ملخص
في خطوة لافتة أصدر ملحق "لوموند للكتب"، التابع لجريدة "لوموند" الفرنسية، عدداً خاصاً بعنوان "100 رواية أثارت اهتمامنا"، يقترح هذا العدد أفضل 100 رواية جرى اختيارها منذ تأسيس الصحيفة عام 1944 وفق مقالات الجريدة ونقادها.
كثيراً ما اختلف النقاد والصحافيون على تقييم الأدب وتصنيفه ووضع تراتبية له، فما من قائمة صدرت عن جهة أدبية إلا وتلقت في المقابل كثيراً من الانتقاد والتشكيك والمزايدة. وهو مأزق تواجهه اليوم في عالمنا المعاصر الجهات التي تقترح قوائم أفضل الإصدارات، وكذلك الجوائز الأدبية التي باتت كثيرة، ولا تنجو أي منها من النقد والتهجم مهما كانت شروطها موضوعية أو محايدة.
اختار العدد الخاص من "لوموند الكتب" أهم الروايات الصادرة في السنوات الـ80 الأخيرة، بالاستناد إلى مقالات نقاد "لوموند الكتب" الأبرز والأكثر تأثيراً في العالم الأدبي، وعلى أرقام المبيعات.
إذاً يلقي العدد الضوء على 100 رواية اعتبرها صحافيو "لوموند للكتب" ونقادها الأكثر أهمية منذ عام 1944، والهدف تقديم نظرة استعادية على الأدب عبر العصور مع ربطه بتاريخ تأسيس "لوموند". وتضمن العدد الخاص القائمة بالروايات المختارة، إضافة إلى مقالات وتحليلات حول هذه الأعمال.
قائمة "لوموند"
تبدأ القائمة بأربع روايات من أربعينيات القرن الماضي، هي لآرثر كوستلير الصحافي والناقد الإنكليزي الهنغاري المولد، ولجايمس أغي الروائي والشاعر الأميركي، وللرائع لويس أراغون العاشق الفرنسي، ولنيكوس كازانتساكي الكاتب والفيلسوف اليوناني صاحب رائعة "زوربا اليوناني".
روايات كثيرة ذائعة الصيت تندرج ضمن هذه القائمة، ويعرفها القراء العرب وقراء العالم، من أبرزها "مويرا" لجوليان غرين، و"صباح الخير أيها الحزن" لفرانسواز ساغان، و"الدكتور جيفاغو" للروسي بوريس باسترناك، و"الفارس الخفي" لإيتالو كالفينو، و"وعد الفجر" لرومان غاري، و"كلمات" لسارتر، و"المعلم ومارغريتا" لميخائيل بولغاكوف، و"مئة عام من العزلة" لماركيز، و"اسم الوردة" لأومبيرتو إكو، و"أطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي، و"كتاب اللاطمأنينة" لفرناندو بيسوا، و"كائن لا تحتمل خفته" لكونديرا، و"العاشق" لمارغريت دوراس، وغيرها.
يلاحظ قارئ هذه القائمة تنوعها ووسع آفاقها، على رغم أن روايات رائعة تنقصها كروايات ساراماغو وكامو وموراكامي وباريكو وغيرهم كثر، وهو أمر طبيعي ومتوقع، فما من قائمة كاملة وشاملة تماماً، وهو تحديداً ما يضعه جان بيرنبوم في مقدمة العدد كاتباً: "أيتها القارئات العزيزات، أيها القراء الأعزاء، إن القائمة التي ستكتشفونها لا تدعي أنها تصنيف موضوعي، ولا تمثل بانوراما كاملة تمثل الأدب منذ عام 1944، عام تأسيس صحيفة "لوموند". إنها، وبتواضع أكبر، تعكس لحظات محددة من تاريخ هائل، [...] نحن إزاء دوامة عناوين مختارة بصورة جزئية بالضرورة، متحيزة بصورة قاتلة، يشكل نقصها بحد ذاته هشاشته الواضحة وقدرته على الإيضاح والتصنيف".
ويضيف جان بيرنبوم في مقدمته كلاماً عن منهجية اختيار العناوين المئة المقترحة، فيكتب: "بفضل المساعدة القيمة من أمناء مكتباتنا، تعمق فريق "لوموند للكتب" في الأرشيف، تناولنا مقالات النقد في "لوموند" على مر السنين، [...] وبدلاً من التصنيف بحسب مدرسة الكاتب وكتابه، قمنا بجرد الكتب المفضلة لدينا". ويعترف بيرنبوم أن شيطان القوائم الأدبية إنما هو الاعتباطية في الاختيار، فلا موضوعية في هذا المجال، بل ذاتية مروضة ومهذبة قدر المستطاع.
المقارنة مع قائمة اتحاد الكتاب العرب
ليست قائمة صحيفة "لوموند" الأولى من نوعها، فقد قامت قوائم من هذا النوع في مختلف الآداب العالمية ومن بينها الأدب العربي، إذ أعلن اتحاد الكتاب العرب في عام 2000 قائمة مكونة من أفضل 100 رواية عربية نشرت في القرن الماضي مع مراعاة التنوع الجغرافي، ونشرت هذه القائمة بكاملها في جريدة "أدب الأخبار" في التاسع من سبتمبر (أيلول) 2001 (عدد 426).
ومن الجدير ذكره أن المؤلفات المختارة من مصر وسوريا ولبنان شكلت وحدها نصف القائمة (50 رواية)، بينما تقاسمت الدول العربية الأخرى الروايات الـ50 المتبقية. فتربعت ثلاثية نجيب محفوظ في المركز الأول، تلتها رواية "البحث عن وليد مسعود" للفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، ومن بعدهما عادت مصر لتحتل المنصب الثالث مع صنع الله إبراهيم ورواية "شرف".
من لبنان ظهرت ليلى بعلبكي مع "أنا أحيا"، وظهرت روايات "طواحين بيروت" لتوفيق يوسف عواد و"باب الشمس" للياس خوري و"الحي اللاتيني" لسهيل إدريس و"حكاية زهرة" لحنان الشيخ. من سوريا ظهرت روايات غادة السمان "كوابيس بيروت"، وحنا مينه "الشراع والعاصفة"، ونبيل سليمان "مدارات الشرق" إلخ. ظهرت أسماء متوقعة وأخرى غير متوقعة في هذه القائمة، فمن الطبيعي مثلاً أن تظهر رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكر من المغرب، ورواية "موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، ورواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان من مصر، و"عودة الروح" للمصري المبدع توفيق الحكيم، و"الحرام" ليوسف إدريس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، غابت عن هذه القائمة أسماء لامعة كنوال السعداوي وعلوية صبح ونجوى بركات وهدى بركات وغيرهن كثر، مع ملاحظة غلبة الكتاب الذكور على عدد الكاتبات من الإناث. فمن أصل 100 رواية، 14 رواية فقط تعود لكاتبة امرأة، من بينهن غادة السمان وليلى العثمان ورضوى عاشور وليلى بعلبكي وإميلي نصرالله وأحلام مستغانمي إلخ.
تعدد القراءات للنص الواحد
لا يمكن أن يستغرب القارئ التعليقات والتشكيكات والاعتراضات الكثيرة التي تظهر على تصنيفات الأدب وقوائمه، فلكل ناقد ولكل قارئ ذائقته وخياراته وقائمته ونادراً ما تلتقي الآراء. إن قراءة العمل الأدبي ليست قدرة عفوية، بل مهارة تكتسب وتطور بمرور الوقت، من خلال الخبرة والقراءات السابقة. لكل قراءة خصوصياتها، وهناك علاقة وطيدة بين الرأي الأدبي - إن لم نقل الحكم الجمالي - والظروف الاجتماعية والثقافية للقارئ، وهو ما يقول به عالم الاجتماع والناقد الفرنسي بيار بورديو (1930-2002).
ترتبط ذائقة القارئ بعوامل عدة، ونتحدث تحديداً عن الجنس والعمر والدين ومستوى التعليم والطبقة الاجتماعية ومستوى الدخل، إلخ. فيعتبر بورديو أنه من الواضح ومن الطبيعي تماماً أن يمنح الأفراد، باختلاف مواقعهم الاجتماعية والأدبية، العمل نفسه أو الرواية نفسها معان وقيماً مختلفة تماماً، بل ومتعارضة. يقرأ النص نفسه بطرق مختلفة تبعاً للقارئ والزمان والمكان والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بالقراءة. علاوة على ذلك، إذا كان بإمكان القارئ نفسه تفسير النص نفسه بطرق مختلفة وفقاً لمراحل حياته المختلفة، فماذا يقال إذاً عن أفراد مختلفين، ليس فقط بخلفياتهم الاجتماعية والنفسية والفكرية المختلفة، بل أيضاً بآفاق توقعاتهم وعاداتهم اليومية؟
إن عملية التلقي بحسب ريكاردو بيجليا في مؤلفه "القارئ الأخير" عملية دقيقة جداً، وذاتية بالأساس، إذ يمضي كل متلق في هضم ما قرأ وفق مزاجه ومداركه وثقافته واستيعابه. ولا عتب على أحد في ما يذهب إليه من تأويل، إذ إن التأويل هو انعكاسات النص في مدار التلقي الواسعة. [...] لذلك فإنه لا قائمة يمكن أن تكون كاملة ولا نقد يمكن أن يكون شاملاً، فكما يكتب جان بيرنبوم في مقدمة العدد الخاص من "لوموند للكتب": "النقد الجيد ليس النقد الذي لا يخطئ أبداً [...]، بل هو ما ينقل حب النصوص إلى القارئ عبر تغميسها في صلب الحياة نفسها. فقط."