ملخص
تعرف دول مثل غانا ونيجيريا والنيجر جدلاً متصاعداً في شأن مصير عشرات الطلاب والباحثين عن وظائف جرى التحايل عليهم من قبل مؤسسات زعمت تأمين وظائف أو فرص للدراسة في موسكو، قبل أن تتم تعبئتهم للقتال في صفوف الجيش الروسي.
تفجّرت في جنوب أفريقيا قضية هزت الرأي العام الداخلي وباتت تحظى بمتابعة خارجية واسعة حيث تُجري السلطات في جوهانسبورغ تحقيقات مكثفة في شأن تجنيد روسيا لمواطنيها من أجل القتال قسراً في صفوف الجيش خلال الحرب ضد أوكرانيا.
وكشفت صحيفة "لوتان" السويسرية أن العديد من الرجال جرى تضليلهم وإقناعهم بأنهم متجهون إلى روسيا للحصول على تدريب مهني في مجال الحماية الخاصة، لكنهم وجدوا أنفسهم في جبهة دونباس الأوكرانية يُقاتلون في صفوف الجيش الروسي.
وتُواجه ابنة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، دودوزيلي زوما سامبودلا، تُهماً رسمية بخداع 17 مواطناً من هذا البلد للعمل في موسكو، بينما كانت الغاية من إقناعهم بالسفر الانضمام إلى الجيش الروسي.
القانون يسمح بذلك
وعلى رغم اتساع نطاق الجدل، إلا أن موسكو لم تُعلّق بعد على فتح جنوب أفريقيا تحقيقات في شأن تجنيد مواطنيها للقتال في صفوف الجيش الروسي.
في المقابل، أنكرت ابنة زوما التُهم الموجّهة إليها وأكدت أنها كانت "ضحية عملية تضليل" إذ أسهمت بالفعل في سفر 22 شخصاً إلى روسيا بينهم أفراد من عائلتها وذلك للمشاركة في تدريب مهني قبل مباشرة العمل، لينتهي بهم المطاف في أوكرانيا، لكن هذا الإنكار لم يقنع السلطات في جوهانسبورغ ما جعل الغموض يُحيط بابنة زوما وهي نائبة برلمانية.
وجنوب أفريقيا ليست الدولة الوحيدة في القارة السمراء التي تشهد جدلاً في شأن تجنيد مواطنيها في صفوف الجيش الروسي الذي يعاني من نزيف بشري كبير مع استمرار الحرب في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022.
وعدّ الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريدجيه، أن القانون الروسي يسمح بتجنيد مقاتلين أجانب في صفوف الجيش خصوصاً في ظل الأزمة الديمغرافية الكبيرة في البلاد، وهي أزمة اندلعت منذ الثمانينيات حين تصاعدت حالات الطلاق وتراجع معدل الإنجاب وهو أمر تأثر به الجيش.
ورأى بريدجيه في حديث خاص أن "هذا الأمر دفع السلطات إلى البحث عن سياسات جديدة تشمل الجيش الروسي لا سيما أنه جرى تدميره في التسعينيات بصورة كبيرة، وفلاديمير بوتين يعمل على سياسات قوية وواضحة حيال بعض الملفات".
مشكلتان
وعززت روسيا في الأعوام الأخيرة حضورها في أفريقيا مستفيدة من انقلابات عسكرية أطاحت أنظمة موالية للغرب وهو ما أتاح لها، بحسب تقارير صحافية عدة، تجنيد مقاتلين وإغرائهم مالياً من أجل الانضمام إلى جبهات القتال في أوكرانيا.
وإلى جانب جنوب أفريقيا، تعرف دول مثل غانا ونيجيريا والنيجر جدلاً متصاعداً في شأن مصير عشرات الطلاب والباحثين عن وظائف جرى التحايل عليهم من قبل مؤسسات زعمت تأمين وظائف أو فرص للدراسة في موسكو، قبل أن تتم تعبئتهم للقتال في صفوف الجيش الروسي، ويبدو هؤلاء وكأنّهم "فريسة سهلة" في ظل الأزمات التي يُعانون منها في بلدانهم.
وقال بريدجيه إن "الاستعانة بقوات من دول مثل كوريا الشمالية أو بمقاتلين أجانب من دول مثل جنوب أفريقيا تفيد روسيا، والسبب الأساسي لهذه الخطوة هو إدراك بوتين أنه لا يمكن الاعتماد على القوات الروسية فقط، لذلك فإن الاعتماد على مقاتلين أجانب يساعد على حل المشكلة الديمغرافية".
وبين أن "هناك فيديوهات انتشرت على ‘تلغرام‘ تُفيد بوجود مقاتلين من دول أفريقية ينشطون ضمن الجيش الروسي في دونباس ومناطق أوكرانية أخرى، وهذا ناجم عن أمرين: الأول كما قلت المشكلات الديمغرافية التي تعاني منها روسيا، والثاني وجود مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية في تلك الدول الأفريقية حيث الطلب على المقاتلين الأفارقة إلى تزايد، خصوصاً أن هناك مقاتلين لديهم خبرة في السابق".
سابقة
على الصعيد السياسي والدبلوماسي، لا تزال روسيا تحتفظ بعلاقات قوية مع جنوب أفريقيا على رغم فتح التحقيقات، إذ لطالما وصف رئيسها سيريل رامافوزا بأنها "حليف وصديق ثمين".
وتُواجه جوهانسبورغ انتقادات حادة من الولايات المتحدة الأميركية وضغوطاً من أجل التراجع عن التحالف مع موسكو.
ومع ذلك، فإن التحقيقات تكتسي أهمية كبرى بالنظر إلى إقرار جنوب أفريقيا في عام 1998 قانوناً يُجرّم القتال في صفوف قوات أجنبية، وأيضاً بسبب ضغوط عائلات المفقودين من أجل استعادة أبنائهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتحدّث السلطات الأوكرانية عن التعرف إلى أكثر من 1400 أفريقي جرى "خداعهم من قبل روسيا" للقتال في صفوفها في جبهات مثل دونباس، وهو أمر يضع الدول الأفريقية أمام اختبار حقيقي.
الباحث السياسي والأمني المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، رأى أن "هناك عدداً كبيراً من التقارير تتحدث بالفعل عن تجنيد روسيا للأفارقة من أجل القتال في أوكرانيا، لذلك ما يحدث الآن من أزمة في جنوب أفريقيا في هذا الشأن أمراً متوقعاً ودائماً ما يتمّ الاستقطاب بطرق غير مباشرة مثل المنح الدراسية أو عروض التوظيف وغيرهما".
وأردف تورشين أن "جنوب أفريقيا من الدول التي لها علاقات جيدة مع روسيا، لذلك سيظلّ التعاون بينهما في مجال الدراسة والتوظيف، وهو الأمر الذي سيجعل هذا الجدل مستمراً، والتحقيقات التي فتحت هي بيد القضاء في جوهانسبورغ".
ولفت إلى أنه "إذا أدينت ابنة الرئيس السابق، جاكون زوما، فذلك سيشكل سابقة حقيقية، وسيفتح الباب أمام دول أخرى لفتح ملف تجنيد روسيا لأبنائها".