Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آثار تراجع إنتاج السيارات الكهربائية في أسواق الطاقة والنفط

توقعات انتهاء عصر محركات البنزين كانت خاطئة والآن جاء دور نظيرتها "مزدوجة الوقود" لأنها أكثر عملية وأقل كلفة

واجهت شركات السيارات تحديات كبيرة في الانتقال إلى إنتاج السيارات الكهربائية (أ ف ب)

ملخص

 نظراً إلى أن السيارات الكهربائية تعتمد بصورة كبيرة على بطاريات الليثيوم التي تتطلب مواد مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، فإن تراجع الطلب عليها مقارنة بالتوقعات سيؤدي إلى انخفاض الطلب على هذه المواد مما يؤثر سلباً في صناعة التعدين في دول مثل أستراليا وتشيلي والكونغو وإندونيسيا، وفي صناعات معالجتها في الصين.

في حمّى التنافس على محاربة التغير المناخي والسيطرة على أكثر ما يمكن من أموال دافعي الضرائب، أعلنت الحكومات والشركات خططها للوصول إلى الحياد الكربوني، وحددت تواريخ معينة لذلك معظمها في عامي 2050 أو 2060، كما أعلنت معظم شركات السيارات، وبخاصة الأوروبية منها، توقفها عن تصنيع سيارات البنزين والديزل والتركيز على السيارات الكهربائية بحلول عام 2035. 

وكان واضحاً منذ البداية، كما أوضحت في مقالات ولقاءات إعلامية عدة، أن هذه التعهدات والوعود والخطط لن تتحقق لأسباب من أهمها أنه جرى الإعلان عن هذه الخطط من دون دراسات جدوى أو إدراك للكلف الضخمة لهذا الانتقال الطاقي الذي يحقق الحياد الكربوني، وثبتت الآن بصورة قاطعة صحة هذه التوقعات بعد تراجع الحكومات والشركات والبنوك وشركات التمويل والتجارة العالمية، كما تراجعت شركات السيارات عن أهدافها وعاد معظمها لإنتاج سيارات البنزين وخفض إنتاج السيارات الكهربائية بعد تحقيق خسائر ضخمة من جهة، وانخفاض الطلب على السيارات الكهربائية مقارنة بما كان متوقعاً.

والمشكلة أن التوقعات طويلة المدة في أسواق الطاقة، وبخاصة في أسواق النفط والكهرباء، مبنية على توقعات انتشار كبير للسيارات الكهربائية، ومع التراجع الكبير لشركات السيارات لم تتغير توقعات أسواق النفط بعد وخصوصاً توقعات وكالة الطاقة الدولية. 

المبالغة في آثار السيارات الكهربائية

هناك مبالغة في آثار السيارات الكهربائية في أسواق النفط من قبل "وكالة الطاقة الدولية" و"بلومبيرغ بي إن إف" وعدد من وسائل الإعلام الشهيرة، وهذه المبالغة مقصودة للترويج للسيارات الكهربائية ليشعروك أنك أنت الوحيد الذي لا يملك سيارة كهربائية، ولهذا يركزون على نسبة النمو في المبيعات بصورة دائمة ويتجاهلون الأهم وهو عدد السيارات الكهربائية على الطرق، وأذكر أنه خلال الربع الثاني من عام 2024 ذكرت وسائل الإعلام أن مبيعات سيارات كهربائية معينة زادت بحدود 150 في المئة عما كانت عليه في العام السابق لكنها لم تذكر أي أرقام، وعندما عدت لبيانات الشركة المصنعة كان الرقم الكلي 900 شاحنة بعد الزيادة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بصورة عامة هناك نحو 50 مليون سيارة كهربائية على الطرق حول العالم، منها 30 مليون في الصين، والأثر المباشر لهذه السيارات في الطلب على النفط نحو 1.3 مليون برميل يومياً، وبعد إنفاق تريليونات الدولارات خلال الـ 15 عاماً الماضية، وبعد كل المبالغات والتغطية الإعلامية التي لم يسبق لها مثيل، بلغ الأثر المباشر 1.3 مليون برميل يومياً فقط، ولكن لو حسبنا الأثر غير المباشر المتمثل في كميات السوائل النفطية الإضافية اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية فسنجد أن الأثر الصافي أقل بكثير من الأثر المباشر، والمشكلة أن عدد السيارات الكهربائية مشكوك فيه الآن بعد انكشاف عمليات فساد إداري وتلاعب نتج منها مبالغة كبيرة في المبيعات لبعض الشركات كما شرحت في مقالة سابقة، كما ظهرت مشكلة كبيرة في أستراليا حيث يجري التحقيق حالياً بسبب انخفاض عدد الأميال التي تمشيها السيارة لكل عملية شحن مقارنة بالمعلن وما وافقت عليه الحكومات، وأشارت التقارير إلى أن الانخفاض لبعض السيارات كبير ويصل إلى نحو 100 كيلومتر للشَحنة.

تراجع شركات السيارات

واجهت شركات السيارات تحديات كبيرة في الانتقال إلى إنتاج السيارات الكهربائية وأهمها ارتفاع الكُلف وعدم توافر البنية التحتية وتغير السياسات الحكومية مع انتخاب حكومة جديدة، إضافة إلى ضعف الطلب عليها مما نتج منه خسائر مالية كبيرة، وتتضمن لائحة شركات السيارات التي تراجعت أو عدلت خطط إنتاج السيارات الكهربائية "مرسيدس بنز" و"بورش" و "فولكسفاغن" و"أودي" و"رينو" و"فولفو" و"أوستن مارتن" و"لمبرغيني" وجاكوار" و"لاندروفر" و"فورد" و"جنرال موتورز" و"تويوتا" و"نيسان" و"هوندا" وسوبارو" و"تيسلا" و"بي واي دي"، وعزز من هذه الاتجاهات قيام إدارة الرئيس ترمب بإلغاء قانون كاليفورنيا وقف مبيعات سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2035، ووقف الدعم الفيدرالي للسيارات الكهربائية وبناء الشواحن على الطرق السريعة والطرق الريفية، وعزز من ذلك أيضاً قيام عدد كبير من الولايات برفع الرسوم السنوية وكُلف تسجيل للسيارات الكهربائية للتعويض عن خسائر ضرائب الوقود التي تستخدم في معظم الأحيان لصيانة الطرق والجسور، وقريباً ستنتهي المزايا التي يحصل عليها أصحاب السيارات الكهربائية في كاليفورنيا والتي تتضمن استخدام الخطوط المخصصة للحافلات أو السيارات التي تحمل أكثر من راكبين. 

نتائج تراجع الشركات والحكومات

ومن أهم هذه النتائج زيادة الطلب على النفط مقارنة بالتوقعات، إذ إن كل التوقعات اعتمدت على فكرة التبني الواسع للسيارات الكهربائية، فإذا افترضنا أن بيانات الصين صحيحة وأن هناك 50 مليون سيارة كهربائية على الطرق، ونحن الآن في منتصف عام 2025، فإن مقابل توقعات "وكالة الطاقة الدولية" وغيرها تتطلب رفع العدد من 50 مليوناً إلى 250 مليون سيارة، وفي ظل التراجع الكبير الذي رأيناه فكيف سيحدث ذلك؟ لكن لا يغرك هذا الرقم لأن هذه التوقعات الصافية، والسيارات الكهربائية التي جرى شراؤها خلال الأعوام الماضية ستصبح قديمة في الأعوام المقبلة وتحتاج إلى استبدال، مما يعني أن الرقم أقرب إلى 300 مليون سيارة إضافية من 200 مليون سيارة، فهل يمكن أن يجري ذلك خلال خمسة أعوام؟

والمشكلة كما ذكرت أن توقعات الطلب على أسواق النفط تفترض أنه سيكون هناك 250 مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030، ومن هنا جاءت فكرة بلوغ الطلب على النفط ذروته وبخاصة في الصين، وهي فكرة غير صحيحة كما ذكرت في مقالات سابقة، ونظراً إلى زيادة الطلب على النفط مقارنة بالتوقعات فإن هذا سيؤثر في استثمارات شركات النفط وعوائد دول "أوبك+"، كما أنه سيسهم في دعم أسعار النفط. 

ومن النتائج أيضاً انخفاض الطلب على الكهرباء مقارنة بالتوقعات، لكن يبدو أن طلب الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات ستعوض أي انخفاض ناتج من انخفاض عدد السيارات الكهربائية مقارنة بالتوقعات، والإشكال هنا يتعلق بخطط الحكومات والشركات التي ترى أن السيارات الكهربائية جزء من منظومة الطاقة المتجددة، وتراجع إنتاجها ومبيعاتها قد يشكل ضربة لكل المنظومة وليس لشركات السيارات فقط، ونظراً إلى أن السيارات الكهربائية تعتمد بصورة كبيرة على بطاريات الليثيوم التي تتطلب مواد مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، فإن تراجع الطلب عليها مقارنة بالتوقعات سيؤدي إلى انخفاض الطلب على هذه المواد مما يؤثر سلباً في صناعة التعدين في دول مثل أستراليا وتشيلي والكونغو وإندونيسيا، وفي صناعات معالجتها في الصين، وهذا الانخفاض قد يتسبب في انخفاض أسعار هذه المواد مما يؤثر في الشركات التي استثمرت بكثافة في هذا القطاع، وقد يؤدي إلى إفلاسها.

وخلاصة القول أن طفرة السيارات الكهربائية انتهت وتحتاج الأسواق كلها إلى أعوام عدة للتعامل مع آثار انتهاء هذه الطفرة، وهنا لابد من التأكيد أن السيارات الكهربائية لن تختفي، لكن التوقعات بإنهائها عصر سيارات البنزين كانت خاطئة، والآن جاء دور السيارات المزدوجة الوقود التي هي أكثر عملية وأقل كلفة، وبخاصة أنها لا تحتاج إلى بنية تحتية جديدة، ولهذا يتوقع أن يكون هناك عمليات شراء واندماج لشركات السيارات الكهربائية وتحديداً في الصين.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء