجلي، إن "احتمالية تغيير العلم، كما طرحها قائد الجيش تبدو أقرب لعبارة عفوية جاءت في سياق خطاب تأبيني، لكن طبيعة المشهد الإعلامي في السودان، دائماً ما تحمل الجمل العابرة دلالات سياسية ضخمة، جعلتها تتحول إلى قضية رأي عام". وأضاف خوجلي، "ما قاله البرهان يمكن فهمه كإشارة رمزية إلى استعداد السلطة لإجراء تغييرات كبيرة في بنية الدولة خلال المرحلة المقبلة، وليس بالضرورة فتح نقاش فعلي حول العلم نفسه".
وأشار إلى أنه "في ظل الحديث عن ترتيبات سياسية جديدة مع حركة مناوي، قد يكون التصريح مجرد مؤشر إلى مرونة سياسية أوسع، بينما تضخم وسائل الاعلام خاصة الاعلام الجديد هذه التلميحات بطبيعتها، على رغم أنها قد تكون في الأصل مجرد تفصيلة عابرة".
انقسام حاد
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات مختلفة حول حديث البرهان عن تغيير العلم الحالي، حيث انقسم السودانيون بين من رأى في الدعوة استعادة لرمزية وطنية، ومن عدها انشغالاً بقضايا هامشية بعيداً من معاناة الحرب.
فمن جهة، رأى مستخدمون مقربون من الجيش أن العودة إلى علم استقلال 1956 تمثل "استعادة لهيبة الدولة" و"عودة لرموز وطنية سبقت الانقلابات"، معتبرين أن رمزية ذلك العلم تعكس "فترة وحدة السودانيين قبل موجات الاستقطاب التي عرفتها البلاد لاحقاً".
في المقابل، عد ناشطون مدنيون أن الخطوة ليست أكثر من "معركة لصرف الانتباه عن الحرب"، مؤكدين في منشورات واسعة الانتشار، "قبل العلم، أوقفوا الحرب". كما وصف آخرون الدعوة بأنها "رسالة سياسية لا علاقة لها بالهوية الوطنية، بقدر ما تتصل بمحاولة إنتاج شرعية جديدة". وذهبت بعض الصفحات المؤثرة إلى السخرية معلقة، "العلم لن ينقذ البلد، ما سينقذها هو وقف النار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتقادات لاذعة
كما لم تتوقف ردود الفعل عند حدود التعليقات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تمددت إلى مواقف أكثر حدة عبر عنها ناشطون وسياسيون رأوا أن تصريحات البرهان تكشف انفصالاً عن واقع الحرب ومعاناة السودان.
ويرى الناشط محمد عثمان أن "حديث البرهان عن تغيير العلم، ليس سوى طرح انصرافي في لحظة يحتاج فيها السودان إلى تركيز كامل على المعركة الأساسية".
وواصل، "إذا كان البرهان طرح تغيير العلم كمقترح منه كسوداني، فالرد أنه مقترح مرفوض، لأنه يتجاهل التحديات المصيرية التي يواجهها البلد. فالأمم تمضي إلى الأمام ولا تعود للخلف، وإن كانت تلك اللحظة التي يستشهد بها البرهان لحظة تأسيس، فما الذي أسسته فعلاً؟ وهل كانت لحظة مثالية للعودة إليها؟".
وزاد عثمان، "المطلوب الآن ليس الجدل حول الرموز بل تحديد العدو والصديق بوضوح، وحشد الطاقات لوقف الحرب"، مشدداً على أن "وعي القيادة بهذه اللحظة هو أولى الأولويات".
أسوأ منعطف
في سياق مشابه، انتقد ناشطون ما وصفوه بـ"انفصال قيادة الدولة عن الواقع الميداني".
وجاء في أحد المنشورات المتداولة، "المئات من الجنود يسقطون في بابنوسة، وفرقة عسكرية تنهار في غرب كردفان، بينما يخرج البرهان من بورتسودان متحدثاً عن ألوان العلم وكأن البلاد ليست على حافة الانهيار الكامل".
ويتابع المنشور، "ستة أعوام كاملة قضاها الرجل في السلطة، ذهب خلالها السودان إلى أسوأ منعطف في تاريخه الحديث، حرب دمرت كل شيء وشردت الملايين. واليوم، بينما تدفن المدن والشباب في صمت، يقف البرهان بعيداً من الميدان، منشغلاً بحديث الإنشاء حول الرموز والألوان".
معركة الهوية
من جانبه يرى الناشط محمد جبريل أن "مقترح البرهان يتجاوز الرمزية الوطنية ليدخل في معركة الهوية وتوجيه الانتماء السياسي والثقافي للبلاد".
ويقول في منشور لاقى انتشاراً واسعاً، "أعلام الدول العربية ليست عبثية، بل تحمل خلفيات سياسية وثقافية عميقة تعبر عن وحدة التجربة والتحرر. فاقتراح البرهان بالعودة إلى علم الاستقلال ليس مجرد مغازلة للحركات الدارفورية، بل خطوة أكبر نحو إعادة صياغة هوية انعزالية لسودان تائه، تبعده عن انتمائه العربي، وتضعه في مواجهة أفريقيا السوداء والعالم العربي معاً".