ملخص
تستحوذ شركات إنتاج السيارات الكهربائية في الصين على 60 في المئة من مبيعات السيارات الكهربائية العالمية
تتقدم السيارات الكهربائية الصينية عالمياً، لكن حرب الأسعار الشرسة في الصين قد تقضي على كثير من علاماتها التجارية.
خلال موسم الصيف الماضي، تعاقد لي هونغ شينغ، الذي يدير وكالة إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، مع عميل كان يعتقد أنه نجم صاعد في سوق السيارات الكهربائية في الصين.
ولأنه متخصص مخضرم في التسويق لصناعة السيارات، ذهب إلى حد الاقتراض لتغطية كلفة إعلانات "جي يوي"، متوقعاً الدفع لاحقاً من شركة السيارات الكهربائية الناشئة التي اعتقد أنها تمتلك كل ما تحتاج إليه للنجاح مثل الكفاءة وزيادة المبيعات والداعمين الأثرياء.
لكن هذا لم يحدث، ففي غضون نصف عام، انهارت شركة صناعة السيارات، مما حول مغامرة لي إلى كابوس، وأثقل كاهله بديون بلغت 40 مليون يوان (5.6 مليون دولار)، وقال لي "لقد كان شعوراً باليأس الشديد".
قلق من زيادة صادرات الصين
سقوط "جي يوي" ليس فريداً من نوعه في صناعة السيارات في الصين، إذ انهارت مئات العلامات التجارية في سباق وحشي نحو القاع على مدى الأعوام القليلة الماضية، لم يؤد ازدهار السيارات الكهربائية في البلاد إلى ظهور شركات عالمية رائدة مثل "بي واي دي" فحسب، إذ أدى ذلك أيضاً إلى فائض كبير في الطاقة الإنتاجية، مما دفع كثيراً من شركات صناعة السيارات إلى التنافس على حصة في السوق.
ومنذ فترة طويلة، قدمت الحكومة الصينية كثيراً من التحفيز وغيره من صور الدعم لصانعي السيارات الكهربائية، كجزء من استراتيجية ساعدت في دفع البلاد إلى مكانتها كأكبر سوق للسيارات الكهربائية على مستوى العالم وتحفيز النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
اندلعت حروب أسعار لا هوادة فيها، مما أدى إلى استنزاف الأرباح وإرهاق شركات صناعة السيارات والموردين، حتى إن الشركات الرائدة تضغط على شركات تصنيع قطع الغيار لبيعها بأقل من الكلفة، مع تمديد شروط الدفع أشهراً، وفقاً لعشرات الموردين وشركات صناعة السيارات ومتخصصين الصناعة الذين تحدثوا إلى شبكة "سي أن أن".
يعد هذا مثالاً على ما يصفه المسؤولون الصينيون بالمنافسة "غير المنظمة"، ويمتد إلى ما هو أبعد من قطاع السيارات الكهربائية ليشمل صناعات صينية أخرى مثل الألواح الشمسية والتجارة الإلكترونية وتوصيل الطعام.
يأتي كل هذا في وقت أصبحت فيه علامات السيارات الكهربائية، بما في ذلك "بي واي دي" و"شيري" و"جيلي" وتشانغن" عالمية، مما دفع صادرات السيارات الصينية إلى ما يقارب 6 ملايين سيارة خلال العام الماضي، أكثر من أي دولة أخرى، لكن تدفق صادرات السيارات أثار القلق في الخارج، مما أثار ردود فعل سلبية مثل فرض الرسوم الجمركية والقيود من أوروبا والمكسيك وكندا.
60 في المئة من المبيعات عالمياً
على رغم زيادة مبيعات السيارات الكهربائية خارج الصين بنسبة 27 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لا تزال الصين تمثل أكثر من 60 في المئة من مبيعات السيارات الكهربائية العالمية.
على أمل تحقيق الاستقرار في اقتصاد مثقل بضغوط الانكماش - مدفوعاً جزئياً بانخفاض أسعار هذه القطاعات المكتظة - تسعى بكين إلى تهدئة الصراعات التجارية المحتدمة، وفي مقال نشر هذا الشهر في مجلة الحزب الشيوعي، دعا الزعيم الصيني شي جينبينغ إلى "القضاء على حروب الأسعار الفوضوية والضارية بين الشركات".
خلال الأشهر الأخيرة، أطلقت بكين سلسلة من الإجراءات لمعالجة هذه المشكلة، إذ استدعت السلطات قادة قطاع السيارات لتحذيرهم من إثارة حروب أسعار، وأصدرت قواعد لتقصير دورة الدفع للقطاع، وأصدرت توجيهات تحث الحكومات المحلية على تقليص الدعم والتخلص من الطاقة الإنتاجية الفائضة.
لكن الاقتصاديين ومتخصصي الصناعة يشككون في أن الإجراءات المتخذة حتى الآن ستحقق حلاً سريعاً، ويبدو أنه لا توجد طريقة سهلة للتخلص من الطاقة الإنتاجية الفائضة.
لأعوام، غذت بكين النمو من خلال الاستثمار والدعم، ويرى المتخصصون أن مجرد التخلص من الطاقة الإنتاجية الفائضة والسماح ببيئة لا تنجو فيها سوى حفنة من العلامات التجارية - حتى لو كانت مرغوبة الآن من قبل بكين - قد يؤدي إلى خسائر فادحة في الوظائف ويهدد بعرقلة النمو الاقتصادي.
في تعليقه على الإجراءات الصينية الأخيرة، قال كبير الاقتصاديين الآسيويين في "مورغان ستانلي"، تشيتان أهيا، إن "هذه بالتأكيد خطوات بداية جيدة، وهذا أمر لا بد منه... لكن مجرد خفض الطاقة الإنتاجية لن يكون الحل الأمثل، بل ستسبب مشكلة في الاستقرار الاجتماعي إذا قرر المرء التوقف عن الاستثمار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعد التوظيف جوهر الاستقرار الاجتماعي، وهو حجر الزاوية في حكم الحزب الشيوعي، ويوظف قطاع تصنيع السيارات في الصين أكثر من 4.8 مليون شخص، وفقاً لأرقام صدرت في وقت سابق من هذا العام عن شركة "سي إي آي أف"، وهي شركة مزودة للبيانات.
77.5 في المئة في سوق السيارات
جسد صعود "جي يوي" وسقوطها السريع، الواقع القاسي الذي تواجهه صناعة تعاني المنافسة المفرطة، أُسست الشركة الناشئة عام 2021 كمشروع مشترك بين شركة الإنترنت الصينية الرائدة "بايدو" وشركة "جيلي" الرائدة في صناعة السيارات، وسرعان ما لفتت انتباه السوق.
بدأ لي بتوفير إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي لشركة "جي يوي" في مايو (أيار) من العام الماضي، وأعجب بتعاملاته المبكرة مع الشركة، وشعر بثقة كافية لتوقيع عقد طويل الأجل، حتى إنه سمح بشروط دفع ممتدة لدعم شركة صناعة السيارات.
لكنه أدرك بحلول أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أن الشركة ربما تواجه مشكلات في السيولة، وبعد أسابيع، أعلنت "جي يوي" عن إعادة هيكلة سعياً إلى الحصول على رأس مال جديد وسط "منافسة شرسة في السوق"، مما يعني فعلياً نهاية عمرها القصير.
قال لي "بالنسبة إلى شركة كبيرة يدعمها مساهمان رئيسان، وفي ظل ارتفاع مبيعاتها ووجود كثير من المؤشرات الإيجابية، كان انهيارها المفاجئ أمراً لم أتوقعه أبداً"، مضيفاً أنه لم يتلق أي مستحقات من الشركة بعد.
انبثقت طفرة السيارات الكهربائية في الصين من رهان ضخم راهنت عليه بكين في العقد الأول من القرن الـ21، وهو رهان كان آنذاك محدوداً، وبحلول أوائل العقد الثاني من القرن الـ21، أعلنت الحكومة الصينية هذا القطاع قطاعاً استراتيجياً، مغدقة إياه بحوافز مالية سخية، أثمرت عن ظهور بعض من أكبر مصنعي السيارات الكهربائية في العالم، مثل شركة "بي واي دي"، التي تجاوزت مبيعاتها العام الماضي مبيعات شركة "تيسلا"، كما نتج من ذلك ما يقارب 500 علامة تجارية محلية للسيارات في ذروتها نحو عام 2019.
تعود حرب أسعار السيارات الكهربائية في الصين جزئياً إلى تشبع السوق، وتشكل 10 شركات سيارات نحو 77.5 في المئة من إجمال سوق السيارات الكهربائية في الصين.
في الأشهر السبعة الأولى من العام، باعت شركة شركة "بي واي دي" وحدها نحو 1.9 مليون وحدة، وهناك 48 شركة أخرى تتنافس على حصة السوق المتبقية البالغة 22.5 في المئة.
لكن سرعان ما تحول هذا الطفرة إلى كارثة، وقال مدير شركة "جاتو ديناميكس"، المتخصصة في استخبارات سوق السيارات في الصين، بو يو، "مع نمو محدود في السوق، وتشابه المنتجات بصورة متزايدة وتزايد المنافسة، تزداد حدة المنافسة".