Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشارلي كيرك... نقطة تحول بين اليمين واليسار

ما هو مستقبل صراع المحافظين مع القوى الليبرالية واليسارية في الداخل الأميركي

تبدو مقاطع تشارلي كيرك في الحرم الجامعي، ممتعة للمشاهدة في أعين متابعيه ومؤيديه (حساب كيرك على فيسبوك)

ملخص

بدا تشارلي كيرك حجر زاوية للفكر المحافظ ذي الملمَح والملمس الديني والإيماني، رجل يعمل على عودة أميركا اليوتوبية الطهرانية مرة جديدة، ولهذا بدا كمغناطيس هائل لجذب كافة الأصوات المحافظة، من ولاية واشنطن في شمال البلاد، مروراً بالعاصمة (واشنطن دي سي)، وصولاً إلى تكساس في الجنوب، ومن حدود نيويورك في الشرق إلى ساحات كاليفورنيا في الغرب.

للصيف الثاني على التوالي يتواصل العنف اللامركزي في الداخل الأميركي، وتستمر التهديدات والهجمات ضد الشخصيات السياسية هناك.

تبدو الولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة في مواجهة عنف السلاح والسياسة معاً. قبل ثلاثة أشهر أطلق مسلح ملثم النار على اثنين من نواب ولاية مينيسوتا، مما أسفر عن مقتل أحدهم. جاء الحدث بعد شهرين من إشعال النار في قصر جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا، بينما كان يغط في النوم هو وعائلته. وفي خضم حملته الرئاسية تعرض دونالد ترمب لمحاولتي إغتيال لا يزال يشوبهما الغموض.


ما الذي جرى للأمة الأميركية الديمقراطية؟

الأصل في تلك المجتمعات أنها عادةً ما تعرف تباينات في الرأي، لكن الرأي يُرد عليه بالرأي، لا أن تُقابل الكلمات بالرصاص. هنا يقول بعض المؤرخين إن أميركا مجبولة على العنف السياسي منذ بدايات تكوينها، فالرجل الأبيض تمدد من الساحل الشرقي عند المحيط الأطلسي، إلى الساحل الغربي على المحيط الهادئ بقوة النار والبارود، فهل الحاضر يشبه الماضي؟

غالب الظن أن هناك أمر مختلف في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ بداية ولاية الرئيس ترمب الأولى في 2017، حيث بات السجال الداخلي على أسس من العرق، والقومية الدينية، ومنطلقات دوغمائية تراثية.

بدا التيار الأميركي المحافظ وكأن صحوة ما تلفه بقوة كبيرة، وما من شك أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والفوز الكاسح لترمب، أثبت للكثيرين أن هناك زمناً يكاد يكون مشابهاً لفترة الثمانينيات، حين جرت رئاسة رونالد ريغان برسم مواجهة قوة الشر السوفياتية.

اليوم ومع اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك، يتساءل المتابعون: "هل أميركا على عتبة صراع سياسي جديد يقوده المحافظون في مواجهة أعداء جمَلهم كيرك في الووكيزم wokeism والماركسيين والإسلاميين؟".
يبدو الجواب مخيفاً، ذلك لأن الرصاصة التي أودت بكيرك، كفيلة بأن تجعل منه راية لحركة قومية يمينية عاتية، وتوجهاً محافظاً يأخذ الولايات المتحدة لجهة الإمبراطورية الرؤيوية الدوغمائية وبعيداً جداً عن "جمهورية الآباء المؤسسين"، ما يعني أن قراءات بنجامين فرانكلين وقت التأسيس: "جمهورية لو استطعتم الحفاظ عليها"، في طريقها للتحقق.

من أين لنا أن نبدأ؟


أميركا وعنف محافظ لا مركزي

في سن الثامنة عشرة، بدأت مهارات كيرك السياسية بالتجلي، لا سيما بعد أن أسس منظمته المثيرة والخطيرة في الوقت ذاته، والتي أطلق عليها اسم "نقطة تحول الولايات المتحدة الأميركية".

أصبحت منظمة "نقطة تحول" في الداخل الأميركي، أهم منظمة سياسية محافظة في البلاد. ونمت بفضل نمو تشارلي. لقد حوّل نفسه إلى متحدث بارع ومناظر موهوب. تفوّق في جمع التبرعات على أي شخص آخر في الساحة السياسية.
بدا تشارلي حجر زاوية للفكر المحافظ ذي الملمَح والملمس الديني والإيماني، رجل يعمل على عودة أميركا اليوتوبية الطهرانية مرة جديدة، ولهذا بدا كمغناطيس هائل لجذب كافة الأصوات المحافظة، من ولاية واشنطن في شمال البلاد، مروراً بالعاصمة (واشنطن دي سي)، وصولاً إلى تكساس في الجنوب، ومن حدود نيويورك في الشرق إلى ساحات كاليفورنيا في الغرب.

تبدو مقاطع تشارلي في الحرم الجامعي، تشارلي المتحمس، ممتعة للمشاهدة في أعين متابعيه ومؤيديه، لكن البعض مثل الكاتب الأميركي "بن شابيرو"، يعتبرون أنها لا تنصفه تماماً.
خلف الكواليس، كان تشارلي عميق التفكير، يبحث باستمرار عن سبل لبناء التحالفات وتنميتها. إنها مهنة مرهقة، وتأتي معها آلام وأوجاع. لم يتقنها أحد أفضل منه. هكذا انتهى المطاف برجل لم يلتحق بالجامعة قط مقرباً من رئيس الولايات المتحدة، بل عاملاً رئيساً في فوزه المؤزر في نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، كذلك جمعته صداقة قوية مع نائب الرئيس جاي دي فانس.

أظهرت فاعليات تشارلي نمواً هائلاً في الحركة الأميركية السياسية المحافظة، والتي سلبها الشاب الصاعد بحسن بيانه، ووسامة وجهه، وربما شكلت اللافتة التي رفعها دوماً في كل أنشطته "غيّر وجهة نظري برأيك إن استطعت"، مدخلاً ليبرالياً لأفكار مغرقة في اليمينية.

استطاع تشارلي أن يجمع قلوب المحافظين، والمتدينين، وكل كارهي اليسار الأميركي الذي أغرق البلاد في حالة من الفوضى الأخلاقية، وتقنين مسألة التنوع الاجتماعي، أي تضمين كافة مؤسسات الدولة للمثليين جنسياً.
نجح تشارلي في جذب جميع التيارات الأميركية البيضاء التي لديها هواجس من أن يضحى الرجل الـ"واسب" WASP Wealthy Anglo-Saxon Protestants قريباً، أقلية عرقية بسبب الهجرات المتتالية، أو أقلية دينية من جراء الأديان المغايرة التي تتصاعد أرقامها.
في الأثناء نجح تشارلي في مغازلة أولئك الذين يرون أن الأسرة الأميركية التي تفككت، هي عماد الجمهورية الأميركية، وإليها يجب أن تعود أميركا مرة جديدة بقوة ليشرق فجرها الذهبي في الداخل أولاً، ثم على بقية أرجاء العالم تالياً.

هل كان هذا التوجه كفيلاً بإطلاق طاقات العنف القائمة في نفوس اليسار والليبراليين الأميركيين؟

من عند جون كيندي، وأخيه روبرت، مروراً بمارتن لوثر كينغ، ومالكوم إكس، تبدو موجات العنف السياسي الأميركي متصاعدة وبصورة يشوبها الغموض، ما يطرح أسئلة عدة عن اليد الخفية التي تحاول العمل على وقف نمو التيار المحافظ.

تبدو الكارثة الحقيقية في قناعات الكثيرين من هؤلاء، بأن خصومهم السياسيين ليسوا مجرد خصوم، بل أعداء، ويشكلون تهديداً لوجودهم وغالباً ما يتعزز هذا التمسك من جانب جهات هامشية في الفضاءات الإلكترونية التي تُعلي من شأن الانتشار السريع وتجسد التجاوزات العاطفية. ثم ينطلق هذا التمسك من عالم الإنترنت إلى الحياة الواقعية، مخلفاً عواقب وخيمة ودموية. هل نجح كيرك في أن يتحول إلى الرقم المحافظ الصعب في المسار التاريخي الأميركي المحافظ؟


ملامح الرؤية المحافظة الجاذبة لكيرك

من خلال رؤية تحليلية للعديد من خطابات كيرك ومداخلاته، والتي كان عازماً على أن يضمنها في كتاب قبل اغتياله، يمكن للمرء القطع بأنه آمن إيماناً عميقاً بأن الموقف الذي يمس بالمحافظ، إنما يستند إلى مجموعة من المشاعر، لا إلى منظومة من العقائد الأيديولوجية. وبدا من الصحيح بالنسبة له أن المحافظ هو الشخص الذي يعتقد أنه كذلك. ويمكن للحركة أو الرأي المحافظ أن يستوعب تنوعاً كثيراً في الآراء حول العديد من الموضوعات، إذ لا يوجد قانون اختبار محدد لعقيدة المحافظين.

عبر 13 عاماً، أي منذ استهل رحلته السياسية المحافظة، شكّل كيرك عدواً واضحاً لصناعات ذات حضور قوي وفاعل في السوق الأميركية، من نوعية المواد الإباحية، والمراهنات الرياضية، ووسائل التواصل الاجتماعي غير الهادفة.
اعتبر كيرك أن هذه جميعها تمثل ثقوباً في جدار الأمة الأخلاقي، حيث تضعف المناعة النفسية لأطفال أميركا وبالتالي أجيالها القادمة، وتفسد براءتهم، وتفرغ قدرتهم على الحب والمسؤولية.

كان من آراء كيرك أن الحكمة تقتضي على أقل تقدير، مساءلة وتنظيم مثل هذه الصناعات بحزم وصرامة.
في قلب اهتمامات كيرك، كانت العائلة، وهو الأمر ذاته الذي يؤكد عليه الرئيس التنفيذي لمؤسسة "هيرتاج" الأميركية المحافظة، كيفين كيرتس.
نظر كيرك إلى بعض القطاعات الأميركية بوصفها عائقاً في طريق الشباب الأميركي لتكوين العائلة، مثل قطاع البناء، إذ حالت القيود التنظيمية المفرطة دون قدرة الأزواج الشباب على تحمل تكاليف امتلاك منزل لتربية أطفالهم. ومن هنا اعتبر أن الحكمة تقتضي تحرير هذه القطاعات فوراً.

كرّس كيرك جهوداً ماورائية لفكرة العائلة، من قبيل تسخير التكنولوجيا لخدمة خصوبة الشباب الأميركي، ورأى أن هناك تطورات في الطب والعلوم تساعد الأزواج على التغلب على العقم وتساعد على شفاء الأطفال قبل ولادتهم، وتجعل الحياة الأسرية أكثر أماناً وإزدهاراً، وأنه من الحكمة قبول تلك التطورات.
أظهر كيرك مواجهة مخيفة لتقنيات الاستنساخ، والتلقيح الصناعي، والفحص الجيني، وتأجير الأرحام، واستخدامات معينة للأرحام الاصطناعية، وجميعها في تقديره كانت تسعى إلى تجاوز الحياة الأسرية أو حتى استبدالها كلياً.

عطفاً على ذلك، ظهر جلياً أن لكيرك آراءً منافية ومجافية لفكرة "بوتقة الانصهار الأميركية"، أي التنوع العرقي الذي قامت عليه الولايات المتحدة، بل إنه ذهب إلى أكثر من العرقي لجهة الأيديولوجي.
حاجج كثيرون بأن كيرك عنصري عرقي من جانب، ومؤدلج ضد الماركسيين من جانب آخر، عطفاً على عدائه الظاهر للإسلام والذي لم يواريه أو يداريه، ما جعل منه وعن حق قوة محافظة قوية، فاعلة تجتمع عليه الأصوات المشابهة في الداخل الأميركي، ولا نغالي إن قلنا إن هناك توجهاً أوروبياً مشابهاً ظهرت معالمه في تظاهرات لندن ضد الهجرة والعنصرية قبل أيام، والذي شارك فيه ستيف بانون المستشار السابق لترمب، والقوة اليمينية الكاسحة السابقة.

هنا يبدو من الطبيعي أن صوت كيرك أزعج الملايين من الأميركيين المختلفين معه في الآراء، كما أسعد ملايين آخرين من التيارات المحافظة، وعليه بات التساؤل ما الذي غيّره اغتيال كيرك؟


عما بعد اغتيال كيرك أميركياً

"اغتيال تشارلي كيرك قد يغير كل شيء"، هكذا كتب سكوت ماكونيل المحرر المؤسس لمجلة "ذا أميركان كونيسرفاتيف"، ومؤلف كتاب "المحافظ الجديد السابق: تقارير من الحروب الأيديولوجية بعد 11 سبتمبر". ويضيف، "من المرجح أن يكون اغتيال تشارلي كيرك نقطة تحول، مع أن الاتجاه بعد هذا التحول، ليس واضحاً تماماً. من منظور عقد من الزمان، سيبدو ما سيأتي منطقياً وقابلاً للتفسير، بل حتمياً. لكننا الآن في منتصف الطريق، ولا شيء واضحاً".

ما دلالة هذه الكلمات المثيرة إلى حد الخوف؟

يبدو أن هناك معركة فكرية يمكن أن تتحول إلى صراع داخلي مخيف، تجري بها المقادير في الداخل الأميركي، لا سيما في ظل وجود عدد كبير من اليساريين، مستعدون للقول علناً إن كيرك كان يستحق القتل.
والشاهد أنه ما من أحد قادر على التنبؤ بمآلات اغتيال كيرك، والذي قد يُنظَر إليه يوماً ما على أنه خطوة أولى على الطريق نحو تحول جذري.

لم يكن ماكونيل هو أول من ألمح إلى تبعات العنف السياسي الذي تجسد في مقتل كيرك، ففي الصباح التالي لعملية الاغتيال، صدرت صحيفة "نيويورك تايمز" العريقة والرصينة صفحتها الأولى، بمقال موسع، أشارت فيه وبوضوح حرفي إلى مخاوف الحرب الأهلية المحتملة.

تبدو الظروف المهيِّئة للحرب الأهلية في الولايات المتحدة قائمة، وفقاً لعدد متزايد من ذوي المعرفة، كما هي الحال في معظم دول الغرب. وبحسب ماكونيل أيضاً، أدى التشرذم العرقي الناجم عن الهجرة الجماعية إلى زعزعة الشعور بمجتمع وهوية مشتركَين، كان لديهم جميعاً قبل 50 عاماً، وهو شعور ساعد في ضمان اعتبار الأيديولوجيات المتطرفة، في نهاية المطاف، متطرفة.

ما الفرق بين العنف السياسي الأميركي في الستينيات والسبعينيات وبين الحال اليوم؟

الثابت أنه في الستينيات والسبعينيات، كان هناك عنف سياسي أكثر مما هو عليه اليوم، ولكن كان هناك إجماع مشترك حول ما هو أميركي عادةً وما هو ليس كذلك. لم يكن أحد يبالي كثيراً بما إذا كان أبناؤهم سيتزوجون جمهوريين أم ديمقراطيين. الآن يفعل معظمهم ذلك. في الولايات المتحدة اليوم، نادراً ما يأتي اليسار الأكثر ضراوة من المهاجرين الجدد أو أحفادهم، ولكن فقدان التماسك المجتمعي العام الذي يسمح له بالازدهار، ينبع من التعددية الثقافية وعدم الاستقرار الاجتماعي الناتج منها.
يرى المحافظون الأميركيون اليوم أنه من حيث توقيته، يتزامن اغتيال كيرك بشكل غريب مع التغطية الإعلامية التي كتمت لأسابيع مقتل اللاجئة الأوكرانية إيرينا زاروسكا على يد مهووس أسود في شارولت بولاية كارولينا الشمالية. كانت جريمة القتل في وسائل النقل العام نتيجة واضحة لمبادئ إنفاذ القانون والإصلاح القضائي التقدمية، التي روّجت لها بلا هوادة مؤسسات يسارية كبرى.
من هنا يبدو أن الجريمتين تعززان بعضهما البعض كدليل على تطبيق الأيديولوجية اليسارية الحالية. أضف إليهما الاحتفاء الواسع بالقاتل "لويجي مانجيوني"، ويبدو من الصعب إنكار أن عبادة العنف تتفشى في اليسار الأميركي المعاصر.

 هل يعني ذلك أن زمن المد اليميني المحافظ آتٍ لا محالة؟


الكونغرس... تعنت اليسار ورد المحافظين

لا يبدو المشهد الداخلي الأميركي مبشراً لجهة المواجهة الفكرية بين اليمين واليسار، لا سيما أنه ما من أحد ضامن لعدم انفلات المشهد العبثي بالعنف غير المركزي، أي ذاك الذي يعمل من غير هيراركية (تراتبية) واضحة، بل من خلال "ذئاب فكرية فردية" وإن تمت أدلجتها مسبقاً في حواضن حزبية أو إعلامية.
من هنا ربما لن تشهد أميركا انخفاضاً ملحوظاً في الخطاب المشجع على العنف من قبل كبار السياسيين الديمقراطيين، ولو أدان معظمهم جريمة قتل كيرك.

هل ما جرى في الكونغرس، السلطة التشريعية في البلاد، يدلل على أن الآتي قد يكون أسوأ؟

غداة اغتيال كيرك، وفي الجلسة الصباحية لمجلس النواب، طلبت النائبة الجمهورية، لورين بويبرت من كولورادو، لحظةً للصلاة من أجل كيرك، لكن الديمقراطيين اعترضوا على ما قالوا إنه سيكون خرقاً للبروتوكول.
في الأثناء صرخت النائبة الجمهورية، آنا بولينا لونا من ولاية فلوريدا، والتي عملت مع كيرك في مؤسسة "نقطة تحول في الولايات المتحدة"، في زملائها الديمقراطيين، "لقد تسببتم في هذا"، أي بمقتل كيرك.
تحولت لحظة الصمت التي خيمت على قاعة مجلس النواب الأميركي إلى مشادة كلامية حادة بين الجمهوريين والديمقراطيين. لقد صرخ الديمقراطيون: "ماذا عن أطفالنا في كولورادو؟ في إشارة إلى حادثة إطلاق نار في مدرسة بولاية كولورادو وقعت في توقيت مقارب لاغتيال كيرك.

فردت النائبة بويبرت بأنها كانت على وشك الإشارة إلى تلك المأساة قبل أن تُقاطع.
كان أحد مصادر إحباط الديمقراطيين هو الاعتقاد بأن الموافقة على طلب بويبرت للصلاة من شأنه أن يشكل خروجاً عن الإجراءات القياسية في مجلس النواب.

المؤلم في مشهد التشظي الأميركي، وما ينبئ بأن التيار المحافظ سيتعاظم مده، الرفض لفكرة أميركا المتدينة، أو أميركا ذات الجذور الإيمانية.
على سبيل المثال، قال عضو لجنة إدارة مجلس النواب جو موريل، الديمقراطي من نيويورك، لوكالة "أكسيوس"، إن قول الصلاة على أرضية مجلس النواب رداً على مأساة هو شيء "لا نفعله حتى بالنسبة للأعضاء الساقطين". وأضاف، "لدينا نظام نتبعه مع الجميع، وعندما ننتهكه ونخلق استثناءات، فإن ذلك يؤدي إلى هذا الشعور بعدم الارتياح وأعتقد أن هذا ما حدث في تلك اللحظة، نوعاً ما".
هنا تبدو المعركة في طريقها للانتقال من مستوى أيديولوجي إلى آخر دوغمائي، لا سيما مع منع الديمقراطيين رئيس مجلس النواب مايك جونسون من الصمت للحظة من الصلاة، وهو ما وصِف بأنه أمر مثير للاشمئزاز. فهل رد الفعل المحافظ المقبل مخيف على أجواء أميركا السياسية حقاً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جيوش تشارلي كيرك المحافظة المقبلة

من معهد كليرمونت المحافظ في الداخل الأميركي، وبعد ساعات قليلة من اغتيال كيرك، أسبغ عليه بعضهم وصف "الشهيد".

 كتب جوشوا تريفينيو وهو مستشار أول للرئيس، وزميل أول في مبادرة نصف الكرة الغربي بمعهد "أميركا أولاً" للسياسات، واصفاً كيرك بأنه "شهيد الأمة". ويضيف، "هذا هو من اختاروا: الرجل اللطيف الذي كان عمله الرئيس إجراء مناظرات سياسية صادقة مع طلاب الجامعات. الرجل الذي منذ أبوته، كان يتجه أكثر نحو المسيحية كهدف وموضوع. كان حزيناً بلا شك. لكنه لم يكن قريباً من الحدود القصوى للتقاليد الأميركية، بخاصة بالنظر إلى تمسكه الدائم بالعقيدة اللينكولينية (نسبة إلى الرئيس الأسبق أبراهام لنكولن) كقوة استقرار في نظام سياسي يتفكك ببطء".
هنا يعن لنا أن نقف ونتأمل ملياً في هذه الرؤية لكيرك، حيث يبدو في أعين مريديه أقرب من يكون إلى سقراط في الساحة العامة الأميركية.

يقول أحدهم، "كان المثقفون اليساريون الذين سخروا منه بوصفه الساذج الذي يروج لأفكاره البسيطة ومغالطاته المبتذلة، وبقيادته المتعالية، سيضحكون من هذا التشبيه. لكن هذا ليس أقل صدقاً. لقد جادل بودٍّ وإنصاف، وبلا هوادة حتى ضاقوا ذرعاً به. ومثل سقراط أمروا بقتله". ماذا لو صدق ملايين من الأميركيين المحافظين هذه الرؤية المخيفة؟

باختصار مفيد، ستكون النتيجة مشابهة لما جرى بعد مقتل سقراط، سيبذل طلابه جهوداً أكبر لمناصرة قضيته، وهو ما قالته زوجته في خطاب نعيه. ستكون الفاعليات والندوات والشعارات أكبر بعد موته، وقد تجلى تبرير سقراط في تأليهه من خلال أدبيات أفلاطون وزينوفون. وبعد آلاف السنين، لا يزال الجميع يتذكر هذا الفيلسوف. لكن قلة قليلة منهم تعرف من أنهى حياته.

المخيف في حديث جوشوا تريفينيو، أنه يتوقع نشوء وارتقاء من يطلق عليهم اسم "جيوش تشارلي كيرك الشهيد"، حيث يتوقع أن يكونوا أوسع نطاقاً بكثير، ولن يقتصر وجودهم على حفنة من الأثينيين، بل ستمتد رؤيته إلى ملايين من الأميركيين. لن يكون عمل هؤلاء هو الأدب الفلسفي، بل في عمق تغيير السياسات الأميركية في السنوات المقبلة. وأي فائدة تعود على الحزب الجمهوري ستكون عرضية فحسب. سيتكلم الأميركيون عن عالم السياسة الأساسية، التي تُعنى بطبيعة الأمة واستخدام السلطة من أجل الصالح العام. وسيخرج جيل الأميركيين الذي صاغه تشارلي كيرك استنتاجات حول كلتا المسألتين، من حياته وموته على حد سواء.
سينادي المحافظون الأميركيون اليوم، بأن الحركة التي أسهمت في التعجيل بقتل تشارلي ستدرك أنها ارتكبت خطأً كبيراً بل قاتلاً.
يقول دعاة اليمين المحافظ، أن كيرك وترمب وكل من يكرههم من اليسار والليبراليين الأميركيين بعمق اليوم، سيندمون على زمنهم، ويبكون على أيامه، ذلك لأنهم سيكتشفون أنهم كانوا دعاة للاعتدال ويمكن التعايش معهم ولم يطالبوا باستئصالهم.
سيخبر اليسار الأجيال القادمة بأن ترمب وكيرك، كانوا من اليمين المهيمن لكن السعيد بقبول فكرة المناظرة والحوار، والغلبة بالأفكار لا بالرصاص.
هل يعني ذلك أن أجيالاً يمينية محافظة مرعبة ستخرج من رحم أميركا في قادم الأيام، مسلحة لا ببندقية معظمة تغتال شاباً أعزل في حرم جامعي يناقش كسقراط تلاميذه، بل بأدوات الذكاء الاصطناعي الجهنمية، تلك التي وصفها بطريرك السياسة الأميركية بأنها "ديكتاتور خالد"؟

اليوم يبدو نشيد المحافظين الأميركيين هو نشيد الروائي الأميركي هنري ميلفيل:

"فإنهم قتلوه برحمته

في جنونهم وعميهم

ودمه على أيديهم

هناك بكاء القوي

وكفن على الأرض

ولكن الناس في بكائهم

اكتشفوا اليد الحديدية

لكن

احذروا من الناس الباكين

عندما يظهرون اليد الحديدية"

هذا ما يراه ويقوله المحافظون، ما يدفعنا إلى التساؤل: "أي مصير ينتظر أميركا بعد اغتيال تشارلي كيرك؟
أما السؤال الأكثر خطورة والذي يخيف العالم برمته وليس الأميركيين فحسب، فهو "هل هذه هي نهاية أعمال العنف السياسي في الداخل الأميركي، أم بداية لشلّال الدم الذي ما إن يتوقف لا ينفك يبدأ من جديد؟

هذا هو السؤال الآن وهنا وإلى أجل بعيد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات