ملخص
المؤرخ الإسرائيلي أومير باتوف يرى أن ما تفعله إسرائيل في غزة بات يطابق تعريف الإبادة الجماعية، مستنداً إلى نية معلنة وأفعال ممنهجة لتدمير الجماعة الفلسطينية. ويحذر من أن الصمت الدولي يقوّض أخلاقيات القانون الدولي ويفرغ دروس الهولوكوست من معناها.
في سياق الجدل الدولي حول طبيعة ما يجري في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قدم أستاذ دراسات الهولوكوست المؤرخ أومير بارتوف، وهو إسرائيلي - أميركي، أطروحة شديدة الوضوح والصراحة، يجادل فيها بأن أفعال إسرائيل في غزة لم تعد مجرد «حرب» أو حتى «جرائم حرب»، بل إنها تقترب من تعريف الإبادة الجماعية كما صاغته الأمم المتحدة عام 1948.استند بارتوف إلى عناصر أساسية لدعم أطروحته، التي نشرها أخيراً في "نيورك تايمز" الأميركية، وبناها على قواعد رئيسة، قال إنه تمرس على إسقاط الأحداث الشبيهة عليها، وهو المتخصص في هذا الحقل لعقود في جامعة "براون" الأميركية.
النية الواضحة والمعلنة
يرى بارتوف أن ما يميز الإبادة الجماعية عن غيرها من الجرائم الدولية هو النية المعلنة لتدمير جماعة بشرية بصفتها كذلك، ويشير إلى سلسلة من التصريحات العلنية الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤولين سياسيين وعسكريين، التي تضمنت دعوات إلى «محو غزة» و«القضاء على السكان» ووصم الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية» و«عماليق» (وهو مصطلح توراتي يحض على إبادة جماعية). هذا، بنظره، ليس مجرد «خطاب حرب»، بل إعلان نوايا يذكر بخطابات الإبادة التي سبقت حملات مماثلة في التاريخ، مثل إبادة الأرمن والهولوكوست.
نمط العمليات العسكرية والميدانية
أكد بارتوف أن تدمير البنية التحتية في غزة بصورة منهجية وشاملة، بما في ذلك مساكن المدنيين والمستشفيات والجامعات والمساجد وشبكات المياه والصرف الصحي والمزارع، يتجاوز هدف «القضاء على حماس»، ويتجه نحو جعل الحياة في غزة مستحيلة. وأشار إلى أن تهجير السكان مراراً، من رفح إلى المواصي إلى مناطق أصغر فأصغر، تحت القصف والجوع، يعكس سياسة تقويض الجماعة الفلسطينية كجماعة قادرة على البقاء.
الربط بين الخطاب والفعل
حجته المركزية أن النية يمكن أن تستنتج ليس فقط من التصريحات بل من اتساق الفعل الميداني معها، بمعنى أن التدمير المنهجي وحرمان الفلسطينيين من الغذاء والدواء والمياه النظيفة ونسبة القتلى العالية بين الأطفال والمدنيين، تشكل دليلاً عملياً على تلك النية.
النقد للإنكار والتقاعس الدولي
لفت بارتوف إلى أن التردد الدولي في الاعتراف بأن ما يحدث إبادة جماعية يهدد صدقية القانون الدولي وأخلاقية دراسات الهولوكوست نفسها، التي نشأت على أنه «لن يتكرر أبداً». وأشار إلى أن استخدام إسرائيل للهولوكوست كتبرير لسلوكها الحالي هو تشويه لتلك الذكرى، وتحويل لها من درس أخلاقي للإنسانية إلى ذريعة للقمع.
تداعيات أخلاقية وسياسية
شدد بارتوف على أن مواصلة إسرائيل لهذه السياسات تجعلها تنزلق نحو هوية دولة فصل عنصري استبدادية تحمل وصمة الإبادة، مؤكداً أن هذا المسار، إن لم يوقف، سيترك أثراً لا يمحى على صورتها وعلى النظام الدولي بأسره.
دعوة للتعامل بإنصاف وشجاعة
ختم بارتوف بالتحذير من أن الصمت أو الاتهام بمعاداة السامية لكل من يصف الأحداث بأنها إبادة جماعية، يقوض ليس فقط التضامن مع ضحايا غزة، بل كذلك صدقية مجمل الدراسات والأبحاث حول الإبادة الجماعية، داعياً إلى شجاعة أخلاقية للاعتراف بما يجري والعمل على وقفه.إجمالاً يرى أومير باتوف أن ما يحدث في غزة يجسد النمط الكلاسيكي للإبادة الجماعية: نية معلنة، وأفعال منهجية ومتكررة لتدمير الجماعة الفلسطينية، وتدمير شامل للحياة المدنية والبنية التحتية، وحرمان السكان من القدرة على البقاء، وكل ذلك تحت غطاء خطاب شيطنة، وتحريض يقوض الضمير الإنساني ويهدد القيم التي نشأت عليها دراسات الهولوكوست نفسها. يأتي ذلك في وقت تدعي إسرائيل أنها تقوم بذلك تحت غطاء واجب الدفاع عن النفس واستهداف "حماس"، إلا أن منظمات دولية عدة ووسائل إعلام وثقت شهادات تفيد بأن استهداف قوائم انتظار المساعدات الغذائية وسيارات الإسعاف لا يمكن تبريرها مطلقاً.
وكان المؤرخ الإسرائيلي ذكر في مقالته أن تقييمه جاء بعد تأن وحذر شديدين "فبعد شهر من هجوم حماس على إسرائيل، كنت أعتقد بوجود أدلة على ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب، وربما جرائم ضد الإنسانية، في هجومه المضاد على غزة، لكن خلافاً لصيحات أشد منتقدي إسرائيل، لم يبد لي أن الأدلة ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية"، إلا أن التطورات التي جاءت بعد ذلك بحسب قوله دفعته إلى تقديم شهادته الجديدة كمؤرخ.