ملخص
تباينت الآراء إزاء التحرك الذي نظمته فعاليات سياسية ومدنية السبت الماضي، بين من يرى أنها ولادة للحظة سياسية جديدة، جمعت حولها أطياف المعارضة، ومن يرى أنها لحظة عابرة لا يمكن أن تؤسس لعمل سياسي مشترك وسط استمرار ضعف المعارضة.
كشفت المسيرة التي احتضنتها العاصمة التونسية السبت الماضي عن ولادة لحظة سياسية جديدة في البلاد، بعدما تخلى المشاركون فيها بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية عن الشعارات الحزبية، وتوحدوا حول جمل سياسية مختلفة عما تعوّد عليه الشارع التونسي خلال الأعوام الأخيرة من صراعات، مما يراه بعض المتابعين بداية تشكل مشترك سياسي يمكن تكثيفه والبناء عليه، بينما يعدّه بعضهم الآخر لحظة سياسية عابرة.
ولم تنجح المعارضة بصورتها التقليدية ومختلف تلويناتها منذ أشهر في تعبئة الشارع، بسبب صراعاتها وتناقضاتها وهو مؤشر ضعفها بعد أن انفض من حولها التونسيون، إلا أن المسيرة الأخيرة كسرت حاجز العزلة، وأبدت القوى المعارضة من خلال مشاركتها المكثفة قدرة على تجاوز خلافاتها.
المسيرة التي قادها شباب وعائلات بعض السجناء، جمعت أحزاباً من مختلف الأطياف والمنظمات والحساسيات السياسية، التقت في مساحة مشتركة من دون خلافات أو صدامات.
لحظة سياسية فريدة
ويرى أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية الصغير الزكراوي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "ما حصل لحظة سياسية فريدة يمكن البناء عليها"، لافتاً إلى أن "الأحزاب من مختلف المشارب السياسية تنازلت عن صراعاتها الأيديولوجية الحادة، ويبدو أنها استوعبت جيداً الراهن السياسي بمختلف أنواعه، في ما يتعلق بالفضاء العام والحقوق والحريات وحرية الرأي والتعبير".
وأضاف أن "الأحزاب اختارت أن تلتقي حول الحد الأدنى من خلال شعارات محددة، ضد ما سمّته ’الظلم والقهر‘، فهي لحظة يمكن البناء عليها"، متمنياً ألا تكون الأخيرة وداعياً إلى "العمل على أن تستعيد الاحزاب والمنظمات نشاطها، بخاصة بعد الترويج أن الأحزاب فقدت مكانتها في الساحة".
ويشير إلى "مشاركة شرائح عمرية مختلفة وحساسيات سياسية متنوعة، من نخب وأساتذة وأكاديميين"، مقراً في الوقت ذاته بـ"ضعف أداء الأحزاب، بحكم تجفيف المنابع، وملاحقة قيادييها قضائياً".
ويشدد الزكراوي على "ضرورة أن تستعيد الأحزاب مكانتها، وأن تؤمن بالعمل المشترك وتتجاوز خلافاتها الأيديولوجية، وأن تستثمر اللحظة من أجل أهداف مشتركة يمكن أن تتحول إلى برنامج متكامل يركز أكثر على الجانب العملي"، لافتاً إلى أن "البعد الأيديولوجي هو الذي يشكل عائقاً أمام العمل المشترك بين الأحزاب التي يرى بعضها أن الفعل المشترك هو ذوبان في الطرف الآخر، بسبب عدم تشبعه بالقيم الديمقراطية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعادت هذه اللحظة للأذهان أن الشارع في تونس لا يزال قادراً على إعطاء معنى للعمل السياسي والمدني، وأن هذا الفعل يتأسس على المشترك وليس على وهم التفرد وهوس الزعامة الواهية، وفق ما ذكر أستاذ القانون الدستوري.
ديناميكية لم تستوعب تعقيدات المرحلة
في المقابل، يقلل الكاتب الصحافي خالد كرونة من أهمية تلك اللحظة السياسية، ويقول إنها "لا تشكل رافعة لحال سياسية جديدة، حتى في ظل نوع من الإجماع على التصدي للمحاكمات التي يعدّونها سياسية، ومواجهة التضييق على الفضاء العام عبر المرسوم 54 أو عبر الإجراءات التي اتخذت ضد عدد من الجمعيات التي خضعت للتدقيق المالي، وحتى باستدعاء ملف قابس البيئي الحارق واستحضار وضعية الجمود والانكماش التي يعيشها الاتحاد العام التونسي للشغل".
ويرى أن "ما يشاع يتجاهل موازين القوى الحقيقية لأنها تقفز على عزلة المعارضة شعبياً"، ويعتقد بأن هذه "الديناميكية لم تفهم تعقيدات اللحظة المركبة محلياً وإقليمياً، فضلاً عن غياب مشروع موحد لمن يعلن مهمة الإنقاذ"، موضحاً أن "المطالبة بالحريات وانتقاد الخروقات التي تطاول بعض المحاكمات، قد يصنعان حركية محدودة إلا أنها لا ترقى إلى مستوى البديل".
ويضيف كرونة أن "استبعاد الشعارات الحزبية في المسيرة الأخيرة يستبطن دعوة للإسلاميين ولأنصار جبهة الخلاص إلى المشاركة من أجل خلق تقاطعات، وربما تحالفات لاحقاً، تطوي صفحة النزعات الإقصائية المتبادلة، وتفتح خصوصاً المجال أمام الدستوريين ليكونوا في خندق واحد مع الإسلاميين ومع بعض اليسار بفرعيه القومي والاجتماعي، وهي محاولة استنهاض وتعبئة تحت عنوان الدفاع عن الحريات والانتصار للعدل".
ويشير إلى "التبشير بولادة لحظة سياسية جديدة، عنوانها الأساس إظهار المعارضة موحدة، وأنها تخطت خلافاتها الفكرية وصراعاتها الأيديولوجية لتحقيق مشترك سياسي، قد يكون وقوداً لتحركات مقبلة"، لافتاً إلى أنها قد تكون أيضاً "رسالة إلى الخارج طلباً للدعم السياسي، ولا سيما أن مادتها الرئيسة متصلة بالشأن القضائي والمحاكمات العادلة أي بالمعايير التي لا ينفك الخارج يذبّ عنها حين يتعلق الأمر بما وراء حدوده".
وأمس الإثنين، شدد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري على أن "الذين ارتهنوا البلاد وأرادوا تفجيرها وتقسيمها والتفويت في سائر مقدراتها بعد أن كانوا خصماء الدهر في الظاهر، وصاروا اليوم حلفاء وخلاناً، يوزعون الأدوار في ما بينهم، فتنسحب عليهم التهمة التي كرستها بعض التشريعات وهي المشاركة في اقتسام المسروق، ومحكمة التاريخ أصدرت قرارها النهائي وهو لا عزاء للخونة ولا رجوع إلى الوراء"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية.