ملخص
كانت الأجواء التي حاول بنيامين نتنياهو الترويج لها، خلال لقائه الجنود في الميدان السوري أمس الأربعاء، مغايرة لتلك التي سادت داخل جدران الكنيست، حيث بحثت لجنة خاصة تابعة للجنة الخارجية والأمن استقالة أكثر من 600 عنصر من النظاميين، بينهم ضباط مهنيون وآخرون يتولون مناصب عليا في الجيش.
لم ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس اتساع النقاش الذي شهدته إسرائيل أمس الأربعاء، في أعقاب الكشف عن استقالة أكثر من 600 ضابط وعقيد إسرائيلي، فطلب من المحكمة تقليص جلسة محاكمته لأسباب أمنية طارئة ليتضح في ما بعد أنه أجرى جولة برفقة كاتس وكبار الأمنيين في جنوب سوريا للاطلاع عن كثب على الأوضاع الأمنية هناك، وحرص على تسريب تصريحات مفادها بأن هذه الزيارة تاتي ضمن الخطوات التي تتخذها إسرائيل لضمان أمنها على مختلف الحدود.
نتنياهو أراد من جولته في عمق الأرض السورية، ووفق ما أجمع عليه أمنيون وسياسيون، شد الأنظار إلى حيث يطلق تصريحاته لغض الطرف عن التحركات الداخلية في الجيش والنقاشات التي هيمنت على جدول الأعمال منذ صباح الأربعاء، في أعقاب القرارات التي اتخذت بإجراء تقليصات مالية وقضم حقوق عناصر الجيش، ضمن الخطة التي اتخذتها وزارة المالية لضمان موازنة الحرب حتى نهاية السنة المقبلة، وأدت بالتالي إلى استقالات جماعية داخل الجيش تجاوزت 600 استقالة.
وتساءل بعضهم أيضاً إذا كان كشف جهاز الشاباك (الأمن العام) عن اعتقال خلية تهريب أسلحة في سوريا تضم جنوداً إسرائيليين تماماً بالتزامن مع جولة نتنياهو، صدفة أم أنها تأتي في سياق تسجيل الإنجازات للاستخبارات التي أعلنت أن الكشف عن الخلية جاء بعد عمل مكثف لمراقبتها عند الحدود السورية. وتتألف شبكة التهريب من أربعة من سكان شمال إسرائيل، إضافة إلى ستة جنود (احتياط ونظاميون) بالتعاون مع ثلاثة مدنيين سوريين، إذ كان التهريب يتم عبر قرية حضر السورية قرب الحدود مع الجولان.
جولة والتقاط صور
نتنياهو حرص على التقاط صور له وهو يتجول في الأرض السورية ويصغي لتقارير قيادة الشمال التي عرضت أمامه صورة عن الأوضاع في سوريا، التي يدعي فيها الجيش أن الوضع الأمني الحالي يتطلب استمرار انتشار الجيش وتعزيزه، وصولاً إلى فرض إقامة منطقة عازلة بالقرب من الجولان.
كما جال نتنياهو على أحد مواقع العسكرية، ومن هناك اتضح هدف هذه الزيارة المتزامنة مع أزمة الجيش الداخلية، إذ اجتمع مع مجموعة من جنود الاحتياط والنظاميين، واستغل المناسبة ليطلق تصريحات المدح لهم محاولاً رفع المعنويات، وقال "لقد لعبتم دوراً كبيراً خلال الحرب وما زلتم للحفاظ على أمن إسرائيل وسكانها"، مضيفاً "نحن نولي أهمية بالغة لقدرتنا هنا، سواء الدفاعية أم الهجومية. هذه مهمة يمكن أن تتطور في أية لحظة، لكننا نعتمد عليكم".
تراجع الرغبة في الخدمة
الأجواء التي حاول نتنياهو الترويج لها خلال لقائه الجنود في الميدان كانت مغايرة لتلك التي سادت داخل جدران الكنيست، حيث بحثت لجنة خاصة تابعة للجنة الخارجية والأمن استقالة أكثر من 600 عنصر من النظاميين، بينهم ضباط مهنيون وآخرون يتولون مناصب عليا في الجيش، قبل انتهاء مدة خدمتهم الدائمة. وتبلور النقاش حول ما اعتبره مسؤولون دفع الجيش تكاليف حرب غزة التي تجاوزت مدتها العامين من دون أي أفق قريب لإنهائها مع استمرار الأزمة المالية التي قد تنتج مزيداً من الأزمات الداخلية في الجيش إذا ما استمر تآكل مكانة أفراد الخدمة الدائمة وشروط رواتبهم، ومطلب وزارة المالية تقليص سلسلة الامتيازات المخصصة لهم.
وقدم ممثلو "شعبة القوى البشرية" خلال النقاش استطلاعاً حديثاً أجري بين أفراد الخدمة الدائمة، يظهر تراجعات كبيرة في رغبة الضباط، خصوصاً الشباب، في الاستمرار بالخدمة. بين هذه المعطيات، أن 62 في المئة من ضباط في الجيل الذي تتراوح أعماره بين 21 و30 سنة أعلنوا أنهم غير معنيين بالاستمرار في الخدمة الدائمة، كما أعرب 60 في المئة من الضباط برتبة رائد عن عدم رغبتهم في مواصلة الخدمة.
وبحسب ما فهم من الضباط فهم يخشون أن "يقعوا بين الكراسي"، على حد تعبيرهم، ولذلك يطلبون تقديم موعد إنهاء خدمتهم العسكرية، حتى لو كان ذلك يعني التنازل عن تعيينهم في منصب أعلى.
دوافع الاستقالات
رئيسة قسم الطواقم في الجيش ليات ليشيم تطرقت بالتفاصيل لعدد طالبي الاستقالة ودوافعهم، وبحسبها فإن ظاهرة الاستقالات تطاول كل منظومة الخدمة الدائمة، مضيفة أن "هناك 300 عنصر خدمة دائمة طلبوا مغادرة الجيش فوراً، ونحو 300 طلب إضافي ما زالت قيد المعالجة، التأثير يطاول كل منظومة الخدمة الدائمة". وأضافت ليشيم أن "هناك تآكلاً في المكانة والظروف في جميع المنظومات، نرى ارتفاعاً حاداً أيضاً في طلبات الدعم النفسي من عناصر الخدمة الدائمة".
العميد احتياط رام عميناح، المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الأركان ووزارة الأمن، حذر من تفاقم هذه الظاهرة وتداعياتها حتى على خدمة الجيش في أرض المعركة، وقال إن "هناك ضغطاً هائلاً من الضباط الذين يطلبون الاستقالة. نتحدث عن عشرات الضباط، وإذا ما استمر المسوؤلون في إلغاء الامتيازات للضباط والجنود فستتعاظم المشكلة".
وأضاف عميناح، "نحن في حدث مرضي. رئيس لجنة الخارجية والأمن يتوقع من قيادة الجيش المرونة في قانون التجنيد، وبالمقابل سيكون مستعداً لتمرير تسوية جديدة للإضافات. هذا بيع لأمن إسرائيل لصالح قانون خلافي تبذل الجهود للمصادقة عليه"، ودعا الى إيجاد حل فوري لهذه القضية لأنه "إذا لم يتم إيجاد حل، فإن مزيداً من الضباط سيطلبون الاستقالة وعندها سندخل في أزمة حقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثير المناكفات السياسية
رئيس مديرية القوى العاملة عضو الكنيست والوزير السابق لجهاز الاستخبارات اليعزر شتيرن قال صراحة إن الجيش يشهد أزمة خطرة، مضيفاً أنه "لا يوجد وقت لألاعيب الائتلاف الحكومي والمعارضة. الجيش شرط لوجودنا، لوجود الجميع هنا. ضباط الجيش يتعرضون لهجمات سياسية من الائتلاف أيضاً في لجنة الخارجية والأمن، يحاولون تجاهل حقيقة أن مليارات تمنح لآخرين ولمن لا يخدم ولا يساهم، وعندما يتعلق الأمر بعناصر الخدمة الدائمة والمقاتلين نرى النتائج".
ونقل شتيرن عن غالبية مقدمي الاستقالة أن خلفية قرارهم تعود للإرهاق من الخدمة المتواصلة في أرض غزة ولبنان، إلى جانب ظروف الخدمة.
وطلب الجيش في جلسة الخارجية والأمن 144 مليار شيكل، محذراً من "أن القرارات اليوم ستحسم نتائج الحرب المقبلة".
كما يطالب الجيش ووزارة الأمن الإسرائيليين تعزيز خطوط الإنتاج المحلية، بحيث يمكن في زمن العمليات أو الحرب زيادة وتيرة الإنتاج، وخصوصاً الذخيرة. ونقل عن ضابط كبير قوله إن الجيش وجد نفسه يعاني مشكلات الإمداد ومسارات التجارة المهددة، ولا نريد تكرار ذلك. من ينتصر في الحروب، خصوصاً الطويلة، هو من يستطيع الإنتاج أكثر وبأقصى سرعة".
الاحتياجات الضرورية
إلى جانب مناقشة استقالة الضباط طرح الحضور رؤية وزير الدفاع يسرائيل كاتس والمدير العام للوزارة اللواء احتياط أمير برعام، احتياجات الجيش خلال العام المقبل، بما يبقي إسرائيل في حالة استعداد متواصل. وأبرز تلك الاحتياجات:
تطوير منظومة "ديفنس-تك" داخل إسرائيل، وهي تشمل شركات "ستارت أب" صغيرة وشابة.
تشكيل محور إضافي يشكل جزءاً كبيراً من موازنة الأمن، وهو قوات البر، خصوصاً في مجال دبابات الميركافا، والمركبات المصفحة، بما في ذلك استبدال أسطول المركبات الخفيفة للحركة. في هذه المرحلة، تقدر الاستثمارات في هذه الآليات بأكثر من 5 مليارات شيكل (نحو مليار ونصف مليار دولار).
مجال إضافي تعتزم وزارة الأمن الاستثمار فيه هو الروبوتات بأشكالها المختلفة، بما في ذلك في مجالات جديدة مثل اللوجستيات والحركة. على سبيل المثال، تخصيص روبوتات لحمل التجهيزات في شوارع منطقة معادية، إضافة إلى معدات هندسية ميكانيكية ثقيلة تشغل عن بعد. كما تقرر أن جميع الطائرات غير المأهولة ستشترى فقط من إنتاج محلي، بما في ذلك مروحية روبوتية للمساعدة في إمداد القوات في أرض المعركة.
كل هذا يتطلب موازنات وتعكس الحاجة إليه احتمال استمرار الحرب لنحو عامين إضافيين، وفي الحالتين ستبقى الأزمة الداخلية في الجيش، بل هناك توقعات بأن تتسع وتضع المؤسستين العسكرية والأمنية أمام تحديات خطرة.