ملخص
يرجح الباحث التركي فراس رضوان أوغلو استمرار الضغوط على "قسد" وأن تبقى قائمة لحين تحقيق الاندماج، قائلاً "من الواضح أن مظلوم عبدي وزيارته للشرع في دمشق تأتي في هذا الإطار لإيجاد صيغة ما حتى لا يكون هناك تصادم عسكري وهو حل مستبعد، وحتى الولايات المتحدة لديها هذه الرؤية بالضغط على "قسد" وتشاطرها دمشق الرؤية نفسها، ويبدو أن أنقرة ستخطو في هذا مسار".
قال بدران جيا كرد، نائب الرئاسة المشتركة للعلاقات الخارجية والمفاوض من قبل الإدارة الذاتية، بشأن وقف إطلاق النار في حلب، إن الفصائل المسلحة التابعة للسلطات السورية لم تلتزم بالهدنة التي تم التوصل إليها مع دمشق، والتي تهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية.
وأضاف كرد أن "التصعيد والتحشيد، وكذلك فرض الحصار المستمر ضد الحيين، يؤكد مجدداً أن الفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة لا تلتزم بقرارات السلطات الموقتة، بل تنفذ أجندات خارجية تتعارض مع المصلحة الوطنية السورية".
وأشار إلى أنه "من الضروري جداً أن يتدخل الوسطاء الدوليون والإقليميون للضغط على أنقرة من أجل وقف تدخلاتها في الشأن السوري، وأن يضطلع هؤلاء الوسطاء بدور فاعل في تهدئة التصعيد، تمهيداً للتوصل إلى حلول توافقية ومستدامة بيننا وبين دمشق بعيداً عن أي تدخل خارجي".
وأوضح أن "المصلحة الوطنية السورية تكمن في الحوار والتفاوض المباشر بين السوريين أنفسهم، بعيداً عن الإملاءات والتجاذبات الإقليمية".
ويبدو أن الضغط الأميركي على قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أتى بنتائجه المرجوة، بوقف التصعيد المندلع أخيراً في مدينة حلب شمال سوريا، خصوصاً في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، بعد ليلة دامية ونارية بين طرفي النزاع استقدمت خلالها وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية شمالاً.
ولا تزال المعابر والطرق المؤدية إلى الحيين مغلقة على رغم هدوء تعيشه المنطقة، ليلملم القاطنون حطام معركة حامية الوطيس تراشق خلالها الجيش السوري و"قسد" الاتهامات حول المتسبب بهذا التصعيد، بينما شهدت المنطقة حركة نزوح واسعة من الأهالي وشوهدت عائلات تخرج من محاور عدة، من بينها المحور المقابل لمستشفى ابن رشد ومحور آخر من جهة مديرية الزراعة.
وتسري مشاعر ارتياح خلال حديثنا مع القاطنين بعد السكون الحاصل المصحوب بحذر شديد، إذ إن الأجواء لا تزال متوترة مع توقف الاشتباكات، وقال أحدهم "ما زالت السواتر الترابية تغلق جميع المنافذ والمعابر الواصلة إلى الحيين، لكن السلطات سمحت بخروج المدنيين من دون السماح بدخول أي شخص إليهما".
ويأتي وقف إطلاق النار في حلب بعد زيارة قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، العاصمة دمشق ولقائه وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، إذ اتفق المسؤولان على وقف شامل لإطلاق النار عند محاور الاشتباك، ونقاط الانتشار العسكرية في شمال سوريا وشمال شرقها، وفق ما جاء في حساب أبو قصرة على منصة "إكس"، بينما أكدت وكالة الصحافة الفرنسية لقاء جمع عبدي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور المبعوث الأميركي توم براك وقائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط براد كوبر.
ونفت "قسد" عبر بيان لها استهداف قواتها لحواجز تابعة للقوى الأمنية الحكومية، مؤكدة في الوقت ذاته خلو مدينة حلب من عناصر لها منذ انسحابها بموجب تفاهم أبرم في أبريل (نيسان) الماضي، وأشارت إلى أن ما يحدث من هجمات متكررة تشنها القوات الحكومية ضد المدنيين في محاولة لفرض حصار على الحيين (الأشرفية والشيخ مقصود).
جهود دبلوماسية
في الأثناء زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تركيا اليوم الأربعاء بدعوة من نظيره التركي هاكان فيدان، وهي الزيارة التي تسبق لقاء متوقعاً للشرع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وقال فيدان إن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد يجب أن تتخلى عن "أجندتها الانفصالية"، وذلك بعد يوم من إعلان عبدي ودمشق وقف إطلاق النار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر فيدان، خلال مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة مع الشيباني، أن قيادة سوريا بوسعها الآن قتال تنظيم "داعش" بمفردها في البلاد، مما يعني أن على الدول الأجنبية تغيير نهجها في هذا الشأن.
وقال وزير الدفاع السوري وقائد قوات سوريا الديمقراطية أمس الثلاثاء إنهما اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار على جميع الجبهات في شمال وشمال شرقي سوريا.
ورجحت وسائل إعلام تركية شن أنقرة بالتعاون مع دمشق عملية عسكرية ضد "قسد"، إذا فشلت بالوفاء بالتزاماتها والانضمام إلى القوات المسلحة للحكومة الانتقالية، وأعطت تركيا مهلة نهائية لاختتام أعمال دمج "قسد" بالجيش السوري الجديد حتى نهاية العام الحالي.
وتحاول أنقرة تأكيد إلزام "قسد" الاندماج وتلوح بعمل عسكري، وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية التركية خلال تصريح صحافي أمس الثلاثاء إن بلاده مستعدة للوقوف إلى جانب دمشق ليس سياساً وحسب بل عسكرياً أيضاً، إذا أخلت "قسد" ببنود اتفاق الـ10 من مارس (آذار) الماضي، وإن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أية تحركات تهدد الأمن الإقليمي أو تنتهك اتفاقات أنقرة - دمشق.
وأوضح المصدر التركي أن "الاجتماعات الأمنية المشتركة التي عقدت الأسبوع الماضي ركزت على آليات تنفيذ الاتفاق، وأي إخلال من ’قسد‘ سيقابل بإجراءات حاسمة على الأرض".
في غضون ذلك استبعد الباحث التركي فراس رضوان أوغلو خلال حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، حدوث أي تحرك للجيش التركي، على رغم أن المعلومات الأولية تشي باستعدادات كبيرة بسبب التحركات السياسية والدبلوماسية الحاصلة، وقال إن "العملية العسكرية في سوريا ربما غير واردة بسبب المهلة التي منحت لـ’قسد‘، إضافة إلى أن هناك رفضاً سورياً للعمل العسكري لأن الوضع غير قابل للدخول في أية أزمة أخرى، ومن الواضح أن الرئيس الشرع يرغب في تصفية المشكلات بالأسلوب السياسي". ورجح أوغلو استمرار الضغوط على "قسد" وأن تبقى قائمة لحين تحقيق الاندماج، قائلاً "من الواضح أن مظلوم عبدي وزيارته للشرع في دمشق تأتي في هذا الإطار لإيجاد صيغة ما حتى لا يكون هناك تصادم عسكري وهو حل مستبعد، وحتى الولايات المتحدة لديها هذه الرؤية بالضغط على ’قسد‘ وتشاطرها دمشق الرؤية نفسها، ويبدو أن أنقرة ستمشي في هذا مسار".
عودة للاتفاق أو هرب
وعلى أية حال، ثمة معلومات عن تمسك قائد "قسد" بمستوى مطالبه التي تتلخص في منطقة حكم ذاتي لإقليم شمال شرقي سوريا، واندماج قواته بالجيش الجديد لكن عبر فصائل مستقلة، في حين تشير المعلومات إلى تجاوز عدد قوات سوريا الديمقراطية من مختلف المكونات 100 ألف مقاتل، ويصل إلى 200 ألف في حال التعبئة العامة.
وفي حين حذر المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون من خطورة الوضع في البلاد وسط التحديات الداخلية، كشفت مسؤولة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا إلهام أحمد خلال تصريح لها قبل اندلاع أحداث حلب الأخيرة عن إمكان أن يتسلم أحد قادة قوات سوريا الديمقراطية منصب رئاسة الأركان في الجيش السوري الجديد.
في المقابل نشر وفد التفاوض لشمال وشرق سوريا على صفحته الرسمية في "إكس" تفاصيل الاجتماع مع ممثلي الحكومة، وناقش أربعة بنود من دون التوقيع على أية ورقة رسمية خلال الاجتماع.
وبالحديث عن المهلة الممنوحة لـ"قسد"، يراها أوغلو مهلة جيدة وتعطي وقتاً بحسب وصفه لمسألة الانضمام، "ربما فيها عجلة نوعاً ما لأنه في أقل من سنة ’قسد‘ ستحل نفسها، وهي نشطت وتعمل خلال أعوام طويلة، وهذا يعد صعباً عليها، لكن لا بد من أن تكون هناك خطوات عملية على الأرض".
وكان أردوغان أكد عدم السماح بتفتيت سوريا أو المساس بسلامة أراضيها، إذا فشلت المساعي الدبلوماسية في تنفيذ اتفاق الاندماج بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق، وجاء حديثه هذا في الأول من الشهر الجاري لمناسبة استئناف عمل البرلمان التركي، بينما يواصل طرفا النزاع العمل على الحل السياسي بالرجوع إلى اتفاق الـ10 من مارس الماضي.