ملخص
أبرز إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر سبتمبر 2025 تشمل مذكرات أرونداتي روي، وكتاباً تاريخياً عن ديدوود، ورواية جديدة لإيان ماكيوان، إلى جانب سير وروايات أخرى تتناول قضايا إنسانية وثقافية متنوعة.
في كتاب "النجاة في القرن الـ21" Surviving the 21st Century الصادر عن دار ڤيرسو للنشر، للمفكر نعوم تشومسكي والرئيس الأوروغوياني السابق خوسيه موخيكا، وبمشاركة مخرج الأفلام الوثائقية ساول ألڤيدريز، يجتمع صوتان استثنائيان لمناقشة أعقد قضايا عصرنا وسط ما يصفانه بـ"الفوضى". يجلس تشومسكي، الذي يلقب بـ"أب اللغويات الحديثة" وهو في الـ96 من عمره، إلى جانب موخيكا، ليقدما تأملاً حاداً وصادماً في مستقبل البشرية. يحرض الكتاب على التفكير بشدة بقدر ما هو محبط؛ إذ يذكر تشومسكي الشباب بأن السؤال الحقيقي الذي يواجه جيلهم هو ما إذا كان النوع البشري قادراً أصلاً على البقاء بطريقة لائقة، قبل أن يتركهم مع رسالته الشاملة والضرورية جداً في هذا العالم غير الأصيل: "فكّر بنفسك!".
أما كتاب "بائع الكتب في هاي: حياة وأزمنة ريتشارد بوث" The Bookseller of Hay: The Life and Times of Richard Booth للكاتب جيمس هانينغ الصادر عن دار كورسير، فيسلط الضوء على أحد الوجوه المحورية التي أسست لمهرجان "هاي أون واي" الأدبي الشهير، ذلك الحدث الثقافي السنوي الذي أصبح من أبرز محطات العام الأدبي.
لا تكتفي السيرة بتوثيق مسيرة ريتشارد بوث، بل تلتقط بوضوح أيضاً ملامح عصر مضى بطرافته وغرابته.
ويأتي كتاب "نيران أضاءت بشدة: 10 مقالات بدلاً من مذكرات" Fires Which Burned Brightly: Ten Essays in Place of a Memoir للروائي سيباستيان فولكس، الصادر عن دار هاتشينسون هاينمان، ليمنح القارئ مزيجاً بين السيرة والمقالة، بذكاء وخفة ظل. من بين فصوله واحد ممتع عن أعوامه في الصحافة، بما في ذلك تجربته في "اندبندنت"، حيث كان يقوم بتكليف إجراء مراجعات للكتب الجديدة ويحررها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نطلع على مذكرات مؤثرة بشكل خاص بين صفحات كتاب "حتى ضفاف النهر: حب وخسارة وتحرر" All the Way to the River: Love, Loss and Liberation للكاتبة إليزابيث غيلبرت، الصادر عن دار بلومزبري، حيث تستعيد صاحبة كتاب "طعام، صلاة، حب" Eat, Pray, Love قصة ارتباطها العميق بالموسيقية والمخرجة رايا إلياس، شريكتها التي رحلت بسبب السرطان عام 2018. يتناول الكتاب موضوعات الإدمان ويأخذ القارئ في منعطفات صادمة، من بينها اعتراف غيلبرت بأنها فكرت في قتل إلياس.
إلى جانب ذلك، يشهد هذا الشهر صدور مجموعة من الروايات المميزة، وأوصي بروايتين على وجه الخصوص لما فيهما من طرافة وعمق: "هل سيكون هناك شخص آخر مثلك؟" Will There Ever Be Another You لـباتريشيا لوكوود، الصادرة عن دار بلومزبري سيركس، و"كل شيء سيبتلعك" Everything Will Swallow You لـتوم كوكس، الصادرة عن دار سويفت.
مذكرات الشهر: "الأم ماري تأتي إلي" Mother Mary Comes To Me لـأرونداتي روي ★★★★★
تكتب روي في مذكراتها: "تصرفت والدتي بحدة عضو عصابة"، لكنها تقلل بذلك من حجم الأمور، فالسيدة روي الكبرى، أم الكاتبة، كان يسيطر عليها غضب من النوع الذي كان سيجعل [زعيم المافيا الشهير] آل كابون يحمر خجلاً. لم يكن والدها متواجداً أثناء نشأتها؛ فقد كان أباً مدمناً على الكحول وغائباً، وكانت الكاتبة صاحبة رواية "إله الأشياء الصغيرة" الرائعة The God of Small Things، تشير إليه أحياناً باسم "الحيوان المنوي".
ولدت أرونداتي في شمال شرقي الهند عام 1961، وقد واجهت مع شقيقها الأكبر لاليث كومار كريستوفر روي (الذي تسميه اختصاراً ل ك ر) غضب والدتهما المفرط "وسلوكها التعسفي" التي أسست وأدارت مؤسسة تعليمية تقدمية استثنائية في كيرالا. كانت توجه لابنها كلمات قاسية مثل: "أنت قبيح وغبي، لو كنت مكانك لقتلت نفسي"، وكانت تقول لابنتها: "أنت حجر عثرة مشدود إلى عنقي، كان يجب أن أتركك في دار للأيتام منذ ولادتك". كما وصفت لاحقاً محاولاتها إنهاء حملها في مراحله الأولى. ليس مستغرباً أن روي نشأت في جو "يشعرها دائماً بالخوف"، وهو ما تصفه بأسلوبها الشعري بأنه "العثة الطفيلية على قلبي".
أحياناً تبدو المذكرات وكأنها جلسة تحليل ذاتي، تحاول خلالها الكاتبة تفكيك مشاعرها المعقدة تجاه "العلاقة الهشة" مع والدتها، وتفسير سبب أن وفاة المرأة العجوز عن عمر 89 سنة عام 2022، تركتها "ممزقة ومحطمة القلب".
الكتاب أيضاً بمثابة إدانة للرجال. إذ يزخر بأمثلة عن ذكور سيئي الطبع، عنيفين ومستغلين جنسياً، من بينهم الجد الذي كان يجلد أطفاله ويفتت رأس زوجته بمزهرية نحاسية، وجد آخر كان يشم ويتلمس الملابس الداخلية لـأرونداتي وهي طفلة.
وتذكر روي أنه بينما كان الجميع يرون فيه "جداً محباً ومرتبكاً"، كانت هي تعرفه على حقيقته باعتباره "خنزيراً بحجم إنسان يرتدي نظارات، وخنزيراً برياً يشخر أثناء جلوسه قبالتي على الطاولة خلال وجبات الطعام".
تصف روي مجتمعاً تتغلغل الذكورية في أعماقه، من الأفلام المهووسة بالاغتصاب إلى المخاطر اليومية للتحرش في وسائل النقل العام، قائلة: "كان ركاب دلهي من الذكور يعتبرون النساء وجبات خفيفة يمكنهم التلذذ بها متى شاؤوا".
يمتاز هذا الكتاب المكتوب ببراعة بمستوى استثنائي من السرد والتفصيل. تصف روي فقرها وتعاطيها للمخدرات في أيام دراستها، وتهديداً بالاختطاف نجم عن الشهرة التي حظيت بها بعد ظهورها في فيلم، وفزع تجربة الإجهاض من دون تخدير. كما تكشف عن مسيرتها الأدبية والمسار الذي أوصلها إلى تحفتها الروائية "إله الأشياء الصغيرة" مع لمسة من الطرافة في وصفها لمشهد الجوائز الأدبية بعد فوزها بجائزة بوكر عام 1997.
تتسم ذكريات روي العرضية بالحدة أيضاً، بما في ذلك رؤيتها للهبيين المزيفين من حركة قوة الزهرة الذين اجتاحوا الهند في فترة مراهقتها، حيث تقول: "رأيت فيهم ضيق الأفق والمكر والعنصرية الصريحة". كما توضح سبب ارتباطها الأكبر بالأشخاص "الذين هزمتهم الحياة".
يغطي القسم الأخير من كتاب "الأم ماري تأتي إلي" فترة عملها كـ"كاتبة ناشطة"، وهو مصطلح تسخر منه قائلة إنه يبدو كالأريكة التي يمكن تحويلها إلى سرير. ولا يمكن إلا أن تعجب بشجاعتها في مواجهة الإهانات، والحكم بالسجن، وتهديدات القتل التي تلت نشرها لمقالاتها وكشفها للفساد ورهاب الإسلام والمذابح الجماعية ضد المسلمين ووحشية وانحطاط كشمير المعاصرة.
من مباعث البهجة حقاً قضاء وقت مع أفكار أرونداتي روي وذكرياتها في هذه المذكرات المليئة بالفكاهة والحكمة والصدق والبصيرة.
صدر كتاب "الأم ماري تأتي إلي" لـأرونداتي روي عن دار هيمش هاملتون في الرابع من سبتمبر (أيلول) وتباع النسخة الواحدة بسعر 20 جنيهاً إسترلينياً.
كتاب الشهر غير الروائي: "ديدوود: الذهب، البنادق والطمع في الغرب الأميركي" Deadwood: Gold, Guns and Greed in the American West لـبيتر كوزنز ★★★★☆
كانت سلسلة "ديدوود" Deadwood التي كتب قصتها ديفيد ميلتش وأنتجتها شبكة "أتش بي أو" عن الغرب الأميركي القديم، مشهورة بوحولها القذرة وحواراتها البذيئة (إذ تضمّنت مواسمها الثلاثة ما مجموعه 2980 استخداماً للشتائم). وأي شخص أحبّ تلك السلسلة سيستمتع بكتاب بيتر كوزنز، الذي يقدم تاريخاً مفصلاً ومستنيراً عن البلدة الشهيرة الواقعة في التلال السوداء الشمالية في ولاية داكوتا الجنوبية. المؤرخ كوزنز، المعروف بمكانته، يصور ملامح المكان بصدق (إذ يشير إلى "مستنقع يعجّ بالذباب كان يُعتبر شارع البلدة الرئيس") ويذكّرنا بأن ديدوود الحقيقية وديدوود الأسطورية بُنيتا على أرض مسلوبة من الهنود.
يستعرض الكتاب شخصيات محورية رائعة مثل وايلد بيل هيكوك، سيتينغ بول، كريزي هورس، وكالاميتي جين (جين الكارثية)، التي كانت تحمل اسم مارثا كاناري عند ولادتها. وربما جاء لقبها من كونها تمثل "كارثة إنسانية" بوضوح. ويقدم الكتاب سرداً متعاطفاً لحياتها، وصولاً إلى وفاتها عن عمر 47 سنة نتيجة التهاب الأمعاء، وهو عارض مباشر لإدمانها الكحولي.
شهدت ديدوود وجود حوالى 22 بيت دعارة، ويستعرض كوزنز المعاملة البشعة للعاملات الجنسيات في ستينيات القرن الـ19، بما في ذلك من قِبل المالك آل سويرينجن (الذي جسده الممثل إيان ماكشين ببراعة في المسلسل التلفزيوني) وتابعه العنيف دان دوريتي. ليس من المستغرب بالتالي أن صحيفة "نيويورك صن" وصفت حينها مدينة ديدوود بأنها "آثمة". يروي كوزنز قصة معلمة محلية عام 1861، امرأة تدعى ميني، كانت تقف على رأسها لتسلية تلاميذها، ويضيف أن معظم نساء ديدوود كن يرتدين "ملابس داخلية مفتوحة بين الساقين"، ربما لتكون تسلية التلاميذ أكثر من مجرد متعة بسيطة.
يتبحر كوزنز أيضاً في العنصرية في تلك الحقبة، فقد كان في ديدوود نحو 50 ساكناً من السود، في حين يبدو أن السكان الصينيين كانوا يعانون معاملة أكثر قسوة من قبل المستوطنين. ويشير المؤرخ إلى "الوحشية العشوائية" التي واجهها المهاجرون الصينيون، والإهانات المستمرة الموجهة للنساء الصينيات، حيث كان يطلق عليهن لقب "ذوات العيون القمرية والأقدام المقيدة"، في إشارة إلى عادة ربط الأقدام في الصين.
يقدم كتاب "ديدوود" دراسة جادة ومدروسة بعناية لمدينة ساحرة، نمت ثروتها من الذهب والأخشاب خلال فترة الازدهار الاقتصادي بعد الحرب الأهلية. حتى أولئك الذين يعرفون السلسلة التلفزيونية سيستفيدون من اكتشاف التاريخ المخفي لـديدوود. ومن الغريب التفكير في أن لعبة البيسبول كانت نشاطاً شائعاً في مكان عنيف وغير إنساني بهذا الشكل.
صدر كتاب "ديدوود: الذهب، البنادق والطمع في الغرب الأميركي" لـبيتر كوزنز عن دار أتلانتيك بوكس في الرابع من سبتمبر وتباع النسخة الواحدة بسعر 25 جنيهاً إسترلينياً.
رواية الشهر: "ما يمكننا معرفته" What We Can Know لـإيان ماكيوان ★★★★☆
إنها رواية ماكيوان الـ19، وتتناول الزمن وعلاقتنا بالماضي والمستقبل. تدور أحداثها في عام 2119، حيث يحاول المؤرخ توم ميتكالف، من جامعة ساوث داونز - جزء مما تبقى من أرخبيل بريطانيا - أن يجمع خيوط الحقيقة حول قصيدة غامضة مكتوبة عام 2014. كانت القصيدة بعنوان "تاج لـڤيڤيان" (A Corona for Vivien)، وقد كتبها الشاعر الشهير فرانسيس بلاندي كهدية لزوجته في عيد ميلادها الـ54، لكن يعتقد أن هذه التحفة الأدبية ظلت مفقودة لأكثر من قرن كامل.
تتنقل الرواية ببراعة بين المستقبل وعصرنا في القرن الـ21، الذي نسير فيه نحو الكارثة من خلال تدمير الطبيعة. يقارن ماكيوان بين آراء بلاندي المنافية لتغير المناخ، والتقييم الحاد لعصرنا الذي يقدمه طلابه في القرن الـ22، الذين يرون أن الجشع الأحمق تسبب في وفيات هائلة وأن الناس في عصرنا كانوا مجرد "حمقى" يخوضون حروباً سخيفة. يعلق الطلاب أيضاً على "ارتفاع درجات الحرارة الذي تجاهلناه، والحيوانات التي قتلناها، وأهمية لون البشرة في مجتمعنا"، مؤكدين أنهم لا يرغبون في استعادة نوستالجيا ميتكالف، ولا حتى في لعبة الغولف التي يعتبرونها مضيعة للمساحة بعدما اجتاحت المياه الأرض.
على رغم أن ماكيوان يتخيل مستقبلاً محتملاً (ومروعاً)، حيث يمارس أمراء الحرب المذابح من أجل أراض في أميركا الشمالية، وتسيطر إمبراطورية نيجيرية قوية على الإنترنت بعد الحروب الصينية-الأميركية الثالثة، (في حين تخوض بريطانيا حروباً مع فرنسا)، فإنه في الوقت نفسه يستعرض ما سنفقده من حاضرنا إذا أهدرناه بعقلية الأرض المحروقة.
يتمتع السرد بالجودة الأنيقة المعتادة لـماكيوان، مع حضور لطيف للفكاهة. وعلى رغم أن النكتة عن جيمي ساڤيل تبدو مقحمة بعض الشيء، فإن هناك الكثير من الطرافة في المقاطع التي تكشف عن غرور البشر وزلاتهم. في صميم "الحبكة" تقع جلسة قراءة شعرية مشهورة خلال عشاء بارز في القرن الـ21، وقد اعتُبرت واحدة من أهم اللحظات الثقافية في عصرنا. يستخدم ماكيوان بذكاء ذكريات المشاركين ليكشف الحقيقة عن أمسية سيطر عليها السكر والمجون حتى. ويمكن للقراء أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كان من المريح أو المثبط أن التعقيدات العاطفية ومخاوف الخيانة نفسها التي شغلت الأزواج في القرن الـ21 ستظل موجودة بعد مئة عام، وهو ما يتجلى بوضوح في العلاقة بين ميتكالف وشريكته روز.
تنقسم الرواية إلى جزءين. يكشف الجزء الثاني القصة من منظور ڤيڤيان، التي تعتبر أقوى شخصية في العمل. ويتضمن هذا الجزء سرداً لتعاملها مع مرض ألزهايمر الذي أصاب زوجها الأول، بيرسي. أي شخص عاش ألم مشاهدة أحد أحبائه يعاني الخرف سيندهش من دقة وصف ماكيوان الرائعة والمؤثرة، ولا سيما الطريقة التي يلتقط بها اللحظة الغريبة عندما يعود الوضوح الذهني للمصاب بالخرف للمرة الأخيرة، فيشبّه ذلك بشخص يغرق "ويخترق السطح ليأخذ نفساً أخيراً".
في هذا القسم - ومن دون إفساد متعة الأحداث عليكم - يكتشف القارئ أيضاً الصفقة الشيطانية السرية بين ڤيڤيان وفرانسيس، التي تفسر كل شيء عن مصير القصيدة الغامض والحقيقة وراء الحب المبالغ فيه المفترض أن القصيدة الشعرية تخلده.
استمتعت بقراءة "ما يمكننا معرفته" على رغم ما فيها من سوداوية. تقدم الرواية رؤى مؤثرة حول الطريقة التي يمكن أن "تُمسح بها المبادئ الأخلاقية"، كما تحمل غضباً بليغاً على كيفية السماح لحاضرنا المضلل بأن يجفف الطبيعة تدرجاً. تعتبر الرواية أيضاً دراسة عميقة لتعقيدات الحنين إلى الماضي، حيث يكتب ماكيوان، البالغ من العمر 77 سنة: "يأتي من دون سابق إنذار، كصفعة".
ستصدر رواية "ما يمكننا معرفته" لـإيان ماكيوان عن دار جوناثان كيب في الـ18 من سبتمبر وتباع النسخة الواحدة بسعر 22 جنيهاً إسترلينياً.
© The Independent