Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من ألمانيا إلى الهند... اتفاقات كبرى تعيد تشكيل توازنات التجارة العالمية

التبادل التجاري بين دول الجنوب قد يصل إلى 14 تريليون دولار بحلول 2033 وأوروبا تتسابق نحو الأسواق الناشئة

تقدر استثمارات القطاع الخاص الأوروبي في السوق الأميركية بنحو 600 مليار دولار (اندبندنت عربية)

ملخص

تزايد تشتت المشهد التجاري العالمي يفتح آفاقاً جديدة أمام الاتحاد الأوروبي وألمانيا لتعزيز علاقاتهما التجارية مع الأسواق الناشئة العالية الإمكانات.

سيطرت التعريفات الجمركية على المشهد التجاري العالمي خلال الأشهر الأخيرة، لتفتح الباب أمام مرحلة من الضبابية الواسعة في بيئة التجارة الدولية.

بلغ عدم اليقين المرتبط بالسياسات التجارية مستويات غير مسبوقة هذا العام، فمن شأن أي تعديل في سياسات إحدى الدول أن يخلق موجات من الارتدادات العالمية، بما يؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد، وارتباك المصنعين، وتذبذب الأسواق في مختلف أنحاء العالم.

وفي وقت يرجح فيه أن تستمر حال عدم اليقين التجاري خلال الأمد القريب، بدأت تحولات أعمق في أنماط التجارة العالمية تتبلور تدريجاً، مدفوعة بعدد من التطورات المفصلية، من أبرزها النمو المتسارع في أسواق الجنوب العالمي، وتكثيف الاتحاد الأوروبي مفاوضاته وصفقاته التجارية مع شركاء جدد وآخرين تقليديين، إلى جانب التحديات المتواصلة التي تعرقل نشاط التصدير الألماني.

مذكرة حديثة لـ"دويتشه بنك" بعنوان "التحول في أنماط التجارة العالمية: الفرص والتحديات من منظور الاقتصاد الكلي"، استعرضت أبرز الفرص والعقبات التي تفرزها هذه الاتجاهات الاقتصادية الكلية في المشهد التجاري العالمي.

ثلث حجم التجارة العالمية

تحدث رئيس التغطية المؤسسية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في "دويتشه بنك"، لوثار مينين، عن أثر البيئة الخارجية المتقلبة في حاجات العملاء، مؤكداً أن "التنقل عبر سلاسل التوريد المتغيرة يتماشى مع المتطلبات المتغيرة للتحوط والتمويل في إدارة رأس المال العامل".

وفي جانب الاستقرار التجاري أعاد اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي وُقع في نهاية يوليو (تموز) الماضي، عنصر الثقة إلى هذا الممر الحيوي، الذي يشهد مرور نحو 4.2 مليار يورو (4.84 مليار دولار) من السلع والخدمات يومياً عبر المحيط الأطلسي.

وبينما يشكل ما يعرف بـ"العلاقة عبر الأطلسي" نحو ثلث حجم التجارة العالمية، مما يسلط الضوء على أهميته الإستراتيجية في الاقتصاد الدولي، يحذر محللو أبحاث "دويتشه بنك" من أن ثقة الشركات لن تعود بين عشية وضحاها.

أشارت كبيرة الاقتصاديين في قسم أبحاث السياسات الأوروبية بالبنك، ماريون مولبرغر، إلى أن تحول النظام الأميركي تجاه التجارة يعني أن حال عدم اليقين ستظل قائمة، وسيظل لها صدى واضح في الأسواق المالية وسلوكيات الشركات، في الأقل في المدى القريب.

وبموجب بنود الاتفاق ستطبق تعريفة جمركية أساسية بنسبة 15 في المئة على الغالبية العظمى من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة.

منتجات الطاقة الأميركية

تقدر استثمارات القطاع الخاص الأوروبي في السوق الأميركية بنحو 600 مليار دولار، مع التزام الاتحاد الأوروبي استثمار إضافي قدره 750 مليار دولار لأغراض إستراتيجية تشمل، من بين أمور أخرى، منتجات الطاقة الأميركية ورقائق أشباه الموصلات.

وتتوقع أبحاث "دويتشه بنك" أن تتباين الكلفة المباشرة للرسوم الجمركية البالغة 15 في المئة بين دول الاتحاد الأوروبي، إذ يرجح أن تشهد إيرلندا وسلوفاكيا وألمانيا والدنمارك انحرافاً أكبر في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمستواه قبل تطبيق الاتفاق، وستتأثر صادرات السيارات الألمانية، التي تقدر قيمتها بنحو 35 مليار دولار، بالرسوم الجمركية القطاعية الأميركية، في حين لا يزال التحقيق بموجب المادة 232 الخاص بالمنتجات الدوائية جارياً.

وفي سياق آخر، يبرز "الجنوب العالمي"، وهو مصطلح يشير عادة إلى دول مجموعة الـ77 التابعة للأمم المتحدة باستثناء الصين، كقوة متنامية في التجارة العالمية.

وتشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن قيمة التجارة السنوية للجنوب العالمي قد تصل إلى 14 تريليون دولار بحلول عام 2033، مما يعكس النفوذ الاقتصادي المتزايد لهذه الدول في المشهد التجاري الدولي.

وشهدت التجارة بين الأسواق الناشئة في الجنوب العالمي - ما يعرف بـ"التجارة بين الجنوب والجنوب" - نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة.

التجارة بين بلدان الجنوب

وتشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن هذا التوجه سيستمر، مع توقعات بنمو التجارة بين بلدان الجنوب بمعدل سنوي قدره 3.8 في المئة حتى عام 2033، مقارنة بمعدل نمو سنوي مركب قدره اثنان في المئة للتجارة بين الاقتصادات المتقدمة في الشمال العالمي.

وأشار مولبرغر إلى أن تزايد تشتت المشهد التجاري العالمي يفتح آفاقاً جديدة أمام الاتحاد الأوروبي وألمانيا لتعزيز علاقاتهما التجارية مع الأسواق الناشئة العالية الإمكانات.

وتعد الهند وإندونيسيا والبرازيل والمكسيك والسعودية من أبرز الفاعلين في الجنوب العالمي، إذ يبرز حجمها الاقتصادي وتوافقها الإستراتيجي كعوامل تميز ضمن هذا المشهد المتشعب.

ويواجه الاتحاد الأوروبي منافسة متصاعدة من الولايات المتحدة والصين وغيرهما من اللاعبين الرئيسين في الاستفادة من إمكانات أسواق الجنوب العالمي المتنامية، ومع ذلك، يشهد قطاع التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة زخماً متجدداً، إذ أشارت مولبرغر إلى أن السياسات التجارية الأميركية الأخيرة "كانت حافزاً لتسريع سياسات لم تكن لتتحقق بهذه السرعة لولا ذلك"، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز أجندته التجارية.

أكبر منطقة تجارة حرة في العالم

ومن المقرر التصديق على اتفاق الشراكة التاريخية بين الاتحاد الأوروبي وأربع دول من تكتل "ميركوسور" لأميركا الجنوبية - الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي - قبل نهاية عام 2025، ومن المتوقع أن ينشئ هذا الاتفاق أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، تضم أكثر من 700 مليون مستهلك، وأن يرفع صادرات الاتحاد الأوروبي السنوية إلى "ميركوسور" بنسبة تصل إلى 39 في المئة، 49 مليار يورو (56.47 مليار دولار)، بعد مسار تطوير استمر 25 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتضمن التقدم الإضافي لأوروبا اتفاقاً تجارياً مع إندونيسيا توصلا إليه في سبتمبر (أيلول) الماضي، والاتفاق العالمي الحديث بين الاتحاد الأوروبي والمكسيك، المقرر التصديق عليه قريباً، الذي سيبني على الاتفاق السابق الذي أنجز عام 2000، إلى جانب اتفاق تجاري شامل معلق مع الهند، واستئناف المفاوضات مع ماليزيا والإمارات.

ويشكل هذا التكثيف في اتفاقات ومفاوضات التجارة مع بلدان الجنوب العالمي ركيزة أساسية لـ"إستراتيجية ثلاثية الأبعاد"، يتوقع "دويتشه بنك" أنها المفتاح لإطلاق العنان لإمكانات التصدير غير المستغلة في الاتحاد الأوروبي، أما العاملان الآخران في هذه الإستراتيجية، فهما: تعزيز السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، واستخدام أدوات الدفاع التجاري لحماية الاتحاد من الممارسات التجارية غير العادلة.

ويبقى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الإستراتيجية كافية لمعالجة ضعف أداء الصادرات الألمانية ومواجهة التحديات الحالية في الأسواق العالمية.

إزالة الحواجز التجارية

من بين السبل الواعدة، بحسب مذكرة "دويتشه بنك"، تعزيز التعاون مع الاقتصادات الناشئة في دول الجنوب العالمي، فقد تفتح اتفاقات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والهند و"ميركوسور" أسواقاً جديدة واسعة للصادرات خصوصاً الألمانية، وتحديداً في قطاعات الآلات الصناعية والمنتجات الكيماوية والصيدلانية والسيارات.

ويظهر التفاؤل إمكان استفادة الصادرات الألمانية من إزالة الحواجز التجارية داخل الاتحاد الأوروبي خلال الأعوام المقبلة، في وقت يعد فيه تخفيف العوائق في قطاعات الطاقة والدفاع والاتصالات والتكنولوجيا الرقمية والخدمات أولوية رئيسة للمفوضية الأوروبية.

المحللون أشاروا إلى أن خفض البيروقراطية التنظيمية يجب أن يستكمل بإصلاحات هيكلية عميقة في سياسات العمل والضرائب والطاقة، إلى جانب زيادة الاستثمار في الابتكار والبنية التحتية، لضمان تحقيق نمو مستدام للأداء الاقتصادي الأوروبي على المدى الطويل.

في المحصلة تبدو خريطة التجارة العالمية مقبلة على مرحلة إعادة تشكيل واسعة، تتداخل فيها اعتبارات الجغرافيا السياسية مع التحولات الاقتصادية العميقة، وبينما تضيف الرسوم الجمركية طبقات جديدة من التعقيد إلى المشهد الدولي، يبرز الجنوب العالمي كلاعب صاعد يعيد توزيع موازين القوة التجارية.

وفي المقابل يجد الاتحاد الأوروبي وألمانيا نفسيهما أمام لحظة حاسمة تتطلب إعادة تعريف إستراتيجياتهما، سواء عبر توسيع الشراكات مع الاقتصادات الناشئة، أو من خلال إصلاحات هيكلية داخلية تعزز القدرة التنافسية.

ومع استمرار حال عدم اليقين في المدى القريب، يرجح أن تتحول هذه الفترة المضطربة إلى فرصة لإعادة بناء منظومة تجارية أكثر تنوعاً ومرونة، تتيح للاقتصادات التي تستبق المتغيرات وتستثمر في التحولات الكبرى أن تكون الأكثر استفادة في العقد المقبل.

اقرأ المزيد