ملخص
الدعوة تكررت أيضاً في اجتماعه بكل من أعيان قبائل فزان والمنطقة الوسطى، مما نتجت منه تخوفات من إمكان ذهاب حفتر نحو انقلاب عسكري على الأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي الحالي التي فشلت في حلحلة الجمود السياسي، بخاصة أنه معروف بمغامراته الانقلابية.
ببدلة مدنية، ظهر قائد القيادة العامة في الشرق الليبي المشير خليفة حفتر اليوم الأربعاء وسط اجتماع مشايخ وأعيان قبائل الزنتان بمدينة حفتر العسكرية في بنغازي، وكان سبقه اجتماع مماثل مع قبائل ترهونة، ودعا الشعب الليبي إلى "إشعال الضوء الأحمر" لتقرير مصيره بنفسه. وقال إن "كل المبادرات المحلية والدولية فشلت في وضع حد للأزمة السياسية"، مطالباً الشعب الليبي بالتحرك لتقرير مصيره ومؤكداً أن "كل من يقف في وجه الشعب الليبي واختياراته سيجد نفسه في مواجهة القوات المسلحة الليبية".
الدعوة تكررت أيضاً خلال اجتماعه بكل من أعيان قبائل فزان والمنطقة الوسطى، مما نتجت منه تخوفات من إمكان ذهاب حفتر نحو انقلاب عسكري على الأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي الحالي التي فشلت في حلحلة الجمود السياسي، بخاصة أنه معروف بمغامراته الانقلابية.
ذهنية الانقلابات
ويعد انقلاب سبتمبر (أيلول) عام 1969، أول وآخر انقلاب عسكري ناجح شارك فيه حفتر ضد الملك محمد إدريس السنوسي بقيادة الملازم أول معمر القذافي، ليقع بعدها في الأسر خلال حرب "وادي الدوم" ضد الجيش التشادي عام 1986، ثم يقرر قيادة انقلاب ضد الرئيس السابق معمر القذافي عام 1987، غير أن مصيره كان الفشل، وعلى إثره نُفي حفتر إلى الولايات المتحدة ليعود نجمه للبروز من جديد بعد ثورة فبراير (شباط) التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011.
مغامرات حفتر العسكرية عادت للظهور في حربه على العاصمة الليبية طرابلس عام 2019، حيث يصنفها المتخصصون بمحاولة انقلابية على "اتفاق الصخيرات" المغربي الذي توصل إليه الفرقاء الليبيون نهاية عام 2015، في حين يؤكد حفتر أنها حرب على الميليشيات المسلحة التي تتحكم في مركز صنع القرار في الغرب الليبي.
حول انعكاس دعوة حفتر الشعب الليبي إلى "إشعال الضوء الأحمر لتقرير مصيره"، وتأكيده جاهزية قوات الجيش الليبي لحماية قرار الليبيين، يقول المستشار في الأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء المصري محمد عبدالواحد إن ظهور حفتر ببدلة مدنية لم يخفِ هوسه بتعضيد قبضته الأمنية، ويضيف لـ"اندبندت عربية" أن مطالبة حفتر بـ"إشعال الضوء الأحمر" هي دعوة صريحة إلى حراك شعبي، موضحاً أنه عندما يخرج هذا الخطاب عن أحد العسكريين، فهو بصدد البحث عن غطاء دبلوماسي لانقلاب عسكري بطريقة غير مباشرة تحت مظلة تلبية مطالب الشعب، بخاصة أن هذا الأسلوب سبق ونجح في انقلابات شهدتها بعض البلدان في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويواصل أن حفتر يستخدم هذه الدعوة في إطار تعبئة شعبية للضغط على الرأي العام في طرابلس، وفي حال نجاح هذا الحشد الشعبي في تحريك الشارع الليبي بالعاصمة سيتجه وقتها للتصعيد، بخاصة أن هناك تحركات سبقت هذه الدعوة (إشعال الضوء الأحمر)، في مقدمتها اجتماع حفتر بمشايخ وأعيان المنطقة الشرقية والجنوبية التي جاء بعدها مباشرة اجتماع ابنه الفريق أول خالد حفتر مع عدد من قادة الكتائب المسلحة من مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، والذي ولد من رحمه إعلان تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية وحماية الحدود الجنوبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"تطورات تبرز بشدة رغبة حفتر الملحة في تعضيد قبضته العسكرية في الغرب الليبي، مستنداً في ذلك إلى قادة الكتائب المسلحة من مصراتة التي تعرف بثقلها السياسي وقوة ترسانتها المسلحة وخبرتها في القتال" وفق عبدالواحد الذي يرى أن دعوة حفتر الشعب الليبي إلى "إشعال الضوء الأحمر" جاءت بعد حصوله على الضوء الأخضر الأميركي لأن واشنطن هي من تدير الصراع الليبي، ولعل كثافة الزيارات الرسمية الأميركية الممتدة على طول الأعوام الماضية والزيارات الحالية أبرز دليل على ذلك، وكان آخرها زيارة نائب القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال جون برينان الذي اختار مدينة سرت لإجراء مناورات "فلينتلوك".
ويتوقع المتخصص في الشؤون الأمنية الإقليمية أن حفتر يحاول اختبار نبض الشارع الليبي الذي سيحدد في مرحلة موالية ذهابه إلى انقلاب عسكري من عدمه.
مع الانتخابات وضدها
في المقابل، يرى المحلل والمستشار السياسي السابق لحفتر، محمد بويصير أن هدفه الرئيس هو الانقلاب على الانتخابات لأنه يعتقد بأن المسار الديمقراطي سيطيح به، بخاصة أمام شعبية سيف الإسلام القذافي، لذلك فإن دعوته إلى "إشعال الضوء الأحمر" تفهم على أنها تحريض ضد المسار الانتخابي الذي سيفعل كل شيء لإفشاله.
ويضيف بويصير أن حفتر سيقاتل حتى الرمق الأخير لقطع الطريق على الانتخابات، إذ إنه سيسعى إلى الضغط على طرابلس التي من المتوقع أن تشهد محاولة عسكرية أخرى لدخولها.
توجه ينفي المتخصص في العلوم السياسية بجامعة "بنغازي" محمود الكاديكي إمكان وقوعه، ويوضح أن حفتر لم يكن يوماً ضد الانتخابات، والدليل أنه خلع زيه العسكري وتقدم للانتخابات الرئاسية عام 2021 ونوى أن يكون هذا التنافس مدنياً ولا علاقة له بالأمور العسكرية، وكلف مكانه الفريق عبدالرزاق الناظوري كقائد عام للقوات المسلحة، ليتجهز هو للانتخابات الرئاسية، إلا أن أعداء الديمقراطية قاموا بتعطيل هذه العملية الانتخابية، سواء من خلال الطعون الانتخابية، أو عبر إجراءات غير قانونية عدة شابت انتخابات عام 2021 التي توقفت بسبب القوة القاهرة التي أعلنتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
ويرى الكاديكي أن ما يروج له الآن هو مجرد محاولة لتشويه المؤسسة العسكرية، فظهور حفتر بزي مدني خير دليل على أنه لا ينوى القيام بأي انقلاب عسكري، وفي ما يخص الانقلابات التي شارك فيها سابقاً، يقول الكاديكي المقرب من معسكر "الرجمة"، إن ما حصل في انقلاب عام 1969 مختلف عن الحقبة الحالية لأن جل العسكريين الليبيين هدفهم حل الأزمة الليبية لا شن انقلابات، مؤكداً أن "إشعال الضوء الأحمر" الذي تحدث عنه خليفة حفتر جاء بعد نفاد كل المبادرات المحلية والدولية.
ونوه إلى أن الأخير يقصد أن الحل يأتي من الداخل وليس من الخارج، أي عبر إرادة الشعب الليبي، كما حدث خلال ثورات "الربيع العربي" عام 2011 عندما اختارت الشعوب العربية تقرير مصيرها وثارت على حكامها. ويقول الكاديكي إن "حفتر يحاول فقط دفع الشعب الليبي إلى اتخاذ قرار مصيري ينهي الأزمة السياسية في البلاد".
كلام عن الشرعية
ويؤكد المستشار السياسي الليبي إبراهيم لاصيفر أن حفتر لم يخفِ يوماً هوسه بالسلطة وبرئاسة ليبيا، غير أنه لا يؤمن بالمسار الانتخابي، والدليل تعطل الانتخابات البلدية في عدد من البلديات الواقعة تحت سيطرته في الشرق والجنوب الليبيين خلال الفترة الماضية، مشدداً على أنه "لا يعرف إلا نهجاً واحداً لهذا الأمر، هو النهج الذي اتبعه حسني الزعيم في سوريا وجمال عبدالناصر في مصر ومعمر القذافي خلال انقلاب سبتمبر 1969 ضد الملك إدريس السنوسي، وكان حفتر وقتها أحد أذرع هذا الانقلاب".
ويشير إلى أن قائد القيادة العامة يحاول الانقلاب منذ إعلانه في فبراير عام 2014 تجميد الإعلان الدستوري واعتقال أعضاء المؤتمر الوطني العام الذي تلاه إعلانه الشهير عن ولادة "عملية الكرامة" وما تبعها من محاولات عسكرية فاشلة، كان آخرها محاولة الهجوم على طرابلس عام 2019.
ويساند لاصيفر رأي بويصير، قائلاً إن "حفتر هو المعطل الرئيس لأية عملية سياسية في ليبيا لأنه يعي جيداً أن الانتخابات لن تكون في مصلحته، لذلك نجده في بعض الأحيان يخرج مع مجموعة من المؤيدين له، سواء كانت مكونات شبابية أو قبائلية".
ويوضح لاصيفر أن "حفتر دائم الكلام عن أخذ الشرعية من الشعب الليبي"، وهو توجه يرى أنه "مستوحى من التجربة المصرية، عندما قال عبدالفتاح السيسي وقتها أنه جاء على رأس السلطة تلبية لرغبة الشعب".
وينبه إلى أن المعطيات الدولية لديها توازنات مختلفة في ليبيا عن رؤية حفتر، فتركيا لن تسمح بإخلال التوازن الهش الذي يحافظ على كينونة الدولة الليبية لأن أية عملية عسكرية من هذا النوع، بخاصة في ظل اشتعال دول الطوق مثل السودان وتشاد ومالي والنيجر، قد تجر المنطقة بالكامل إلى اقتتال شعبي وحرب أهلية يكون الخاسر الأكبر فيها بعد أوروبا، تركيا بفقدانها الاتفاقات التي تتمتع بها اليوم، مشدداً على أن ما يقوم به خليفة حفتر هو مجرد استعراض لن يأتي أكله إن حدث، ومرجحاً أنه لن يحدث لأن المجتمع الدولي لا ينقصه بركان حرب جديد.