ملخص
بيرس مورغان صحافي بريطاني ذاع صيته قبل أن يعرف العالم وسائل التواصل. يحفل تاريخه بكثير من المحطات الجدلية التي رفعت رصيده تارة، وقادته إلى سقطات تارة أخرى. فمن هذا الذي لقب يوماً بـ"صانع الملوك"، ولماذا تتبدل مواقفه السياسية وغير السياسية إلى حدود التناقض أحيانا؟
ربما يكون بيرس مورغان من أكثر الشخصيات الجدلية في المشهد الإعلامي العالمي اليوم، لكن تاريخ الصحافي البريطاني حافل بالإثارة منذ بداية مشواره. ليس له توجهات سياسية أو أيديولوجية ثابتة، وقائمة اهتماماته الصحافية متغيرة بتغير الزمان والمكان والسوق. أما الميزة التي رافقته طوال حياته فهي المواجهة وإثارة المشكلات على الورق والشاشات.
بيرس مورغان هو ابن الصحافة الورقية، وتحديداً الصفراء منها. بدأ مشواره المهني نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبح عام 1994 أصغر رئيس تحرير لصحيفة وطنية بريطانية عندما تسلم إدارة "أخبار العالم"، وبعد عام فقط انتقل بالمنصب ذاته إلى واحدة من أكثر جرائد المملكة المتحدة شهرة حينها، وتسمى "ديلي ميرور".
الشاب ذو الأصول الإيرلندية كان مشاكساً جداً. وقد قاد "ديلي ميرور" عندما كانت الصحافة الورقية تهز الرأي العام وتشكل توجهاته بالمعنى الحقيقي للكلمة، حيث كانت الجرائد مصدر المعلومة الأساس للناس، وتنتشر بين البريطانيين على نحو واسع جداً. عرف مورغان كيف تؤكل الكتف كما يقال، وأحسن انتقاء القصص التي تجذب وتحدث ضجة كبيرة.
ولد مورغان في بلدة "غيلدفورد" بمنطقة سيري البريطانية في عام 1965. والده البيولوجي إيرلندي كان يعمل طبيب أسنان ولقبه "أوميرا"، وعندما توفي تزوجت الأم التي كانت معلمة في مدرسة، بضابط شرطة إنجليزي يدعى جلين مورغان، فمنح الطفل يتيم الأب، لقب عائلة زوج الأم وصار اسم الصحافي البريطاني الشهير بيرس مورغان أوميرا.
تزوّج بيرس مورغان مرتين في حياته، الأولى عندما كان يبلغ من العمر 26 سنة، واقترن فيها بفتاة تدعى ماريون شالوي سنة 1991، واستمر الزواج أكثر من 17 عاماً وأنجبا خلالها 3 أولاد، ثم ارتبط الإعلامي البريطاني بالكاتبة والصحافية سيليا والدن عام 2010، وأنجب منها ابنة وحيدة ولدت بعد نحو عام ونصف العام من زواج ما زال مستمراً حتى اليوم.
الصحف الشعبية في بريطانيا كانت تقلب الحكومات أحياناً بعناوينها، ومورغان كان جريئاً جداً في العناوين والصور، يختار نشر قصص محرجة عن العائلة الملكية، السياسيين، ولاعبي كرة قدم وغيرهم من المشاهير في مختلف المجالات، وصفه البعض حينها بـ"صانع ملوك" لأنه كان قادراً على بناء سمعة الأشخاص أو هدمها تماماً عبر صفحات جريدته.
سقطة مهنية
بين عامي 1995 و2004 عاش مورغان صياداً للصور والقصص الفضائية، إن جاز التعبير، تلك التي ترصد علاقات عاطفية وجنسية ممنوعة في "الطبقة المخملية" وبين المشاهير، أو تكشف عن فساد حكومي أو تسريبات سرية للسياسيين. كانت هذه المواضيع هي أكسيد حياة الصحافة الصفراء في بريطانيا حينها، وكان مورغان بارعاً جداً في اختيارها.
"صانع الملوك" سقط سقطة مهنية مدوية بعد عقد من "النزق" الإعلامي، فنشر عام 2004 صوراً لجنود بريطانيين يعذبون سجناء عراقيين، ثم اتضح لاحقاً أنها مزيفة. على أثرها طرد مورغان من الصحيفة، وبدأ حقبة جديدة في مشواره المهني لا تقل إثارة عن سابقتها، بل إنها أوسع انتشاراً عالمياً، ذلك لأنه أصبح يتنقل بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
مع بداية الألفية شرع مورغان بزيارة الولايات المتحدة، كان يحط فيها في إطار مشاركات إعلامية عابرة بينما يترأس "ديلي ميرور"، وعندما طرد من الصحيفة البريطانية صار يتردد أكثر على أميركا، وبدأ يشق طريقه في عالم الإعلام المرئي. يشارك في برامج، وينخرط في جلسات حوار متلفزة حتى جاء برنامج المواهب الشهير "أميركنس غوت تالنت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اختير الصحافي البريطاني في لجنة تحكيم البرنامج بين عامي 2006 و2007، فأطل على العالم من نافذة حققت له حضوراً دولياً وأصبح يتنقل بين العاصمة لندن ومدينة لوس أنجليس. بعدها بعام واحد فقط فاز بجائزة "سيلبرتي ابرينتس" إلى جانب دونالد ترمب، لتبدأ صداقته مع الملياردير تاجر العقارات الذي سوف يصبح رئيس الولايات المتحدة مرتين.
مورغان انتقد ترمب مرات عدة، ولكن ذلك لم يفسد للود قضية، كما يقال. ثمة لقاء جديد لـ"صانع الملوك" مع الرئيس الحالم بالملكية في عام 2025 لن يكون عادياً أبداً، وربما لذلك حاول نائب بريطاني منع وقوعها كي لا يبدو أن هناك أقرب منه إلى قلب ترمب في المملكة المتحدة، ووفق مورغان النائب المقصود هو زعيم حزب "ريفورم" نايجل فاراج.
توسعت علاقات مورغان في الولايات المتحدة ووصلت به في عام 2011 إلى (سي أن أن)، ليخلف لاري كينغ ويقدم برنامجاً تلفزيونياً على الشبكة الأميركية، ومع انطلاق البرنامج في يناير (كانون الثاني) استقر "صانع الملوك" في بلاد الاغتراب، وتحديداً في مدينة نيويورك، وأصبحت زياراته إلى الوطن الأم طوال الأعوام الثلاثة التالية قليلة ومتقطعة.
لم يتغير الصحافي البريطاني في الولايات المتحدة، ظل مشاكساً في المواضيع التي ناقشها والمقابلات التي أجراها عبر برنامجه "بيريس مورغان الليلة"، تطرق إلى موضوع السلاح، الحروب الأميركية، وقضايا دينية وثقافية مختلف بشأنها، كما استضاف شخصيات شهيرة مثل ترمب والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والممثل جورج كلوني.
انتهى مشوار مورغان الإعلامي في أميركا عام 2014، وبعدها بسنة حمل حقائبه وعاد إلى المملكة المتحدة ليلتحق بمحطة ITV، ويشارك في تقديم واحد من أشهر البرامج التلفزيونية، وهو "صباح الخير بريطانيا". مرت ستة أعوام متتالية قبل أن يستيقظ البريطانيون على أزمة جديدة تخص بطل الصحافة الصفراء، ولكن هذه المرة بسبب العائلة الملكية.
في 7 مارس (آذار) 2021 أجرى الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل، مقابلة مع المذيعة الأميركية المشهورة أوبرا ونفري، وخلال المقابلة تحدثت الزوجة عن العنصرية التي وجدتها لدى الأسرة الملكية. وفي صباح اليوم التالي علق مورغان على اللقاء وقال إنه لا يصدق كلمة واحدة مما قالتها ماركل، فقامت الدنيا ولم تقعد عليه داخل قناة (ITV) وخارجها.
المذيع الذي شارك مورغان تقديم "صباح الخير بريطانيا" يومها قال له إن تصريحه شديد القسوة، ولكنه لم يكترث وغادر الاستوديو على الهواء مباشرة، ولاحقاً رفض الاعتذار عما قال وفعل، على رغم أن هيئة إدارة الإعلام في بريطانيا المعروفة باسم (أوفكوم) تلقت أكثر من 41 ألف شكوى ضده، وكان رده "أنا أومن بحرية التعبير، ولن أتراجع عن رأي صادق قلته".
في 2022 عاد الإعلامي المشاكس إلى الشاشة عبر قناة تسمى "TalkTV". وانطلق ببرنامج ينضح اسمه بالتمرد ورفض القيود "بيريس مورغان دون رقابة"، ومن خلال المنصة الجديدة واصل "صانع الملوك" جدليته في إثارته القضايا التي تثير الرأي العام، وإجراء المقابلات التلفزيونية مع مشاهير أو أشخاص يحملون وجهة نظر مختلفة وتخلق تباينات.
في سياق الحديث عن المقابلات المثيرة للجدل، يتذكر الجميع لقاء مورغان مع لاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو التي أصبحت حديث العالم حينها، وكانت سبباً لطلاق رونالدو من نادي مانشستر يونايتد في 2022، كما أطلقت صداقة بين الصحافي والرياضي مستمرة إلى اليوم، وأفضت إلى مقابلة جديدة في نوفمبر 2025 لا تقل أهمية عن سابقتها.
بين اليمين واليسار
لم يولد مورغان في كنف أسرة ثرية، ولكن مسيرته المهنية الحافلة بالمحطات المثيرة للجدل، جلبت له وفق تقارير مختلفة ثروة تقدر بين 20 إلى 30 مليون دولار، كما جعلته مالكاً لثلاثة منازل أحدها في منطقة "كينسينغتون" الراقية بالعاصمة البريطانية لندن، والآخر في الريف الإنجليزي غرب منطقة "ساسكس"، أما الثالث فهو في لوس أنجليس الأميركية.
لا ينتمي مورغان إلى تيار سياسي محدد رسمياً، لكنه يميل في أفكاره إلى اليمين كما تبوح مواقفه هنا وهناك. عندما جرى الاستفتاء المصيري على مغادرة المملكة المتحد للاتحاد الأوروبي عام 2016 صوت مورغان لصالح "بريكست"، على رغم أنه لم يكن صديقاً لأي من قادة معسكر الخروج، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون والنائب فاراج.
التصويت لطلاق لندن وبروكسل لا يعني أن مورغان منضبط في خانة واحدة سياسياً على الطريقة الحزبية التقليدية. فقد انتقد المثلية الجنسية ووجه سهامه إلى جونسون وصديقه ترمب، كما ضرب بجدوى هيئة الصحة الوطنية التي تحسب على اليسار البريطاني إلى حد ما، كذلك هاجم حزب العمال في زمن زعيمه السابق جيرمي كوربين والحالي كير ستارمر.
تأييد إسرائيل
حرب غزة كانت واحدة من أبرز قنابل مورغان الإعلامية التي تعبر عن براغماتيته، فخلال عامين تحول من أكثر الأصوات الغربية دعماً لإسرائيل وتأييداً لحربها على القطاع رداً على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى شخصية معارضة لحكومة تل أبيب ومبررات استمرارها في الصراع على رغم الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون.
حين كان مناصراً لتل أبيب اشتهر مورغان بسؤال ضيوفه بداية اللقاء إن كانوا يدينون هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته حركة "حماس" على جنوب إسرائيل؟ تلك الإدانة كانت بالنسبة إليه أساساً لأي حوار يدور حول ما يجري في الشرق الأوسط بعد ذلك التاريخ، وإقرارها "واجب أخلاقي" قبل أن يكون موقفاً سياسياً لابد أن يتبناه كل من يظهر في برنامج مورغان.
عندما تغير موقفه، وغالباً لتردي أوضاع غزة الإنسانية إلى حدود لم يعد ممكناً تجاهلها حتى بالنسبة إلى الإعلام الغربي المؤيد لإسرائيل، أصبح مورغان سوطاً يجلد قرارات وإجراءات حكومة نتنياهو في المنطقة، وبدلاً من أن ينتزع من ضيوفه إدانة "حماس" بات يضغط من أجل اعترافهم بما يجري جزءاً من قضية فلسطين التي حان الوقت كي تعالج جذرياً.
لم ينسحب الإعلامي البريطاني من تأييده لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكنه يرى أن ممارسة هذا الحق قد تجاوزت كثيراً المبررات التي استدعته. ومثل هذا الموقف لا يعجب أصدقاء تل أبيب في المملكة المتحدة، الذين يرون في انتقاد الدولة العبرية شكلاً من أشكال معاداة السامية التي يجب أن تحارب، ليس فقط محلياً، وإنما على المستوى الدولي.
مورغان استضاف شخصيات عربية وغربية تخاصم إسرائيل في حربها وموقفها من القضية الفلسطينية، وفي إحدى حلقات برنامجه سأل قادة تل أبيب، كم طفلاً قتل في غزة حتى الآن؟ يبدو التساؤل مشروعاً لأنه مرتبط بجغرافية مغلقة أمام الإعلام بأوامر من الطرف الذي يتحكم بالأرض والسماء والماء، ولكن ليس برأي حلفاء الدولة العبرية ومنابرها.
مع تبدل موقفه تحول مورغان إلى آلة دعاية تنشر معلومات مغلوطة عن إسرائيل. هذا برأي أصدقاء تل أبيب الذين يتقنون لعبة الصحافة الصفراء مثل مورغان. لا يعلم أحد إن كانت هذه آخر الجولات الإعلامية الجدلية التي يخوضها الصحافي البريطاني في مسيرته، لكن هذه الجولة ستبقى عالقة إلى وقت طويل في الذاكرة العربية واليسارية العالمية.