Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعيداً من المرتزقة... عسكر الساحل الأفريقي يمكنون كيانات أمنية بديلة

يرى مراقبون في تشكيل الميليشيات أمراً خطراً ومنافساً محتملاً على السلطة في المستقبل

تسليح_المدنيين في دول الساحل الأفريقي لمواجهة الجماعات المتطرفة (أ ف ب)

ملخص

استغرب مراقبون كيف أن الحكومات الانتقالية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، "لم تع درس خطورة إنشاء الميليشيات الوطنية إلى جانب الجيش"، فقد "أثبتت التجارب أن إنشاء الميليشيات إلى جانب الجيش لمحاربة الجماعات المتشددة في منطقة الساحل الأفريقي، وفي دول أخرى فشلها، وتحولت إلى عدو كبير منازع للسلطة الحاكمة، كما رأينا ذلك في إثيوبيا وتحديداً في إقليمي أمهرة وتيغراي".

شرعت المجالس العسكرية في منطقة الساحل ودول أفريقية أخرى الأبواب على مصراعيها أمام كيانات أمنية بديلة، بحجة محاربة الحركات المتطرفة، في تجارب جاءت على أعتاب فشل الجيوش المحلية في مواجهة الخطر الداهم بمفردها، لكن تلك الخطوة تحمل في طياتها مغامرة تمكين هذه الميليشيات المستحدثة من استخدام السلاح والقوة خارج القانون، وحتى انقلابها على الأنظمة الحاكمة بعد استتباب الأمن لحجز مواقع في مراكز صنع القرار.
وتتسم الفصائل شبه العسكرية الموالية للسلطات الحاكمة في منطقة الساحل بالصحراء الكبرى، الرخوة أمنياً، بتنوع شديد مبني على طبيعة الإثنيات المتعددة، وأطلقت النيجر برنامج "غاركوار كاسا" أخيراً على غرار النموذج البوركينابي المعروف باسم "المتطوعين للدفاع عن الوطن"، الذي يهدف إلى تجنيد وتدريب الشباب لتقديم المساعدة للقوات المسلحة.
ولم يعرف عن النيجر، العضو في "كونفيدرالية دول الساحل" استخدامها قبل الآن الميليشيات المدنية وإشراك سكانها في القتال ضد المتشددين والمتمردين، غير أنها أقدمت على إطلاق ما يسمى برنامج "غاركوار كاسا" الذي يقصد به "درع الوطن" بلغة الهاوسا، ويقوده "الاتحاد المقدس من أجل حماية سيادة الشعب وكرامته" (أم 62)، وهي حركة مقربة من الجيش النيجري، تحظى بدعم من وزارة الداخلية، تهدف إلى تجنيد متطوعين شباب لدعم قوات الدفاع والأمن.

"لا يمكن خصخصة الدفاع عن الوطن"

جاء المشروع بناءً على توصيات قدمها المجلس الاستشاري لإعادة التأسيس (الهيئة التشريعية للمرحلة الانتقالية) إلى المجلس العسكري، وبينما يرى في هذا المشروع استجابة وطنية للتحديات الأمنية، يخشى مراقبون أن يكون أداة لقمع المعارضة، وأن يفاقم الصراعات العرقية.
وتحت شعار "معاً لندافع عن الوطن، كلنا جنود"، نزل مسؤولو البلاد للترويج لبرنامج "غاركوار كاسا"، وسط الشباب وطلبة الجامعات تشجيعاً لهم على الانضمام، وفي غياب تفاصيل عن التسليح وعدد الملتحقين به، أثيرت مخاوف لدى حقوقيين، منهم منظمة الشفافية الدولية في النيجر، التي قالت إن "جوهر نشاطهم يبقى كما هو، إنهم ميليشيات"، ووصفت الهيئة غير الحكومية المشروع بأنه "انتهاك صارخ لاحتكار الدولة للدفاع"، واختتمت التنديد بالتحذير من "فتح أبواب الجحيم بعد تسليح المدنيين لأنه لا يمكن خصخصة الدفاع عن الوطن".


بازوم رفض إشراك السكان في القتال

وعارض الرئيس النيجري السابق محمد بازوم، الذي أطاحه المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبدالرحمن تياني في يوليو (تموز) 2023، إشراك السكان في قتال الجماعات المتطرفة، وأوضح في مقابلة صحافية أن "تسليح المدنيين لمحاربة الإرهابيين خطأ فادح"، ومع ذلك سمح بوجود مجموعات الدفاع الذاتي المجتمعية في منطقتي تيلابيري وتاهوا شمال غربي النيجر، على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، مثل زنكي زارما، المرتبطة بشعب زارما، في 2019، أو الحرس البدوي التي أنشئت في 2021.
وفي تشاد المجاورة، وبسبب الوضع السوداني المنفلت، أقدمت السلطات بالأقاليم الشرقية، على إنشاء فصائل مسلحة أطلق عليها اسم "دارا"، بدعوى دعم قوات الأمن في حماية الممتلكات ومكافحة الاضطرابات في المناطق الحدودية مع السودان، غير أنه بعد فترة تصاعدت شكاوى السكان من تحول هذه التشكيلات التشادية إلى مصدر رئيس للانفلات الأمني، وكانت وراء كثير من الانتهاكات.

خطورة إنشاء الميليشيات

ويشخص عضو البرلمان الانتقالي التشادي عمر المهدي بشارة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، حال الحكومات الجديدة في دول الساحل الأفريقي المترهلة والضعيفة ومعدومة الإمكانات، واستغرب بشارة كيف أن الحكومات الانتقالية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، "لم تع درس خطورة إنشاء الميليشيات الوطنية إلى جانب الجيش"، فقد "أثبتت التجارب أن إنشاء الميليشيات إلى جانب الجيش لمحاربة الجماعات المتشددة في منطقة الساحل الأفريقي، وفي دول أخرى فشلها، وتحولت إلى عدو كبير منازع للسلطة الحاكمة، كما رأينا ذلك في إثيوبيا وتحديداً في إقليمي أمهرة وتيغراي".
وأوضح رئيس "حركة الخلاص الوطني" التشادية، "إذا لم تنتبه الحكومات الانتقالية في دول الساحل الأفريقي إلى خطورة إنشاء الميليشيات إلى جانب الجيش، فإنها ستكون أول ضحايا هذه التجارب، لأن القضاء على التطرف لا يتم من طريق إنشاء ميليشيات، بل يتم من طريق منظومة جيش وطني سيادي، يوجه جميع جهوده لاستئصال الأزمة من جذورها".
ولاحظ السياسي التشادي في الآونة الأخيرة "محاولة أفريقيا الوسطى انتهاج مسار الحكومات الانتقالية في دول الساحل الأفريقي، وبدأت تتجه نحو إنشاء ميليشيات لحماية السلطة، تنوب عن الجيش في مواجهة التحديات المرتبطة بمكافحة التطرف العنيف"، لافتاً إلى أن "جماعات مسلحة ذات طابع قبلي هي الأخرى تنشط في هذه البيئة مستغلة غضب السكان المحليين من الحكومات".
ويشجع الواقع الـ"جيو-أمني" الهش في هذه البلدان قادة الميليشيات إلى جانب الجيوش على التفكير بالتمرد ومنازعة قادة السلطة الحاكمة، وهذا ما يرى فيه عمر بشارة مؤشراً خطراً لنشوب الحروب الأهلية، التي قد تؤدي في كثير من التجارب إلى زوال الدول القائمة وتفكيك المجتمعات، وانتشار التطرف العنيف بصورة كبرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعمال عنف وانتهاكات

في المقابل، ليس انتظام المدنيين في الدفاع أمراً جديداً في منطقة الساحل، ففي عام 2019 أنشأت بوركينا فاسو "متطوعو الدفاع عن الوطن"، وهي فصائل مدنية داعمة للجيش، لمساعدته في مواجهة المتطرفين. ومنذ تولي النقيب إبراهيم تراوري السلطة عام 2022 استخدم الجيش البوركينابي المدنيين على نطاق واسع، ووفق الأرقام الرسمية جند 90 ألف متطوع منذ ذلك الحين، وفي تقريرها العالمي لعام 2025 اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية الجيش البوركينابي و"متطوعو الدفاع عن الوطن" بقتل 1000 مدني بين يناير (كانون الثاني) ويوليو 2024.
أما في مالي المجاورة فاتهمت جماعة الدفاع عن النفس "دان نان أماساجو"، وهي حليفة للمجلس العسكري الانقلابي، أيضاً بارتكاب أعمال عنف وانتهاكات، وبخاصة ضد سكان مجتمع الفولاني.
وخلافاً للانتقادات، يفترض الرئيس التنفيذي للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤات "ديبيتس"، دينيس كوركودينوف، "وجود مساع جاهدة لحكومات المنطقة لإيجاد شركاء فعالين لمكافحة التطرف، بعدما خاب أملها في نهج الدول الغربية"، ودعا إلى "استيعاب الحقائق الظاهرة منذ أعوام عدة، إذ إنه بينما كانت الوحدات العسكرية الغربية، وبخاصة الفرنسية، موجودة في منطقة الساحل، لم ينخفض مستوى النشاط الإرهابي، بل ازداد بصورة كارثية".
ووفق بيانات استشهد بها من موقع "ذا إنترسبت" الأميركي، فإذا كان عدد ضحايا المتطرفين في أفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 يبلغ العشرات، فإنه بحلول عام 2023، في منطقة الساحل وحدها، قتل أكثر من 11600 شخص، أي بزيادة قدرها 500 ضعف.
ولفت المتخصص الروسي إلى "إظهار الشركاء الغربيين استخفافاً صريحاً بالحكومات الوطنية، متصرفين بروح السياسة ’الأبوية‘ الاستعمارية، كذلك كتبت عنها صراحة مراكز الأبحاث الغربية نفسها، وفي مثل هذه الحالة فحسب، اضطرت السلطات الشرعية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى البحث عن نماذج أمنية بديلة"، وأشار أيضاً إلى عرض روسيا عليهم هذا النهج تحديداً، في إشارة إلى مجموعة "فاغنر" والفيلق الأفريقي لاحقاً.

تأثير هجمات المتشددين

وتشترك النيجر ومالي وبوركينا فاسو، في منطقة تيلابيري، الواقعة في ما يسمى "الحدود الثلاثية" أو مثلث الموت التي تحولت أكثر من أي وقت مضى بؤرة للهجمات المسلحة ملحقة خسائر فادحة بقوات الدفاع والأمن والسكان المدنيين.

وفي سبتمبر (أيلول) وحده أثر هجومان شنهما تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى، بشدة في القوات المسلحة النيجرية فقد قتل 27 جندياً، وبعد أسبوع ارتكبوا مذبحة خلال حفل عماد، مما أسفر عن مقتل 22 قروياً، فيما زادت الهجمات التي تستهدف المسؤولين المنتخبين المحليين في البلاد.
ووفقاً لمنظمة "أكليد" غير الحكومية قتل أكثر من 1700 شخص منذ تولي المجلس العسكري السلطة في النيجر، وأجبر عنف المتشددين عشرات الآلاف على الفرار من المنطقة، حيث أغلقت أكثر من 1000 مدرسة، وفق أرقام صادرة عن وزارة التعليم النيجرية.
وفي باماكو ثم في واغادوغو، ناشد الجنرال تياني، أكبر الانقلابيين، كلاً من أسيمي غويتا وإبراهيم تراوري تفعيل القوة المشتركة لتحالف دول الساحل في أسرع وقت ممكن.
ومنذ الإعلان عن إنشائها في مارس (آذار) 2024 تتولى النيجر قيادة هذه القوة العسكرية، وفي منتدى لومي للأمن الأفريقي، الذي عقد يومي الـ11 والـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، رحب وزير الخارجية النيجري بتشكيل هذه القوة المشتركة، التي يتوقع أن يبلغ قوامها نحو 5000 جندي، وانتهز الوزير الفرصة للضغط بصورة مكثفة خلف الكواليس لإقناع الشركاء الدوليين بدعم المبادرة مالياً.
ولا تنظر جميع المجالس العسكرية إلى منطقة الحدود الثلاثية، ليبتاكو-غورما، على أنها "أولوية مطلقة"، إذ يعتزم غويتا حشد موارده العسكرية لمواجهة الهجوم المتطرف المستمر غرب بلاده الذي عجز عن منعه ومنع حصار بلاده اقتصادياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير