ملخص
عاشت ديان كيتون حياة حرة وغير تقليدية، جمعت فيها بين الذكاء والغرابة والجمال بطريقتها الخاصة، وتحدت القوالب الاجتماعية لتصبح أماً في الخمسينيات، مؤكدة أن الأنوثة والإبداع لا يخضعان للعمر أو التقاليد، بل يزدهران حين تختار المرأة مسارها بنفسها.
كانت ديان كيتون تسير دائماً بإيقاع مختلف قليلاً. وبينما ينعى العالم وفاتها المفاجئة عن عمر ناهز 79 سنة، يجري الحديث عن الطريقة التي عاشت بها حياتها — بقليل من الشغب، وكثير من الرقي، وغالباً خارج الأطر التقليدية — بنفس الإعجاب والمودة اللذين رافقا مسيرتها الفنية طويلاً. كان جانب كبير من جاذبيتها يكمن في طرافتها العفوية وأصالتها الساحرة: كان من الغريب، مثلاً، تخيلها "تستقر" بالمعنى التقليدي [أي أن تتزوج وتنجب أطفالاً]، أو أن تتسلم جائزة الأوسكار مرتدية شيئاً غير تنورتين وسترة من الكتان وربطة عنق سوداء ووشاح وحذاء بكعب عالٍ مع جوارب. تلك الروح غير المتوقعة ظهرت أيضاً في الطريقة التي أصبحت بها أماً.
كيتون لم تنجب في العشرينيات أو الثلاثينيات أو حتى الأربعينيات كما قد يتوقع المرء، بل أصبحت أماً في الخمسينيات من عمرها — وهي مرحلة يفترض عادة أن الدافع والفرصة قد انقضيا فيها منذ زمن. غير أنه حين اتخذت قرارها، كانت قد تجاوزت منذ زمن بعيد فكرة أن تعيش حياتها وفق توقعات الآخرين.
قالت ذات مرة في حديث لمجلة "ليديز هوم جورنال" Ladies Home Journal نقلته مجلة "بيبول" People، لم تكن الأمومة رغبة لا أستطيع مقاومتها، بل كانت فكرة ظلت تراودني لوقت طويل جداً، فقررت أن أخوضها". عام 1996 تبنت ابنتها ديكستر، ثم ابنها ديوك عام 2001.
وبحسب كلماتها، بدا قرار كيتون بسيطاً، لكنه في الواقع لم يكن كذلك أبداً. ففي جوهره، كان يحمل شيئاً بالغ التفرد والعمق. وبعد نحو 30 عاماً، ما زالت فكرة أن حياة المرأة يجب أن تنكمش مع التقدم في السن مترسخة في مخيلتنا الجماعية، ومغروسة في ثقافة لا تزال تساوي بين الشباب والإمكان. أما كيتون فوسعت عالمها في مرحلة غالباً ما تقزم فيها حياة النساء. كانت اختياراتها شكلاً هادئاً من التمرد ضد عمر من التمييز الناعم الذي ما زال يملي على النساء ما ينبغي أن يرغبن به، ومتى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتضح أن خروجها عن المألوف كان توقيتاً مثالياً بالنسبة إليها. فقد كانت مسيرتها المهنية، مثلها تماماً، استثنائية على مدى عقود. كانت في الـ31 من عمرها عام 1977 عندما أدت دور ملهمة وودي آلن العصبية اللامعة في فيلم "آني هول" Annie Hall، فكرست نفسها نموذجاً لأجيال من النساء اللاتي استلهمن من آني سحرها العفوي وثقتها الصبيانية — ستراتها وربطات عنقها وقبعاتها وسراويلها الفضفاضة — ومن روحها المرحة التي تسخر من ذاتها.
كما شاركت في ثلاثية "العراب" The Godfather، وحولت فيلم "نادي الزوجات الأول" First Wives Club إلى أيقونة ثقافية عن التضامن النسائي، وقدمت أداءات رصينة متمردة في أفلام مثل "شيء يجب أن يعطى" Something’s Gotta Give و"طفلة مفاجئة" Baby Boom. كان أداؤها التمثيلي مميزاً بلا شك، لكن كيتون الأيقونة — بتفردها وقدرتها النادرة على جعل الذكاء والغرابة لا ينسجمان فحسب، بل يبدوان جذابين — هي التي أسرتنا فعلاً.
كانت عزباء، ولم تخجل من ذلك، حين اختارت أن تصبح أماً وفق شروطها الخاصة. لم يكن ذلك تحولاً في شخصيتها أو تعريفاً جديداً يفرض عليها، بل امتداداً لما كانت تمثله دوماً: فكرة أن حياة المرأة يمكن أن تزدهر خارج إطار التقاليد، وأن الاستقلال والحميمية ليسا نقيضين. قالت في إحدى المقابلات: "لم أكن أعتقد أنني سأكون أماً جيدة عندما كنت أصغر سناً. لم أكن مستعدة، كان لدي كثير لأفعله".
لم يكن ذلك تحدياً بقدر ما كان مثالاً لامرأة صادقة تماماً مع ذاتها. فقد اشتهرت بمواعدة آل باتشينو وودي آلن ووارن بيتي، ونالت إعجاب معظم نجوم عصرها، لكنها قالت في مقابلة عام 2017 إنها سعيدة لأنها لم تتزوج، وأضافت في إشارة إلى "أحبابها الكثر": "وأنا متأكدة أنهم سعداء بذلك أيضاً". وأوضحت "لست حزينة، لأنني أعتقد أن الأمر كان سيتطلب جانباً أمومياً أكثر".
وتابعت "أتذكر أنه في المدرسة الثانوية قال لي أحد الزملاء: يوماً ما ستكونين زوجة صالحة. وفكرت حينها: لا، لا أريد أن أكون زوجة".
وقالت في مناسبات أخرى إنها ببساطة لم تلتق الشخص المناسب، ثم قررت أنها لا تحتاج إلى ذلك — وهو قرار ما زال حتى اليوم عملاً ثورياً يتحدى فكرة هوليوود عن "النهاية السعيدة" التي تتحقق عندما تلتقي المرأة بـ"الرجل المناسب". كانت ثقتها الراسخة بنفسها تذكيراً بأن الحكايات لا تحتاج إلى مسار مستقيم لتكون سعيدة أو ثرية أو خلاقة — فالعزلة ليست بالضرورة فراغاً يغرقك، بل مساحة للتنفس. كانت قصة كيتون إذاً نوعاً مختلفاً من قصص الحب.
وفي الأمومة أيضاً وجدت فعلاً إبداعياً آخر. فقد وصفت كيتون أطفالها بأنهم "أعظم مغامراتها". نشأ طفلاها في منزلها في لوس أنجليس الذي عكس ذوقها: انتقائي، متعدد الطبقات، مليء بالفضول. قالت مرة: "إنهم أفضل أشخاص أعرفهم". وعلى امتداد مسيرتها، ألهمت بلا شك نساء كثيرات ليعشن ويصبحن أمهات وفق شروطهن الخاصة. فمادونا، مثلاً، تبنت توأميها ستيلا وإستير من مالاوي عام 2017 وهي في الـ59 من عمرها، كما تبنت المغنية سيا طفلين في الأربعينيات من عمرها.
لم يكن ذلك ما يعرف كيتون، ولا ينبغي أن يكون، لكنه يظل جديراً بالذكر لأنه جزء أساس من إرثها. لقد أظهرت أن الأنوثة يمكن أن تكون رحبة ومرنة، وأن "القواعد" في معظمها محض خيال. لم يجعلها تبني ديكستر وديوك أماً فحسب، بل أعاد تعريف معنى الأمومة، مؤكدة أن بوسع المرأة أن تختارها عندما تشعر بأنها في انسجام تام مع ذاتها، لا وفقاً لجداول الآخرين.
في النهاية، كانت حياة ديان كيتون المدهشة مصدر إلهام لأنها لم تحاول يوماً أن تبيعنا وهماً أو تقنع نفسها بأنها في حاجة إليه. الطريقة التي عاشت بها كانت درساً متقناً في أنه لا يوجد تاريخ صلاحية للفضول، ولا شيء اسمه "فات الأوان" عندما يتعلق الأمر بتقرير ما هو قادم.
لقد برهنت أنه يمكن بناء حياة غير تقليدية وعميقة المعنى في آن واحد، حياة تزدهر لا على رغم العزلة أو العمر، بل بفضلهما. وربما يكون أعظم تكريم نقدمه لديان كيتون ونحن نودعها ونفتقدها بشدة، هو أن نلقي نظرة ساخرة على القواعد التي تحدد "توقيت" الحياة، ونمضي في طريقنا.
كما كانت لتقول هي نفسها بابتسامة وكتفين مرفوعين: حسناً، لا دي دا.
© The Independent