Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نتفليكس" تصدم مشاهديها بقصة مجزرة في الغرب الأميركي

تعتبر واقعة "مجزرة جبل ميدوز" واحدة من أحلك الفصول في تاريخ الولايات المتحدة، بالتزامن مع صدور الدراما الجديدة "البدائية الأميركية" التي تروي قصة عنف مروع ارتكبته جماعات من المورمون لكن ألقي باللوم فيها على السكان الأصليين، نستعرض ما حدث حقاً في تلك المأس

يصور "البدائية الأميركية" الغرب الأميركي ليس كعالم بري فقط، بل كبيئة همجية وقاسية ومنعدمة القانون (مات كنيدي / نتفليكس)

ملخص

يسلط مسلسل "البدائية الأميركية" من "نتفليكس" الضوء على مجزرة جبل ميدوز، إذ قتل المورمون أكثر من 120 مهاجراً عام 1857، متهمين السكان الأصليين زوراً. تعد المجزرة إرهاباً داخلياً، وعلى رغم اعتراف الكنيسة المورمونية بدورها جزئياً، لا يزال الحدث يثير جدلاً تاريخياً وسياسياً.

في أحد أكثر المشاهد صدمة ووحشية في تاريخ التلفزيون الحديث، يظهر مشهد لمجموعة من الرجال الملثمين يمتطون ظهور الخيول متوجهين نحو معسكر صغير للمهاجرين على سهل أعفر في مكان ما وسط ولاية يوتا. بالنسبة إلى المستوطنين، يبدو واضحاً أن هؤلاء الرجال هم من السكان الأصليين، ويبدو من طريقتهم العدائية في الركوب أن زيارتهم ليست ودية، وسرعان ما تتأكد مخاوفهم حين يطلق وابل من السهام يخترق أجساد الرجال والنساء والأطفال على حد سواء.

في غضون ثوان قليلة، يقتحم الرجال المعسكر ويبدؤون في قتل كل من يقع في طريقهم. تحطم الفؤوس على الوجوه، وتسلخ فروات رؤوس الرجال، وتقطع الحناجر. الأجواء مليئة بالصرخات المدوية، بينما تغمر الدماء الأرض. في بعض اللحظات، يصبح المشهد قاسياً إلى حد أن المشاهدة تكاد تكون مستحيلة بسبب العنف المتواصل والتفاصيل الدموية التي لا ترحم.

وأخيراً، مع انتهاء المذبحة واعتقاد الرجال بأن الجميع قتلوا، يخلعون أغطية رؤوسهم، ليكشفوا أنهم ليسوا من السكان الأصليين، بل رجال بيض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشهد مأخوذ من مسلسل "البدائية الأميركية" American Primeval، وهو عمل درامي قوي وجديد تعرضه شبكة نتفليكس، أخرجه بيتر بيرغ (صاحب فيملي "ناج وحيد" Lone Survivor و "ديب ووتر هورايزن" Deepwater Horizon) وكتبه مارك إل سميث (كاتب فيلم "العائد" The Revenant). تدور أحداث المسلسل في منتصف القرن الـ19، إذ يقدم صورة للغرب الأميركي ليست "برية" فقط، بل وحشية إلى أقصى الحدود، مليئة بالقسوة والفوضى وانعدام القانون. نحن أمام عمل بعيد كل البعد من الصورة اللطيفة التي قدمتها أفلام مثل "باتش كاسيدي وصندانس كيد" Butch Cassidy and the Sundance Kid، إذ في بعض الأحيان ينجح "البدائية الأميركية" في جعل فيلم مثل "الطيب والشرير والقبيح" The Good, the Bad and the Ugly يبدو مثل حكاية طفولية بريئة تروى في برنامج الأطفال "في حديقة الليل" In the Night Garden.

ما يجعل هذا العمل مميزاً هو أنه يستعرض وحشية تلك الحقبة من خلال عيون أم وابنها، اللذين يخوضان رحلة محفوفة بالأخطار نحو الغرب، عابرين الجبال والسهول القاحلة للالتحاق بزوجها ووالده. أثناء عبور ما كان يعرف حينها بـ"إقليم يوتا" عام 1857 - قبل أن تصبح ولاية - يواجهان صيادي المكافآت وقتلة ومغتصبين فرانكوفونيين مشوهين وسكاناً أصليين، وأخيراً ميليشيات المورمون التي ترتكب مذبحة دموية ومروعة.

لغاية إطلاق مسلسل "البدائية الأميركية" كان من المنطقي أن نفترض أن قلة فقط في بريطانيا، بل وحتى في الولايات المتحدة، سمعوا عن ميليشيات المورمون. والمفاجأة الأكبر هي أن المذبحة التي يصورها المسلسل تستند إلى وقائع حقيقية تعرف بـ"مجزرة جبل ميدوز"، التي تظل واحدة من أحلك الفصول في تاريخ الكنيسة المورمونية.

وتعتبر هذه الجريمة الوحشية من أبشع جرائم القتل الجماعي في التاريخ الأميركي، إذ قتل أكثر من 120 شخصاً، وغالباً ما ينظر إليها كأبشع عمل من أعمال الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة لا يضاهيها إلا تفجير أوكلاهوما سيتي الذي وقع بعد نحو من 140 سنة عام 1995.

وبدأت المجزرة في الـ11 سبتمبر (أيلول) من عام 1857، عندما هاجمت مجموعة من المورمون والأميركيين الأصليين من قبيلة بايوت قافلة من المهاجرين كانت في طريقها من أركنساس إلى كاليفورنيا. على مدار خمسة أيام، تعرضت قافلة "بيكر- فانشر" التي كانت تضم نحو 120 شخصاً من الرجال والنساء والأطفال للحصار.

في النهاية، تم خداع المستوطنين ليعلنوا استسلامهم بعد وعد بتوفير طريق آمن لهم، ليكتشفوا لاحقاً أنهم وقعوا فريسة للإعدام المنظم، سواء رمياً بالرصاص أو ذبحاً. قتل الرجال بإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة أثناء سيرهم تحت حراسة مسلحة. أما النساء والأطفال الأكبر سناً الذين كانوا يسافرون بصورة منفصلة، فقتلوا بالطريقة نفسها المخطط لها بعناية. ووفقاً لتقارير، تم ضرب بعض الضحايا أو طعنهم حتى الموت لتوفير الذخيرة، بينما قتل عدد منهم أثناء محاولاتهم اليائسة للهرب، وهم يصرخون طلباً للرحمة.

تم ترك 17 طفلاً فقط دون السابعة من عمرهم أحياء، وبعد المجزرة تركت جثث الضحايا مكشوفة في العراء، عرضة للتعفن والتهام الحيوانات المفترسة. ووصف محققون عسكريون أميركيون، الذين وصلوا إلى الموقع بعد أشهر عدة، عظاماً وهياكل عظمية وجثثاً متحللة مبعثرة في أنحاء المكان. أظهرت بعض الجثث علامات تشويه، إذ كانت ربما جزءاً من انتهاك الجثث بعد الموت أو طقوس مارسها حلفاء المورمون من قبيلة بايوت.

حدثت هذه الفظاعة في سياق "حرب يوتا"، وهي صراع بين المستوطنين المورمون والحكومة الأميركية، وخلقت التوترات المتصاعدة، التي غذتها الهواجس في شأن الاضطهاد الفيدرالي والمشاعر المعادية للمورمون، بيئة مليئة بالتقلبات والصراعات. في ذلك عام 1857، أرسلت الحكومة الأميركية قوات إلى الإقليم لقمع ما كانت تراه تمرداً من المورمون بقيادة بريغهام يونغ.

باختصار، كان المهاجرون في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ. كانوا في طريقهم من أركنساس إلى كاليفورنيا، فوقعوا في مرمى شكوك المورمون. انتشرت إشاعات بأن بعض أفراد القافلة كانت لهم صلات بعصابات معادية للمورمون في ميزوري وإلينوي، على رغم عدم دعم هذه الادعاءات بأي دليل. كما تم اتهام المهاجرين بسلوكيات هجومية، مثل إهانة المستوطنين المورمون وتسميم مصادر المياه، وهي اتهامات ما زالت موضع جدل.

ما هو مؤكد هو أن قادة المجتمع المورموني، وعلى رأسهم إسحاق هايت وجون دي لي، لعبوا أدواراً رئيسة في ترتيب وتنفيذ الهجوم. وعلى رغم المحاولات المتكررة لتحميل المسؤولية للهنود الأميركيين - كما يظهر في مسلسل "البدائية الأميركية" - فإن الأدلة تشير بوضوح إلى أن المجزرة كانت عملية بقيادة المورمون في المقام الأول.

على مدار سنوات، ظل ما حدث في ذلك اليوم غامضاً إلى حد ما، ومن غير المفاجئ أن الكنيسة المورمونية حاولت التقليل من دورها، محملة مسؤولية الفظاعة لأفراد مارقين أو ضغوط خارجية. ولم يصدر بيان رسمي من الكنيسة إلا عام 2007، بمناسبة الذكرى الـ150 للمجزرة، إذ عبرت عن "أسف عميق"، ولكنها لم تقدم اعتذاراً كاملاً.

لا شك أن تردد الكنيسة يعود لسردية تأسيسها التي تركز على الاضطهاد والبقاء، ومن الطبيعي أن الاعتراف بمسؤوليتها عن المجزرة يعقد هذا السرد، ويجبر المورمون على مواجهة أحلك الجوانب في تاريخهم. ودعا العلماء والنقاد إلى مزيد من الشفافية، مطالبين المورمون بفتح أرشيفاتهم ومواجهة ماضيهم بصورة كاملة.

في المقابل، عمل أحفاد قافلة بيكر - فانشر بلا كلل للحفاظ على ذاكرة أسلافهم. ويعد "نصب جبل ميدوز" الذي يحفظ عليه بصورة مشتركة من الكنيسة المورمونية وأحفاد الضحايا، بمثابة موقع للتصالح والتذكر. ومع ذلك، ما زالت هناك توترات حتى اليوم، إذ يشعر بعضهم أن مشاركة الكنيسة في النصب هي محاولة للسيطرة على السرد والتأثير فيه.

أصبح ينظر إلى المجزرة بصورة متزايدة على أنها فعل من أفعال الإرهاب الداخلي، ويحدث هذا لسبب وجيه، فطبيعة الهجوم المخطط لها، واستهدافه للمدنيين، والدوافع الإيديولوجية وراءه، تجعلها تتطابق تماماً مع ما نعرفه اليوم عن الإرهاب. وهذا بالطبع يتحدى الصورة الرومانسية التقليدية للغرب الأميركي التي عادة ما تصورها هوليوود، ويكشف عن التيارات الخفية للصراعات الدينية والثقافية التي شكلت الظهور الهش لأميركا كدولة.

ويمكن أيضاً اعتبار المجزرة مثالاً فظيعاً على أخطار التطرف، إذ خلقت الطبيعة المنعزلة للمجتمع المورموني، إلى جانب رؤيته الكارثية للعالم، مناخاً حيث لم يكن العنف مبرراً فقط بل مقدساً، وهذا يشبه تماماً ما نشهده في حالات التطرف الديني المعاصر.

وعلى رغم أن قسم العلاقات العامة في الكنيسة المورمونية بالتأكيد ليس من معجبي "البدائية الأميركية"، إلا أن ما يفعله هذا المسلسل هو تقديم تصحيح ضروري للصورة التقليدية للغرب الأميركي، الذي يصور غالباً كصراع بسيط بين الخير والشر. قلة قليلة من الشخصيات في هذه القصة تخرج بمظهر إيجابي، وبينما قد يبدو ذلك تشاؤمياً وباعثاً على الكآبة، فإنه يكشف عن أن الجوانب السلبية للإرادة والعزيمة الفردية هي عالم يعاني فيه كل شخص بمفرده، وهذه واحدة من القضايا التي لا تزال أميركا تكافح معها حتى اليوم.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من فنون