ملخص
زعيمة بلا خطابة، بلا أيديولوجيا كبرى، ولا عدو واضح. حكمت ألمانيا 16 سنة، لكنها حكمت أوروبا فعلياً أكثر من ذلك. كان حضورها أشبه بجدار غير مرئي: لا يلفت النظر، لكنه يسند البناء كله. وحين غابت، بدا أن القارة التي عاشت في ظلّها فقدت فجأة مركز توازنها.
في كل مرحلة من التاريخ الأوروبي الحديث، كانت هناك شخصية تختصر روح القارة: ديغول في زمن ما بعد الحرب، تاتشر في زمن الخصخصة والصلابة البريطانية، ثم أنغيلا ميركل، التي جسّدت أوروبا القلقة من نفسها.
زعيمة بلا خطابة، بلا أيديولوجيا كبرى، ولا عدو واضح. حكمت ألمانيا 16 سنة، لكنها حكمت أوروبا فعلياً أكثر من ذلك. كان حضورها أشبه بجدار غير مرئي: لا يلفت النظر، لكنه يسند البناء كله. وحين غابت، بدا أن القارة التي عاشت في ظلّها فقدت فجأة مركز توازنها.
لم تكن ابنة الحظ أو سحر الجماهير. كانت نتاجاً خالصاً للعقل الألماني في أكثر تجلياته بروداً وانضباطاً. جاءت من خلف الستار الحديدي، من بلدة متواضعة في ألمانيا الشرقية، حاملة في شخصيتها أثر النظامين معاً: الانضباط الشيوعي القديم، والدقة البروتستانتية الهادئة.
لم تنتمِ إلى عالم النخب السياسية الكلاسيكية، بل إلى عالم العلماء والمختبرات. آمنت أن في السياسة، كما في الفيزياء، لا يمكن لأي حركة أن تكون بلا سبب، ولا لأي قرار أن يُتخذ بلا معطيات.
الجاكيتات الملونة تكاد تكون شعار المستشارة. بفضلها كان غالباً من السهل التعرف إلى ميركل في الصور الجماعية خلال المؤتمرات الدولية. في الإعلام كثيراً ما تم التكهن حول الرسالة التي تريد إيصالها مع كل لون من هذه الألوان المختلفة، ولكن من دون التوصل إلى أية نتيجة مرضية أو مقنعة.
في عام 2021 وقبل شهرين من استقالتها، من منصب المستشار الألماني، نشرت الكاتبة الأميركية كاثي مارتون كتاب The Chancellor: The Remarkable Odyssey of Angela Merkel المستشارة: الملحمة الرائعة لأنغيلا ميركل، والذى ذكرت فيه أن "العبقرية السياسية لميركل تتمثل فى استعدادها للتحدث مع خصومها وليس إليهم، وقدرتها على التفاوض من دون المساومة على النقاط الحيوية بالنسبة إليها، ودهاؤها فى تعيين خصومها فى حكومتها والاستجابة لسياساتهم بحيث لا يكون لديهم فرصة لمهاجمتها بعد ذلك، وتواضعها بحيث تعطى للآخرين فرصة الظهور وحصولهم على الإشادة على القرارات والإجراءات التي كانت جزءاً منه، إضافة إلى حكمتها فى البقاء بعيدة من الإعلام بشكل كبير".
لم تكن ابنة الحظ أو سحر الجماهير. كانت نتاجاً خالصاً للعقل الألماني في أكثر تجلياته بروداً وانضباطاً. جاءت من خلف الستار الحديدي، من بلدة متواضعة في ألمانيا الشرقية، حاملة في شخصيتها أثر النظامين معاً: الانضباط الشيوعي القديم، والدقة البروتستانتية الهادئة.
أما على المستوى الشخصي، فهي تعيش حياة متواضعة، مفضلة البقاء في شقتها الخاصة على السكن في مقر إقامة المستشار الرسمية في برلين، كما تتسوق في مخزن السوبرماركت المحلي.
ولوحظ مرة في المراحل الأولى لتفشي الجائحة أن سلة التسوق التي كانت تضع فيها مشترياتها لم تضم سوى بعض الكرز والصابون وورق التواليت وزجاجة نبيذ من النوع العادي.
وتطهو ميركل بنفسها نوعاً من الحلوى التقليدية هي "كعكة البرقوق الألمانية"، كما تقضي عطلاتها في المشي أو التزلج بين المناطق الريفية أو في الاسترخاء بجزيرة إيشيا الإيطالية. وتحب المستشارة الأوبرا، ما حملها على حضور مهرجان فاغنر السنوي في بايرويت (البلدة البافارية التي تضم مسرحاً بناه ريتشارد فاغنر) بانتظام، برفقة زوجها الذي يعتبر شخصية أكثر تحفظاً من دينيس تاتشر، زوج مارغريت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة.
بروز
حين برز اسمها في تسعينيات القرن الماضي داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، نظر إليها كثيرون على أنها استثناء غريب في المشهد السياسي: امرأة من الشرق بلا شبكة دعم، بلا كاريزما ظاهرة، تتحدث ببطء، وتفكر أكثر مما تتكلم.
لكنها كانت تمتلك ما يفتقده خصومها جميعاً: برود الأعصاب وقدرة الانتظار. لم تكن تتسرع في القفز إلى مقدمة المشهد، بل انتظرت بصمت حتى سقط الجميع. ومن ذلك الصمت، صعدت أول مستشارة في تاريخ ألمانيا الموحدة.
منذ اليوم الأول في السلطة، أدركت أن التاريخ لا يُكتب بالهتاف، بل بالإدارة. لم تسعَ إلى تغيير وجه أوروبا كما فعل أسلافها، بل إلى صيانته من الانهيار. في زمن الأزمات، كانت تختار الحذر بدلاً من الحسم، والتردد المدروس بدلاً من الاندفاع.
خلال أزمة اليورو مثلاً، حين كانت الأسواق تترنح، لعبت دور المعالج البارد الذي يرفض إعطاء المريض ما يريد، مفضلة الدواء المرّ على المسكن الموقت. وخلال أزمة اللاجئين عام 2015، حين كانت أوروبا تغلق حدودها، فتحت ألمانيا ذراعيها، وقالت عبارتها التي ستبقى خالدة في ذاكرة القارة: "نستطيع أن نفعل ذلك". جملة قصيرة، لكنها قسمت أوروبا إلى معسكرين: من رأى فيها إنسانية نادرة، ومن اعتبرها سذاجة سياسية.
خصومها وصفوها بـ"المستشارة المترددة"، لكنها كانت تعرف أن التردد في السياسة ليس ضعفاً حتى حين يكون الصدام محتوماً، وتفضل أن تبتسم ثم تنتصر في الصمت.
لذلك، حين كانت قمة أوروبية تنتهي في ساعات الفجر، كان الجميع يخرج منهكاً إلا هي - تحتسي كوب شاي وتبدأ صفحة جديدة.
أقوى
وعلى رغم أن ألمانيا في عهدها أصبحت القوة الاقتصادية والسياسية الأولى في أوروبا، فإن ميركل لم تترك "إرثاً أيديولوجياً" واضحاً. تركت نموذجاً في الإدارة أكثر منه في الرؤية. لم تصنع مشروعاً فكرياً، بل أعادت تعريف القيادة كفن للموازنة: بين الأخلاق والمصلحة، بين القيم والواقعية، بين الوطنية والأوروبية. هذا ما جعلها محبوبة في لحظة، ومكروهة في أخرى.
بالنسبة إلى الجنوب الأوروبي، كانت رمز التقشف والقسوة المالية، أما في شمال القارة فكانت ضمانة الاستقرار. حتى بعد مغادرتها، لا تزال أوروبا تفتقد ذلك "العقل البارد" الذي كان يهدئ الأزمات قبل أن تنفجر.
الفتاة التي أطاحت بمعلمها
مع توحيد ألمانيا عام 1990، دخلت ميركل السياسة من بابها الصغير. التحقت بحزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، فبدت دخيلة في حزب غربي محافظ يهيمن عليه رجال من مدارس النخبة.
رآها المستشار هيلموت كول "فتاة الشرق"، فاصطحبها إلى حكومته وعيّنها وزيرة للنساء ثم للبيئة. كان يراها تلميذته المخلصة، ولم يخطر له أن تلك الفتاة ستقضي على إرثه ذات يوم.
الجاكيتات الملونة تكاد تكون شعار المستشارة. بفضلها كان غالباً من السهل التعرف إلى ميركل في الصور الجماعية خلال المؤتمرات الدولية. في الإعلام كثيراً ما تم التكهن حول الرسالة التي تريد إيصالها مع كل لون من هذه الألوان المختلفة
في عام 1999، حين عصفت فضيحة التمويل غير المشروع بحزب كول، كتبت ميركل مقالاً في صحيفة كبرى طالبت فيه الحزب بقطع الصلة بماضيه. كان ذلك انقلاباً صامتاً، لكنه مدروس كأي تفاعل كيماوي. خلال عام واحد أصبحت زعيمة الحزب، وخلال ست سنوات، باتت أول امرأة تتولى منصب المستشارة في تاريخ ألمانيا.
قوة بلا صخب
حين وصلت ميركل إلى المستشارية عام 2005، استقبلها العالم بشكّ أكثر مما استقبلها بإعجاب. كيف يمكن لعالمة فيزياء خجولة أن تدير رابع أكبر اقتصاد في العالم؟ لكنّ ميركل، بأسلوبها الخاص، حوّلت الشك إلى يقين.
لم تتحدث كثيراً، لكنها كانت تراقب الجميع. تملك قدرة نادرة على امتصاص الغضب، وترك الآخرين يستنزفون أنفسهم. وحين يتعبون، كانت تتكلم - ببطء، بعبارات مقتضبة، لكنها حاسمة.
في شوارع أثينا أحرقوا صورها، ولقبوها بـ"النازية الجديدة"، لكنها لم تتراجع. كانت تؤمن أن أوروبا لا تُبنى على النوايا، بل على الحسابات. وفي النهاية، كانت على حق: الاتحاد الأوروبي نجا، ولو بثمن شعبيتها.
ثم جاءت أزمة اللاجئين في 2015، لتكشف الوجه الآخر من ميركل: الإنساني، وربما الديني. فتحت الأبواب أمام أكثر من مليون لاجئ. لم يكن قراراً سياسياً بقدر ما كان أخلاقياً. وفي عالمٍ يزداد قسوة، بدا أن ميركل قررت أن تكون الضمير الذي يذكّر أوروبا بأنها وُجدت يوماً لحماية الإنسان لا الحدود.
ومع اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، عادت ميركل إلى الواجهة من الباب الخلفي، لا كقائدة بل كرمز محل مساءلة. كثيرون رأوا في سياساتها السابقة تجاه موسكو، وفي رهانها الطويل على بوتين، خطأً قاتلاً.
خط الغاز "نورد ستريم 2" الذي دعمته أصبح بعد 2022 رمزاً للعمى الاستراتيجي، ودليلاً على أن البراغماتية، حين تنفصل عن الحدس السياسي، قد تتحول إلى خطر. لكن حتى منتقديها الأشداء لم يستطيعوا إنكار أن تلك الأخطاء لم تكن وليدة جشع أو تبعية، بل نابعة من منطقها البسيط: أن الحوار، مهما طال، أفضل من القطيعة.
أسلوب
يشير مات كفورتروب، بروفسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية في "جامعة كوفنتري" ومؤلف كتاب "أنغيلا ميركل، أكثر الزعماء الأوروبيين تأثيراً "، إلى أن "كونها عالمة أدى إلى اختيارها كي تشغل منصب وزيرة البيئة. ومن اللافت أن نلحظ أن أول مساهماتها تمثلت في التفاوض على اتفاق حول المناخ. جاء أسلوبها فريداً من نوعه، واشتهرت بالتفاوض خلال اجتماعات القمم".
واستطراداً، تناولت دراسات كثيرة أسلوب ميركل المتكتم في القيادة. ركزت إحاطة أجريت في "كلية هارفرد للحقوق" على تنشئتها في ألمانيا الشرقية في ظل الحكم الشيوعي، ما اضطرها غالبية الأحيان إلى أن تزن كلماتها بحذر وتفكر في وقعها على غرار ما يفعل لاعب الشطرنج، "وتظل متقدمة على منافسيها بخطوات عدة"، بحسب رجل الدين الألماني الشرقي المنشق راينر إيبلمان في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في 2014.
ومن الدروس الأخرى التي يمكن استخلاصها من أسلوب ميركل في التفاوض، قدرتها على النظر إلى تصرفاتها من خلال عيون الآخرين كي تراها بطريقة أكثر عقلانية، وإصغاؤها إلى نظرائها من دون مقاطعتهم، قبل أن تطرح عليهم الأسئلة طلباً لاستيضاح آرائهم، وتركيزها على العقل بدل الغريزة. وكذلك أشارت الإحاطة إلى أن "الانفعالية يمكن أن تشكل خطراً في المفاوضات".
على رغم أن ألمانيا في عهدها أصبحت القوة الاقتصادية والسياسية الأولى في أوروبا، فإن ميركل لم تترك "إرثاً أيديولوجياً" واضحاً. تركت نموذجاً في الإدارة أكثر منه في الرؤية.
ويصف البروفسور كفورتروب أسلوب ميركل بأنه "حكم قائم على برامج وجداول وليس على تغريدات"، ما يفسر التوتر بين ألمانيا والولايات المتحدة في ظل حكم الرئيس دونالد ترمب آنذاك، الذي استند أساساً إلى غريزته.
ويرى أن أسلوبها "يستند إلى الدقة والوقائع. ويتمثل هدف ذلك الأسلوب في حل المشكلة بدل الفوز بالنقاش. إذ يعري النقاش من السياسة والغضب".
وحين واجهت ميركل شخصيات ميالة إلى العدوانية والقتال كترمب أو رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، سعت إلى توجيه النقاش نحو حل أي خلافات بينهما بدل أن تحاول إحراز نقاط لمصلحتها.
وفي المقابل، عمل خصومها على إطلاق هجمات تلقى شعبية في أوساط الحشود. لم تقع ميركل يوماً في هذا الفخ. إذ دأبت على القول "حسناً. كيف نحل هذه المشكلة؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، يحمل أسلوبها بعض السلبيات. ومن المحتمل أنها تفتقر إلى الرغبة بالتفكير في الحوافز السياسية البحتة، ما أدى إلى عجزها عن تبين بعض التطورات كصعود نجم ترمب و"بريكست".
وعلى سبيل المثال، نقلت عام 2014 إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون الذي كان يحاول الحد من حرية التنقل باتجاه بريطانيا وسط مطالبات بتنفيذ "بريكست" ضمن حزبه، أن "معدل البطالة لديك متدنٍّ، واقتصادك مزدهر وأنت تنمو بوتيرة أسرع من معظم الدول الأوروبية. وتجذب يداً عاملة عالية المهارة مقابل تكلفة زهيدة. اشرح لي المشكلة".
لا شك في أنه يمكن اعتبار أسلوب ميركل موجهاً إلى جمهورها الخاص. وهي تستفيد من وجود طبقة وسطى مثقفة في ألمانيا تنبذ الديماغوجية وتفضل الجوهر على الشعارات الرنانة.
في سياق متصل، أظهرت استطلاعات الآراء مرة تلو الأخرى أن أسلوبها المباشر وغير المزخرف في القيادة السياسية، يلقى الاستحسان في كل أرجاء العالم. وجد استطلاع للآراء أجرته مؤسسة "بيو للأبحاث" أن غالبية السكان في كل الدول التي شملها الاستطلاع تقريباً تثق بأن ميركل تتصرف بالشكل الصحيح في الشؤون الدولية.
خلال فترة عملها، تعاملت مع 5 رؤساء وزراء بريطانيين و4 رؤساء فرنسيين و7 رؤساء حكومة إيطاليين و4 رؤساء للولايات المتحدة الأميركية.
لكن على رغم سجلها الحافل، أمضت ميركل، زعيمة رابع أكبر اقتصاد في العالم، كثيراً من حياتها المهنية السياسية مضطرة إلى إثبات نفسها، بينما حاول نظراؤها التغلب عليها.
فأحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذات مرة كلباً من فصيلة "لابرادور" في لقائه مع المستشارة المشهورة بخوفها من الكلاب، فيما انتقدها بشدة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، بينما تركها رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو بيرلسكوني، ذات مرة تنتظر لمدة 15 دقيقة، بينما كان يتحدث على الهاتف. وعندما أصبحت أول امرأة تتولى أعلى منصب في ألمانيا في عام 2005، اعتبر كثيرون أنها تفتقر إلى الخبرة، وأنها بحاجة إلى الكاريزما حتى تستمر.
هل كانت ميركل "زعيمة موقتة"؟
وفق تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية، تقول جويس مشبن، أستاذة العلوم السياسية، إنه "كان يُنظر إلى ميركل على أنها زعيمة موقتة عندما ارتقت للمرة الأولى في صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي".
وتشير إلى أن "عدداً من منافسيها الذكور حاولوا الإيقاع بها، وكان هناك شعور بأنها ستحتفظ بهذا المكان حتى يتمكنوا من العثور على رجل حقيقي من "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" ليحل محلها... لقد قللوا تماماً من قدرتها على التعلم."
لكن، انتهى الأمر بميركل إلى قيادة الحزب لمدة 18 سنة، وتنحت من هذا المنصب في أواخر عام 2018. وسرعان ما بات واضحاً مدى صعوبة استبدالها. واستمر خليفة ميركل المختار بعناية، أنجريت كرامب، لأكثر من عام بقليل في المنصب، ثم اختار الحزب أرمين لاشيت خلفاً لها في زعامة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي".
أول المواجهين لتداعيات وأخطار كورونا
في الوقت ذاته، ترى كورينا هورست، نائبة مدير صندوق مارشال الألماني في بروكسل، أن "ميركل كانت نوعاً جديداً من القادة... إنها تنضح بالتعاطف والاستقرار والموثوقية... هذا فريد من نوعه، وقد أعاد في بعض النواحي، تعريف ما يبحث عنه الناس في القائد، لأنه يتعارض بشدة مع أي نوع من الصور النمطية الذكورية التي كانت لدينا."
وحتى أشد منتقديها يعترفون بأن ميركل تتمتع بقدرات خاصة عندما يتعلق الأمر بمعالجة الأزمات، بعد أن خاضت ألمانيا في الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون في منطقة اليورو وأزمة الهجرة، وخرجت من كل ذلك بسلام. وبقيت قبل أشهر من التنحي، في طليعة المواجهين لجائحة فيروس كورونا المستجد.
وعملت ميركل كصوت العقل وصانع الصفقات، بينما يصفها علماء السياسة بأنها "هادئة" و"براغماتية" و"دبلوماسية". ويرى غابرييل أبيلز، أستاذ السياسة المقارنة بجامعة توبنغن بألمانيا، أنه "لا يوجد شيء ساحر فيها... إنها في الواقع عقلانية للغاية، ولن يفكر الناس فيها أبداً على أنها فاسدة". ويعتبر أبيلز أن "ميركل تجسد ما يبحث عنه معظم الألمان في زعيم، بينما ننظر أحياناً إلى دول أخرى لديها عدد أكبر من القادة الكاريزماتيين، لا نريد هؤلاء لأنفسنا، لقد سئمنا من ذلك في التاريخ".
وأثمر "تصميم" ميركل التوصل إلى اتفاق خلال بعض أكبر الأزمات في العقد الماضي. وكانت قادرة على التوسط في صفقة بين منطقة اليورو واليونان، وأقنعت كبار المسؤولين في روسيا وأوكرانيا بالتحدث مع بعضهم البعض. وبصفتها عالمة سابقة ووزيرة للبيئة، فقد وضعت أيضاً مركز المناخ على قائمة اهتماماتها منذ بداية قيادتها. وترأست أول مؤتمر للأمم المتحدة حول المناخ في برلين، وأقنعت القادة الآخرين لمجموعة الثماني بقبول الحاجة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وترى أستاذة العلوم السياسية، جويس مشبن، أن "ميركل جعلت (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش يعترف بوجود مشكلة تغير المناخ... لقد كانت وسيطاً عظيماً".
أزمة اللاجئين تتحول إلى مكاسب
لكن القيادة بالإجماع لم تنجح دائماً. ففي أواخر 2021، كافحت من أجل إقناع قادة الولايات الفيدرالية في ألمانيا بتنفيذ قيود أكثر صرامة على مستوى البلاد في شأن فيروس كورونا عندما بدأت مستويات العدوى بالارتفاع. وبصفتها الرئيسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي آنذاك، كافحت للتوصل إلى إجماع مع المجر وبولندا حول التزامهما بسيادة القانون في الاتحاد الأوروبي.
وكانت هناك أيضاً أوقات لم تبحث فيها ميركل عن حل وسط، وعلى الأخص في عام 2015 عندما رحبت باللاجئين الفارين من النزاعات في سوريا وأماكن أخرى.
وتسبب التدفق الكبير للاجئين في البداية في بعض المشكلات، وعزز من دور الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة والبحث عن وطن بديل مثل ألمانيا، لكن يبدو أن هذا الشعور كان موقتاً، إذ تلاشت الخلافات حول اللاجئين وبدأت سياسة الترحيب بهم تؤتي ثمارها اقتصادياً.
ومثل دول أوروبية أخرى، تواجه ألمانيا قنبلة ديموغرافية موقوتة، مع وجود عدد كبير من المتقاعدين وقلة عدد العمال. ووفق المعهد الألماني لسوق العمل والأبحاث المهنية، فإن 49 في المئة من اللاجئين في سن العمل الذين وصلوا إلى البلاد منذ عام 2013، تم توظيفهم اعتباراً من فبراير (شباط) من العام الماضي.
وكان أكثر من نصف هؤلاء في وظائف تتطلب مهارات وأكثر من ثلثيهم يعملون بدوام كامل، بينما التحق 17 في المئة منهم في برامج تدريبية مدفوعة الأجر و3 في المئة تابعوا دورات تدريبية مدفوعة الأجر. وكان معظم الباقين إما يدرسون أو يبحثون بنشاط عن وظائف أو في إجازة أمومة أو والدية، فيما حصل نحو 85 في المئة من اللاجئين على دورات في اللغة الألمانية.
مذكرات
تستعيد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بين 2005 و2021 في مذكرات بعنوان "حرية"، ذكريات من حياتها الشخصية في ألمانيا الشرقية وأخرى من مسيرتها السياسية مع التركيز على العلاقة بترمب وبوتين.
كتبت ميركل عن لقائها الأول مع دونالد ترمب في البيت الأبيض في مارس (آذار) 2017 الذي لم يخلف لديها "انطباعاً حسناً" ما مفاده "كنا على مستويين مختلفين. كان ترمب يركز على العواطف وأنا على الوقائع.
عملت ميركل كصوت العقل وصانع الصفقات، بينما يصفها علماء السياسة بأنها "هادئة" و"براغماتية" و"دبلوماسية"
وعندما كان يصغي إلى حججي كان يقوم بذلك عادة لتحويلها إلى أسباب جديدة للعتاب. وكان يبدو أن إيجاد الحلول للمشكلات المطروحة لم يكن هدفه. وخلصت من لقاءاتي إلى أن التعاون من أجل عالم مترابط لن يكون ممكناً مع ترمب".
وفي يونيو (حزيران) 2017 أعلن ترمب لميركل في مكالمة هاتفية أن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس حول المناخ، مما شكل "ضربة قاسية" للمستشارة الألمانية التي كانت تسعى إلى وضع المناخ "في صلب المسائل المحورية" لـ"مجموعة الـ20".
معارضة انضمام أوكرانيا لـ"الناتو"
وبررت ميركل معارضتها انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو موقف لطالما انتقدت عليه، مسترجعة قمة الحلف في بوخارست في 2008.
واعتبرت أن وجود أسطول روسي في البحر الأسود قبالة شبه جزيرة القرم الأوكرانية كان ينذر بالخطر، لافتة إلى أن "أياً من البلدان المرشحة للانضمام إلى الناتو لم يشهد حتى الآن تواجهاً من هذا القبيل مع أجهزة عسكرية روسية". وأقرت "كان من الواهي الاعتقاد في ظني أن الترشح لعضوية (الحلف) كان سيحمي أوكرانيا (وجورجيا أيضاً) من عدوان بوتين". وفي نهاية القمة تم التوصل إلى تسوية "كان لها ثمن".
وأوضحت ميركل أن "عدم استحصال جورجيا وأوكرانيا على تعهد بجعلهما من المرشحين إلى عضوية (الحلف) كان بمثابة جواب بالنفي على آمالهما. أما قيام (الناتو) بالتلميح عموماً إلى إمكان الالتحاق به، فهو كان بمثابة جواب بالإيجاب على الانضمام بالنسبة إلى بوتين... إعلان حرب".
وكشفت المستشارة الألمانية، "عدت من بوخارست بمشاعر متباينة. فقد تفادينا خلافاً كبيراً، لكن في الوقت عينه بات جلياً في نظرنا أنه ليس لدينا في أوساط (الناتو) استراتيجية مشتركة إزاء روسيا". وأردفت، "في فترة لاحقة وفي سياق آخر قال لي فلاديمير بوتين: لن تكوني مستشارة إلى الأبد، وستصبحان (أي أوكرانيا وجورجيا) من أعضاء (الناتو). وأنا أريد أن أمنع ذلك".
وفكرت أنغيلا ميركل في قرارة نفسها، "أنت أيضاً لن تبقى رئيساً مدى الحياة. غير أن مخاوفي حول توترات مقبلة مع روسيا لم تهدأ".
"طفولة سعيدة"
تستذكر أنغيلا ميركل "طفولة سعيدة" في تمبلين المدينة الصغيرة في ألمانيا الشرقية الشيوعية سابقاً في شمال برلين. وكان والدها، وهو قس من هامبورغ في الغرب، يدير دورة إعداد لاهوتي بهدف التعويض عن النقص في رجال الدين في ظل نظام مناوئ للديانات.
وكشفت "بذل والداي كل ما في وسعهما لإنشاء فضاءات حماية لي ولإخوتي وأخواتي، وأنا ممتنة لهما على ذلك".
وأخبرت أن العيش في ظل نظام ديكتاتوري كان يعني "العيش لحظات حرجة باستمرار. وحتى لو كان اليوم يبدأ بخفة، قد يتبدل الوضع في خلال بضع ثوان في حال التعدي على الحدود السياسية، ما يعرض الحياة للخطر".
وكان بيت القصيد يقضي "بإيجاد أين تقع هذه الحدود بالتحديد. وقد ساعدني طبعي التوافقي إلى حد ما في ذلك، فضلاً عن مقاربتي البراغماتية"، لكن الحال لم يكن دوماً كذلك. وفي أحد الأيام، ضبطت الطالبة أنغيلا في الجامعة وهي تحل تمارين في الفيزياء، مجال تخصصها، بدلاً من أن تنصت لمحاضرة إلزامية عن الماركسية اللينينية.
وطلب منها الأستاذ مغادرة القاعة، "حيث كان صمت مطبق يخيم". وبقيت هذه الحادثة التي لم يكن لها تبعات محفورة في ذاكرتها بمثابة "مهانة".
ومع مرور الوقت باتت تشعر "بنوع من الفوقية" إزاء ذاك النظام "لأن الدولة لم تنجح على رغم كل مساعيها في حرماني من بعض الرعونة".
الكثير من المواقف المحرجة
تذكر ميركل فى مذكراتها أنها تعرضت للكثير من المواقف المحرجة خلال تعاملها مع الرؤساء والقادة السياسيين، منها حينما كانت فى اجتماع مجموعة العشرين عام 2021، واستفزها الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، حتى يدفعها إلى إطلاق برنامج التيسير الكمي للبنك المركزى الأوروبى، ووصفها بـ"فتاة صغيرة" تطلب من "أخيها الأكبر"- في إشارة إلى البنك المركزى الأوروبي- المساعدة فى محاربة الأزمة الاقتصادية والتى عرفت باسم "أزمة الديون السيادية فى منطقة اليورو".
تناولت ميركل أيضاً موقفاً محرجاً تعرضت له في أول لقاء لها مع ترمب فى البيت الأبيض، حين سألت ترمب أمام عدسات الصحافيين: هل ترغب بمصافحة؟، إلا أن الأخير لم يرد، على رغم أن الطلب تكرر على لسان جميع الإعلاميين وسمعه الجميع لكنه لم يرد.
وفي المذكرات توبخ نفسها لافتراضها أن رئيس الولايات المتحدة سيكون "شخصاً طبيعياً"، ولم تضع في اعتبارها طريقته العدائية بالتعامل مع الاتحاد الأوروبي بشأن التجارة والتعريفات الجمركية، وهو ما تجده نهجاً يعكس فكر "المطور العقاري" الذي ينظر إلى جميع الدول باعتبارها فى منافسة معه، وأن نجاح أى منها يعنى فشل الآخر، وهي الطريق التي تتعارض تماماً مع نظرتها للعالم.
وتجد ميركل أيضاً أن لديها انطباعاً بأن ترمب مفتون بالسياسيين من أصحاب السمات الاستبدادية والديكتاتورية، ومعجباً بالرئيس الروسي بوتين، وهي نفسها تجد أن هناك وجهاً للتشابه بين الرئيسين، فكلاهما طفوليان، وكلاهما حاول إحراجها أمام الصحافة، مشيرة إلى الواقعة التى حدثت عام 2007 حينما أحضر بوتين إلى اجتماعهما كلبته اللابرادور على رغم علمه بأنها تعاني رهاباً من الكلاب.
لكن ذلك تبعاً لقولها لم يجعلها تتخذ موقفاً أو تترك نفسها للرد على استفزازات بوتين أو ترامب، وركزت على المصالح المشتركة. وكانت تضع أمامها نصيحة قدمها لها البابا فرانسيس: "انحني، انحني، وانحني أكثر، ولكن احرصي على ألا تنكسري".
لم تكن محاولات التقليل من شأنها تأتي من قادة الدول الخارجية فحسب، إذ تقول ميركل في مذكراتها إن المسؤولين فى حكومتها حاولوا ذلك أيضاً مشيرة إلى ما فعله وزير داخليتها السابق هورست زيهوفر، الذي وصف قرارها عام 2015 بفتح الحدود الألمانية للاجئين من سوريا بأنه أدى إلى "طغيان الظلم" وأن ميركل تخطت القوانين الأوروبية والألمانية.
بينما تعتبر ميركل أن قراراها بفتح الحدود أمام 1.3 مليون نازح سوري كان قراراً إنسانياً في ظل الأوضاع السيئة التى يعانيها المهاجرون السوريون، وأنه حظي بتأييد دولي.
إرثها المفتوح
اليوم، بعد سنوات من مغادرتها، ما زال إرث ميركل يُناقَش بحدة. يقول البعض إنها تركت أوروبا بلا رؤية، وإن حذرها حرم القارة من الخيال السياسي. ويقول آخرون إنها أنقذتها من نفسها، من جنون الشعبويات ومن تهور الزعماء الجدد.
لكن ما لا يختلف عليه أحد، أن ميركل غيّرت معنى القيادة في القرن الحادي والعشرين. كانت نقيضاً للزعيم النرجسي، تجسيداً لفكرة أن السلطة لا تحتاج إلى صراخ، وأن الصمت يمكن أن يكون أبلغ من الخطاب.
وربما لهذا السبب بالذات، سيكتب المؤرخون يوماً أن أنغيلا ميركل لم تحكم ألمانيا فقط، بل علّمت أوروبا درساً في فنّ الصمت حين يصبح العقل آخر أشكال المقاومة.
سيرة
دخلت أنغيلا ميركل، واسمها أنغيلا دوروثيا كاسنر، عالم السياسة عام 1989، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية، التي ولدت فيها عام 1954، وألمانيا الشرقية التي نشأت فيها وقضت فيها كل حياتها إلى أن توحدت البلاد.
وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم تصبح عام 2005، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.
انتقلت من هامبورغ بألمانيا الغربية سابقاً إلى منطقة ريفية بمدينة برلين في ألمانيا الشرقية، مع والدها القس، من أجل أن يكمل هو دراسته الدينية في مدارس الطائفة اللوثرية.
درست الفيزياء في جامعة ليبزيغ، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1978، وعملت خبيرة في الكيمياء بالمعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم من 1978 إلى 1990. وتتقن العالمة الفيزيائية المتميزة ميركل اللغة الروسية أيضاً.
احتفظت ميركل بلقب زوجها الأول، أولريخ ميركل، الذي انفصلت عنه عام 1981، وهي متزوجة حالياً من جواكيم ساور، الذي يهوى الطبيعة ويحب عمله، ونادراً ما يضجر أو يشتكي، بحسب ما ذكرت زوجته.
وتشترك أنغيلا مع زوجها في هوايتها الوحيدة وهي الشعر الغنائي، كما أنها حاذقة في الطبخ، وشغوفة بمشاهدة مباريات كرة القدم، وقد بثت لها صور، وهي تقفز فرحاً، عندما يسجل المنتخب الألماني هدفاً أو يحرز لقباً، وترى أن كرة القدم جديرة بتسويق صورة ألمانيا في العالم.
وتحضر أنغيلا ميركل بانتظام مهرجانات الشعر الغنائي في ألمانيا وخارجها، برفقة زوجها، الذي تلقبه الصحافة في ألمانيا والنمسا، بالشبح، لأنه قليل الظهور، وأيضاً يعرف بالتقشف في حياته ويصرف جل وقته في البحث العلمي.
وتقول ميركل في تصريحاتها القليلة بشأن حياتها الخاصة إنها عاشت طفولة سعيدة مع أخيها ماركوس وأختها إيرين، وإنها اختارت دراسة الفيزياء لأن الحكومة الشيوعية في ألمانيا الشرقية وقتها، كانت تتدخل في كل شيء باستثناء "قوانين الطبيعة".
دخول السياسة
فور سقوط جدار برلين عام 1989 انضمت إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، وعينت في حكومة هلموت كول وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية.
وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عينت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002.
وفي انتخابات عام 2005، فازت ميركل بفارق ضئيل على المستشار، غيرهارت شرويدر، وبعد التحالف بين "المسيحي الديمقراطي" و"الاجتماعي الديمقراطي"، عينت ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضاً أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة.
وأعيد انتخابها لفترة ثانية عام 2009، ثم لفترة ثالثة عام 2013.
وكانت أنغيلا ميركل منذ توليها منصب المستشارة الألمانية محط أنظار وسائل الإعلام العالمية، بسبب شخصيتها المتميزة ومنصبها الكبير في الساحة الدولية.
المرأة الحديدية
أطلقت عليها الصحف والمجلات العديد من الألقاب منها بينها السيدة الحديدية، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، كذلك يطلق عليها الألمان لقب "الأم"، لما يجدون فيها ربما من عاطفة وتفاعل مع حاجياتهم الاجتماعية.
وصنفتها مجلة "فوربس" أقوى امرأة في العالم نظراً لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.
تجسس أميركي
تصدرت ميركل عناوين الصحف العالمية في 2013، عندما اتهمت أجهزة الاستخبارات الأميركية بالتنصت على مكالماتها الهاتفية، وقالت في مؤتمر لقادة الدول الأوروبية "إن التجسس بين الأصدقاء أمر غير مقبول".
وأفادت تقارير لاحقة أن وكالات الاستخبارات الأميركية قد تكون تراقب ميركل منذ 2002.
وتعرف في محيط عملها بأنها قليلة الكلام، ولكنها تمطر مساعديها والمسؤولين في حكومتها بالرسائل النصية، إذ كثيراً ما لوحظت وهي عاكفة على هاتفها، أثناء المؤتمرات واللقاءات الدولية، فهي امرأة شغوفة بالتكنولوجيا المتطورة، ونشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت ميركل خلال مرحلة المراهقة الطالبة الأولى على مدرستها، وكانت ترغب في أن تصبح معلمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبهاً فيها. لذلك فقد درست الفيزياء ومارست عملاً لبعض الوقت في حانة.
وقالت "نعم، عملت نادلة في حانة… كنت أحصل على أجر يتراوج بين 20 و30 فينينغ عن كل مشروب أبيعه وهذا منحني دخلاً إضافياً تراوح بين 20 و30 ماركاً في الأسبوع. أسهم ذلك إلى حد كبير في دفع الإيجار".
وأضافت: "مع الأخذ في الاعتبار أن أجري كان 250 ماركاً (قرابة 15 دولاراً) في الشهر... فقد كان هذا الدخل الإضافي هام للغاية".