Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البرتغالي جوزيه بايشوتو يكشف أحوال كوريا الشمالية من الداخل

حصاد رحلة استثنائية دامت 15 يوماً في عام 2012

الكاتب البرتغالي جوزيه بايشوتو خلال رحلته إلى كوريا الشمالية (دار العربي)

ملخص

قام الروائي البرتغالي جوزيه لويس بايشوتو Jose Luis Peixoto برحلة إلى كوريا الشمالية في ربيع عام 2012 دامت 15 يوماً، قبل أن يدون مشاهداته خلالها في كتاب صدرت طبعته العربية تحت عنوان "رحلتي إلى كوريا الشمالية" (دار العربي- القاهرة / 2025، ترجمته عن البرتغالية سارة ساطور)، وخلص فيه إلى أن "من يعتقد أن هذا البلد هو آخر معقل للستالينية فهو مخطئ، هو ربما الديكتاتورية الأشد قسوة في العالم لكنه ليس شيوعياً".  

في كتابه "رحلتي إلى كوريا الشمالية"، الصادر بالبرتغالية تحت عنوان Dentro do segredo Uma Viagem na Coreia do Notre في عام 2012، يؤكد الكاتب البرتغالي جوزيه لويس باشوتو (1974) أن ما ورد في الكتب والأفلام الوثائقية عن كوريا الشمالية، قبل هذا الكتاب، "لا يتوافق بالضرورة مع الواقع، ومن ذلك مثلاً القول إن مواطني هذا البلد غير مسموح لهم بإقامة أي نوع من الاتصال مع الأجانب" ص 64. كما يؤكد أن الوثائق الكورية الشمالية، "نادراً ما تستخدم كلمة الشيوعية، لكن كلمة الثورة موجودة في كثير من الأحيان، وفي أحيان قليلة تذكر كلمة الاشتراكية".

ولاحظ كذلك أن الكوريين الشماليين يتميزون بإحساس قوي بالجماعة، "في ظل رسوخ فكرة التفوق شبه الإلهي لقادة البلد". ورأى أن الاعتقاد بأن كوريا الشمالية هي أشد ديكتاتورية في العالم، "هو اعتقاد خاطئ، ومن يعتقد أنها آخر معقل للستالينية فهو أيضاً مخطئ. هي ربما الديكتاتورية الأشد قسوة في العالم لكنها ليست شيوعية" ص 116، وبالنسبة إلى العملة المحلية (وون) فإنه ليس مسموحاً لأي زائر أجنبي بحيازتها، إذ لا يمكنه استخدام سوى اليورو أو اليوان الصيني، وهو الأمر الذي ترتب عليه "اقتصاد زائف مخصص فقط للزوار الأجانب". ويحدث ذلك على رغم أنه "ليس هناك الكثير لشرائه، لكن ما هو متاح مكلف للغاية، وأحياناً باهظ الثمن بصورة غير معقولة".

مطعم همبرغر

ويضيف بايشوتو في هذا الصدد أنه من السهل ملاحظة أن الكوريين الشماليين لا يمكنهم دفع الأسعار التي يدفعها الأجانب، "لكن هذه المشكلة عير مطروحة أساساً، بما أن معظم المنتجات التي يشتريها الأجانب، بمن فيهم الدبلوماسيون وموظفو المنظمات غير الحكومية المقيمون في كوريا الشمالية بحكم وظائفهم، غير متاحة لأهل البلد". تزامنت الرحلة التي نظمتها شركة مقرها في بكين لتواكب الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لميلاد كيم إيل سونغ، مع افتتاح أول مطعم همبرغر في بيونغ يانغ، "قبل افتتاحه، لم يكن مسموحاً حتى بذكر هذا الطعام الغربي، وبعد افتتاحه أصبح على نحو ما رمزاً لتطور ما في كوريا الشمالية". في وقت الغداء، وجد بايشوتو وزملاؤه في الرحلة المطعم خالياً من الزبائن، "لكن كان هناك عدد مفرط من النادلات، رفعن رؤسهن بدهشة عندما دخلنا. كنا نحو 12 شخصاً. كنت آخر من وقف في الصف، انتظرت ساعة كاملة قبل أن يصل إلي ما طلبته من طعام".

هذا الوفد السياحي لم يكن مسموحاً له بالتحرك إلا في صحبة مرشدين، رجل يتحدث الكورية، وامرأة تترجم إلى الإنجليزية، وكلاهما يدعى "كيم"! أما التصوير فغير مسموح به إلا في نطاق ضيق للغاية ويلزمه تصريح مسبق من المرشدين. لم توجه إلى هذا الوفد دعوة إلى حضور الاحتفال الكبير بمئوية ميلاد كيم إيل سونغ، ومع ذلك أتيح لهم بمصادفة بحته حضور جانب منه أثناء توجههم إلى أحد المطاعم لتناول الغداء، "في ذلك اليوم كنا أول مجموعة من الأجانب غير المدعوين من الحكومة، أتيح لهم حضور عرض عسكري في كوريا الشمالية".

  في خطابه في هذه المناسبة الذي كرر التلفزيون بثه كثيراً، ردد كيم جونغ أون، ما ظل النظام يقوله منذ عهد جده، ثم والده الذي لم يتحدث علناً قط خلال 17 عاماً من السلطة المطلقة إلا مرة واحدة في الـ25 من أبريل (نيسان) 1992، قال خلالها الجملة التالية: "المجد لجنود الجيش الشعبي الكوري الأبطال"، ومعروف أنه في العقد الأخير من القرن الـ20 مات مئات الآلاف في كوريا الشمالية من الجوع.  

صدفة تاريحية      

ولاحظ بايشوتو أن النمط الظاهر اللينيني الماوي في الخطاب الكوري الشمالي الرسمي عموماً، "ليس إلا مجرد صدفة تاريخية، إنه وسيلة للمساهمة بصورة أكبر في تأليه القائد، مما يوحي بأن كيم إيل سونغ كان أيديولوجياً موثوقاً به مثل لينين وماوتسي تونغ". وخلص إلى أن "الستالينية هي الشكل، بينما القومية المتطرفة هي المضمون". ومن الأمور التي استوقفته الغياب التام لأي إعلانات تجارية في هذا البلد، وأنه يوجد على صدور الرجال والنساء شعار يحمل صورة الزعيم كيم إيل سونغ أو ابنه كيم جونغ إيل. يحصل جميع المواطنين على تلك الشارة في سن الـ15 سنة، ومنذ ذلك الحين يتعين عليهم ارتداؤها كلما خارج منازلهم. تتلخص الموسيقى هنا - يقول بايشوتو - في ألحان ذات أصل شعبي وألحان تمجد النظام، وأوبرا ثورية، ويحظر اقتناء أسطوانات الموسيقى الأجنبية، "ومن ثم فإن معظم السكان لا يعلمون بوجود أنواع أخرى من الموسيقى خارج المسموح به".

 فندق يانجاكدو، الذي أقام فيه بايشوتو في بداية رحلته، هو الفندق الوحيد المسموح لنزلائه بإجراء اتصالات هاتفية دولية، وإرسال رسائل إلكترونية من دون الحق في تلقي ردود عليها، أما تلفزيون غرفة الفندق فلا يبث سوى برامج قناة واحدة. يقع هذا الفندق في جزيرة يانغاك في منتصف نهر تايدونغ في الجزء الجنوبي من بيونغ يانغ. الجزيرة يعبرها جسر محظور على الأجانب استخدامه تحت أي ظرف من الظروف، إضافة إلى هذا الفندق تضم الجزيرة "البيت الدولي للسينما"، إذ يقام سنوياً مهرجان بيونغ يانغ السينمائي الدولي الذي يعتبر أحد المناسبات القليلة التي يسمح فيها للأجانب بدخول البلاد.

دون كيشوت

لا يسمح بدخول البلاد بأية مادة مطبوعة، لكن بايششوتو تمكن من إخفاء نسخة من رواية "دون كيشوت"، ظل يطالعها سراً طوال الرحلة. ومن ملاحظاته خلال تلك الرحلة أن كوريا الشمالية هي أكثر دولة تتبع نظاماً عسكرياً في العالم، فمن بين سكانها وعددهم (في عام 2012 ) 24 مليون نسمة، لديها رابع أكبر جيش في العالم بأكثر من مليون و100 ألف جندي مسلح، أي نحو 20 في المئة من جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و50 سنة، وفي حالة الحاجة إلى مزيد من الجنود، فإن هناك احتياطياً يقارب 8 ملايين رجل.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجد الكاتب البرتغالي هناك عالماً خارج الزمن، ليس مسموحاً لك باستحدام هاتفك الجوال، ولا بتلقي بريد إلكتروني. غير مسموح بالتصوير إلا في أضيق نطاق، "ومع ذلك انتهى الأمر بي إلى التقاط صور أكثر بكثير مما كان مسموحاً به، فكاميرتي صغيرة ولا تصدر صوتاً" ص 18. "هي أكثر دولة عزلة عن العالم، تضم شعباً مغلقاً على ذاته، يجهل الكثير، ويحاول إقناع نفسه بأنه يعيش في أكثر دول العالم تقدماً". هذا ما أنهى إليه بايشوتو وهو يستعد لمغادرة البلد. وبعد عودته لمسقط رأسه كتب هذا الكتاب واختتم بالقول: "أتخيل اليوم الذي سيحاول فيه أحدهم تخيل ما عليه حياة مجتمع مثل كوريا الشمالية. في ذلك المستقبل سيتحدث الناس عن أولئك الـ24 مليون إنسان، المعاصرين لهذه اللحظة، كواحدة من عجائب الماضي".

جوزيه لويس بايشوتو، ترجمت أعماله الأدبية إلى أكثر من 20 لغة، وحصل على جائزة جوزيه ساراماغو عام 2011.   

اقرأ المزيد

المزيد من كتب