ملخص
أصبحت عملية "البيجر" رمزاً لهزيمة مركبة، هزيمة في الميدان المعنوي، وهزيمة في المجال التكنولوجي، وهزيمة في إدارة "صورة الردع" أمام الداخل اللبناني والخارج الإقليمي. ومن هنا يمكن القول إن هذه العملية لم تُفقد "حزب الله" العشرات من عناصره وآلاف الجرحى فحسب، بل كشفت حدود بنيته الأمنية والعسكرية، وفتحت الباب لانحدار تدريجي في قدرته على فرض إيقاع الحرب، بما يُشبه الاندحار الصامت الذي يتراكم حتى ينعكس سياسياً وعسكرياً على وجوده.
يصادف مع حلول يومي 17 و18 من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، الذكرى السنوية الأولى لما عُرف بتفجيرات "البيجر" أو "واقعة البيجر"، والتي لم تكن مجرد ضربة أمنية لـ "حزب الله"، خلال الحرب التي كانت دائرة بينه وبين إسرائيل في تلك الفترة، بل تحولت إلى نقطة تحول نوعية في مسار تلك الحرب، التي عُرفت بـ "حرب الإسناد".
خلفية الواقعة
انفجارات أجهزة النداء واللاسلكي أو "البيجر" و"الووكي توكي"، هي سلسلة تفجيرات متزامنة لأجهزة اتصال مفخخة تابعة لـ "حزب الله"، بدأت يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 بتفجير أجهزة من نوع منادٍ والتي تشتهر باسم "البيجر"، وأدت إلى مقتل 420 من عناصر الحزب، وإصابة 3700 آخرين. وانحصرت أغلب الإصابات في العين أو اليدين أو الحوض، وبين المصابين أطفال ونساء وكبار في السن، وذلك وفقاً لـ "الشركة الدولية للمعلومات". هذه الأجهزة المفخخة مسبقاً كان "حزب الله" استوردها واستخدمها على نطاق واسع. وتركزت التفجيرات في مناطق جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت معقل الحزب الرئيس، وطاولت التفجيرات حينها عناصره في سوريا أيضاً، كما أصيب السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني. ووصفت قيادة الحزب هذا الحدث حينها، بأنه "أكبر خرق أمني تعرضت له المنظمة حتى الآن".
"ضربة كبيرة أمنياً وإنسانياً وغير مسبوقة"
في ذلك الوقت اعتبر الأمين العام السابق للحزب، حسن نصرالله، أن حزبه تلقى ضربة "قوية وكبيرة وغير مسبوقة" لكنها "لم تسقطه"، قائلاً "لا شك في أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنياً وإنسانياً وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان على الأقل وغير مسبوقة في تاريخ لبنان وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي في المنطقة برمتها، وربما غير مسبوقة في العالم".
وبحسب تحقيق مطول لوكالة "أسوشيتد برس"، نُشر في شهر أغسطس (آب) الماضي، ويتحدث عن مصابين بتلك الحادثة، إحداهن تدعى سارة جفال 21 سنة، وينقل التحقيق عنها أنها استيقظت متأخرة وهي تعاني نزلة برد شديدة، وتوجهت إلى المطبخ، حين سمعت صوت طنين غير مألوف صادر عن جهاز بيجر ملقى بالقرب من الطاولة، شعرت الفتاة بالانزعاج والفضول في آن واحد، فالتقطت الجهاز الذي يخص أحد أفراد أسرتها. ورأت رسالة تقول: "خطأ"، ثم "اضغط على موافق". ولم تسمع الفتاة حتى صوت الانفجار. وتقول للوكالة إنه "فجأة، أصبح كل شيء مظلماً. شعرت أنني في دوامة". وكانت تفقد وعيها وتستعيده لساعات، وفمها ينزف، وتشعر بألم شديد في أطراف أصابعها. في تلك اللحظة من يوم 17 سبتمبر 2024، انفجرت آلاف أجهزة الاستدعاء الموزعة على جماعة "حزب الله" في المنازل والمكاتب والمتاجر وعلى الخطوط الأمامية في جميع أنحاء لبنان، بعدما فجرت إسرائيل هذه الأجهزة عن بُعد، بحسب تقرير الوكالة.
ويتابع تقرير "أسوشيتد برس"، أنه "بعد عشرة أشهر، يسير الناجون على طريق بطيء ومؤلم نحو التعافي". يمكن التعرف إليهم بسهولة، فهم فقدوا عيونهم، ووجوههم مغطاة بالندوب، وبُترت أصابعهم، كعلامات على اللحظة التي فتحوا فيها الأجهزة التي كانت تصدر صوتاً.
ولأسابيع بعد الهجوم، حاولت الوكالة الوصول إلى الناجين، الذين ظلوا بعيدين من الأنظار. وأمضى كثيرون منهم أسابيع خارج لبنان لتلقي العلاج الطبي. وظل معظم أفراد المجتمع المترابط للمنظمة صامتين بينما كان "حزب الله" يحقق في الخرق الأمني الكبير.
واتصلت الوكالة بـ"حزب الله" والجمعية التابعة له التي تعالج المتضررين من الهجمات لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تسهيل الاتصالات. وشارك ممثل عن جمعية جرحى "حزب الله"، "أسوشيتد برس" ببيانات الاتصال بثمانية أشخاص أعربوا عن استعدادهم لمشاركة قصصهم، ووافق ستة منهم على إجراء مقابلات، بينهم سارة وامرأة أخرى، وطفلان يبلغان من العمر 12 سنة، ورجلان، أحدهما واعظ والآخر مقاتل.
وأشار مسؤول قسم الإعلام والعلاقات العامة في "مؤسسة الجرحى" جواد قاسم، في حديث مع موقع "العهد" التابع للحزب، إلى أن شعار الذكرى السنوية الأولى لمجزرة البيجر واللاسلكي الذي أطلقته مؤسسة الجرحى هو "تعافينا"، مضيفاً "لأنهم نهضوا ولأننا نهضنا بهم". وأضاف أنه "في ما يخص الحملة الإعلامية المرتبطة بالمناسبة، وبالنظر إلى ما شهدناه من نهوض متسارع للجرحى وانتشارهم في مختلف الميادين، حيث عاد بعضهم حتى إلى ميدان العمل، كان لا بد من إطلاق حملة تعبر عن هذا النهوض".
خدعة "الموساد" في عملية "الزر الأحمر"
في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024، وخلال مقابلة مع البرنامج الأميركي "60 دقيقة" على شبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية، قدم اثنان من عملاء الموساد السابقين اللذين أدارا عملية تفجير أجهزة النداء الخاصة بالحزب، تفاصيل جديدة لم يكن قد كُشف عنها سابقاً، وتحدثوا عن الخطة الأولية والسرية التي جرت خلال السنوات التي سبقت انطلاق العملية في سبتمبر من ذلك العام.
وأطل العملاء، وتحت أسماء مستعارة "مايكل" و"غابرييل" مع إخفاء وجوههم وأصواتهم المشوهة، وتحدثوا عن كيفية تطوير الموساد مجموعة معقدة من الشركات الوهمية دولياً لتوزيع الأجهزة التي تم الاستيلاء عليها. وقال أحدهما، المدعو مايكل، "لدينا مجموعة كبيرة من الإمكانيات لإنشاء شركات أجنبية لا يمكن ربطها بإسرائيل. نحن ننشئ عالماً متخيلاً. نحن المخرجون والمنتجون والممثلون والعالم هو المسرح"، موضحاً، "لقد حصلوا على سعر جيد". وفقاً للتقارير كان "حزب الله" قد اشترى أكثر من 16 ألف جهاز ظلت خاملة لمدة عقد من الزمن، وفي وقت لاحق، امتد النشاط أيضاً إلى أجهزة التتبع.
وأنشأت المؤسسة شركة وهمية في هنغاريا اشترت الأجهزة من شركة "غولد أبولو" في تايوان، بل وقامت بتعيين بائعة في الشركة لتسويق الأجهزة المطورة.
وقال العميل الآخر، غابرييل، "لقد فعلنا ذلك في فيلم 'ذا ترومان شو'، حيث لم يعرفوا ما كان يحدث خلف الكواليس". وكشف عن إجراء تجارب مكثفة بالدمى، لضمان إصابة الهدف بشكل مركز فقط، كما تم تكبير الأجهزة لحقن كافة المواد المتفجرة اللازمة فيها. وأضاف، "قمنا بفحص كل شيء مرتين و3 مرات حتى لا يلحق أي أذى بأبرياء. حتى أن المؤسسة اختبرت نغمات رنين مختلفة لزيادة كفاءة التشغيل إلى الحد الأقصى". وتابع المدعو غابرييل، "اعتقد القادة في الموساد أن الكاشف الذي صنعناه كان ثقيلاً جداً وأن 'حزب الله' لن يوافق على شرائه، لكنهم أقنعوه وأنشأوا إعلانات مزيفة على موقع 'يوتيوب' حيث تم تقديم الجهاز على أنه قوي ومتين بشكل خاص. كما طلب مشترون عاديون أيضاً شراء الجهاز، لكن لم يحصلوا عليه". ووفقاً للعميلان فإن الهدف لم يكن القتل، بل التعطيل.
موازين الحرب
عملياً كان لهذا الأمر تأثير فوري على عمليات "حزب الله" لاحقاً ضد إسرائيل، إذ توالت الاستهدافات لمراكزه وعمليات الاغتيال التي طاولت عدداً كبيراً من قادته، وصولاً إلى أمينه العام، ورئيس قسم التحقيقات الداخلية في الحزب، نبيل قاووق.
ويفند الكاتب السياسي سمير سكاف رواية عملاء الموساد مع شبكة "سي بي أس"، ويقول إن تصريحاتهم، "أوحت أن عميلاً واحداً على الأقل كان موجوداً مع السيد حسن نصرالله لحظة تفجير البيجر، أو أن هذا العميل، إن لم يكن موجوداً في الغرفة نفسها، استطاع معرفة ما جرى مع السيد نصرالله. ونقل أجواء نصرالله المكتئبة للموساد الاسرائيلي".
وكانت إسرائيل نظمت عمليات تكريم عدة خلال العام الفائت، لفريق الموساد "الذي خطط للعملية خلال سنوات ونجح في تنفيذها بشكل كبير"، وفقاً لسكاف.
وتابع الكاتب السياسي أنه "إذا كان الموساد نجح في عمليتي تفجير البيجر واللاسلكي فيعود ذلك إلى حجم الموازنة الضخمة جداً التي خُصصت للعمليتين وإلى الخطة الموضوعة وإلى المجال الزمني الكبير جداً الذي اعتُمد، من دون حرق الوقت أو المراحل. وحتى إن إمكانية تفعيل العمليتين كان يمكن أن تحصل قبل 17 سبتمبر بوقت طويل. ومع ذلك، فالموساد لم يقم بذلك، إلى أن حلت ما اعتبرها اللحظة المناسبة، والتي كانت بعد فترة طويلة على بداية الغارات والتدمير، ولم تكن في الأيام الأولى للحرب".
وبالعودة إلى تقرير وكالة "أسوشيتد برس"، فجاء فيه إن "إسرائيل تتباهى به (هجوم البيجر) كدليل على براعتها التكنولوجية والاستخباراتية. وقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أخيراً هدية للرئيس الأميركي دونالد ترمب عبارة عن بيجر ذهبي". لكن تقارير حقوق الإنسان والأمم المتحدة تقول إن الهجوم ربما انتهك القانون الدولي، ووصفته بأنه عشوائي.
إسرائيل تعترف
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى، بمسؤولية إسرائيل عن تفجير أجهزة "البيجر". ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن نتنياهو، حينها أنه "لم يستمع إلى التحذيرات". وأشارت الهيئة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يرفضون تأكيد أو نفي تورط إسرائيل رسمياً في العملية الاستخباراتية، وهذه هي المرة الأولى التي تتحمل فيها إسرائيل المسؤولية عن الحدث الذي أثار ردود فعل عاصفة في جميع أنحاء العالم. وصرح نتنياهو أن "عملية تفجير أجهزة البيجر واغتيال الأمين العام لـ'حزب الله' حسن نصرالله، وقعا على رغم معارضة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والمستويات السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تركيا على الخط
وكان الحزب قد أقر بأن معظم الجرحى والقتلى كانوا من مقاتليه أو أفراده. لكن الانفجارات المتزامنة في المناطق المأهولة بالسكان أصابت أيضاً العديد من المدنيين مثل سارة، التي كانت واحدة من أربع نساء إلى جانب 71 رجلاً تلقوا العلاج الطبي في إيران. ولا يذكر "حزب الله" عدد المدنيين الذين أصيبوا، لكنه يقول إن معظمهم كانوا من أقارب أعضاء الحزب أو العاملين في مؤسسات مرتبطة به، بما في ذلك المستشفيات.
وفي مايو (أيار) الماضي ذكرت وسائل إعلام تركية أن جهاز الاستخبارات التركية صادر في سبتمبر 2024، حمولة طائرة تتكون من 1300 جهاز بيجر من النوع ذاته الذي انفجر في لبنان. وأضافت وسائل الإعلام أن الأجهزة كانت على متن طائرة آتية من تايوان ومتجهة إلى لبنان مروراً بمطار إسطنبول، وأن عملية الاستخبارات جرت في أرض مطار إسطنبول بعد رفع مستوى الأمن للحالة القصوى، لتمكين أطقم أمنية متخصصة بالمتفجرات من تفكيك أجهزة البيجر. وبعد التفكيك، تبين أن أجهزه البيجر تحتوي على متفجرات صغيرة الحجم تم حقنها في بطاريات الأجهزة، وأنها قابلة للتفجير عن طريق إرسال إشارات عالية الكثافة.
ووفقاً لتقرير "أسوشيتد برس" فإن أجهزة البيجر، كانت جزءاً أساسياً من شبكة اتصالات "حزب الله".
وكان نصرالله حذر مراراً وتكراراً من استخدام الهواتف المحمولة. وقال إن إسرائيل يمكنها تتبعها بسهولة. ومع تعطل أجهزة الاستدعاء القديمة، طلب الحزب أجهزة جديدة، وهنا باعت إسرائيل الأجهزة المزورة من خلال الشركات الوهمية التي تحدث عنها عنصرا الموساد.
وفقاً لمسؤول في "حزب الله"، طلبت الجماعة 15 ألف جهاز بيجر. وصل منها 8 آلاف جهاز فقط، ووزِّع ما يقرب من نصفها على الأعضاء. وكان تم اعتراض الأجهزة الأخرى في تركيا بعد أيام من الهجوم عندما أبلغ "حزب الله" المسؤولين هناك. وبحسب تحقيق لـ "حزب الله" فإن شراء أجهزة الاستدعاء المزورة كان نتيجة إهمال، وتمت تبرئة مسؤوليه من شبهات التعاون مع إسرائيل، بحسب ما قال المسؤول، الذي تحدث للوكالة شريطة عدم الكشف عن هويته.
كسر "هيبة الأمان"
أثارت "واقعة البيجر" نقاشاً واسعاً في لبنان والعالم العربي حول خرق السيادة، والمسؤولية القانونية والأخلاقية لما يُقال إنه تدخل أجنبي داخل البلاد. وهي أول عملية من نوعها على مستوى الهندسة الاستخباراتية لسلسلة التوريد، حيث جرى استبدال المواجهة التقليدية، صاروخ مقابل صاروخ، غارة مقابل رد، بعمق تكنولوجي جعل الحزب يكتشف أنه مكشوف حتى في "أدواته البسيطة" التي ظن أنها الأكثر أماناً.
هذا الاختراق أحدث ثلاثة انقلابات متتالية. على الصعيد النفسي، فجأة، لم يعد المقاتل مطمئناً حتى إلى جهاز نداء على خاصرته. الخوف من الانفجار في اليد أو على الأذن ولد ارتباكاً داخلياً وشعوراً بأن العدو حاضر داخل تفاصيل الحياة اليومية. وهذا كسر "هيبة الأمان" التي بناها الحزب في بيئته. أضف إلى الانقلاب التقني، إذ أظهر التفجير أن إسرائيل تمتلك القدرة على إدخال متفجرات دقيقة داخل بطاريات عادية من دون أن تُكشف، ما يعني أن أي شحنة لوجستية قد تكون "ملغومة". وهذا جرّد الحزب من أحد أهم عناصر قوته، الثقة بمصادر السلاح والاتصالات، وفرض عليه إعادة هيكلة كاملة لأنظمة الفحص والتأمين.
إلى ذلك، أحدثت العملية انقلاباً استراتيجياً، فبعد الاعتراف الإسرائيلي غير المباشر ثم المباشر بالمسؤولية، بدا أن "حزب الله" لم يعد قادراً على ضبط ميزان الردع. ولم يستطع الرد بشكل موازٍ أو ابتكار معادلة جديدة. بل على العكس، انكشفت هشاشته في المجال الذي طالما تباهى بأنه "الحرب الذكية" أي الحرب الإلكترونية والاتصالات السرية. وفقد الحزب قدرة التعطيل النفسي المقابِل لدى خصمه.
لماذا كانت "البيجر" نقطة انعطاف لا حادثاً عابراً؟
من حيث تصميم الإصابة، فالجهاز يوضع على الخصر أو قرب الوجه، فالأثر النفسي أكبر من قذيفة أو تفجير أو غارة بعيدة. وبهذا جرى تعميم الشك في صفوف الحزب، لأن الاستهداف لم يطل قيادات فقط، بل كل عنصر أصبح هدفاً محتملاً عبر أداة يستخدمها يومياً.
من هنا فإن مرحلة التعافي النفسي والجسدي دخلت مرحلة معقدة، لأنه من الممكن استبدال الأجهزة، لكن استعادة الثقة أصعب بكثير وتتطلب وقتاً وخبرة وفحوصاً متقدمة. كذلك فإن السلاح قابل للتكرار، صحيح أن الكلفة عالية ولكن الفاعلية هائلة، وذلك يكفي لردع تكتيكي ممتد.
إجراءات "حزب الله" والاعترافات الداخلية
بعد الحادث، أقر "حزب الله" بأن هناك "ثغرات أمنية" في مراقبة سلسلة التوريد الخاصة به، وأنه لم يكن على دراية كاملة بخطورة نوع البطاريات المستخدمة أو قدرتها على احتواء المتفجرات. كذلك اعترف بأن الفحوصات التي أجريت لم تكن كافية، مثلاً الفحص بالأشعة السينية لم يكتشف شيئاً مريباً، رغم ظهور مؤشرات مثل سرعة انتهاء البطارية أسرع من المتوقع.
في المحصلة، صارت "البيجر" رمزاً لهزيمة مركبة، هزيمة في الميدان المعنوي، وهزيمة في المجال التكنولوجي، وهزيمة في إدارة صورة الردع أمام الداخل اللبناني والخارج الإقليمي. ومن هنا يمكن القول إن هذه العملية لم تُفقد "حزب الله" العشرات من عناصره وآلاف الجرحى فحسب، بل كشفت حدود بنيته الأمنية والعسكرية، وفتحت الباب لانحدار تدريجي في قدرته على فرض إيقاع الحرب، بما يُشبه الاندحار الصامت الذي يتراكم حتى ينعكس سياسياً وعسكرياً على وجوده.