Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤرخ الـ"هولوكوست": استقبال مصر للفلسطينيين "شراكة في التطهير العرقي"

أومير بارتوف لـ"اندبندنت عربية": "حماس" ارتكبت جريمة حرب لكن الحرب في غزة تهدف إلى تهجير سكان القطاع… وليس القضاء على الحركة

ملخص

انتقد مؤرخ الـ"هولوكوست" اليهودي- الأميركي أومير بارتوف، المولود في إسرائيل والمتخصص في قضايا الإبادة الجماعية، سياسات نتنياهو قبل الحرب التي أبقت "حماس" في السلطة لمنع أية تسوية سياسية، ورأى أن الدولة الفلسطينية أصبحت شبه مستحيلة بعد الهجوم. وتحدث عن انحراف الصهيونية من حركة تحرر إلى أيديولوجيا قمعية، وذكّر بإبادة الأرمن في ناغورنو قره باغ التي أسهمت إسرائيل فيها من خلال تسليح أذربيجان، مشيراً إلى أن المصالح السياسية والاقتصادية تحدد ردود الفعل الدولية على الإبادات.

عندما شنت حركة "حماس" هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل قبل نحو عامين، وقامت بقتل المئات وأسر عشرات الرهائن المدنيين، حظيت إسرائيل بتعاطف ودعم دولي واسع، وتسابقت الدول الغربية على تأكيد حقها في الدفاع عن نفسها، غير أن هذا الموقف أخذ في التغيير تدريجاً مع اتساع نطاق العمليات العسكرية في قطاع غزة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بالآلاف، إضافة إلى الحصار الشامل الذي فاقم الكارثة الإنسانية، فباتت غزة مكاناً غير قابل للعيش، بحسب وصف تقارير الأمم المتحدة.

وأمام مشهد إنساني مفجع واستمرار القصف والتدمير في أنحاء القطاع، مصحوباً بضغوط أميركية وإسرائيلية لدفع الفلسطينيين سكان غزة للرحيل إلي بلدان أخرى، تحول الموقف الدولي الداعم إلى منتقد وبصوت عالٍ لممارسات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أصبح ملاحقاً أمام المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب، غير أن الاستياء والرفض لم يكونا حصراً على الخارج، فثمة أصوات إسرائيلية ويهودية عالية رافضة لمواصلة تلك الحرب وتدين هذه الممارسات، ومن بينها مؤرخ الـ"هولوكوست" البروفيسور اليهودي أومير بارتوف، المتخصص في قضايا الإبادة الجماعية الذي تحدث في مقابلة خاصة مع "اندبندنت عربية" حول حرب غزة وشرح التعريف القانوني للممارسات الإسرائيلية ضد سكان القطاع في إطار الحرب ضد حركة "حماس" والتي يصفها بصورة لا لبس فيها بجريمة "إبادة جماعية".


التهجير الهدف

وتزامن لقاؤنا بالبروفيسور الأميركي لدى جامعة براون والمولود في إسرائيل، مع إعلان نتنياهو عن نيته احتلال قطاع غزة بالكامل، مستخدماً تعبير السيطرة العسكرية"، مما وصفه بارتوف بأنه "احتلال"، لافتاً إلى أن خطاب نتنياهو مزدوج، ويحمل أسلوباً "أورويلياً"، في إشارة إلى التضليل والكذب. وأضاف أن غزة كانت تعتبر أرضاً محتلة طوال تلك الفترة، حتى عندما كانت "حماس" تحكمها من الداخل، لأنها كانت محاصرة بالكامل من قبل إسرائيل. 

وأشار إلى أن سيطرة إسرائيل على القطاع، تضع على حكومة نتنياهو مسؤولية تجاه السكان هناك. "السكان الآن مكدسون بالفعل ضمن 25 في المئة من مساحة قطاع غزة الذي كان قبل الحرب أصلاً من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، أليس كذلك؟ فإذا سيطرتم على هذه المناطق، ستكونون مسؤولين عن إطعامهم ورعايتهم الصحية وتوفير المياه والصرف الصحي وكل شيء. ومن الواضح أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع ذلك، كما أنه غير مهتم به أصلاً".

ويرى بارتوف أن الأمر يتعلق بمحاولة دفع الفلسطينيين إلى مغادرة غزة، ويقول إن "الهدف بعيد المدى هو دفع جميع السكان نحو الجنوب، على أمل أنه في النهاية سيتم، كما يقول الوزراء اليمينيون المتطرفون في إسرائيل، تشجيع السكان على الرحيل". ويضيف أن الحكومة الإسرائيلية تعمل منذ بداية الحرب على خلق ظروف تجعل من المستحيل على سكان القطاع العيش هناك، "بالتالي سيغادرون بطريقة ما، وسيسمح لهم بالدخول إلى أماكن أخرى".

هل تشارك مصر في التطهير؟

في هذا الصدد، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب صراحة مصر والأردن إلي قبول نقل سكان غزة إلى البلدين بحجة أن القطاع غير قابل للعيش ويحتاج إلى إعادة بناء في ما سماه تحويله إلى "ريفييرا غزة"، وهي الدعوات التي قوبلت بالرفض القاطع واعتبرها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عملية تهجير للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية. وتواصلت الضغوط على مصر خلال الأسابيع الأخيرة وإلقاء اللوم على السلطات المصرية بسبب الأزمة الإنسانية في القطاع. 

ويرى بارتوف أنه ليس من المنطقي أبداً لوم مصر، ويقول إنه إذا استقبلت مصر سكان غزة على أراضيها فتكون شاركت في عملية تطهير عرقي. ويوضح أنه عندما ذهب نتنياهو إلى حرب في قطاع غزة، أعلن أن أهدافه تتعلق "بتدمير حركة ’حماس‘ والإفراج عن الرهائن، وليس التطهير العرقي لغزة. لذلك، حين تستقبل مصر هؤلاء الناس تصبح شريكة في عملية التطهير العرقي لغزة".

وأضاف أنه ما لم يستطِع سكان غزة مغادرة القطاع، تتحول عملية التطهير العرقي إلى إبادة جماعية، إذ تقوم إسرائيل  بنقلهم من "منطقة آمنة" مزعومة إلى أخرى، و"يتعرضون للقصف هناك وللتجويع، ويزداد عدد القتلى والجرحى يوماً بعد يوم، والمجاعة تزيد الأمر سوءاً.أما استقبال مصر لهم، فإضافة إلى أنه يمثل مشكلة داخلية طبعاً، وخوف النظام من وجود مليوني فلسطيني على أراضيه، فإنه سيجعلها شريكة في التطهير العرقي، وهذا بالنسبة لي غير منطقي على الإطلاق".

ويؤكد بارتوف أن هناك حاجة إلى الضغط على إسرائيل لاستغلال هذه اللحظة، لا كفرصة للتطهير العرقي لغزة، بل كفرصة للانتقال إلى مسار سياسي. كما أشار إلى أن حركة "حماس" يجب أن تخرج من المشهد السياسي في غزة وألا يكون لها أي دور في حكم القطاع بعد الآن.ولفت إلى أن الحكم في نهاية المطاف يجب أن يكون بيد الفلسطينيين وليس إسرائيل أو أية دولة عربية، "الوحيدون القادرون على ذلك هم الفلسطينيون أنفسهم، وهذه السلطة التي ستكون السلطة الفلسطينية أو نسخة منها، يمكنها حينها التفاوض مع الدول العربية التي يجب أن تكون مشاركة في حماية المكان، ومع الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى نهاية سياسية لهذا الصراع".

7 أكتوبر جريمة حرب

يصنف بارتوف هجوم "حماس" ضد مدنيين إسرائيليين في السابع من أكتوبر 2023، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بينما يسمي ما ارتكبته القوات الإسرائيلية بحق فلسطينيي غزة "إبادة جماعية". وكأستاذ متخصص في قضايا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب أوضح أن الأخيرة، لا يمكن ارتكابها إلا في وقت الحرب، وأهم عناصرها أنها خروقات جسيمة لقوانين وأعراف الحرب. وهناك عنصران مهمان مرتبطان بهذه الحالة، أولاً الاستخدام غير المتناسب للقوة لتحقيق هدف معين، فمثلاً إذا أردت قتل عنصرين أو ثلاثة من ’حماس‘ عن طريق إسقاط قنبلة على مدرسة فيها 200 نازح، فهذا على الأرجح يعتبر استخداماً غير متناسب للذخيرة ويمكن وصفه بجريمة حرب. إذاً، جرائم الحرب مرتبطة بأحداث محددة جداً".

وأضاف أن التهجير القسري يصنف كجريمة حرب، وهو يختلف عن الإخلاء الموقت للسكان بدعوى حمايتهم قبل معركة، إذ يتحول إلى جريمة حرب إذا أجبر السكان على الرحيل ثم منعوا من العودة، وهذا بالضبط ما يقوم به الجيش الإسرائيلي، إذ يخلي السكان ثم يدمر المباني، وفق بارتوف.

ويشرح أن الجرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والإبادة وقتل أعداد كبيرة من الناس والتهجير القسري، أو التعذيب، وهذه لا يشترط أن تحدث في وقت حرب. ولا تحدد بناء على أن الضحايا أبرياء وحسب، بل بالنظر إلى الفعل نفسه ونطاقه.

ويضيف أن الإبادة الجماعية مختلفة، إذ يجب إثبات وجود نية أو أن الأفعال قد ارتكبت بقصد تدمير جماعة معينة. فلا يكون القتل بسبب اللامبالاة بحياة الناس أو لاستهداف بعض المدنيين أو لأي سبب آخر، بل يكون الهدف الرئيس هو تدمير الجماعة بصفتها. ويقول "هذا يمكن أن يتم عن طريق القتل، لكن ليس القتل وحده، بل أيضاً عبر خلق ظروف على الأرض تؤدي إلى تدمير الجماعة، أو اتخاذ إجراءات تمنع ولادة أطفال، مثل تدمير النظام الصحي، مما حدث بالفعل كما أثبتت مجموعة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية، إذ أظهرت أن هناك سياسة متعمدة لتدمير النظام الصحي في كل غزة". ويضيف إنه إذا ثبت وجود هذه النية العليا لتدمير الجماعة، عندها يمكن القول إن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت هناك تندرج تحت هذا التصنيف.

وأوضح أن الإبادة الجماعية هي جريمة ذات تبعات خطرة وفق اتفاق دولي لعام 1948، "الذي يكون ملزماً لجميع الدول الموقعه عليه بما في ذلك دولة إسرائيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبالطبع الولايات المتحدة. وإذا ثبت لديها وقوع إبادة جماعية، فهي ملزمة التحرك لوقفها ومعاقبة من ارتكبها. ولذلك فإن القول إن ما يحدث هو إبادة جماعية له تبعات دولية، كان يجب أن تنفذ، لكنها لم تنفذ."

وحول هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر، أشار إلى أنها هجمات إرهابية، وهي "جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بسبب العدد الكبير من المدنيين الذين قتلوا"، وأضاف أنه يمكن وصفها أيضاً بهجوم يهدف "إلى إبادة جماعية إذا ربطناها بميثاق ’حماس‘ الذي يعود لأواخر الثمانينيات والذي ينص على استبدال دولة إسرائيل بدولة إسلامية". ولفت إلى أن احتجاز الحركة لرهائن إسرائيليين هو أيضاً جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، لكنه يستدرك أن هذا لا يبرر الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين. 

الهدف الحقيقي لحرب غزة

ويرى المؤرخ اليهودي أنه كان بإمكان إسرائيل أن تتبع بصورة متسقة ما أعلنت أنه أهداف حربها المتمثلة في القضاء على "حماس" والإفراج عن الرهائن من دون ارتكاب ما اقترفته. وقال "لو فعلت ذلك، وتوجهت إلى سكان غزة وقالت لهم، ’انظروا، لقد حكمتكم حماس، وهي منظمة ليست جيدة لكم، فرضت حكماً قاسياً عليكم، وشنت هذا الهجوم علينا، ساعدونا على تدمير حماس وإطلاق الرهائن، ومتى انتهى الأمر، سنساعدكم في بناء غزة مختلفة ونظام حكم مختلف، ولكن بيدكم أن تحكموا أنفسكم، ونحن سنساعدكم في ذلك‘، كان ذلك سيكون مشروعاً تماماً".

ويعتقد بارتوف بأن الأهداف التي أعلن عنها في الحرب لم تكُن الأهداف الحقيقية، بل كان الهدف الحقيقي جعل غزة غير صالحة للسكن لسكانها، لطرد الفلسطينيين وتهديم المكان بأكمله وتجهيزه للاستيطان اليهودي.

وأوضح أن نتنياهو انتهج قبل السابع من أكتوبر 2023 سياسة تقوم على إبقاء "حماس" في السلطة بغزة عبر الأموال القطرية، لضمان ذريعة تمنع أية مفاوضات مع الفلسطينيين وتعرقل قيام حكم موحد في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأشار إلى أن هجمات "حماس" نسفت هذه الاستراتيجية، فلم يعُد نتنياهو قادراً على التعامل مع الحركة أو طرح بديل سياسي، مما يجعل تغيير النموذج السياسي ضرورة لا تحل بالقوة العسكرية.

وأكد بارتوف ضرورة إزالة "حماس"، لكنه شدد على وجوب تقديم بديل سياسي بعد ذلك. وقال إن "نتنياهو وحكومته يعتبران فكرة دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة وإعادة إعمارها للفلسطينيين كابوساً لأن ذلك يعني وجود حكم فلسطيني موحد في الضفة وغزة، مما قد يمهد لقيام دولة فلسطينية أو كيان مستقل، وهو ما يعارضانه تماماً. ولو تبنى نتنياهو هذا الخيار لتغير مسار الحرب جذرياً ولحظيت بشرعية سواء في الغرب أو بين الدول العربية". 

هجمات "حماس" جعلت الدولة الفلسطينية مستحيلة

وتزامنت هجمات السابع من أكتوبر مع محادثات في شأن انضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام"، إذ كانت الرياض تشترط أن يتم ذلك ضمن عملية تشمل تنفيذ مبادرة السلام العربية وتسوية على أساس دولتين مع تأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ويقول بارتوف إن "أحد أسباب توقيت هجوم ’حماس‘ هو أن الحركة كانت قلقة من أنه إذا أبرمت إسرائيل اتفاقاً مع السعودية، فسيكون ذلك نهاية القضية الفلسطينية. في حين كانت السعودية تشترط تسوية بالنسبة إلى الفلسطينيين". ويضيف أن "الحكومة الإسرائيلية كانت توحي بوضوح بأنها ستفعل شيئاً ما... فقبل السابع من أكتوبر، إذا عدت ونظرت إلى المفاوضات، كان ذلك شيئاً قد يحدث على المدى الطويل (الدولة الفلسطينية). أما الآن، فأصبح ذلك مستحيلاً".

وعلى رغم التساؤلات الدولية الواسعة منذ بداية الحرب عن اليوم التالي في غزة، يتجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحديث في هذا الشأن. ويقول بارتوف أن الرد على سؤال "اليوم التالي" يعني الحديث إما عن حكم إسرائيلي أو حكم فلسطيني، والأول لا تستطيع إسرائيل تحمله، لذا "الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع هي الاتفاق على حل سياسي، ونتنياهو لن يفعل ذلك، أولاً لأنه ملتزم أيديولوجياً بعدم القيام به، وثانياً لأنه سيخسر حكومته وأخيراً لأن محاكمته قد تتسارع بالفعل... وستكون هناك لجنة تحقيق رسمية في فشل السابع من أكتوبر، وسيكون هو المسؤول الرئيس، وربما ينتهي به الأمر أيضاً في لاهاي. لذلك، هو بحاجة إلى استمرار الحرب، ولا يستطيع الموافقة على أي شيء آخر". 

ما حدث قد حدث

وفي رده على سؤالنا حول النزاع على الأرض، إذ يعتبر العرب والفلسطينيون أن إسرائيل دولة احتلال منذ نشأتها بقرار من الأمم المتحدة عام 1947، قال "هذا سؤال معقد كثيراً. أنا مؤرخ، وأود أن أقول الآتي، أولاً التاريخ، وما يجب أن نفهمه عن التاريخ هو أن الأمور لا يمكن التراجع عنها. لا يمكن عكس التاريخ، فهو ليس فيلماً يمكن عرضه إلى الأمام أو الخلف. ما حدث قد حدث".

وتابع أن الحركة الصهيونية قدمت مطلباً مشروعاً لليهود بأن يكون لهم وطن خاص بهم، وبعد المحرقة وافق المجتمع الدولي إلى حد كبير على هذا المطلب. "لكن هذه الدولة أنشئت، وأنشئت فيها غالبية يهودية في فلسطين، ليس بسبب ملايين المهاجرين من أوروبا فقط لأن معظمهم كانوا مهاجرين شرعيين، بل من خلال التطهير العرقي للفلسطينيين من تلك المنطقة. هذا لا يمكن التراجع عنه". ومع ذلك، يعتقد بارتوف بأنه لا يزال في الإمكان إيجاد طريقة لإسرائيل لتتصالح مع حقيقة وجود ملايين من المجموعتين يعيشون في المكان نفسه، ويجب أن تكون لهم حقوق وكرامة متساوية، وأن تتوصل إلى طريقة سياسية للعيش جنباً إلى جنب.

ويردف "إذا كان هذا اتفاقاً، فسيكون عادلاً، بقدر ما يمكن أن يكون، وعادلاً ومتساوياً. أعتقد بأن معظم الدول العربية اليوم سترحب به. علينا أن نقبل أن الحكومات العربية ليست بالضرورة ممثلة للشعوب في المنطقة، وأنا متأكد أيضاً من وجود معارضة لذلك. ولكن أعتقد على المدى البعيد، إذا نجح ذلك، فستُقبل إسرائيل ويجب أن تقبل كجزء من تلك المنطقة، وليس فقط كمنطقة منفصلة أو نقطة حدودية".

ويقول بارتوف إن حكومة نتنياهو لا تمارس عنفاً كبيراً ضد الفلسطينيين وحسب، بل إن النظام في إسرائيل نفسه يتغير أمام أعيننا، ويصبح أقل ديمقراطية وأكثر استبدادية وقمعاً لسكانه، حتى من المواطنين اليهود. "النظام القضائي يتآكل، وأخشى أن إسرائيل لن تتمكن من أن تقدم نفسها للغرب على أنها منارة ديمقراطية في الشرق الأوسط لأنها تفقد بالضبط هذه الصفات التي يدعمها حلفاؤها الغربيون".

الحركة الصهيونية

بينما تردد حديث مؤرخ الـ"هولوكوست" عن الصهيونية ونواياها الأولى التي كانت تهدف إلى تأسيس دولة تحمي اليهود بعد ما تعرضوا له من إبادة من قبل النازية وقتل الملايين منهم، طرحنا السؤال حول حقيقة تلك الحركة التي ينظر إليها في العالم العربي على أنها أصل الاحتلال. وفي هذا الصدد كشف بارتوف عن أنه بصدد إصدار كتاب بعنوان "إسرائيل: ما الخطأ؟" في أبريل (نيسان) المقبل، يناقش ضمنه "كيف يمكن أن الصهيونية التي كانت في نظري بداية حركة تحرر وانعتاق، ونداء للإنسانية والكرامة في أوروبا لأن اليهود كانوا أقلية مضطهدة، تحولت بعد تأسيس دولة إسرائيل إلى أيديولوجيا الدولة التي أصبحت أكثر قومية عرقية وأكثر استبعادية وأكثر قمعاً، والآن أصبحت أيضاً متحيزة وعنيفة؟". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ويعتقد بارتوف بأن "الصهيونية مثل كل القوميات الأخرى، بما في ذلك القوميات العربية أيضاً، كانت تهدف إلى منح الناس حقوقاً، حقوقاً متساوية... تحقيق سيادة القانون واختيار من يتخذ القرارات نيابة عنهم والسعي إلى الكرامة، سواء كان ذلك لليهود المضطهدين أو أية مجموعة أخرى. ولكن عند نقطة معينة عام 1948، تغير هذا. وكان هذا التغيير التدريجي دائماً قابلاً للعكس".

التطهير العرقي في ناغورنو قره باغ

وتحدث بارتوف خلال لقائه معنا عن جرائم إبادة جماعية أخرى ومن بينها ما ارتكبته أذربيجان قبل أعوام قليلة بحق سكان إقليم ناغورنو قره باغ، الأرمن. ويقول إنه "من المثير للاهتمام أن هذا كان قبل السابع من أكتوبر، وكانت إسرائيل في الواقع منضوية في تسليح أذربيجان وتزويدها بالخبرة في هذا الأمر، وهو أمر محزن بالنظر إلى مصير الأرمن منذ عام 1915 وإلى الإبادة الجماعية للأرمن. كانت هذه عملية تطهير عرقي". 

 وشهد إقليم ناغورنو قره باغ عام 2023 عملية تهجير قسري واسعة نفذتها أذربيجان بحق السكان الأرمن، ووصفتها منظمات حقوقية بأنها تطهير عرقي. وجاءت العملية عقب هجوم عسكري سريع، فرضت بعده باكو حصاراً خانقاً قطع الإمدادات الغذائية والطبية، مما دفع أكثر من 100 ألف مدني إلى الفرار نحو أرمينيا في غضون أيام. وفقد السكان منازلهم وأراضيهم ومؤسساتهم، وسط تدمير البنية التحتية ومحاولة محو الهوية الثقافية الأرمينية في المنطقة. وأنهت هذه العملية الوجود التاريخي للأرمن في الإقليم، وأثارت إدانات دولية واسعة ومطالب بإجراءات لمحاسبة المسؤولين عنها.

ويشير بارتوف إلى أن الاهتمام الغربي بالإبادة التي ارتكبتها أذربيجان ضد الأرمن يتعلق بالمصلحة، إذ ليست لدى الغرب مصلحة في هذا الصراع سوى النفط. ويقول "أذربيجان لديها كثيراً لتقدمه من ناحية النفط، بينما لدى أرمينيا قليل جداً لتقدمه. هذه هي سياسة القوة، ومن الأسهل تطبيقها في تلك المنطقة لأنه إذا سألت معظم الأميركيين والأوروبيين عن ناغورنو قره باغ، فلن يكونوا سمعوا بالمكان أصلاً. لذا، من الواضح أن سياسة القوة تسهل ممارستها أكثر في المناطق التي لم يسمع بها أحد. وهذا يذكرني قليلاً بما حدث في رواندا قبلاً". وشهدت رواندا عام 1994  جريمة إبادة جماعية بحق أقلية "التوتسي".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات