Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحريديم" في إسرائيل... نزف الموازنة وثقب الاقتصاد الأسود

الفئة الأسرع نمواً والأقل إنتاجاً تنذر بـ"انهيار مالي" خلال 4 عقود

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حذرت إسرائيل من الاستسلام المالي للمتشددين (أ ف ب)

ملخص

صدرت تحذيرات لإسرائيل من مغبة الوقوع في فخ مالي وديموغرافي، إذ يشهد اقتصادها نمواً أكبر كل عام في الإنفاق الحكومي على "الحريديم"، بينما أبناء تلك الفئة لا يعملون ولا ينتجون ولا يسددون الضرائب.

يواجه الاقتصاد الإسرائيلي خطر الاستسلام المالي لليهود المتشددين، فمع وتيرة نمو مجتمع "الحريديم" المتشدد الذي لا يتعلم ولا يسدد الضرائب إلا الزهيد منها، ولا يلتحق بالجيش إلا القلة، ويتوقع أن يشكل نحو ثلث السكان اليهود خلال 40 عاماً، فإن انهياراً ذاتياً يهدد الاقتصاد الذي لا يعتمد إلا على رأس المال البشري وإنتاجية العمل في غياب الموارد الطبيعية.

جرس إنذار حديث قرعه تقرير التوقعات نصف السنوي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر هذا الأسبوع، يحذر من فخ مالي وديموغرافي لاقتصاد يشهد نمواً أكبر كل عام في الإنفاق الحكومي على "الحريديم".

التقرير سلط الضوء على توصيتين رئيستين: الأولى هي إلغاء إعفاءات ضريبة القيمة المضافة، في وقت ضاعف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إعفاء التجارة الإلكترونية، ليصل إلى 150 دولاراً بدلاً من 75 دولاراً.

البطالة أول نقاط الضعف

أما التوصية الثانية، فتتمثل في ضرورة توقف الحكومة عن إجراء تخفيضات واسعة النطاق و"استهداف" الإنفاق غير الضروري، في وقت يشير التقرير إلى ضرورة خفض المزايا والإعانات لخريجي المعاهد الدينية، لأنها "تضعف حوافز المشاركة في سوق العمل"، بالتالي الإضرار بالنمو.

بالمقارنة مع عموم السكان، يتسم المجتمع الأرثوذكسي المتشدد بانخفاض معدلات التوظيف والأجور والتعليم والاعتماد الكبير على الدولة، وعندما يستنزف هذا المجتمع الأكبر في البلاد، الاقتصاد بأكمله، تسمى هذه الظاهرة في الأدبيات الاقتصادية "فخ السكان المالي"، وهي حال يتطلب فيها نمو الفئات غير المنتجة في البلاد زيادة هائلة في الموازنات، بينما تتآكل القاعدة الضريبية.

 

عند دراسة فخ السكان بعمق، تعد البطالة أول نقاط الضعف، فنحو نصف "الحريديم" (47 في المئة) عاطلون عن العمل، ويقل معدل توظيفهم بنسبة 33 في المئة عن معدل توظيف اليهود غير "الحريديم"، وبنسبة 24 في المئة عن معدل توظيف العرب.

ويشير رأي قسم الموازنة إلى أن "هذه الفجوة تعكس وجود 90 ألف رجل حريدي عاطل عن العمل تراوح أعمارهم ما بين 25 و66 سنة".

"الحريديم" عن قرب

هذه الأرقام تناولها الكاتب الإسرائيلي أدريان بايلوت في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية باعتبارها جديرة بتفكيك أي نموذج للنمو الاقتصادي، إذ إن قلة العمال تعني انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني انخفاض الضرائب وزيادة المستفيدين من الإعانات، مما يترجم إلى زيادة الإنفاق الحكومي، عندما تصبح فئة عمالية بنسبة 53 في المئة ثلث البلاد، ينتهي المطاف باقتصاد لا يعمل فيه جزء كبير من السكان.

لكن المشكلة لا تكمن فقط في أن الرجال لا يعملون، بل في أن من يعملون يكسبون القليل، إذ تعتمد فكرة العمل برمتها على أن من يعملون ينقذون أنفسهم وأسرهم من الفقر، ومع ذلك، تظهر البيانات أن "الحريدي" يكسب أقل من نصف ما يكسبه اليهودي غير "الحريدي".

وتفسر فجوة الأجور بفجوة الإنتاجية، فـ"الحريدي" الذي لا يملك دراسات أساسية، ولا شهادة ثانوية، ولا تدريباً مهنياً، ولا تعليماً بعد الثانوي، لا يستطيع خلق قيمة مضافة في اقتصاد حديث قائم على التكنولوجيا العالية والخدمات المتقدمة.

الأسوأ، كما يقول الكاتب، أن هذا هو أساس فخ الفقر المتوارث بين الأجيال، فالأجور المنخفضة تقلل الاستثمار في الأطفال وتعيد الفقر لجذوره، وهذه تحديداً هي الدورة التي يحفزها الاقتصاد الإسرائيلي حالياً من خلال التشريعات.

كم تنفق الأسرة "الحريدية"؟

وفقاً لبيانات قسم الموازنة، 80 في المئة من الشباب "الحريدي" لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وبمعنى آخر، يفتقر ثمانية من كل 10 من "الحريديين" إلى الأدوات الأساسية اللازمة للتأقلم مع سوق العمل الحديث، وفقط 14 في المئة من "الحريديم" حاصلون على تعليم ما بعد الثانوي، وهو أدنى معدل في المجتمع الإسرائيلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعندما تشكل فئة سكانية، 80 في المئة منها لا تحمل شهادة الثانوية العامة، ثلث البلاد، فإنها ستصل بحلول عام 2065 إلى مستوى من المهارات يضاهي مستوى دول العالم الثالث، لكن بكلفة أمنية باهظة.

بفضل الموازنات التي تخصصها الحكومة لـ"الحريديم"، تنفق إسرائيل شهرياً على الأسرة "الحريدية" أكثر بنسبة 35 في المئة من الأسرة اليهودية غير "الحريدية"، وذلك بسبب ارتفاع عدد السكان، وإعانات الأطفال، ودعم مؤسسات التوراة، وغيرها من الخدمات الحكومية.

 

ويبلغ الإنفاق الشهري للأسرة "الحريدية" نحو 18 ألف شيكل (5.54 ألف دولار) (بما في ذلك الخدمات الحكومية)، مقارنة بـ13.3 ألف شيكل (4.09 ألف دولار) للأسرة اليهودية غير "الحريدية".

عجز هيكلي في الموازنة

تسهم الأسرة "الحريدية" في خزانة الدولة بنصف ما تسهم به الأسرة اليهودية غير "الحريدية"، وبربع ما تسهم به الأسرة العربية، وذلك بسبب انخفاض فرص العمل والأجور، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل، أو بمعنى آخر، تبدأ القصة بإنفاق ضخم، وتستمر بضرائب قليلة، وتنتهي بعجز ضخم.

وفقاً للبيانات، تسبب الأسرة "الحريدية" عجزاً شهرياً قدره 10500 شيكل (3232.28 دولار)، أي أكثر من 120 ألف شيكل (36.9 ألف دولار) سنوياً للعائلة، وهو ما ينذر بحلول 2065 بأن إسرائيل تكون قادرة على تمويل نفسها.

توقعات عام 2065 تشير إلى دولة عاجزة عن تمويل نفسها، فحالياً يغطي فائض الأسر غير الأرثوذكسية المتشددة عجز الأسر الأرثوذكسية المتشددة، لكن بعد بضعة عقود ستواجه إسرائيل عجزاً هيكلياً في الموازنة يبلغ نحو 40 مليار شيكل (12.31 مليار دولار) سنوياً، وذلك بسبب الهيكل الديموغرافي والتوظيفي.

ساخراً يقول الكاتب أدريان بايلوت، "يجب لصق تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأرقام قسم الموازنة على باب الاجتماع الحكومي القادم في شأن موازنة 2026. لن تتمكن إسرائيل في الأعوام 2040 و2050 و2065 من تمويل البنية التحتية والصحة والتعليم والأمن، إذا كان ثلث سكانها لا يعملون ولا يدرسون ولا يدفعون الضرائب. إذا لم تغير الحكومة الإسرائيلية مسارها، ولم تنفتح على الاقتصاد الحريدي، ولم تلغ حواجز التوظيف، ولم تلزم التعليم الأساس، فإن فجوات الأجور والتوظيف، والعجز الهيكلي، ستبتلعنا جميعاً. إذا لم نكسر آلية التدمير الذاتي الآن، فستحطمنا في المستقبل".