ملخص
يذكر المراقبون ما جرى في كييف وكان مقدمة للأزمة الأوكرانية التي لا يزال العالم يعيش حتى اليوم تبعاتها الدموية المأسوية. وكانت الإدارة الأميركية وراء تلك الأحداث، إذ اعترف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنها سبق وأنفقت ما يزيد على المليار دولار لتمويلها. كما أسهمت كل من ألمانيا وبولندا وفرنسا بما قام به وزراء خارجيتها من جهود في إقناع الرئيس الشرعي الأوكراني بسحب قوات الشرطة والأمن وإخلاء "الميدان" والإعلان عن انتخابات رئاسية باكرة في خريف ذلك العام.
كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش عن تحذيرات أجهزة الأمن في "دولة شرقية بعينها" للقيادة الصربية من عودة البلدان الغربية لسابق محاولاتها لإثارة الشغب والاضطرابات أمس السبت، في وقت مواكب لتاريخ الذكرى الأولى للثورة الملونة التي اجتاحت البلاد العام الماضي. ونقلت وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية عن فوتشيتش ما سبق وقاله في نوفي ساد، وهي المدينة التي اجتاحتها أعمال الشغب والاضطرابات العام الماضي، تحت شعارات تطالب بالانضمام إلى حلف "الناتو"، مما أسفر عن مقتل 16 من المتظاهرين.
روسيا تحذر باكراً
أما عن الدولة الشرقية التي لم يشِر إليها فوتشيتش، فهي روسيا التي حاولت الدوائر الغربية أن تكون في صدارة ما استهدفته بمخطط "الثورات الملونة" من بلدان الفضاء السوفياتي السابق، ومنها جورجيا التي كانت أولى هذه البلدان بما وصفته بـ"ثورة الورود" عام 2003، متقدمة على أوكرانيا بما حققته من انتصار مدوٍّ بثورتها البرتقالية في موجتها الأولى عام 2004، ثم قيرغيزيا التي لم تصادف "ثورة السوسن" فيها نجاحاً يذكر عام 2005.
وكان جهاز الاستخبارات الخارجية لروسيا الاتحادية عاد ليحذر من مغبة ذلك، في بيان خاص أصدره حول احتمالات قيام البلدان الغربية بتنفيذ مخطط العودة لمحاولات تدبير "الثورة الملونة"، في تاريخ مواكب لأحداث العام الماضي في نوفي ساد، مما سبق وأبلغت به الرئيس الصربي في وقت باكر عن ذلك التاريخ.
وفي هذا الصدد قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش خلال اجتماع مع مواطنيه في بانشيفو، ووفقاً لما أوردته وكالة "سبوتنيك صربيا"، إن أجهزة استخبارات "من الشرق"، حذرته من محاولات تنظيم وتنفيذ "ثورة ملونة" في البلاد. وقد تلقى فوتشيتش هذه التحذيرات في سياق احتجاجات "صربيا ضد العنف" التي اندلعت هناك عقب حادثتي إطلاق نار خلال الاضطرابات التي اجتاحت مدينة نوفي ساد وراح ضحيتهما 16 قتيلاً. ووصف فوتشيتش هذه الأعمال بأنها محاولات مقززة لاستغلال الحزن. وقال "بصفتي رئيساً للجمهورية، أقول لكم لقد سئمت صربيا من ثوراتكم، ومن وصول أناس تحت تأثير أجنبي، ومن تدمير كل ما هو صربي، والنيل من مصالحنا الوطنية الحيوية".
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فمضى الرئيس الصربي ليقول إن بلاده لن تسمح لأحد بفرض عقوبات والانضمام إلى حلف "الناتو". كما يجب على المواطنين في صربيا أن يتخذوا هذا القرار، مؤكداً أن "الشعب هو من يقرر، وقد قرر أننا دولة محايدة عسكرياً وسنحمي بلدنا".
ومن اللافت في هذا الشأن أن المكتب الصحافي لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سبق وأصدر بيانه الذي قال ضمنه إن الاضطرابات الشبابية المستمرة في صربيا هي "نتاج لأنشطة الاتحاد الأوروبي التخريبية"، وفق ما جاء في ذلك البيان. كما أشار إلى أن بروكسل تستعد الآن لاستغلال الذكرى السنوية الأولى للأحداث المأسوية في نوفي ساد، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لتنفيذ "ثورة ملونة" في البلاد، وترجيح كفة الأوضاع لمصلحتها.
مقدمات أوكرانية المذاق
جرى كل ذلك في توقيت شهد إماطة كثير من المصادر الصربية للأخبار، اللثام عن "الدعم المالي الكبير" الذي تقدمه منظمات غير حكومية تابعة لبروكسل. وأشار جهاز الأمن والاستخبارات الخارجية الروسي إلى أن الاتحاد الأوروبي يأمل في استخدام هذه المنافذ الإعلامية الممولة "لتعبئة الناخبين المحتجين"، و"دفع المواطنين للخروج إلى الشوارع"، والعمل من أجل إنهاء "الميدان الصربي"، في إشارة إلى ما جرى في أوكرانيا من أحداث الانقلاب الذي أسفر عن إطاحة الرئيس الشرعي للبلاد فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) عام 2014.
ويذكر المراقبون ما جرى في كييف وكان مقدمة للأزمة الأوكرانية التي لا يزال العالم يعيش حتى اليوم تبعاتها الدموية المأسوية. وكانت الإدارة الأميركية وراء تلك الأحداث، إذ اعترف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنها سبق وأنفقت ما يزيد على المليار دولار لتمويلها. كما أسهمت كل من ألمانيا وبولندا وفرنسا بما قام به وزراء خارجيتها من جهود في إقناع الرئيس الشرعي الأوكراني بسحب قوات الشرطة والأمن وإخلاء "الميدان" والإعلان عن انتخابات رئاسية باكرة في خريف ذلك العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما إن نزل الرئيس الأوكراني عند إرادتهم ووقع الاتفاق مع رموز المعارضة، حتى عاد هؤلاء للانقلاب عليه في صباح اليوم التالي ومحاولة اغتياله، وكان في طريقه إلى خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ولم ينقذه سوى فريق من القوات الخاصة الروسية أرسله بوتين لنقله إلى مكان قريب من الأراضي الروسية، مما أشارت إليه "اندبندنت عربية" ضمن تقرير سابق لها من موسكو.
ويذكر الرئيس بوتين أنه حذر الرئيس الأوكراني المخلوع من مغادرة العاصمة في مثل هذه الظروف، إلا أنه رفض ذلك استناداً إلى ما حصل عليه من ضمانات نص عليها الاتفاق الذي وقعه مع رموز المعارضة تحت رعاية وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا، على حد تعبيره، الذي عاد وأعرب عن أسفه وندمه عليه، يوم لا ينفع الندم.
موسكو تعود لتحذيراتها
وها هي موسكو تعود ثانية لسابق تحذيراتها من مغبة المخططات الغربية التي لا تزال قيد التدبير والتنفيذ من جانب قيادات الاتحاد الأوروبي، في وقت مواكب لما أعلنته القيادة الصربية من توجهات تؤكد حرصها على سيادة واستقلال البلاد، وإدراكها لكل ما تبتغيه بروكسل من أهداف. ويذكر المراقبون ما جرى من أحداث في نفس ذلك الوقت من العام الماضي، يوم اندلاع أحداث الشغب والاضطرابات إثر انهيار سقف خرساني في محطة قطار نوفي ساد، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً، وما تلا ذلك من تطورات خلال صيف العام الحالي، رفع خلالها المتظاهرون الشعارات التي تنادي باستقالة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، فضلاً عن المطالبة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
هل يمكن أن يلقى فوتشيتش مصير يانوكوفيتش؟
تتباين التقديرات تجاه سياسات الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، فيما يحاول معارضوه الترويج لما يقال حول تقديمه للأسلحة والذخيرة سراً إلى أوكرانيا، في وقت يجاهر بالصداقة مع روسيا ويواصل زياراته ولقاءاته التقليدية مع ممثليها في مختلف المناسبات الوطنية. كما أن هناك من يعزو ذلك إلى استعداده للتنازل في قضية كوسوفو.
وعلى رغم ما يتخذه الرئيس الصربي من مواقف يحسبها أنصاره ومؤيدوه تميل إلى الانحياز لمواقف روسيا وسياساتها، فإن هناك من القرارات التي تتخذها صربيا على الصعيد الدولي يمكن حسبانها في إطار ما تتخذه من مواقف تبدو بلغراد مضطرة إليها تحت وطأة الحاجة إلى "التوازن" الذي يمكن أن يقيها شرور "القوى الأخرى" التي تقف على مقربة في انتظار "الفرصة المناسبة" للإطاحة بفوتشيتش، وذلك ما يمكن أن يكون تفسيراً لما يقال اليوم، ومنه ما صدر عن نعيم ليو بيسيري، مدير معهد الشؤون الأوروبية، وهي منظمة غير حكومية مقرها بلغراد، حول أن "حكومة فوتشيتش لا تقود صربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولا تطبق الإصلاحات اللازمة. لهذا السبب ينزل الناس إلى الشوارع منذ عام. فكل يوم، يعتدي أحد أفراد الشرطة على الناس بالضرب، وهو يعلم أنه لن يحاسب".
ويمضي المتحدث إلى القول إنه وحتى ظهور بديل سياسي واضح لفوتشيتش في الأفق، فإن الاتحاد الأوروبي سيجد صعوبة في التعاون مع أية جهة أخرى غير الحكومة الصربية الحالية.
ويعتقد كثرٌ بأن بديلاً قد ينبثق من صفوف الطلاب، مما يفسره الانتقال التدريجي من احتجاجات الشوارع وحصار الجامعات إلى السياسة التقليدية، وهم الآن يطالبون بانتخابات برلمانية مبكرة التي يرفضها فوتشيتش حتى الآن، وإن لمح إلى أن ذلك قد يحدث خلال العام المقبل.
وتقول المصادر الصربية إن فوتشيتش يراقب الانتخابات عن كثب. كما يقولون أيضاً إن "قائمة وضعها الطلاب، تضم أساتذة ومثقفين ونشطاء حقوق إنسان، تحظى بتأييد واسع النطاق بصورة ملحوظة، على رغم أنها غير موجودة رسمياً بعد"، وإن كان ذلك لا يعني كثيراً في صربيا لأسباب ثمة من يعزوها إلى سيطرة وهيمنة الجهاز الإداري وتلاعبه بأصوات موظفيه، على حد تعبير بعض ممثلي المعارضة في البلاد.
الموقف من الاتحاد الأوروبي
وتقول السلطات الصربية إن موقفها من الاتحاد الأوروبي لم يعد كما كان على غرار الأمس القريب، وتشير الشواهد إلى تلك الاحتجاجات وأعمال الشغب التي ماجت بها صربيا العام الماضي، بحسب ما أعرب عنه مؤسس حزب "حركة الاشتراكيين" ورئيس الجمعية التاريخية الروسية في صربيا ألكسندر فولين. ونقلت "ريا نوفوستي" عنه قوله حول إن الاتحاد الأوروبي يعمل بنشاط ضد بلغراد، فيما تحرض الأجهزة الأمنية لبعض بلدانه على "ثورة ملونة" تستهدف الإطاحة بالسلطات الصربية. وكان فولين ذو الميول القريبة من روسيا سبق وشغل منصب نائب رئيس وزراء صربيا، قبل أن يستبعده فوتشيتش من تشكيلة الحكومة الأخيرة، نزولاً عند رغبة الضغط الغربي، وفق ما نقله الموقع الإلكتروني لصحيفة "غازيتا رو" الروسية.
وكان بوتين سبق وكشف عن موقف بلاده من الأوضاع الراهنة في صربيا، وأشار في معرض حديثه إلى منتدى فالداي في دورته الـ22 التي عقدت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى ما شهدته صربيا في صيف ذلك العام من احتجاجات واضطرابات، مؤكداً وقوف بعض المراكز الغربية وراء محاولات تدبير الثورات الملونة في صربيا، وإن اعترف لفوتشيتش بما يقوم به من جهود لتحقيق الاستقرار هناك.
لكن بوتين عاد ليقول إنه لا يود التدخل في ما وصفه بالشؤون الداخلية للآخرين، وذلك تقدير يتسم بدبلوماسية شديدة، تشير إلى موقف يحتمل مختلف التأويلات، وذلك في وقت تهدد حركة الشارع المناهضة للحكومة والنظام في صربيا، استقرار البلاد، على نحو يقترب مما كانت عليه الحال في أوكرانيا قبل وصولها إلى نقطة الانفجار في فبراير (شباط) عام 2014، وما أعقب ذلك من تطورات الأزمة الأوكرانية التي تتوالى مشاهدها الكارثية حتى اليوم.