Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اسمي أمل" يفوز بجائزة "الوهر الذهبي" رغم قسوة السجن

أفلام قصيرة وسرديات تختصر أحوالاً وتحولات في العالم العربي

من الفيلم السوري القصير "إسمي امل" الفائز في مهرجان وهران (ملف الفيلم)

ملخص

 تشهد السينما العربية في الأعوام الأخيرة قفزة نوعية في صناعة الأفلام القصيرة، ويلاحظ التطور الواضح في توظيف أحدث تقنيات التصوير والإخراج، إلى جانب كتابة سيناريوهات مكثفة تؤدي دورها الأساس في تقديم أعمال فنية متفردة، حتى غدت بعض الأفلام القصيرة التي لا تتعدى مدة عرضها 20 دقيقة، أكثر قدرة أحياناً، على التأثير والإمتاع من أفلام خصصت لإنتاجها موازنات ضخمة، وتعرض على امتداد ساعتين أو أكثر.

في مهرجان وهران السينمائي للفيلم العربي ضمت قائمة الأفلام القصيرة أعمالاً من دول عربية عدة مثل قطر والبحرين وسوريا وفلسطين واليمن والجزائر. أفلام جذبت اهتمام الجمهور الجزائري في وهران، وملأت قاعة السينماتيك في شارع ميرامار، وتلا عرضها تصفيق حار ونقاشات مع صناعها، وتضمنت أبرز العروض: "أرحل كي تبقى الذكرى" و"عذر أجمل من ذنب" و"جثة" و"نتيجة إيجابية"، أما فيلم "اسمي أمل" فقد تصدر الأفلام القصيرة بتتويجه بجائزة الوهر الذهبي.

رمزية طاغية في تجربة علي الهاجري

 ما يميز تجربة علي الهاجري في صناعة فيلم "أرحل كي تبقى الذكرى" هو الغموض الذي يلف الحدث والشخصية الرئيسة، إضافة إلى الرمزية التي طغت على لقطاته، من أول مشهد إلى آخره. تنطلق الأحداث بحادثة سيارة مفاجئة على الطريق السريع، ثم تنتقل مباشرة إلى شاب متوفى في صحراء البادية، والبادية هنا قد تمثل العودة إلى الأصل ومسقط الرأس، بعيداً من صخب المدينة وضجيجها.

 في المشهد التالي يبدو الأداء مسرحياً وصامتاً، فتظهر جثة الشاب محاطة بأهله وهم يغسلونه ويودعونه ويضعون إكليلاً وقلادة على صدره. من جهة أخرى يهيمن اللون الأبيض على الصورة، ويظهر في مشاهد عدة: في لباس الممثلين، وفي اليمام داخل قفص، واليمام عادة يرمز إلى السلام ولكن لاحتجازه في القفص دلالات أخرى، توحي بهمّ وجودي، ونسبة الحرية الحقيقية التي يحظى بها الفرد في هذا العالم.

 تتراجع الأحداث إلى الماضي، في بيت عربي قديم، ويتضح لون الصورة المائل إلى البني مما يجعلها تبدو من زمن آخر. بهذا الخيار يفصل المخرج بين زمن الموت والذاكرة، مصراً على المشاهد الصامتة مقابل حوارات قليلة، وحضور صوتي يتمثل في شعر شعبي يصل من الراديو وموسيقى تصويرية ترافق المشاهد. وتتجلى جماليات الصورة في أفضل مشهد يعد الـmaster scene، حين يتقاطع فيه مشهدان عبر تقنية المونتاج المتقاطع أو المتوازي، بين سيدة تعجن بعصبية وانفعال وشاب يؤدي رقصة صوفية، ويدور حول نفسه، كما لو أنه يجسد رمزياً لحظة الموت ومراحل انفصال الروح عن الجسد وارتقائها إلى العالم الآخر. لذا، يمكن القول إن ما يميز هذا العمل هو أن لغة الصورة أبلغ من لغة الكلمة، ولعل الإخراج تفوق على السيناريو وسبقه، وقد يبدو الفيلم نخبوياً أو غير مفهوم لدى بعض المشاهدين بسبب تشتت أحداثه وتعرجها والرمزية الطاغية عليها، لكن يمكن تلخيص فكرته على أنها فلسفية تروي موقفاً إنسانياً من الحياة والموت، والميلاد والبعث، وعلاقة الإنسان بالجسد والروح والعائلة والمكان.

"عذر أجمل من ذنب"

 تدور أحداث الفيلم البحريني "عذر أجمل من ذنب" حول شاب يدعى قاسم يقرر إحضار حصان إلى عمارة سكنية، فيتصدى له جاره "أبو غايب" ويغلق عليه السلالم لمنع صعود الحصان، مما يعطل حركة الصعود والنزول في البناية، ويصل الأمر إلى غلق الشارع المؤدي إلى العمارة، مما يسبب أزمة مرور في مدينة المنامة. يتبادل الجيران الحوارات في إطار كوميدي بسيط محمل في الوقت نفسه برسائل ضمنية، تشير إلى صراع الأجيال، فالشاب قاسم يمثل جيل الشباب باندفاعه وغرابته ونزعته للتغيير والتحدي، بينما يمثل أبو غايب، جيلاً سبقه، يتمسك بالضوابط والأصول، ويظهر هذا الجدل في قول قاسم: "أنا حر، خلونا نتنفس شوي"، فيجيبه أبو غايب "الحرية تجدها في أميركا أو أوروبا" أي أن الجار الكبير يرى أن لا مجال للحرية في المجتمعات العربية المحافظة.

وفي ندوة تلت عرض الفيلم في مهرجان وهران، أوضح المخرج هاشم شرف أن الفيلم مستوحى من أحداث واقعية، ولم تكن مجرد قصة سمعها من شخص غريب، بل حدثت بين أفراد عائلته، حين قرر أحد أقاربه جلب حصان إلى بناية العائلة، وقد حصد الفيلم جائزة في مهرجان ألميريا السينمائي في إسبانيا، وعرض في مهرجانات عدة بين السعودية ومصر وكندا، ونال تفاعلاً جميلاً من الجمهور الجزائري الذي شارك في نقاشات بعد العرض حول عنوان الفيلم وفكرته وتحديات إخراجه خصوصاً مع وجود حصان في عمارة.

مشاركة يمنية بفيلم "جثة"

 في مسابقة الأفلام القصيرة لمهرجان وهران السينمائي شارك اليمن بفيلم "جثة" للمخرج خالد أنور عمر أحمد. وخلال عرض دام أربع دقائق يجد المشاهد نفسه أمام شخصيتين تتوسطهما جثة، تتحاوران بلغة يمنية واضحة ومفهومة، بين مسؤول في المستشفى تسبب في موت مريض لأنه التزم القوانين الداخلية، وأوقف العلاج عندما عجزت أسرة المريض عن دفع الكلف، ليكتشف لاحقاً أن ذلك المريض كان صديقاً مقرباً له، وأنه تسبب في موته من دون أن يدري.

يحمل الفيلم رسائل مباشرة، ولعله يقع بسبب ذلك في فخ التلقين والوعظ فهو يقدم قصة قصيرة، واضحة ومحددة ولا يترك أي مجال للاستنتاج أو التساؤل، وهو ما بدا أضعف ما في عناصره، وحتى القفلة النهائية التي تفسر أن الجثة تعود لصديق المسؤول، لا تحدث صدمة لدى متفرج، لأنها تكشف عن عقدتها من البداية.

"نتيجة إيجابية"

يقدم الفيلم الجزائري "نتيجة إيجابية" قصة واقعية تحاكي يوميات المغتربين في أوروبا، من خلال زوجين جزائريين يهاجران إلى فرنسا، لكنهما يفاجآن بتدهور ظروفهما هناك، إذ يضطر الزوج الذي كان مهندساً معمارياً إلى العمل كمساعد بناء، ويعود متعباً بثيابه المتسخة إلى شقتهما المتواضعة، ويتبادل الزوجان حديثهما في صالون صغير، ونفهم من حوارهما أنهما يترقبان نتيجتين مهمتين لاتخاذ قرار مصيري بين البقاء في فرنسا أو العودة إلى الجزائر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 يناقش فيلم "نتيجة إيجابية" للمخرج نضال الملوحي، فكرة نادراً ما تطرح في السينما الجزائرية حول ما يترتب على الهجرة التي تمثل حلماً لآلاف الجزائريين، ممن يخاطرون بأرواحهم في قوارب سريعة للوصول إلى الضفة الأخرى. ويعرض الفيلم كيف يمكن للحياة في بلد متقدم أن تكون صعبة وشاقة، ولا تقدم بالضرورة ثروة جاهزة أو جنة موعودة، وقد تكون الحياة في بلد من بلدان العالم الثالث أكثر راحة وملاءمة، إن كان الفرد يملك بيتاً وأرضاً وشهادة، أفضل بكثير من مغامرة غير مضمونة قد تجهض الأحلام الوردية المرتبطة بالهجرة والاغتراب.

"اسمي أمل" يتوج بالوهر الذهبي

يذكر الفيلم السوري "اسمي أمل" للمخرج شيروان حاجي بأعمال الكاتب ممدوح عدوان، خصوصاً كتابه "حيونة الإنسان"، إذ يضع المشاهد في تجربة مشاهدة قاسية، تجعله يتخيل الوضع المأسوي لمعتقلين تحت رحمة جلاديهم، أولئك من ينسون في الزنازين، ويتحملون الصفعات والإهانات والتعذيب، ويعاملون كأرقام في محاولة لطمس أسمائهم ومحو هوياتهم. يوظف شيروان حواراً قوياً بين سجان قديم وآخر جديد، يلقنه التعليمات ويشرح له نفسيات السجناء وكيف يغادر معظمهم السجن أدباء ومفكرين، ويعلمه كيف يتعامل معهم وكيف ينظف الدماء خلفهم. كل هذا يسمع من فتحة طويلة في باب الزنزانة، ومن وجهة نظر معتقل، مما يجعل المشاهد يخوض تجربة شبيهة بالاعتقال، فهو يرى من زاوية ضيقة ظلالاً بلا تفاصيل، وهو يسمع أيضاً أكثر مما يرى، ويضطر مثله مثل المعتقل الرائي إلى مواجهة أحداث مفاجئة من خلال الشق الصغير، وهذا ما يخلق صدمة التلقي لدى المتفرج ويخلق رابطاً نفسياً بالحدث وموقف الشخصية.

 يستخدم شيروان تقنيات التصوير بذكاء، بما يلائم سياق الفيلم الداكن وما يتضمنه من عنف نفسي مستفز للمشاهد. وتظهر جماليات الصورة في أكثر من لقطة، من بينها مشهد الصاروخ المنطلق في السماء لينطفئ في عين الممثلة بتقنية الغرافيك ماتش، تظهر ضمن المشاهد الأولى قبل الانتقال إلى الحوارات المسموعة في رواق السجن. ويختتم شيروان فيلم "اسمي أمل" بمشهد مؤثر، حظي بتصفيق قوي من الحضور، وقد نال الفيلم جائزة الوهر الذهبي في مهرجان وهران السينمائي للفيلم العربي، مما يبشر بتجارب واعدة للمخرج شيروان حجي.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما