Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ويتكوف ليس "جاسوسا غبيا" لروسيا… بل رجلا بدهاء من نوع آخر

إظهار قدرة على تسهيل اتفاق سلام متعثر، حتى عندما يكون أحد الأطراف بمثل قبح فلاديمير بوتين، ينبغي أن يحسب لرجل الأعمال الذي صار مبعوثاً، لا أن يستخدم ضده. فمن يدري؟ لعل بساطته ولباقته في غرف الاجتماعات تنقذ آلاف الأرواح

يبدو أن ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي يجيد - كما دونالد ترمب - النظر إلى الأمور من منظور الطرف الآخر، وتكييف نهجه وفقاً لذلك (سبوتنيك)

ملخص

تسريبات متزامنة أعادت ستيف ويتكوف إلى قلب الجدل، بعدما صُوّر كحلقة ضعيفة أو كشخص قريب أكثر من اللازم من الروس في لحظة تفاوضية شديدة الحساسية. لكن مهاراته في التواصل وكسب الثقة قد تجعله، على عكس النقد الموجّه إليه، أحد مفاتيح اتفاق يمكن أن ينهي الحرب ويحفظ سيادة أوكرانيا.

إذا كان هناك شخص تعرض لتغطية إعلامية أكثر سلبية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال موجة الجهود الأميركية الأخيرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فهو ستيف ويتكوف، الرجل الذي عينه مبعوثاً خاصاً له في مطلع ولايته الثانية، بل إن أحد النقاد الغربيين أطلق عليه لقب "ديم فيلبي" - في تشبيه ساخر بأنه نسخة غبية من العميل البريطاني الشهير كيم فيلبي - لكن سكاكين الانتقادات كانت منذ البداية تقريباً مسلطة على ويتكوف في واشنطن، وقائمة التهم الموجهة إليه طويلة.

القضية الأخيرة التي طاولت ويتكوف والتي تزامنت مع مطالبات من معارضي ترمب بإقالته، تتعلق بمكالمة هاتفية قصيرة مدتها خمس دقائق، سُرب محتواها إلى وكالة "بلومبيرغ نيوز". وأجريت المكالمة في الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع يوري أوشاكوف، مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسياسة الخارجية، وقدم فيها ويتكوف نصائح حول أفضل السبل للتعامل مع ترمب، شملت الإشادة بطموحاته في صنع السلام والثناء على اتفاق غزة والدفع إلى اعتماد مقاربة مشابهة متعددة النقاط لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

والنظرية الأكثر تداولاً في الولايات المتحدة هي أن موسكو نفسها قد تكون وراء تسريب المكالمة، ربما لإظهار مدى استمرار ترمب في الوقوف إلى جانبها. إلا أن من المحتمل أيضاً أن يكون منتقدو ترمب داخلياً، أولئك المعارضون لتحولاته في سياسة أوكرانيا، قد انتهزوا الفرصة لتصويره على أنه دمية في يد الكرملين. وهو ما عكسته المكالمة المسربة، بنبرتها الودية، في التغطية الإعلامية. في غضون ذلك، وجّه الروس أصابع الاتهام إلى جهات أخرى، متهمين الأوروبيين - من بين آخرين - بمحاولة إفشال أية صفقة محتملة بين ترمب وروسيا وأوكرانيا.

مكالمة أخرى انتشرت أيضاً، هذه المرة بين شخصيتين روسيتين رفيعتَي المستوى هما يوري أوشاكوف [مستشار بوتين لشؤون السياسة الخارجية] وكبير مفاوضي بوتين في ملف أوكرانيا، ويتحدث الرجلان عن كيفية ظهور الاقتراح الأول المؤلف من 28 نقطة (الذي سُرب سابقاً)، ويزعمان أن مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا شاركوا جميعاً في صياغته. وعلى رغم أن ديميترييف وصف هذه الرواية بأنها "مفبركة"، فإن هدف التسريب يبدو واضحاً: تثبيت فكرة أن أوكرانيا كانت طرفاً في العملية ووضع مشاركتها في سجلات الوقائع.

وإذا ما أخذت المكالمتان المزعومتان معاً في الاعتبار، فيمكن الاستنتاج أن المحادثات وصلت إلى مرحلة حساسة للغاية، وأن ما هو على المحك كبير بالنسبة إلى جميع الأطراف. ويبدو أن هناك جهات - ليس فقط في روسيا والولايات المتحدة - تسعى إلى إفشال هذه العملية واستهداف ويتكوف، معتبرة إياه بطريقة أو بأخرى حلقة ضعيفة في هذا المسار.

وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن تسريب المكالمتين مع الإعلان عن سفر ستيف ويتكوف إلى موسكو الأسبوع المقبل، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة لإبقاء هذه العملية المتعثرة على قيد الحياة. أما تصويره على أنه قريب أكثر من اللازم من الروس، بالتالي متحيز ضد أوكرانيا، فيمكن اعتباره محاولة لإضعاف موقعه وتشويه سمعة مهمته برمتها.

والرجل مدان منذ البداية لمجرد أنه صديق قديم وشريك تجاري يثق به دونالد ترمب. وإن افتقاره إلى الخبرة في الدبلوماسية الدولية أثار حفيظة المتخصصين في هذا المجال، وجعلهم يركزون على نقاط ضعف موقفه، خصوصاً بعدما أظهر جهله بتفاصيل الجغرافيا الميدانية للحرب في أوكرانيا خلال مقابلة مطولة أجراها مطلع هذا العام مع الصحافي المحافظ تاكر كارلسون. كما أن موافقته على إجراء هذه المقابلة مع كارلسون، المذيع السابق في قناة "فوكس نيوز"، المعروف بمبادراته العلنية الودية تجاه موسكو، شكلت نقطة سلبية إضافية ضده ووسيلة لتكثيف الانتقادات الموجهة إليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك، كان لستيف ويتكوف دور في جهود ترمب لإحراز تقدم في مسار السلام في الشرق الأوسط، مما دفع بعض النقاد إلى اتهامه بأنه ينهك نفسه بتحمل مهمات أكبر من طاقته. وفوق كل ذلك، فقد أتيح لويتكوف عقد اجتماعات مطولة متكررة مع فلاديمير بوتين الذي حرص على ألا يصفه مطلقاً بالعدو الأول للولايات المتحدة -  مما جعل من شبه المحتوم، في ظل هذه الصورة العامة، أن ينعت بأنه دمية في يد بوتين.

ولكن في المقابل، يمكن قلب كثير من الاتهامات الموجهة إلى ويتكوف رأساً على عقب. فثقة الرئيس الأميركي بمبعوثه الخاص شرط أساس، وهذه الثقة تنبع لديه من عالم الأعمال لا عالم السياسة. كما أنه ليس من البديهي أن رجل الأعمال الناجح يفتقر إلى مهارات الدبلوماسية، بل قد يكون العكس تماماً هو الصحيح.

ويمتلك ويتكوف صفات أخرى برزت خلال مقابلته التي تعرضت لانتقادات واسعة مع تاكر كارلسون. فقد بدا منفتحاً وودوداً ومرتاحاً مع نفسه ومتواضعاً (بالنسبة إلى شخص في موقعه)، وإنسانياً وصبوراً - وهي صفات ربما أسهمت في كسبه ود بوتين خلال لقائهما الأول. وهو لقاء كان يمكن أن ينتهي خلال دقائق لو لم يستسغه بوتين، لكنه استمر فعلياً لساعات.

ويبدو أيضاً أن ويتكوف يتشارك وترمب القدرة التي صقلها في عالم الأعمال - على النظر إلى الأمور من منظور الطرف الآخر وتكييف مقاربته وفق ذلك. إنها حيلة بسيطة، لكنها فاعلة تماماً. وهذا لا يجعل ويتكوف مدافعاً عن بوتين، بل يجعله مفاوضاً مؤهلاً إذا كان قادراً على فهم أولويات طرفَي النزاع معاً، لا طرف واحد وحسب.

قد يحدث أن تنتهي مهمة ويتكوف الجديدة إلى موسكو بلا أية نتيجة؛ وأن يرفض بوتين ما تحمله أية مسودة اتفاق ويختار مواصلة القتال. وعندها ستظل صورته كرجل ساذج متعاطف مع بوتين، وهاوٍ يفتقر إلى الخبرة في دهاليز الدبلوماسية الرفيعة، ملتصقة به - تماماً في اللحظة التي يكون فيها ترمب قد أحال مسؤولية مصير أوكرانيا إلى الأوروبيين.

لكن من المحتمل أيضاً أن تمكن قدرته الواضحة على التحدث مع بوتين ومعرفته بكيفية صنع الصفقات من بناء الثقة التي ستكون ضرورية لحمل موسكو على تقديم تنازلات. وفي مثل هذا السيناريو، سيكون كل من داعميه ومعارضيه محقاً في آن واحد: إذ سيكون الرجل قد قام بدور محوري في اتفاق عارضه خصوم ترمب وبوتين معاً، لكن قد ينظر إليه في النهاية على أنه أسهم في إنقاذ أوكرانيا كدولة ذات سيادة، وفي إنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح.

© The Independent

المزيد من آراء