ملخص
دعا المتحدث باسم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، نبي ديارا، إلى وقف التردد على الحانات والعلب الليلية، قائلاً إن "بالفعل ذلك تراجع منذ بدء حصار العاصمة"، وحاول إقناع السكان بأن تطويق باماكو ومنع دخول إمدادات الوقود إليها بدأ يحقق نتائجه في مسعى إلى إرباك النظام بقيادة النقيب آسيمي غويتا.
أثارت دعوة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي نساء مالي إلى ارتداء النقاب والتباهي بارتداء البعض منهن الحجاب في العاصمة، باماكو، التي تواجه حصاراً منذ نحو شهرين تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الجماعة ستحول مالي إلى ما يشبه "أفغانستان أفريقيا".
ودعا المتحدث باسم الجماعة، نبي ديارا، إلى وقف التردد على الحانات والعلب الليلية، قائلاً إن "بالفعل ذلك تراجع منذ بدء حصار العاصمة"، وحاول إقناع السكان بأن تطويق باماكو ومنع دخول إمدادات الوقود إليها بدأ يحقق نتائجه في مسعى إلى إرباك النظام بقيادة النقيب آسيمي غويتا.
لا يزال غويتا ورفاقه العسكريون، الذي استولوا على الحكم منذ أعوام، عاجزين عن إحداث اختراق كبير في الحصار الذي تفرضه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على العاصمة باماكو على رغم الإعلان عن بدء دخول شحنات بنزين إلى محطات وقود.
حكم بالحصار
وتأتي هذه الدعوات في وقت تسود فيه خشية حقيقية من سقوط العاصمة باماكو بقبضة "القاعدة" لا سيما في ظل نجاحها في خنقها اقتصادياً من خلال قطع إمدادات الوقود وغير ذلك.
وتدعو جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي يقودها إياد آغ غالي باستمرار إلى رحيل الحكومة الحالية في مالي وتشكيل حكومة سياسية، ولم تعلن بعد عن نيات لحكم البلاد لكن دعواتها إلى الحجاب والنقاب وتقييد الوصول إلى الحانات تثير مخاوف.
الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، سلطان ألبان، عد أن "دعوة الناطق باسم جماعة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ إلى فرض النقاب ووقف التردد على الحانات ليست حادثة معزولة وهي حلقة من مسلسل طويل متصل يمكن أن يتم جمعه تحت عنوان الحكم بالحصار الذي تمارسه الجماعة حول العاصمة باماكو في محاولة منها لنقل نموذج حكمها في المناطق الريفية التي تسيطر عليها إلى تخوم العاصمة واستغلال سخط المحافظين على الانفلات الأخلاقي". وتابع ألبان أن "الجماعة لا تفكر بمنطق شن ضربات أمنية هنا وهناك فقط وإنما بمنطق مشروع سياسي شرعي بديل يقوم على اقتصاد موازٍ وقضاء موازٍ ومعايير سلوك موازية، ومع كل شهر من عجز المجلس العسكري بقياد العقيد آسيمي غويتا تتقدم شرعية الجماعة العملية على أرض الميدان في ظل الفراغ الذي تتركه الدولة خصوصاً في الأرياف وممرات التجارة التي أصبحت تحت رحمة الجباية الجهادية وهجمات الجماعة".
وبين الباحث أن "في المقابل احتمال أن تقبل السلطة في باماكو بتطبيق الشريعة الإسلامية ضعيف جداً لأن الجماعة في العاصمة تدرك جيداً أن الاعتراف الدولي والسماح بتطبيق ذلك هو يساوي في الحسابات السياسية سقوط الدولة والشعار الذي يرفعه المجلس العسكري عالياً وهو شعار السيادة الذي يواجه به المجلس العسكري الحاكم دولاً مثل فرنسا، ومن ثم أي اعتراف أو سماح بتطبيق المبادئ الإسلامية التي تطرحها الجماعة سيعني انتكاسة كبيرة له".
تطبيق صارم للشريعة
ويأتي هذا الحصار بعد أعوام من استبدال غويتا ورفاقه العسكريين بالحليف الغربي التقليدي روسيا التي دفعت بمرتزقة وقوات إلى مالي، لكنهما لم يحققا نتائج كبيرة في سياق الحرب ضد الجماعات المسلحة سواء المتمردة أو المتشددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الباحث السياسي والأمني المتخصص في شؤون الساحل الأفريقي، محمد أوال، إن "ما تقوم به جماعة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ يعكس سعيها إلى تطبيق صارم للشريعة الإسلامية على رغم إدراكها أن الأطراف الإقليمية والدولية لن تسمح بذلك". وأوضح أوال في تصريح خاص أن "الجماعة تسعى أيضاً إلى إقناع الماليين بالانتفاض ضد غويتا وحجتها في ذلك ليس ما يسمى الانحلال الأخلاقي، بل انهيار الوضع المعيشي والاقتصادي، لكن الجماعة لا تزال تدين بالولاء لـ’القاعدة‘ لذا فهي لا تختلف في شيء عن حركة ’طالبان‘ أو غيرها". ولفت الباحث السياسي إلى أن "الجيش المالي أظهر عجزاً كبيراً في مجاراة المعركة مع ’القاعدة‘، لذلك أصبح تنظيم ’النصرة‘ أكثر جرأة في طلباته ومحاولات فرض شروطه على النمط المجتمعي السائد في باماكو".
ضبط سلوك الأفراد
ويسعى غويتا الآن إلى كسر الحصار المفروض على باماكو إذ عين أخيراً المجلس العسكري العميد فاموكي كامارا لتأمين دخول إمدادات الوقود إليها، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيحقق نتائج على الأرض على رغم الخبرة الواسعة التي يتمتع بها في أجهزة الأمن المالية لأكثر من 20 عاماً.
واعتبر ألبان أن "الخطر الحقيقي ليس في اتفاق سياسي يسمح لجماعة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ بتطبيق الشريعة أو غيرها بل في تراكم واقع اجتماعي وأمني يجعل قطاعات من السكان ترضى ضمنياً بنفوذ الجماعة في مناطق أخرى وفي الطرق والمناطق المهمشة". وأشار المتحدث إلى أن "ما يمكن توقعه في المستقبل في ظل خطاب الجماعة هو بقاء العاصمة فقط تحت سيطرة المجلس العسكري في حال إنهاك أمني واقتصادي كبير في ظل الحصار الذي تفرضه الجماعة، لأن الحصار يركز على المحروقات وخنق طرق التجارة الدولية والإقليمية وهذا سيعمق الأزمة المعيشية ويؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي للمجلس العسكري الحالي وزيادة الاستعداد الشعبي لأي تسويات حتى وإن كانت مؤلمة". وحول التأثيرات يؤكد ألبان أنه "سيتم توسيع الحوكمة الجهادية في الطرقات وممرات التجارة والمناطق الريفية وهو وضع ستقوم فيه مثل هذه الجماعات بأمور مثل ضبط سلوك الأفراد، وفرض الجباية مع بقاء الجيش محصوراً في جيوب المناطق الحضرية الكبرى وغيرها".